روسيا تسعى لتحقيق إنجازات على الأرض تترجمها لمكاسب سياسية

يتقدّم الجيش الروسي شيئًا فشيئًا في مواجهة القوات الأوكرانية التي لا تزال تقاوم، ويسعى إلى تحقيق إنجازات عسكرية قابلة للتحوّل إلى مكاسب سياسية، بعدما فشل في تحقيق مكاسب سريعة في بداية غزوه لأوكرانيا.

روسيا تسعى لتحقيق إنجازات على الأرض تترجمها لمكاسب سياسية

(أ ب)

يتقدّم الجيش الروسي شيئًا فشيئًا في مواجهة القوات الأوكرانية التي لا تزال تقاوم، ويسعى إلى تحقيق إنجازات عسكرية قابلة للتحوّل إلى مكاسب سياسية، بعدما فشل في تحقيق مكاسب سريعة في بداية غزوه لأوكرانيا.

ويرى مراقبون غربيون أن روسيا فشلت في دخولها الحرب متوقعة مقاومة ضعيفة من جانب أوكرانيا وانتصارًا سريعًا متجاهلة الحاجات اللوجستية للقوات على الأرض؛ وتشير مذكرة صادرة عن مؤسسة البحث الإستراتيجي إلى أن "عدم فعالية القوة القتالية الروسية وقوة المقاومة العسكرية الأوكرانية هما مفاجأة حقيقية".

وفي ظل الفشل الروسي في ترسيخ التفوق الجوي في سماء أوكرانيا، لم تشنّ القوات الروسية عملية كبيرة منذ مطلع آذار/ مارس الجاري، ويصطدمون بدفاع أوكراني قوي، بما في ذلك على أبواب العاصمة كييف. واعتبرت وزارة الدفاع البريطانية، في تقييم للوضع أجرته يوم أمس، الخميس، أن "الغزو الروسي في حالة جمود على كافة الجبهات".

وإذا كان الروس قد أطبقوا حصارًا على مدن عدة في شمال شرق البلاد مثل سومي وخاركيف، وفي جنوب شرق البلاد على غرار ماريوبول، وقطعوا الإمدادات، إلا أن معركة كييف لم تبدأ بعد، رغم عمليات القصف المنتظمة التي تستهدف العاصمة. إذ لم ينهِ الجيش الروسي بعد مناورته لتطويقها.

(أ ب)

ويعتبر خبراء مؤسسة البحث الإستراتيجي أن السيطرة على هذه المدينة التي تعدّ 2,8 مليون نسمة "تتطلب على الأرجح قوات يتراوح عددها بين 150 و200 ألف عنصر"، مذكرين بضرورة أن يكون توازن القوى ساحقًا للقتال في منطقة حضرية، حيث تكون الأفضلية دائمًا للمُدافع.

غير أن مصدرًا عسكريًا غربيًا يؤكد على أنه رغم الصعوبات الموجودة على الأرض، فإن "التفوّق العسكري الروسي ليس موضع تشكيك". ويشير إلى أن "الاستراحة التشغيلية التي نشهدها تسمح للقوات الروسية بأن تتجدد، وتحشد تعزيزات للانطلاق مجدّدًا وبدء مرحلة ثانية".

ويقول البنتاغون إن الـ150 ألف عسكري روسي الذين تمّت تعبئتهم لهذه الحرب، منخرطون في النزاع على الأراضي الأوكرانية. ووفق تقديرات الاستخبارات الأميركية التي نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن موسكو فقدت سبعة آلاف جندي خلال ثلاثة أسابيع، ما يمثل أكثر من 300 قتيل يوميًا على أرض المعركة.

وإذ ينبغي التعامل مع هذه الأرقام بحذر، فالواقع هو أن الجيش الروسي المنخرط في الهجوم منذ 24 شباط/ فبراير، يحتاج إلى التجدّد للاستمرار. وتسعى موسكو لضخّ دمّ جديد في صفوف جيشها، وقد وعدت بعدم اللجوء إلى المجنّدين فيما تحشد جنود الاحتياط وأطلقت مؤخرًا حملة تجنيد للسوريين.

(أ ب)

ويلفت الجنرال الأميركي المتقاعد، بن هودجز، من مركز تحليل السياسة الأوروبية Center for European Policy Analysis في واشنطن، إلى أن "الذخائر والقوات بدأت تنفد لدى الجنرالات الروس. بحسب البنتاغون، فإن 50% من القدرات القتالية الروسية موضوعة في أوكرانيا. في ذروة انخراطنا في العراق وأفغانستان، كان الجيش الأميركي منخرط بنسبة 29% وكان من الصعب جدًا الاستمرار".

ويرى أن "الأيام العشرة المقبلة حاسمة" مذكّرًا بأن الغرب "سرّع وكثّف الدعم الذي يقدّمه لأوكرانيا".

وفي هذا السياق، ما هي الفرضيات التكتيكية الأكثر ترجيحًا من الجانب الروسي في الأسابيع المقبلة؟ يعتبر المؤرخ العسكري الفرنسي، ميشال غويا، أن ثمة "نقطتَي انفراج محتملتين على المدى القصير: في ماريوبول (...) ودونباس".

وبحسب هيئة الأركان الفرنسية، قد يحاول الروس أيضًا تطويق 40 ألف عسكري أوكراني منتشرين على الجبهة الشرقية في جيب عبر السيطرة على مدينة دنيبرو التي تشكل "نقطة عبور إستراتيجية بين الغرب والشرق"، وحيث "هناك شعور بأن القوات الروسية تتحرك باتجاه نقطة لقاء".

(أ ب)

ويرى الكولونيل باسكال ياني، أن "ذلك من شأنه أن يقسم الجيش الأوكراني إلى نصفين، وهذا يحمل معنى حقيقيًا على الصعيد العسكري" أي "من أجل التسبب بانهياره، أو كي تكون (موسكو) في موضع قوة في المفاوضات".

والفرضية الثانية تعني ماريوبول. فهذه المدينة الساحلية الإستراتيجية المطلة على بحر آزوف محاصرة وتتعرض لقصف متواصل منذ أكثر من أسبوعين. ورغم إجلاء 20 ألف مدني في مطلع الأسبوع، إلا أنه لا يزال هناك 300 ألف شخص محاصرين ومحرومين من الكهرباء والمياه.

ومن شأن السيطرة على ماريوبول أن تمكن الروس من أن يصلوا جغرافيًا بين منطقة دونباس الانفصالية الموالية لموسكو وشبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا عام 2014.

وتتكبد القوات الأوكرانية أيضًا خسائر لكنّها تمكّنت حتى الآن من إلحاق خسائر مادية وبشرية فادحة بالروس، خصوصًا بفضل دفاع جوي فعّال.

(أ ب)

ويتلقى جيش الرئيس، فولوديمير زيلينسكي، أيضًا إمدادات كبيرة بالأسلحة المضادة للدبابات وبالصواريخ المضادة للطائرات من جانب دول حلف شمال الأطلسي.

في هذا السياق، من المهمّ بالنسبة للجيش الأوكراني الحفاظ على طرق الإمدادات الغربية. إلا أن موسكو شنّت في الأيام الأخيرة ثلاث ضربات على غرب أوكرانيا، المنطقة التي كانت بمنأى عن النزاع حتى الآن. واستهدفت إحدى الضربات قاعدة ياروفيف العسكرية الواقعة على بعد عشرين كيلومترًا من الحدود البولندية حيث يعبر جزء من المعدّات التي تقدّمها الدول الغربية للقوات الأوكرانية.

التعليقات