أعلنت المجر، اليوم الخميس، انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية، في اليوم الأوّل من زيارة إلى بودابست لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي أصدرت مذكّرة اعتقال ضده على خلفيات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وكتب غيرغيلي غولياس، مدير مكتب رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، في منشور على "فيسبوك" أن "المجر تغادر المحكمة الجنائية الدولية. وستشرع الحكومة في إجراءات الانسحاب وفقا للإطار الدولي القانوني المعمول به".
ولم تُقدّم الحكومة المجرية في بيانها تفاصيل إضافية بشأن هذه الخطوة، أو موعد دخولها حيّز التنفيذ، علما بأن التقارير الإسرائيلية كانت قد أشارت مساء أمس، الأربعاء، إلى توقعات بأن تعلن المجر عن انسحابها من الجنائية الدولية خلال زيارة نتنياهو.
وقال نتنياهو، في تعقيبه على إعلان المجر نيتها الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، خلال مؤتمر صحافي مع أوربان، إن "رئيس الحكومة المجري اتخذ قرارًا شجاعًا ومهمًا للعالم كله، بالوقوف في وجه منظمة فاسدة مثل المحكمة الجنائية".
وأضاف نتنياهو "أنت أول زعيم دولة يتخذ هذه الخطوة، وأعتقد أنك لن تكون الأخير ممن ينسحبون من هذه المنظمة الفاسدة"، معتبرًا أن "هذه الخطوة ستحظى بتقدير كبير، ليس فقط من جانب إسرائيل، بل من دول أخرى أيضًا".
بدوره، قال أوربان "كنت رئيس الحكومة الذي وقّع على انضمام المجر إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2000، وأصبحت اليوم أول رئيس وزراء يوقّع على انسحابنا منها". وادعى أن المحكمة تحولت إلى "محكمة سياسية"، وأضاف "لا مكان لدولة ديمقراطية مثلنا فيها".
ساعر يشيد بالقرار المجري
وأشاد وزير الخارجية الإسرائيلي، غدعون ساعر، اليوم الخميس، بقرار المجر الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، واعتبره "قرارًا مهمًا". وقال "لقد عملت أنا ونظيري المجري، وزير الخارجية بيتر سيارتو، بشكل مكثف على هذا الموضوع منذ زيارتي إلى بودابست في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي".
وأضاف ساعر "ما يُسمى ’المحكمة الجنائية الدولية‘ فقد سلطته الأخلاقية بعدما داس على المبادئ الأساسية للقانون الدولي في سعيه للنيل من حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وشكر "رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والمجر على وقفتها الأخلاقية، الواضحة، والقوية إلى جانب إسرائيل".
حماس تدين انسحاب المجر من الجنائية الدولية: "تواطؤ مع نتنياهو"
وأدانت حركة حماس، في بيان، قرار حكومة المجر الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن هذه الخطوة تمثّل "تواطؤًا فاضحًا" مع نتنياهو، الذي وصفه البيان بـ"مجرم حرب فارّ من العدالة الدولية".
وقالت الحركة إن إعلان الانسحاب "يتزامن مع زيارة نتنياهو إلى بودابست، وهو مطلوب للمحكمة على خلفية الجرائم البشعة التي ارتكبها جيشه الفاشي ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة"، ورأت في القرار "موقفًا لا أخلاقيًا، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ومبادئ العدالة الإنسانية".
وأضافت أن "قرار المجر يشكّل صفعة لمبدأ العدالة الدولية، ويجسد سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها بعض الحكومات الغربية، وعلى رأسها المجر والولايات المتحدة، بما يكرّس تقويض النظام القضائي الدولي، ويشجّع على الإفلات من العقاب، ويمثل تهديدًا مباشرًا للسلم والاستقرار العالميين".
وطالبت "حماس" حكومة المجر بـ"التراجع الفوري عن هذا القرار المنحاز والمخزي، والوفاء بالتزاماتها القانونية، وتسليم مجرم الحرب نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبته على جرائمه، ولينال جزاءه العادل على ما ارتكبه من مجازر وإبادة جماعية بحق شعبنا الفلسطيني".
وصباح الخميس، وصل نتنياهو إلى بودابست في أول رحلة له إلى أوروبا منذ 2023 متحديا مذكرة اعتقال دولية صدرت ضده؛ وكان أوربان قد وجّه دعوة لنتنياهو في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد يوم من إصدارمذكرة الاعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
ويرى خبراء أن رئيس الحكومة الإسرائيلية المقرر أن يبقى في المجر حتى يوم الأحد المقبل، يحاول التقليل من أهمية قرار المحكمة الجنائية الدولية، وفي الوقت نفسه صرف الانتباه عن التوترات في الداخل عندما يلتقي حليفه أوربان.
ومن المتوقع خلال الزيارة أن يؤيد أوربان نتنياهو في مقترح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يفتح الباب أمام تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة قسرا، و"نقل" أكثر من مليوني فلسطيني من غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن.
واعتبر مراقبون أن هدف نتنياهو النهائي هو "استعادة القدرة على السفر إلى أي مكان يريده. في البداية يسافر إلى أماكن لا يُخشى فيها الاعتقال، ويُمهّد بذلك الطريق لتطبيع رحلاته المستقبلية".
في شباط/ فبراير الماضي،، قال المستشار الألماني المقبل، فريدريش ميرتس، إنه سيحرص على أن يتمكّن رئيس الحكومة الإسرائيلية من زيارة ألمانيا.
ودعت منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمتي "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، المجر إلى اعتقال نتنياهو إذا سافر إلى البلاد وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ويسري مفعول انسحاب أي دولة من المحكمة بعد عام من إيداع وثيقة الانسحاب، والتي عادة ما تكون بشكل خطاب رسمي بهذا الخصوص، لدى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة.
الجنائية الدولية تذكّر بأن المجر "ملزمة التعاون" بشأن مذكرة اعتقال نتنياهو
بدورها، ذكّرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، بأن المجر تبقى "ملزمة التعاون" بشأن مذكرة التوقيف التي أصدرتها ضد نتنياهو، وذلك عقب إعلان بودابست قرارها الانسحاب من المحكمة.
وقال المتحدث باسم المحكمة، فادي العبد لله، للصحافيين "تذكّر المحكمة بأن المجر تبقى ملزمة التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية". وأكدت الجنائية الدولية أن المجر "ملزمة قانونا" إنفاذ قرارات المحكمة "والمسؤولية تجاه الدول الأطراف الأخرى".
وقال المتحدث باسم المحكمة، فادي العبد الله، "عندما يكون لدى الدول مخاوف بشأن التعاون مع المحكمة، يُمكنها التشاور معها في الوقت المناسب وبطريقة فعالة". وأضاف "مع ذلك ليس من حق الدول أن تُحدد من جانب واحد سلامة القرارات القانونية للمحكمة".
ووقّعت المجر عام 1999 نظام روما الأساسي، المعاهدة الدولية التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية، وصادقت عليها بعد عامين خلال ولاية أوربان الأولى.
ومع ذلك، لم تصدر بودابست أمرا تنفيذيا لتفعيل الالتزامات المرتبطة بالاتفاقية لأسباب دستورية وبالتالي فهي تؤكد أنها ليست ملزمة الامتثال لقرارات المحكمة.
وللمحكمة الجنائية الدولية التي أُنشئت عام 2002، جهاز شرطة خاص بها وتعتمد على تعاون أعضائها وعددهم 125 لتنفيذ أي مذكرات اعتقال.
وكثيرا ما طرحت المجر فكرة الانسحاب من الجنائية الدولية، على غرار بوروندي والفيليبين، بل قررت ذلك حسبما ذكرته إذاعة أوروبا الحرة، الأربعاء، نقلا عن مصادر دبلوماسية.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
التعليقات