مراقبون: سيطرة طالبان على أفغانستان تلحق ضررا بصورة واشنطن

الولايات المتحدة ستحيي الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول/سبتمبر، التي كانت وراء الغزو الأميركي لأفغانستان، فيما حركة طالبان تعود مجددا إلى الحكم، رغم الكلفة العالية جدّاً التي تكبّدتها الولايات المتحدة، بمقتل 2500 جندي وإنفاق تريليوني دولار

مراقبون: سيطرة طالبان على أفغانستان تلحق ضررا بصورة واشنطن

بايدن يتابع التطورات في أفغانستان من البيت الأبيض، الليلة الماضية (أ.ب.)

بسيطرة حركة طالبان الخاطفة على أفغانستان، تنتهي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها، بعد عقدين، بشكل يتوقع أن يلحق ضررا كبيرا بصورة واشنطن.

وأعلنت وزارة الخارجيّة الأميركيّة أنّ العلم الأميركي سُحب اليوم، الإثنين، من سفارة الولايات المتحدة في كابول، مشيرة إلى أنّ "جميع" أفراد طاقم السفارة تقريباً باتوا في المطار بانتظار إجلائهم، بعد ساعات على دخول حركة طالبان إلى العاصمة.

كما شدّدت الولايات المتحدة و65 دولة، في بيان مشترك، على أنّ المواطنين الأفغان والأجانب الراغبين في مغادرة أفغانستان "يجب أن يُسمح لهم بذلك"، موجّهةً تحذيراً إلى حركة طالبان من أنّه ستكون هناك محاسبة في حال ارتكاب أيّ انتهاكات.

وبعد الانهيار السريع للحكومة الأفغانيّة في كابل أمس، الأحد، سيتمّ إحياء الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول/سبتمبر، التي كانت وراء الغزو الأميركي لأفغانستان فيما حركة طالبان تُسيطر مجدّداً على هذا البلد رغم الكلفة العالية جدّاً التي تكبّدتها الولايات المتحدة، مع مقتل 2500 جندي أميركي وإنفاقها أكثر من تريليوني دولار.

ويرى مراقبون أنّ الهزيمة التي تلت انسحاب القوّات الأميركيّة ستضعف الولايات المتحدة على الساحة الدوليّة، في وقتٍ يتحدّث فيه الرئيس جو بايدن عن تعبئة صفوف الدول الديمقراطيّة في مواجهة الصين.

مقاتلو طالبان في القصر الرئاسي في كابل، أمس (أ.ب.)

واعتبر سفير باكستان السابق في الولايات المتحدة، حسين حقاني، أنّ "صدقيّة الولايات المتحدة بصفتها حليفاً تراجعت بسبب الطريقة التي تمّ فيها التخلّي عن الحكومة الأفغانيّة، بدءاً بمحادثات الدوحة"، في إشارة إلى الاتّفاق المبرم العام الماضي في العاصمة القطرية مع حركة طالبان، وحدّدت فيه واشنطن جدولاً زمنيّاً لانسحابها من أفغانستان.

وأشار حقاني، الباحث في "هادسن إنستيتوت"، إلى أنّ الدبلوماسيين الأميركيين كانوا عاجزين في النهاية ويكتفون بإرسال تغريدات إلى حركة طالبان لحثّها على التوقّف. وأضاف أنّ "خداع مبعوثي أقوى دولة في العالم، كما حصل في الدوحة، وتجاهل مسؤوليها بهذه السهولة، كما حصل في الأيام الأخيرة، سيُشجّع آخرين على اعتماد دبلوماسيّة مزدوجة".

ويواجه بايدن انتقاداً لاذعاً على خلفيّة سوء إدارة الانسحاب، مع مسارعة الولايات المتحدة إلى إخلاء سفارتها الكبيرة، بعد شهر فقط على تقليل الرئيس الأميركي من احتمال انهيار الحكومة الأفغانية بسرعة.

وقالت ليز تشيني، وهي من صقور الجمهوريّين، إنه "ستكون لذلك تشعّبات، ليس فقط على صعيد أفغانستان". وأضافت في مقابلة مع محطة "إيه بي سي" التلفزيونيّة، أن "خصوم الولايات المتحدة يدركون أنّ بإمكانهم تهديدنا، فيما حلفاؤنا يتساءلون هذا الصباح إذا كان بإمكانهم الاعتماد علينا بأيّ شيء".

من جانبها، سارعت إدارة بايدن إلى الإشارة إلى أنّ الرئيس السابق، دونالد ترامب، هو من أشرف على مفاوضات اتّفاق الدوحة بشأن الانسحاب، وأنّ غالبيّة الرأي العام الأميركي تؤيّد إنهاء "الحروب التي لا تنتهي".

وقال وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، لمحطة "إيه بي سي" أيضاً، إنّ الولايات المتحدة "نجحت" في مهمّتها الأساسيّة في محاكمة مَن يقف في تنظيم القاعدة وراء هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.

وأضاف بلينكن أن "ما من شيء يُريح منافسينا الإستراتيجيّين، سوى رؤيتنا عالقين في أفغانستان لخمس أو عشر أو عشرين سنة إضافيّة. هذا لا يصبّ في إطار المصلحة الوطنية".

ودعا ترامب، الليلة الماضية، بايدن إلى الاستقالة على خلفية انتصار حركة طالبان في أفغانستان، ولكن أيضًا بسبب ما اعتبر أنه سوء إدارة بايدن لملفات أخرى مثل جائحة كورونا. وكتب ترامب في بيان أنه "حان الوقت كي يستقيل جو بايدن" بسبب "عار ما سمح بحدوثه في أفغانستان جنبًا إلى جنب مع الارتفاع الهائل (في الإصابات) بكورونا، وكارثة الحدود، وتدمير استقلال الطاقة، واقتصادنا المُعَطّل".

قوات أميركية لدى وصولها إلى كابل، أمس (أ.ب.)

وسارعت الصين، التي تعتبرها إدارة بايدن التحدّي الأبرز لواشنطن، إلى الردّ، مع نشر صحيفة "غلوبال تايمز" القوميّة العامّة تحليلاً مفاده أنّ أفغانستان أظهرت أنّ واشنطن "شريك لا يمكن الاتّكال عليه، يتخلّى دائماً عن شركاء أو حلفاء سعياً إلى مصالحه الخاصّة".

إلا أنّ ريتشارد فونتاين، المدير التنفيذي لمركز "سنتر فور إيه نيو أميريكن سيكيورتي"، رأى أنّ التفكير بأنّ الصين ستجرؤ على التحرّك باتّجاه تايوان التي تعتمد على الأسلحة الأميركيّة، تبسيط للأمور. وأضاف أنّه في المقابل، قد ترى الصين في الثمن العالي الذي تدفعه الولايات بعزمها على الانسحاب من أفغانستان، مؤشّراً إلى جدّية واشنطن لتحويل انتباهها إلى المحيط الهادئ.

لكنّ فونتاين الذي عارض الانسحاب، قال إنّ الولايات المتحدة تجازف كثيراً بتنازلها عن أفغانستان لصالح طالبان التي لم تقطع يوماً بشكل رسميّ علاقتها بتنظيم القاعدة. وأوضح أنه "الآن، مع تولّي طالبان إدارة البلاد على الأرجح، أظنّ أنّ احتمال حصول تهديد إرهابي عالٍ جدّاً. وفي حال تأكّد ذلك، قد يزيد من تشتيت تركيزنا على التحدّيات الاستراتيجية الأكبر في الصين".

وشدّد بعض واضعي السياسات على الإبقاء على قوة عديدها 2500 عسكري في أفغانستان، إلا أنّ بايدن اعتبر أنّ الحرب انتهت وينبغي عدم المجازفة بحياة عدد أكبر من الأميركيّين.

التعليقات