أزمة الغواصات الأسترالية: باريس يحركها الغضب ومعزولة في مواجهة واشنطن

تخوض فرنسا رهانا خطيرا بينما لا تتعجل دول أخرى للوقوف إلى جانبها في أزمتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عبر اختيارها المواجهة المفتوحة مع واشنطن

أزمة الغواصات الأسترالية: باريس يحركها الغضب ومعزولة في مواجهة واشنطن

(أ ب)

تخوض فرنسا رهانا خطيرا بينما لا تتعجل دول أخرى للوقوف إلى جانبها في أزمتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عبر اختيارها المواجهة المفتوحة مع واشنطن إثر خسارتها عقدا ضخما لبيع غواصات إلى أستراليا.

وبعدما انسحبت أستراليا من اتفاقها مع باريس لشراء غواصات تقليدية لصالح تلك الأميركية التي تعمل بالدفع النووي، قامت فرنسا بخطوة استثنائية فاستدعت سفيريها من واشنطن وكانبيرا للتشاور.

وفي هذا السياق، يعقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعا في وقت لاحق اليوم، الإثنين، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناقشة الاتفاق الأمني الأسترالي - الأميركي -البريطاني الذي دفع بكانبيرا إلى إلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا.

وقال الناطق باسم الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، "هذه أول فرصة لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لمناقشة تداعيات وعواقب الاتفاق برمته؛ لا المشكلة بين فرنسا وأستراليا فحسب، بل تداعيات التحالف الأسترالي - البريطاني - الأميركي برمّته".

لخوض مواحهة دبلوماسية... عليك أن تعرف أين المخرج

ويقول الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس، برتران بادي، إن فرنسا وضعت نفسها في موقف لا يمكن لها أن تبدو من خلاله إلا وكأنها تتراجع أو تخسر ماء وجهها فور عودة سفيرها إلى الولايات المتحدة، حليفتها التاريخية.

ويؤكد أنه "عندما تدخل في أزمة كهذه، فالأفضل لك أن تعرف أين المخرج".

وأعلنت أستراليا أنها ارتأت بأن الغواصات النووية تمثّل خيارا أفضل بالنسبة إليها يضمن تفوقها البحري، فيما أعلنت عن تحالف ثلاثي جديد مع الولايات المتحدة وبريطانيا ينظر إليه بشكل واسع على أنه يستهدف الصين، التي شكّل اتساع نفوذها أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.

الإعلان عن التحالف الأميركي الأسترالي البريطاني (أ ب)

ومن المقرر أن يعقد الرئيس الفرنسي، الذي التزم الصمت علنا، محادثات مع بايدن في الأيام المقبلة. في حين خرج وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، عن الأعراف الدبلوماسية واللغة المعهودة بين الدول الصديقة متحدّثا عن "كذب" و"ازدواجية" ومتّهما أستراليا بـ"طعن (فرنسا) في الظهر".

ولم يتم حتى الآن الإعلان عن أي لقاء مرتقب على جدول أعماله على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المرتقبة، الأسبوع الجاري، في نيويورك، مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي يتحدث الفرنسية بطلاقة ويعرف بحبه لأوروبا.

ومع عقد بلغت قيمته 50 مليار دولار أسترالي (36,5 مليار دولار أميركي، 31 مليار يورو) لدى التوقيع عليه سنة 2016، قد يوصل الغضب الفرنسي رسالة إلى قطاع الصناعات الدفاعية النافذ في البلاد رسالة مفادها أن القادة السياسيين يضغطون لصالحه.

لكن التأثير الدبلوماسي يبقى أقل وضوحا وأفقا، إذ تبدو فرنسا في عزلة مع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولا تبدي الدول، حتى ألمانيا، القوة الحليفة في الاتحاد الأوروبي، التي تجري انتخابات الأحد المقبل، أي حماسة للتدخل. واكتفت الحكومة بالإشارة إلى أنها أخذت علما بالخلاف.

"إدارة بايدن تفتقد لإستراتيجية حيال أوروبا"

وأفادت خبيرة العلاقات عبر الأطلسي لدى معهد "بروكينغز"، سيليا بلين، أنه بإمكان فرنسا أن تقنع الدول الأوروبية الأخرى بأن إدارة بايدن تفتقد لإستراتيجية حيال أوروبا. وأضافت "على فرنسا مشاركة هذا التقييم مع حلفاء أوروبيين وطرحه على طاولة البحث مع الأميركيين للتوصل إلى حلول".

السفير الفرنسي لدى أستراليا (أ ب)

وبينما احتفت معظم الدول الأوروبية بفوز بايدن على سلفه، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية، إلا أن الرئيس الأميركي تعرّض لانتقادات من حلفائه الأوروبيين على خلفية عملية سحب الجنود الأميركيين من أفغانستان، التي وصلت على إثرها طالبان بشكل سريع إلى السلطة بعد حرب دعمها حلف شمال الأطلسي استمرت 20 عاما.

وأما النقطة الخلافية الأخرى، فتتمثل بالإبقاء على الحظر المفروض على معظم الأوروبيين على السفر إلى الولايات المتحدة من جرّاء انتشار جائحة كورونا، رغم أن الاتحاد الأوروبي الذي تعتمد العديد من بلدانه على السياحة كمصدر دخل، خفف الشروط المفروضة على الأميركيين للدخول إلى دوله.

المطلوب: "خطوات جرئة"

ويرى المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، ماكس برغمان، من "مركز التقدّم الأميركي" ذي الميول اليسارية، أن على بايدن القيام "بخطوات جريئة لإصلاح العلاقات مع فرنسا منعا لخروج الخلاف عن السيطرة".

وأشار إلى أنه بإمكان بايدن أن يدعو ماكرون إلى البيت الأبيض ويدعم رؤية الرئيس الفرنسي في ما يتعلّق بقوة دفاعية أوروبية والتحرّك لرفع حظر السفر. وقال برغمان: "تكمن الخطورة في أن هذه الحادثة تسمم البئر وتقلب رأسا على عقب التعاون في كافة المجالات الأساسية من حلف الأطلسي والتعاون التجاري والتقني وتطوير نهج موحّد حيال الصين وروسيا"، فيما شدد في الوقت ذاته على أن التحالف يصب في مصلحة أمن أستراليا.

وسبق أن أثار بايدن كذلك حفيظة قادة شرق أوروبا عبر إلغائه معظم العقوبات المرتبطة بخط أنابيب الغاز بين روسيا وألمانيا "نورد ستريم 2" الذي يشير معارضوه إلى أنه سيفسح المجال لموسكو لممارسة ضغوط جديدة على الدول الأصغر.

وذكرت إدارة بايدن أنها اتّخذت القرار جزئيا من أجل ضمان المحافظة على علاقات قوية مع ألمانيا. وقال الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس، بادي: "لم تكن أوروبا يوما منقسمة إلى هذا الحد حيال خياراتها المرتبطة بالسياسة الخارجية".

كما لا ينوي لودريان عقد لقاء ثنائي مع نظيرته البريطانية الجديدة، ليز تروس، فيما ألغت فرنسا لقاءات كانت مقررة الأسبوع الجاري مع وزير الدفاع البريطاني.

وأكد الخبير فرانسوا هايزبورغ من "مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية" ومقرها باريس "لديهم الحق في أن يشعروا بالغضب"؛ وأضاف "الخطر بالنسبة لفرنسا هو في أن يحرّكها الغضب من الآن فصاعدا".

التعليقات