ألمانيا تعتمد إستراتيجية جديدة لأمنها القومي

تمنح الإستراتيجية التي كشفت عنها وثيقة حكومية "دورا دوليا أقوى" لألمانيا، في مسار ضمان السلام والأمن في أوروبا، كما تحدد أولويات جديدة للوزارات، والجيش، وأجهزة المخابرات.

ألمانيا تعتمد إستراتيجية جديدة لأمنها القومي

جنود ألمان (Getty images)

اعتمدت ألمانيا، الأربعاء، أول إستراتيجية للأمن القومي في تاريخها، تشمل إجراءات جريئة لمواجهة التهديدات والتحديات الأمنية الرئيسية.

وتمنح الإستراتيجية التي كشفت عنها وثيقة حكومية "دورا دوليا أقوى" لألمانيا، في مسار ضمان السلام والأمن في أوروبا، كما تحدد أولويات جديدة للوزارات، والجيش، وأجهزة المخابرات.

ووفقا للإستراتيجية، ستزيد ألمانيا من ميزانيتها الدفاعية وستنفق ما لا يقل عن 2% من إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بما يتماشى مع قرارات حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وقالت الحكومة في وثيقة تعريفها بالإستراتيجية: "نحن ندافع عن نظامنا الأساسي الديمقراطي الحر، القائم على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ضد محاولات النفوذ غير المشروعة من الخارج".

وأشارت إلى أن الإستراتيجية تهدف أيضا إلى "تعزيز قدرات القوات المسلحة الألمانية، لأداء مهمتها الأساسية المتمثلة في الدفاع عن الوطن ودورها في إطار حلف الناتو".

كما أكدت الإستراتيجية على حاجة ألمانيا إلى تعزيز أنشطتها في مجال مكافحة التجسس، وتطوير قدراتها في مجال الأمن السيبراني.

وفي السياق، قال وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، في تصريحات صحفية، إن الحكومة الألمانية "ستضطر إلى تخفيض إنجاز المشاريع حتى عام 2029 بسبب رفع الإنفاق الدفاعي للبلاد".

وكان البرلمان الألماني وافق بأغلبية، في مطلع حزيران/ يونيو الجاري، على تأسيس صندوق خاص لزيادة الإنفاق الدفاعي بقيمة 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني.

وجاء القرار زيادة الإنفاق العسكري كأول خطوة رئيسية تؤكد تحول ألمانيا في سياستها الأمنية والدفاعية، بعدما عانى الجيش الألماني باستمرار من نقص التمويل، وتقليص الحجم والتسليح الجيش منذ عام 1989، مما أثر على جاهزيته.

إستراتيجية ألمانية لمواجهة موسكو وبكين

وصنّفت ألمانيا موسكو على أنّها "أكبر تهديد للسلام"، بينما وصفت بكين بأنّها "خصم منهجي"، في قلب استراتيجيتها للأمن القومي، وهي وثيقة غير مسبوقة تمّ الكشف عنها الأربعاء.

وبعد أشهر من النقاشات والتوترات داخل الائتلاف الحاكم، عرضت حكومة أولاف شولتس هذه الخلاصة المؤلّفة من نحو 80 صفحة، والتي تحدّد التحدّيات الأمنية التي تواجهها القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا.

وقال المستشار الألماني أمام الصحافة محاطًا بعدد من وزرائه الرئيسيين "للمرة الأولى في تاريخ بلادنا، وضعنا استراتيجية للأمن القومي".

تمّ الإعلان عن هذه الوثيقة وتأجيلها مرارًا، غير أنّها رأت النور أخيرًا فيما يشهد التحالف الحكومي تراجعًا في استطلاعات الرأي، بينما تظهر توترات بين أعضائه المنتمين إلى حزب الخضر والليبراليين بشأن الميزانية ومكافحة الاحتباس الحراري.

تقدّم هذه الوثيقة، التي تعدّ أقلّ طموحًا مما نصّ عليه عقد التحالف المبرم في نهاية العام 2021، نظرة عامة على القضايا الأمنية، من العلاقات مع موسكو وبكين إلى الأمن السيبراني والتهديدات المناخية.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، التي تنتمي لحزب "الخضر"، أثناء عرض الوثيقة، "الأمن في القرن الحادي والعشرين يتعلّق بالحصول على الأدوية الحيوية من الصيدليات على نحو موثوق. الأمن يعني عدم التجسّس من قبل الصين عند الدردشة مع الأصدقاء أو التلاعب من قبل الروبوتات الروسية عند تصفّح شبكات التواصل الاجتماعي".

ومن دون مفاجآت، رأت المانيا أن روسيا تحتلّ مرتبة "أكبر تهديد للسلام والأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية في المستقبل المنظور". وكان الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022 بمثابة "تغيير تاريخي" للسياسية الخارجية والدفاعية الألمانية، وفقًا لشولتس، الأمر الذي يجب أن يؤدي إلى إعادة تسليح البلاد.

وفي هذ السياق، تستعدّ ألمانيا لتخصيص أربعة مليارات يورو للحصول على المنظومة الدفاعية الصاروخية الإسرائيلية "آرو".

كذلك، تؤكد برلين رغبتها في تخصيص 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، على الرغم من أنّ المسار المالي لهذه الغاية لا يزال غير واضح.

من جهة أخرى، تستهدف الاستراتيجية الأمنية الصين، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنّها "شريك ومنافس وخصم منهجي".

وقالت الحكومة الألمانية في وثيقتها، إنّ "الصين تحاول بطرق مختلفة إعادة تشكيل النظام الدولي القائم على أسس، وتدّعي بشكل عدواني أكثر فأكثر السيادة الإقليمية وتتصرف باستمرار بشكل يتعارض مع مصالحنا وقيَمنا".

وأضافت "نرى أنّ عناصر الخصومة والمنافسة قد ازدادت في السنوات الأخيرة".

ومن المتوقع أن يصل وفد من المسؤولين الصينيين برئاسة رئيس الوزراء لي تشيانغ إلى برلين الأسبوع المقبل، لإجراء مشاورات ألمانية-صينية.

ومن منظور برلين، "يتعرّض الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي للضغوط بشكل متزايد"، في ظل تصرّفات بكين، كما أنّ "حقوق الإنسان لا تُحترم".

غير أنّ الوثيقة تؤكد أنّه رغم كلّ شيء، "تبقى الصين في الوقت نفسه شريكًا لا يمكن بدونه حلّ العديد من التحديات والأزمات العالمية".

من جهته، قال أولاف شولتس "يتعلّق الأمر بضمان استمرار الصين في النمو الاقتصادي، وعدم إعاقة اندماج الصين في التجارة العالمية والعلاقات الاقتصادية العالمية". وأضاف للصحافة "لكن في الوقت نفسه، علينا أن نأخذ في الاعتبار القضايا الأمنية التي تطرأ علينا".

تعدّ الصين شريكًا اقتصاديًا رائدًا لألمانيا وسوقًا حيويًا لقطاع السيارات الألمانية، وكانت قد نجت منذ فترة طويلة من انتقادات برلين الحادّة، التي بدأت بتشديد نبرتها تجاهها منذ أكثر من عام.

وتريد ألمانيا العمل وفق مبدأ الاتحاد الأوروبي الذي لا يسعى إلى قطع العلاقات مع الصين تمامًا، ولكن إلى تقليل المخاطر.

مع ذلك، لم تُقنع هذه الاستراتيجية الخبراء، بما في ذلك أولريش سبيك المتخصّص في العلاقات الدولية، الذي وصفها عبر "تويتر"، بأنّها "كتيّب من الأهداف المُصاغة بشكل غامض"، معربًا عن أسفه لعدم وجود "خطط عمل ووسائل ملموسة مرتبطة ببعض الأهداف ذات الأولوية".

وبذلك، تمّ التخلّي عن فكرة إنشاء مجلس أمن قومي وفقًا للنموذج الأميركي.

تقرير عسكري من الجيش الألماني

وذكر تقرير عسكري من الجيش الألماني صدر في نيسان/ أبريل أنّ الجيش الألماني لن يكون قادرا على الوفاء بمسؤولياته تجاه حلف شمال الأطلسي "الناتو" بحلول عام 2025 بسبب نقص الأفراد والمعدات.

وجاء ذلك في تقرير من 14 صفحة أرسله قائد القوات البرية الألمانية الفريق، ألفوس ميس، إلى رئاسة الأركان العامة، نشرته صحيفة "بيلد".

وقال ميس في تقريره: "رغم كل الجهود، لن يكون الجيش قادرا إلا على إقامة حالة محدودة من الجاهزية العملياتية بحلول عام 2025".

وأشار التقرير إلى أنّ الجيش الألماني لن يكون مجهزا بالكامل بالمعدات المطلوبة بحلول عام 2025، حتى لو تم استخدام مخزون الجيش بأكمله.

ولفت إلى احتمال استنفاد الأفراد والمواد إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة، كما تم عبر التقرير توجيه دعوة لزيادة ميزانية الدفاع بشكل مستمر.

التعليقات