التهديد النوويّ الروسيّ... مناوَرة تكتيكيّة أم تصعيد خطِر؟

يبدو أن استخدام السلاح النووي في الحرب الروسية على أوكرانيا، أمر مستبعَد، لكن التلويح بذلك جزء من نهج موسكو التصعيديّ.

التهديد النوويّ الروسيّ... مناوَرة تكتيكيّة أم تصعيد خطِر؟

الرئيس الروسي، بوتين ("أ ب")

يبدو أن استخدام السلاح النووي في الحرب الروسية على أوكرانيا، أمر مستبعَد، لكن التلويح بذلك جزء من نهج موسكو التصعيديّ.

وفي وقت سابق الأحد، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وضع "قوة الردع" في الجيش الروسي، وهي قوة تشمل عنصرًا نوويًّا، في حال التأهب، متهما الغرب بأخذ مواقف "عدوانية" تجاه بلاده، في اليوم الرابع من غزو أوكرانيا.

وعَدّ بعض المحللين والخبراء الغربيين، أن تصريحات بوتين بشأن وضع الردع النووي الروسي في حال تأهب مجرد خدعة، في حين عدّها آخرون لعبة خطرة وهروبا للأمام يُظهِر إحباط بوتين في مواجهة المقاومة العسكرية الأوكرانية.

("أ ب")

وقال الرئيس الروسي إنه أمر "بوضع قوات الردع في الجيش الروسي في حال التأهب الخاصة للقتال"، ما أثار تنديدا غربيا واسعا.

وأشار الخبراء إلى أن بعض الأسلحة النووية في روسيا وكذلك داخل حلف شمال الأطلسي، هي بحكم الواقع جاهزة دائما للاستخدام.

ونقلت وكالة "فرانس برس" للأنباء عن خبير الانتشار في "مركز جنيف للسياسات الأمنية"، مارك فينو قوله إنه "يمكن تفجيرها في غضون عشر دقائق"، موضحا أن تلك الأسلحة هي "إما رؤوس حربية مثبتة بالفعل على صواريخ، أو أنها قنابل موجودة على متن" قاذفات وغواصات.

وفي مقال نُشر مؤخرا في "نشرة علماء الذرة"، أكد الخبيران هانز كريستنسن ومات كوردا أن نحو 1600 رأس حربية نووية منشورة وجاهزة للاستخدام.

وقال هانز كريستنسن عبر "تويتر"، الأحد: "بما أن القوات الإستراتيجية الروسية في حال تأهب دائمة، فإن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت قد نشرت المزيد من الغواصات أو قامت بتسليح القاذفات".

طفل أوكرانيّ نازح ("أ ب")

ومن ناحية أخرى، عَدّ محللون أن ما أقدم عليه الرئيس الروسي هروب للأمام بالنظر لتطورات الوضع العسكري في أوكرانيا.

وقال الباحث في "مؤسسة جان جوريس" في باريس، ديفيد خلفا: "هناك إحباط روسي من المقاومة الأوكرانية". وعَدّ أن التهديد الذي تواجهه روسيا يتعلق بدخولها "في منطق حرب العصابات في المدن، مع احتمال كبير لسقوط ضحايا بين العسكريين الروس".

من جهته، يعتقد الخبير في "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" بواشنطن، إليوت كوهين أن المقاومة التي تواجهها موسكو أشد مما توقعته، ونقلت عنه "فرانس برس" أن "حقيقة عدم امتلاكهم تفوقا جويا تكشف الكثير"، مضيفا: "بدأنا نرى الضَّعف في ساحة المعركة... مع عدم تمكنهم من احتلال مدينة والسيطرة عليها".

وفي هذا السياق، وبينما تتدفق المساعدات والتبرعات الغربية على أوكرانيا، يبدو أن تصريحات بوتين تهدف إلى تقويض تضامن خصومه. ويذكر كوهين أن بوتين "شخص مخاطر، يحاول اختبارنا نفسيا".

ويشدد ديفيد خلفا على أن "الجانب النفسي مهم جدا"، معتبرا أن بوتين يحاول "ثني الغربيين عن المضي قدما في العقوبات الاقتصادية" التي أمطروا بها موسكو في غضون أيام.

ويرى الباحث أن "الجميع يحتشدون وراء أوكرانيا وهناك رغبة في دق إسفين بين حكومات التحالف والرأي العام الغربي".

("أ ب")

لكن خلفا يضيف أن "بوتين في رأي كل من يعرفه صار منعزلا ومنغلقا في منطق يحكمه جنون الارتياب. هذا أمر مقلق بعض الشيء، إذ من المستحيل فهم إستراتيجيته".

وأصبحت النوايا الحقيقية للرئيس الروسي غير مفهومة لأن تصريحاته تتعارض مع النظرية الرسمية للردع الروسي.

اقرأ/ي أيضًا | روسيا: اعتقال أكثر من ألفي مشارك في تظاهرات جديدة تنديدا بالحرب

ويذكر هانز كريستنسن ومات كوردا أن بوتين وافق في حزيران/ يونيو 2020 على "المبادئ الأساسية"، مع أربع حالات تبرر استخدام الأسلحة النووية وهي إطلاق صواريخ بالستية ضد روسيا أو حليف لها، أو استخدام خصم لها السلاح النووي، أو مهاجمة موقع أسلحة نووية روسي، أو التعرض لعدوان يهدد "وجود الدولة". ولا شيء من هذا القبيل يحدث حاليا.

أما في ما يتعلق بموقفها على الصعيد الدولي، فقد وقّعت روسيا في كانون الثاني/ يناير مع الأعضاء الأربعة الآخرين الدائمين في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا) وثيقة تؤكد أنه "لا يمكن الانتصار في حرب نووية" وتشدد على أن هذه الأسلحة "ما دامت موجودة، يجب أن تخدم أغراضا دفاعية، الردع ومنع الحرب".

منطقة أوكرانية طاولها قصف روسيّ ("أ ب")

ويأسف مارك فينو لأن تصريحات بوتين تعكس "غموض هذا النوع من البيانات، إن لم يكن نفاقها"، مضيفا أنه "إذا طبقنا البيانات، فإننا سنتجه سريعا نحو نزع السلاح، في حين أننا نرى أنه لم يتم التقدم كثيرا في هذا الاتجاه".

ويذكّر الخبير أنه وإن كان استعمال السلاح النووي بسبب الحرب في أوكرانيا مستبعَدًا، فإن "هناك دائما خطر الانزلاق أو التفسير الخاطئ أو حتى التلاعب"، وهذا "الخطر مرتفع للغاية الآن".

التعليقات