"سياق دبلوماسيّ مشدود"... باريس تشدّد ضغوطها تجاه المغرب العربيّ

شدّدت فرنسا ضغوطها تجاه بلدان المغرب العربي بإعلانها الثلاثاء، تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنيها، في حين تشهد العلاقات بعض التوتر مع هذه البلدان. وبررت باريس خطوتها بدعوى رفض هذه الدول إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لإعادة مهاجرين غير نظاميين

فرع لشركة الخطوط الجوية الملكية المغربية في الجزائر (أ ب)

شدّدت فرنسا ضغوطها تجاه بلدان المغرب العربي بإعلانها الثلاثاء، تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنيها، في حين تشهد العلاقات بعض التوتر مع هذه البلدان. وبررت باريس خطوتها بدعوى رفض هذه الدول إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لإعادة مهاجرين غير نظاميين متواجدين على الأراضي الفرنسية.

وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، غابريال أتال لإذاعة "أوروبا 1"، إنه سيتم تشديد منح التأشيرات في غضون أسابيع قليلة لمواطني المغرب والجزائر وتونس التي "ترفض" إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لعودة المهاجرين المرَحّلين من فرنسا.

وأضاف أتال "إنه قرار صارم، قرار غير مسبوق، لكنه صار ضروريا لأن هذه الدول لا تقبل باستعادة رعايا لا نرغب بهم ولا يمكننا إبقاؤهم في فرنسا".

وجاء تصريح أتال ليؤكد ما أوردته الإذاعة التي تحدثت عن التوجه نحو خفض عدد التأشيرات الصادرة لمواطني المغرب والجزائر بنسبة 50% ولمواطني تونس بنسبة 33%.

وإثر ذلك، قال وزير خارجية المغرب، ناصر بوريطة خلال مؤتمر صحافي بالرباط إن المغرب "أخذ علما بهذا القرار الذي نعتبره غير مبرر". وأكد أن الرباط سوف "تتابع الأمر عن قرب مع السلطات الفرنسية".

وزير خارجية المغرب، بوريطة (أ ب)

وتزعم الحكومة الفرنسية أنها كانت صبورة بما يكفي منذ المفاوضات الأولى في 2018 حول هذا الموضوع. وفي حين يتهمها اليمين واليمين المتطرف بعدم ترحيل أعداد كافية من المهاجرين، فإنها تحمِّل البلدان الثلاثة مسؤولية ذلك. وقال أتال بهذا الصدد: "كان هناك حوار، ثم كانت هناك تهديدات. اليوم نضع هذا التهديد موضع التنفيذ".

ويأتي إعلان خفض التأشيرات في اليوم الذي عرضت فيه المرشحة الرئاسية اليمينية المتطرفة، مارين لوبن مسودة مشروعها لاستفتاء الهجرة. وقالت لوبن في تغريدة عبر "تويتر": "منذ كانون الثاني/ يناير، لم تنفذ 99,8% من قرارات الترحيل إلى الجزائر. وانتظرت الحكومة حتى أيلول/ سبتمبر للتحرك بشأن منح التأشيرات".

وقالت مديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي، بياتريس إيبو، وهي متخصصة بشؤون المغرب: "نحن في حملة انتخابية. هناك سباق يتجه يمينًا... لقد شهدنا على الدوام توترات حول سياسات الهجرة. لكنها تُدار دبلوماسيا، من دون الكثير من الدعاية"، واصفة الإعلان الحكومي بأنه "صادم" و "لأغراض انتخابية".

سياق دبلوماسيّ مشدود

وقال فنسان جيسير، الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي والمتخصص في العالم العربي والإسلامي، إن الإعلان يأتي في "سياق دبلوماسي مشدود"، والتصريحات "غير المناسبة" لن تساعد.

وتابع: "هذه الكلمات القاسية ستسبب الكثير من الاستنكار في منطقة المغرب" بينما ساد قبل ذلك "تفاهم جيد" حول قضايا الهجرة والإرهاب.

وتطغى على العلاقات بين باريس والرباط قضية "بيغاسوس"، وهو اسم برنامج التجسس الذي صممته شركة "أن اس أو غروب" الإسرائيلية والذي اتُهم المغرب باستخدامه، وهو ما نفته الرباط، مما أدى إلى إطلاق الكثير من الدعاوى القانونية، وبضمنها في فرنسا.

الرئيس الفرنسي، ماكرون (أ ب)

كذلك، ما زالت العلاقات مع الجزائر معقدة، فقد دعا الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون مجددًا في حزيران/ يونيو، إلى الاعتراف بالأحداث التي وقعت إبان استعمار فرنسا للجزائر، في حين قام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في الأشهر الأخيرة بسلسلة من الإجراءات الرمزية فحسب، بما في ذلك في مطلع أيلول/ سبتمبر.

وما يزيد السياق الدبلوماسي تعقيدا قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب بسبب قضية الصحراء الغربية. وهو ملف تدعو فيه باريس إلى "الحوار" من أجل "الاستقرار" في منطقة المغرب العربي.

ومع تونس، شددت فرنسا حتى الآن على "ضرورة الحفاظ على الهدوء ودولة القانون" بعدما جمد الرئيس، قيس سعيد البرلمان، وأقال الحكومة ثم عمد إلى تعزيز سلطاته التنفيذية بما يتيح له إصدار القوانين بمراسيم.

أسف جزائريّ من "قرار أُحاديّ"

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الجزائرية، الثلاثاء، إنها "تأسف" لقرار السلطات الفرنسية تقليص تأشيرات مواطنيها، عشية مباحثاتهما عن الهجرة.

جاء ذلك وفق تصريحات لمبعوث الخارجية إلى منطقة المغرب العربي والصحراء الغربية، عمار بلاني، لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

وقال بلاني: "أخذنا علما بهذا القرار غير المناسب الذي نأسف له"، معتبرا إياه "قرارا أحاديا".

وأوضح المسؤول ذاته أن "القرار المؤسف يأتي عشية سفر وفد جزائري إلى باريس بهدف تعزيز التعاون في إدارة الهجرة غير النظامية بين البلدين".

وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صرح وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، أن ماكرون هو من قرر تقليص التأشيرات الممنوحة للجزائريين عام 2019 لوقف تدفق الهجرة غير النظامية.

وبحسب بيانات رسمية للقنصلية العامة الفرنسية بالجزائر فإنه من أصل 504 آلاف طلب تأشيرة عام 2019، تمت الموافقة على 274 ألف طلب.

ووفق البيانات ذاتها فقد منحت القنصليات الفرنسية بالجزائر، وعددها ثلاث، 412 ألف تأشيرة في 2018 فيما فاق عدد الطلبات نصف مليون.

التعليقات