بيادق إيران في رقعة المفاوضات.. كيف تحركها؟

تتجه الأنظار إلى  فندق "قصر كوبورغ" في العاصمة النمساوية فيينا الذي سيشهد يوم غد، الإثنين، استئناف المفاوضات الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015.

بيادق إيران في رقعة المفاوضات.. كيف تحركها؟

باقري يشارك بمؤتمر حقوقي في طهران قبل توجهه إلى فيينا (أ ب)

تتجه الأنظار إلى فندق "قصر كوبورغ" في العاصمة النمساوية فيينا الذي سيشهد يوم غد، الإثنين، استئناف المفاوضات الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015.

وبدأت الوفود تتوافد على فيينا منذ مساء السبت، حيث انطلق الاجتماعات التمهيدية قبيل انطلاق المفاوضات الرسمية بمشاركة غير مباشرة للولايات المتحدة؛ فيما جددت طهران التشديد على مطالبها الأول: رفع كل العقوبات.

الأهداف التي تسعى طهران إلى تحقيقها

وفي مقال لكبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، نشر في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، استعرض مساعد وزير الخارجية الإيراني، أهداف طهران وسياستها في المباحثات.

وفيما تنظر واشنطن إلى المفاوضات في فيينا على أنها فرصة "عملية لتقييد برنامج إيران النووي المشروع والسلمي"، بحسب علي باقري، أوضح الأخير أنه "بالنسبة لإيران يجب أن تسعى المفاوضات إلى تحقيق أهداف حقيقية، تحترمها جميع الأطراف".

وأكد باقري أن إيران وضعت لنفسها هدفين رئيسيين لتحقيقهما خلال المفاوضات؛ الأول: رفع كل العقوبات، والثاني: الاعتراف بحق إيران في المعرفة النووية السلمية، وتخصيب اليورانيوم لأغراض صناعية.

وشدد باقري أنه بدون "إزالة كاملة ومضمونة وقابلة للتحقق للعقوبات" المفروضة على إيران، فإن المفاوضات حول مشروع طهران النووي "ستستمر إلى أجل غير مسمى".

كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني (أ ف ب)

كما شدد على أنه من حق طهران الاستفادة من المعرفة النووية لأهداف صناعية مدنية بما يتوافق مع بنود معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية الدولية.

وعزا باقري فشل المحاولات السابقة لما وصفه بسد "فجوة الثقة" بين أطراف المحادثات النووية، "لأن الغرب يعتبر أي اتفاق هو مجرد منصة يمكن من خلالها ممارسة المزيد من الضغط على إيران".

وركز باقري في مقاله على أزمة الثقة التي تولدت بين طهران والغرب، في أعقاب قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الانسحاب أحاديا من الاتفاق، مشيرا إلى أن المفاوضات في فيينا تعقد في تداعيات القرار الأميركي.

وترى إيران أن الغرب لا يسعى إلى التوصل إلى صفقة، وإنما يسعى لاستغلال المفاوضات "لإجبار إيران على تقديم المزيد من التنازلات في مجالات لا علاقة لها بالقضية النووية"، على حد تعبير كبير المفاوضين الإيرانيين، مضيفا أنه "نتيجة لذلك، لا يثق الشعب الإيراني بالمفاوضات ولا بنتائجها".

رغم ذلك أوضح باقري أنه "من السذاجة" نسب العقبات خلال المفاوضات في فيينا إلى إجراءات ترامب وحملة "الضغط الأقصى" التي مارسها. مؤكدا أن "الجهود الأميركية المستمرة لحرمان إيران من أي فوائد اقتصادية لتقليل أنشطتها النووية، هي السبب في أن العديد من المدافعين الإيرانيين المتحمسين للاتفاقية قد غيّروا رأيهم".

وأضاف أن المتحمسين الإيرانيين للاتفاق النووي مع الدول العظمى "لم يعودوا يثقون في فوائده الملموسة أو نواياه"، معتبرا أن "ترامب قام فقط بإزالة القفازات المخملية من اليد الحديدية للإدارة الأميركية السابقة".

وجدد باقري التعبير عن الرؤية الإيرانية بأن "الغرب يحتاج إلى دفع ثمن فشله في الحفاظ على الصفقة (الاتفاقية الموقع عام 2015)"، مشيرا إلى أنه "كما هو الحال في أي عمل تجاري، الصفقة هي صفقة، وكسرها له عواقب".

ولفت كبير المفاوضين الإيرانيين إلى أنه بالنسبة لإيران لا مكان "لتكرار الأخطاء الفادحة في الماضي. لقد تعلمنا جميعًا، على التوالي، خلال السنوات الست الماضية، ماذا ومن يمكن الوثوق به".

وأكد باقري أن "لا تزال إيران ملتزمة بالعملية وسنلتزم بالتزاماتنا"، مشيرا في الوقت ذاته أنه "لا يمكن لمبدأ ‘الامتثال المتبادل‘ أن يشكل قاعدة مناسبة للمفاوضات، لأن حكومة الولايات المتحدة هي التي تركت الصفقة من جانب واحد".

وأضاف أنه على "الولايات المتحدة أن تثبت أنها جادة هذه المرة، وأنها تمتلك الكفاءة اللازمة للوفاء بالتزاماتها"؛ مشيرا إلى أن طهران تتوقع أن يعرض عليها "آلية واضحة وشفافة لضمان رفع العقوبات".
وفيما كرر كبير المفاوضين الإيرانيين استعداد طهران "لإجراء مناقشة عادلة ودقيقة على أساس مبدأ ‘الضمان‘ و‘التحقق‘"، شدد على أن بلاده "لن تخضع لاستخدام التهديدات العسكرية أو العقوبات الاقتصادية".

وأكد أن إيران "مستعدة للوفاء طوعًا بالتزاماتها النووية وفقًا للاتفاقية" في المقابل، سترد "بشكل متناسب مع أي ضغط والرد بالمثل على أي بادرة حسن نية".

وختم باقري مقاله بالتأكيد على أن إيران "اتخذت قرارها"، راميا الكرة في ملعب "الغرب".

وفد إيراني لافت... مؤشر على نوايا جادة؟

ووصل علي باقري إلى فيينا، السبت، على رأس وفد رفيع المستوى، يتكون من 40 شخصًا من كبار المسؤولين في المؤسسات السيادية الإيرانية وأبرز الدبلوماسيين والخبراء في مختلف المجالات الحقوقية والاقتصادية والنووية وجميع المجالات المرتبطة بالعقوبات.

يأتي ذلك علما بأن أعضاء الوفد الإيراني في الحكومة السابقة خلال الجولات الست الماضية التي عقدت في الفترة بين أبريل/ نيسان وحزيران/ يونيو الماضيين، قبل تعليقها، لم يتجاوز 15 شخصًا.

وأثارت تركيبة الوفد الإيراني اهتمام المراقبين الدوليين، بما في ذلك الوفود المشاركة في المفاوضات؛ فيما اعتبرتها وسائل إعلام إيرانية إشارة إلى عزم القيادة الإيرانية الجديدة على التوصل إلى اتفاق لرفع العقوبات وحلحلة الأزمة الاقتصادية.

وعلّق مندوب روسيا في مفاوضات فيينا، ميخائيل أوليانوف، في تغريدة، بالقول إن "تشكيلة الوفد الإيراني الجديد في مباحثات فيينا مثيرة للإعجاب جدًا"، قائلاً إنه "يجب اعتبار ذلك مؤشرًا على النوايا الجادة" لإيران.

وفيما أبقت على أعضاء الوفود الإيرانية خلال جولات التفاوض السابقة في فيينا، انضم إلى الوفد الإيراني أعضاء جدد بعيدين عن التصنيفات الحزبية السياسية. ويتشكل الوفد من اختصاصيين عملوا مع الحكومات الإيرانية السابقة، الإصلاحية والمحافظة، وتقلدوا مناصب سياسية واقتصادية ودبلوماسية رفيعة فيها.

ومعظم أعضاء الوفد الإيراني من وزارات الخارجية والنفط والصناعة والتجارة والاقتصاد والطرق والمواصلات والبنك المركزي الإيراني، فضلا عن المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، الذي شكله المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي عام 2006، وهو مجلس استشاري يساعد في رسم الإستراتيجيات والسياسات المرتبطة بالسياسة الخارجية الإيرانية.

من بين 40 عضوا بالوفد الإيراني نائبان آخران لوزير الخارجية الإيراني إضافة إلى باقري كني، هما نائب الوزير للشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري، ونائبه للشؤون الحقوقية والدولية، رضا نجفي.

وأشار تقرير لصحيفة "العربي الجديد"، مساء الأحد، أن صفري كان قد عمل في السلك الدبلوماسي الإيراني، وشغل منصب سفير إيران في النمسا وروسيا والصين، وتولى في الحكومات السابقة، معاونية آسيا وأقيانوسيا، فضلا عن معاونية أوروبا وأميركا في الخارجية الإيرانية.

الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي (أ ب)

في المقابل، شغل نجفي منصب مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، كما شغل أيضا منصب المدير العام للسلام والأمن الدوليين في الخارجية، وهو حاصل على شهادة الدكتوراة في القانون الدولي.

كما يضم الوفد سفير إيران السابق في فيينا، إبراهيم شيباني، الذي ترأس في السابق البنك المركزي الإيراني؛ ويشغل حاليا منصب رئيس لجنة الاقتصاد بالمجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية.

ويضم الوفد نائب وزير الاقتصاد الإيراني ورئيس منظمة الاستثمارات الحكومية، علي فكري، الذي شغل في السابق منصب رئيس دائرة مواجهة العقوبات ودائرة البرنامج الاقتصادية بالخارجية الإيرانية.

ويشارك في الوفد نائب وزير النفط الإيراني للشؤون الدولية والتجارة، أحمد أسدزادة، الذي شغل منصب أمين لجنة الطاقة بسكرتارية المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني؛ بالإضافة إلى نائب محافظ البنك المركزي الإيراني للشؤون الدولية، غلام رضا بناهي.

التعليقات