السعوديّة والصين.. من القطيعة الدبلوماسيّة إلى الشراكة الإستراتيجيّة

أمام الفتور في العلاقات بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تزدهر العلاقات الصينية السعودية مع قليل من الضجيج، رغم أن التبادل الدبلوماسي بين الطرفين لم يتم رسميا إلا قبل نحو ثلاثة عقود فقط.

السعوديّة والصين.. من القطيعة الدبلوماسيّة إلى الشراكة الإستراتيجيّة

الرئيس الصيني وبن سلمان (رويترز)

أمام الفتور في العلاقات بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تزدهر العلاقات الصينية السعودية مع قليل من الضجيج، رغم أن التبادل الدبلوماسي بين الطرفين لم يتم رسميا إلا قبل نحو ثلاثة عقود فقط.

وتجري الرياض وبكين مباحثات من أجل تسعير بعض الصادرات السعودية النفطية إلى الصين باليوان، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، ويمثل ذلك خطوة ثورية في الاقتصاد العالمي إن تم تنفيذها، ومن شأن ذلك زعزعة مكانة الدولار كعملة رئيسية في تسعير البترول، ما قد يثير اعتراض واشنطن.

ووفق ذات الصحيفة، فإن السعودية وجهت دعوة للرئيس الصيني، شي جين بينغ، لزيارتها، لتعزيز العلاقات بين البلدين، ومن شأن ذلك زيادة حدة الفتور بين واشنطن والرياض.

من القطيعة إلى التعاون العسكريّ

ورغم أن الصين تعتبر حاليا الشريك التجاري الأول للسعودية، إلا أن العلاقات الدبلوماسية كانت مقطوعة بين البلدين لفترة طويلة.

فبعد قيام الصين الشعبية في 1949، لم تعترف بها السعودية إلا في 1975، حيث انحازت الرياض في تلك الفترة للموقف الأميركي الداعم للصين الوطنية (تايوان).

منشأة لأرامكو النفطية قرب جدة ("أ ب")

إلا أن اعتراف السعودية بالصين الشعبية، لم يكلل سريعا بتبادل السفراء إلا بعد 15 عاما، بسبب استمرار الرياض في الاعتراف بتايوان.

وخلال هذه الفترة كانت العلاقات فاترة بين البلدين، إلى غاية عام 1980، عندما حدثت أزمة بين الرياض وواشنطن، التي رفضت بيع خزانات وقود بعيدة لطائرات "إف 15 إيغل" للسعودية، ما دفع الأخيرة للبحث عن بدائل، وكانت الصين إحدى هذه الخيارات.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1985، انعقد أول اجتماع رسمي بين الصين والسعودية في عمان، وبعد ثلاثة أعوام اتفق البلدان على تزويد الرياض ما بين 50 إلى 60 صاروخا من نوع "دونغ فنغ 3" الصينية متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية.

وأدى اكتشاف الولايات المتحدة لوجود قاعدة صواريخ صينية الصنع في السعودية عام 1988، إلى أزمة بين البلدين.

لكن الرياض رفضت الرضوخ للضغوط الأميركية، بل واصلت علاقاتها غير الرسمية مع بكين، واعتبر عام 1988 بداية الانطلاق الفعلي للتعاون التجاري بين الصين والسعودية. إلا أن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصين والسعودية لم تُفعل إلا في 1990، بعد أن قطعت الرياض علاقاتها بتايوان، التي استمرت لأكثر من أربعة عقود.

الصين تستعرض صواريخها البالستية، عام 2019 (أ.ب.)

وشكلت زيارة الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، إلى الصين في 2017، نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، باعتبارها أول زيارة رسمية لعاهل سعودي إلى بكين، وجاءت عقب زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ للرياض في 2016.

وعلى هامش زيارة الملك سلمان لبكين، وقّع الطرفان اتفاقيات بأكثر من 65 مليار دولار، بينها إنشاء مصنع صيني للطائرات من دون طيار بالسعودية، بعد رفض الولايات المتحدة تزويد الرياض بهذه التكنولوجيا، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وفي العام ذاته، وافق الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على مساعدة السعودية على بناء برنامجها النووي السلمي، حتى لا تلجأ إلى دولة أخرى، لكن المفاوضات انهارت بعد أن رفضت السعودية أن "تكون طرفا في أي اتفاق من شأنه أن يحرمها من إمكانية أن تتولى بنفسها تخصيب اليورانيوم"، وفق وكالة "رويترز" البريطانية.

وكانت الصين البديل الجاهز للتعامل مع التصلب الأميركي، حيث شرعت السعودية عام 2020، في تشييد منشأة نووية سلمية بمساعدة الصين، بحسب "وول ستريت جورنال".

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021، كشفت صور أقمار اصطناعية وتقييمات استخباراتية أميركية أن السعودية "بنت منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين"، بحسب شبكة "سي أن أن"، الأميركية.

صور أقمار اصطناعية تظهر عملية حرق في منشأة سعودية في الدوادمي، يقول خبراء أنها أول دليل يؤكد إنتاج الصواريخ (شركة Planet)

ونقلت الشبكة عن متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قوله إن الصين والسعودية "شريكان إستراتيجيان شاملان"، و"يحافظان على تعاون وديّ"، في جميع المجالات "بما في ذلك التجارة العسكرية".

مبادلات تضاعفت 22 مرة في عقدين

وقفز التبادل التجاري بين السعودية والصين من 3 مليارات دولار في عام 2000، إلى 67 مليار دولار في 2020، أي أنه تضاعف أكثر من 22 مرة خلال عقدين؛ حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول للسعودية تليها الولايات المتحدة.

بينما تمثل السعودية أكبر شريك للصين في غرب آسيا وشمال إفريقيا.

وتمكنت السعودية خلال هذه السنوات القليلة من أن تصبح المُصدّر الأول للنفط إلى الصين، متفوقة على روسيا، الجارة الشمالية والشريك الإستراتيجي لبكين، إذ صدّرت السعودية ما معدله 1.8 مليون برميل يوميا في تشرين الأول/ نوفمبر 2021، متراجعة عن معدل 2.06 مليون برميل يوميا في تشرين الأول/ نوفمبر 2020، ومع ذلك حافظت على تقدمها على روسيا التي بلغت صادراتها إلى الصين 1.67 مليون برميل يوميا بشكل مستقر.

وهذه الكميات الهامة من الصادرات النفطية السعودية للصين، جعلت الميزان التجاري لصالح الرياض بـ11 مليار دولار، حيث صدرت للصين 39 مليار دولار، واستوردت منها 28 مليار دولار في 2020، بحسب بيانات موقع "ITC Trade".

وحجم التبادل التجاري بين السعودية والصين أكبر بكثير من نظيره مع الولايات المتحدة، التي تعتبر شريكا إستراتيجيا للرياض، إذ بلغ التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة 37 مليار دولار، منها 24 مليار دولار صادرات الرياض إلى الولايات المتحدة مقابل واردات بقيمة 13 مليار دولار، في 2018، بحسب المصدر السابق ذكره.

وهذه الأرقام تعكس كيف تمكنت الصين من تعزيز علاقاتها مع السعودية خلال الثلاثين عاما الأخيرة من بوابة التعاون التجاري والعسكري، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة، التي استغلت بكين طريقة تعاملها مع الرياض لملء المساحات الشاغرة التي تركتها واشنطن في أكبر دولة خليجية.

التعليقات