كيف أعاد الغزو الروسيّ لأوكرانيا خلْط الأوراق في نظام العلاقات الدوليّة؟

أعاد الغزو الروسي لأوكرانيا خلْطَ أوراق جيوسياسية، إذ ألقى الغزو، بتبعاته على مجمل النظام العالمي، ووضع موسكو في موقع "المنبوذ" دوليا، ووحّد الدول الغربية في مواجهة الرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتين، وأيقظ التهديد النووي من سباته.

كيف أعاد الغزو الروسيّ لأوكرانيا خلْط الأوراق في نظام العلاقات الدوليّة؟

("أ ب")

أعاد الغزو الروسي لأوكرانيا خلْطَ أوراق جيوسياسية، إذ ألقى الغزو، بتبعاته على مجمل النظام العالمي، ووضع موسكو في موقع "المنبوذ" دوليا، ووحّد الدول الغربية في مواجهة الرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتين، وأيقظ التهديد النووي من سباته.

وشهدت التطوّرات، متغيّرات سبق لمسؤولين ومحللين أن اعتبروها غير مسبوقة منذ حقبة الحرب الباردة.

يُعدّ الغزو الذي بدأ فجر 24 شباط/ فبراير، نقطة تحوّل كبرى. تتعدد الأسباب لذلك، ومنها أن الغزو "أطاح الآمال بأن أوروبا في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ستكون في منأى عن حرب ضخمة"، وفق المحلل في مجموعة "أوراسيا" البحثية آلي واين.

ورأت أطراف عدة تتقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، والأمانة العامة للأمم المتحدة، أن غزو روسيا لجارتها الشرقية، خرق لمبادئ النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.

وجاء رد الغربيين "هائلا" و"سريعا"، عبر سيل من إجراءات اقتصادية غير مسبوقة بحجمها: عقوبات مالية لم تستثنِ بوتين ووزير خارجيته، سيرغي لافروف، والأثرياء المقرّبين من الكرملين، وإغلاق مجالات جوية في وجه الطائرات الروسية، والاستبعاد من منافسات رياضية كبرى.

وترى الأستاذة في جامعة "كورنيل"، الأميركية سارة كريبس إن "روسيا ستكون منبوذة، ومن الصعب تخيّل كيف ستتمكن من استعادة ما يشبه الحالة الطبيعية في تفاعلاتها الدولية".

دمار بعد قصف روسي ("أ ب")

وفي أواخر 2019، اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) بات في حالة "موت دماغي"، في ظل خلافات بين أعضائه وسوء إدارة من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب الذي شهد عهده اضطرابا في العلاقات بين جانبي المحيط.

ومطلع 2021، خلف جو بايدن ترامب في البيت الأبيض، وسعى لتطبيع العلاقات مع الحلفاء في "ناتو". أراد أيضا أن يكون الحلف جزءا من صراع النفوذ الإستراتيجي مع الصين، ما أثار تحفظات حلفاء رأوا أن مواجهة كهذه ليست ضمن الأسباب الموجِبة لنشوء الحلف.

أُسّس الحلف في مطلع الحرب الباردة لتوفير حماية من واشنطن، المقتدرة نوويا، للقارة العجوز في مواجهة الاتحاد السوفياتي. مع الأزمة الراهنة عاد الحلف إلى دوره التاريخي: مواجهة موسكو.

ويرى واين أن "الغزو الروسي عزّز حلف ناتو وأعاد شدّ الأواصر عبر الأطلسي"، معتبرا أن استمرار هذا "التماسك" على المدى البعيد وتأسيسه لمقاربة مشتركة بشأن احتواء روسيا، ليس مضمونا بعد.

وسرّع الغزو الروسي لأوكرانيا من توجّه الدول الـ27 في التكتل لتعزيز قوتها الدفاعية، واتخاذ خطوات غير معهودة، خصوصا في حقبة ما بعد الحرب الثانية.

مكان شهد قصفا روسيا قرب كييف ("أ ب")

وخصصت دول الاتحاد نصف مليار يورو لتوفير أسلحة إلى أوكرانيا، في إجراء تاريخي أوروبي لدعم عسكري خلال نزاع.

المفاجأة الأكبر جاءت من ألمانيا، حيث اتخذ أولاف شولتس، المستشار الذي تولى منصبه منذ أشهر معدودة فقط، قرارات تشكّل انفصالا تاريخيا مع عقيدة برلين، بتسليم كييف أسلحة فتاكة خلال الحرب.

ولم تكن ألمانيا الوحيدة التي تقوم بخطوة تاريخية كهذه، إذ لاقتها السويد وفنلندا بدعم كييف بالسلاح.

وأرفق شولتس خطوته بقرارات داخلية تعكس مدى التغيير الذي فرضه الغزو الروسي: ستخصص برلين 100 مليار يورو لتحديث منظومتها الدفاعية، وتبدأ باستثمار أكثر من 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي سنويا في المجال الدفاعي، بعدما كان ضعف موازنتها العسكرية مقارنة بنظرائها في الأطلسي، محل انتقاد خصوصا من واشنطن.

وتحوّل جذري آخر قامت به سويسرا بالتخلي عن حيادها التاريخي، وهو مبدأ "لا يعني عدم الاكتراث"، وفق رئيس البلاد، إيغناسيو كاسيس.

واختارت سويسرا التي تعد مركزا ماليا محوريا عالميا، وكانت حتى أسابيع خلت مضيفة لقاءات دبلوماسية أميركية - روسية سعيا لنزع فتيل الأزمة، أن تنضم إلى العقوبات الاقتصادية الواسعة النطاق للاتحاد الأوروبي على روسيا.

("أ ب")

ولم تكن سويسرا الوحيدة التي خرجت عن مبدأ الحياد، فما قامت به فنلندا والسويد أيضا جعلهما أقرب من أي وقت مضى لطلب الانضمام إلى الحلف الأطلسي.

وفي حين ترى كريبس أن "دولا مثل اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا وسنغافورة، شكّلت جبهة موحّدة ضد الغزو"، امتنعت أخرى مثل الهند والامارات عن إدانة روسيا، على رغم الضغوط الدبلوماسية الأميركية.

ولروسيا أيضا حلفاء وأصدقاء في العالم، مثل فنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو، أو إيران التي دعت إلى وقف الحرب لكن حمّلت مسؤوليتها لواشنطن.

على المكيال الآخر في ميزان العلاقات الدولية، تقف الصين برئاسة شي جينبينغ الذي استقبل بوتين مطلع شباط/ فبراير على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين.

الصين بين موسكو والغرب

وتجد الصين نفسها الآن تحت مجهر الغرب بشكل إضافي، خصوصا لتبيان إلى أي مدى ستتمكن من أن تعوّض لروسيا، آثار العقوبات الاقتصادية الغربية.

سفير الصين لدى الأمم المتحدة يلقي كلمة أمام الجلسة الطارئة للجمعية العامة ("أ ب")

وسياسيا، تمضي بكين بحذر بين النقاط؛ فعلى رغم عدم إدانتها الصريحة للغزو، امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على قرار يدينه، ولم تستخدم حق "الفيتو". كذلك، حضّت الطرفين على التفاوض، وأعربت لكييف عن "أسفها الشديد" للحرب.

ويرى واين أن بكين في موقف "محرج"، فكلما "طال أمد النزاع وأصبح أكثر دموية، كلما سيكون أصعب على الصين تحقيق توازن بين دعمها المتطلبات الروسية (...) ورغبتها في عدم تلقي مزيد من العتاب عبر الأطلسي".

وأمر بوتين، وخلال لقاء متلفز مع مسؤولين عسكريين الأحد، بوضع "قوات الردع" في حال تأهب، وهي وحدات هدفها ردع هجوم "بما في ذلك في حال حرب تتضمن استخدام أسلحة نووية".

ورأى العالم في هذا الإعلان تلويحا من بوتين باحتمال اللجوء إلى السلاح النووي ردا على الضغوط الغربية.

واعتبرت واشنطن أن ذلك يعني أن الرئيس الروسي "يواصل تصعيد هذه الحرب بطريقة غير مقبولة على الإطلاق"، بينما رأى حلف ناتو أن الإجراء "خطر"، ويعكس "سلوكا غير مسؤول".

اقرأ/ي أيضًا | اليوم السابع للحرب: أكثر من ألفي قتيل واستئناف محادثات روسيا وأوكرانيا

وبحسب كريبس، أعطى "القادة الروس بطريقة مكشوفة، إشارات متكررة إلى ترسانتهم النووية على أمل ثني الغرب عن تعزيز الدفاعات الأوكرانية"، محذّرة من أن ذلك سيؤدي إلى "تآكل المحظور النووي القائم منذ عقود".

التعليقات