"البوتيك الدبلوماسي" وفرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني

بعد سلسلة جولات من المباحثات غير المباشرة المعلقة منذ حزيران/ يونيو الماضي، تسعى الدبلوماسية الغربية إلى التقدم باتجاه التوصل إلى تفاهم بين طهران وواشنطن يعيد إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.

(أ ب)

بعد سلسلة جولات من المباحثات غير المباشرة المعلقة منذ حزيران/ يونيو الماضي، تسعى الدبلوماسية الغربية إلى التقدم باتجاه التوصل إلى تفاهم بين طهران وواشنطن يعيد إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، والذي انسحبت منه واشنطن أحاديا عام 2018.

وتتجه الأنظار إلى الاجتماع السنوي الذي تعقده الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع المقبل، والذي قد يقدم بعض الإشارات على التوجهات المقبلة بشأن النووي الإيراني، إذ سيشكّل فرصة لحضور أول على المستوى الدولي لحكومة الرئيس الإيراني الجديد، المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي.

بعد تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية خلفا لدونالد ترامب في كانون الثاني/ يناير الماضي، بدأت طهران والقوى الكبرى التي ما زالت منضوية في اتفاق فيينا (بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، ألمانيا)، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات في العاصمة النمساوية تهدف إلى إحياء اتفاق العام 2015.

إبراهيم رئيسي (أ ب أ)

وكان ترامب قد قرر سحب بلاده أحاديا في 2018 من الاتفاق المبرم في عهد سلفه باراك أوباما، معتبرا أنه كان غير كافٍ ولا يتطرق إلى قضايا أخرى مثيرة للجدل مع إيران، بينها نفوذها الإقليمي ودعمها لمجموعات مسلحة تشكل تهديدا لحلفاء واشنطن مثل تل أبيب والرياض.

وأتاح الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة، رفع العديد من العقوبات التي كانت مفروضة على الجمهورية الإسلامية، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. إلا أن ترامب أعاد بعد الانسحاب فرض العديد من العقوبات التي طاولت قطاعات اقتصادية إيرانية شتى من أبرزها تصدير النفط.

وشهدت فيينا ست جولات من المباحثات بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو. وأكد الأطراف المشاركون تحقيق تقدم، لكن من دون التوصل إلى تفاهم نهائي. وفيما تشدد طهران على ضرورة رفع كل العقوبات التي فرضت أو أعيد فرضها في عهد ترامب، تصرّ إدارة بايدن على استعدادها لرفع العقوبات المتعقلة بالملف النووي حصرا.

وشدد رئيسي الذي تولى منصبه رسميا في آب/ أغسطس الماضي، على دعمه أي مبادرات دبلوماسية تؤدي إلى رفع العقوبات، إلا أنه أكد ضرورة أن تحقق المباحثات المصالح الوطنية، رافضا التفاوض لمجرد التفاوض.

وفي ما عده محللون إشارة تشدد حيال الغرب، أعفت إيران في الأيام الماضية كبير مفاوضيها النوويين عباس عراقجي من منصبه الوزاري، كنائب لوزير الخارجية، وعيّنت بدلا منه علي باقري الذي سبق أن أدلى بمواقف منتقدة للاتفاق وما يعتبرها تنازلات قدمتها حكومة الرئيس السابق، المعتدل حسن روحاني، في المجال النووي.

ويلقي رئيسي، الثلاثاء المقبل، خطابه الأول عبر منصة دولية، متوجها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر تقنية الاتصال المرئي، حاله كحال العديد من الرؤساء والقادة الذين لن يحضروا الاجتماعات بشكل مباشر في ظل الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا.

وسيترأس الوفد الإيراني في نيويورك، وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، من دون أن يكون له أي لقاء مجدول مع مسؤولين أميركيين، في ظل العلاقات المقطوعة بين البلدين.

وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس-غرينفيلد، "لم نعدّ أي خطط مباشرة للقاءات ثنائية خلال وجودهم هنا، لكن هذا لا يعني أننا لا نرى قيمة لإجراء مباحثات مع الإيرانيين".

وكما في حال المباحثات النووية، يتوقع أن يشكل دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى مثل روسيا، صلة الوصل بين الإيرانيين والأميركيين.

وأكد المبعوث الأميركي الخاص لإيران، روب مالي، أنه عقد لقاءات "بناءة" مؤخرا في موسكو بشأن الملف النووي الإيراني.

وألمح أمير عبد اللهيان في أواخر آب/ أغسطس الماضي، إلى أن مباحثات فيينا قد لا تستأنف قبل شهرين أو ثلاثة، في حين يتوقع مراقبون أن يعود الأطراف المعنيون إلى طاولة المفاوضات قبل انقضاء تلك الفترة الزمنية.

لكن إحدى نقاط الاستفهام العالقة ترتبط بما إذا كان الإيرانيون سيستأنفون التفاوض بناء على الخطوط العامة ذاتها للمباحثات السابقة، أو سيكونون أكثر تشددا في ظل الحكومة الجديدة ذات التوجهات المختلفة عن الحكومة السابقة في عهد روحاني.

ويرى الباحث في الشأن الإيراني لدى مجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، إن "الولايات المتحدة قريبة جدا من حدودها القصوى. لا أعتقد أنه يتبقى أمام إدارة بايدن هامش واسع للمناورة (...) لذا في حال يسعى الإيرانيون إلى مقايضة أكبر، فذلك سيكون بمثابة صيغة للوصول إلى حائط مسدود".

ويعتبر مراقبون أنه كلما طالت فترة الانتظار، كلما أصبحت إيران أقرب لامتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي في حال رغبت بذلك، وهو ما نفت طهران مرارا سعيها إلى تحقيقه.

وخلال زيارة إلى ألمانيا مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، حذّر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من أن الوقت ينفد أمام إيران للعودة إلى احترام التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، والتي كانت تراجعت عن غالبيتها ردا على الانسحاب الأميركي.

(أ ب)

وقال بلينكن: "لن أحدد موعدا لكننا نقترب من مرحلة تصبح معها العودة الصارمة للامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة، لا تعود بالفوائد التي حققها الاتفاق".

كما يرصد الغربيون عن كثب التعاون بين إيران ومفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وزار المدير العام للوكالة، رفاييل غروسي، طهران، هذا الشهر، حيث تم الاتفاق مع الجانب الإيراني على السماح للمفتشين بدخول منشآت نووية لصيانة معدات مراقبة، وذلك في الإطار العام لاتفاق تقني موقت توصل إليه الجانبان مذ قررت الجمهورية الإسلامية في شباط/ فبراير الماضي الحد من نشاط المفتشين في ظل استمرار العقوبات الأميركية.

التعليقات