كيف أخطأ الغرب قراءة تحركات بوتين: الطريق إلى حلب

جاء التّدخّل العسكريّ الذي فاجأ كثيرين في الغرب ليحرم مقاتلي المعارضة من مكاسبهم. كما سرّع بحدوث تغيّرين في الدّبلوماسيّة الأميركيّة. رحّبت واشنطن بانضمام إيران لطاولة المفاوضات الخاصّة بالأزمة السّوريّة.

كيف أخطأ الغرب قراءة تحركات بوتين: الطريق إلى حلب

طيّارون روس يجهزون طائرتهم قبيل الإقلاع نحو غارات على مواقع سوريّة

في تمّوز/يوليو الماضي بدا أنّ الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد يخسر معركته ضدّ جماعات المعارضة المسلّحة، فخلال حديثه إلى أنصاره في دمشق اعترف بالخسائر الفادحة التي تكبّدها جيشه.

وقال مسؤولون غربيّون إنّ أيّام الرّئيس السّوريّ باتت معدودة وتوقّعوا أن يضطرّ للجلوس إلى طاولة المفاوضات خلال فترة قصيرة.

لكنّ هذا لم يحدث. كانت هناك ترتيبات سريّة جارية لإرسال قوّات روسيّة وإيرانيّة كبيرة لدعم الأسد.

جاء التّدخّل العسكريّ الذي فاجأ كثيرين في الغرب ليحرم مقاتلي المعارضة من مكاسبهم. كما سرّع بحدوث تغيّرين في الدّبلوماسيّة الأميركيّة. رحّبت واشنطن بانضمام إيران لطاولة المفاوضات الخاصّة بالأزمة السّوريّة وكفّت عن الإصرار على ضرورة تنحّي الأسد فورًا.

وقال مسؤول أميركيّ 'انطوى هذا على تقديم بعض التّنازلات بكلّ صراحة من خلال الاعتراف بأنّ هذه العمليّة لن تحقّق أيّ شيء إذا لم تجلس روسيا وإيران إلى الطّاولة.'

كان وراء هذا التّحوّل في الدّبلوماسيّة الذي قرّب واشنطن من موقف موسكو إدراك بطيء للحشد العسكريّ الرّوسيّ في سوريا، وفي نهاية المطاف رفض للتدخّل عسكريًّا.

وقال مسؤول كبير بالشّرق الأوسط، مطلّع على التّفاصيل، إنّ روسيا وإيران وسوريا اتّفقت على نشر قوّات عسكريّة في حزيران/يونيو قبل أسابيع من الكلمة التي ألقاها الأسد في 26 تمّوز/يوليو.

وأضاف المسؤول 'عندما ألقى الرّئيس الأسد خطابه الشّهير في أواخر شهر تمّوز الذي كان يتحدّث فيه عن نقص في الطّاقة البشريّة ويصف المعركة بأنّها معركة وجود كان الاتّفاق الرّوسيّ الإيرانيّ السّوريّ قد أنجز بالفعل في أوائل شهر حزيران وتمّ توزيع الأدوار وكلّ ذلك جاء بعد سلسلة من النّكسات التي أصيب بها الجيش السّوريّ وخصوصًا في جسر الشّغور وأريحا وغيرها.'

وتقول مصادر روسيّة إنّ كميّات كبيرة من العتاد ومئات الجنود أرسلوا على مدار عدّة أسابيع، وهو ما جعل إخفاء العمليّة التي تلوح في الأفق صعبًا.

لكنّ مسؤولًا كبيرًا في الإدارة الأميركيّة قال إنّ القوى الغربيّة لم تدرك نوايا روسيا بالكامل حتى منتصف أيلول/سبتمبر. كان أحد المفاتيح الأخيرة لفهم طبيعة الموقف حين أرسلت موسكو طائرات لا يمكن أن يقودها إلّا أفراد من الجيش الرّوسيّ، وهو ما استبعد احتمال أن تكون مرسلة إلى الأسد.

لكن حتّى لو كانت الولايات المتّحدة أدركت خطط روسيا العسكريّة في وقت سابق على ذلك، فإنّها لم تكن ستغيّر سياستها العسكريّة على الأرجح. أوضح الرّئيس الأميركيّ، باراك أوباما، في مرحلة سابقة أنّه لا يريد أن تخوض واشنطن حربًا بالوكالة ضدّ روسيا. وحين تنبّه الغرب لنوايا الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين، لم تكن لديه أفكار لكيفيّة الرّدّ.

وعلى غرار ما حدث في أوكرانيا عام 2014 بدا الغرب بلا أيّ خيارات بديلة.

ولخّص الرّئيس الفرنسيّ، فرانسوا أولاند، الأجواء بين حلفاء الولايات المتّحدة الأوروبيّين قائلًا 'أفضل أن تكون الولايات المتّحدة أنشط. لكن حيث إنّ الولايات المتّحدة تقهقرت فمن الذي سيتولى زمام الأمور؟ من الذي سيتحرّك؟'

إشارات

في تموز/يوليو العام الماضي، سافر أحد كبار القادة العسكريّين الإيرانيّين، قاسم سليماني، إلى موسكو، في زيارة حظيت بتغطية إعلاميّة واسعة. وقال المسؤول الكبير بالشّرق الأوسط إنّ سليماني اجتمع أيضًا مع بوتين مرّتين قبل ذلك بعدّة أسابيع.

وأضاف 'حدّدوا نقطة الصّفر لوصول الطّائرات والمعدّات الرّوسيّة والطّواقم الرّوسيّة والإيرانيّة.'

في ذلك الحين ذكرت رويترز أنّ روسيا بدأت إرسال سفن الإمداد عبر مضيق البوسفور في آب/أغسطس. لم تكن هناك محاولة لإخفاء هذه التحرّكات وفي 9 أيلول/سبتمبر قالت رويترز إنّ موسكو بدأت المشاركة في العمليّات العسكريّة في سوريا.

وقال كولونيل بسلاح الجوّ الرّوسيّ، شارك في التّحضيرات وقدّم تفاصيل جديدة عن الحشد العسكريّ إنّه تمّ اختيار مئات من الطّيّارين الرّوس وأفراد الأطقم البريّة للمهمّة في سوريا منتصف آب/أغسطس.

وقال مسؤولون أميركيّون إنّ الطّائرات الحربيّة التي أرسلت إلى سوريا شملت طائرات هجوميّة من طراز سوخوي 25 وسوخوي 24 . ويقول مسؤولون أميركيّون إنّه بحلول 21 أيلول/سبتمبر كانت روسيا أرسلت 28 طائرة و16 طائرة هليكوبتر ودبّابات تي-90 متقدّمة ومدرّعات أخرى إلى جانب قطع مدفعيّة وبطاريّات صواريخ مضادّة للطائرات ومئات من أفراد مشاة البحريّة إلى قاعدتها قرب اللاذقيّة.

وعلى الرّغم من الحشد العسكريّ العلنيّ فإنّ الغرب إمّا أنّه هوّن من شأن المخاطر أو لم يتمكّن من إدراكها.

في 22 أيلول/سبتمبر قال وزير الخارجيّة الأميركيّ، جون كيري، إنّ هناك طائرات روسيّة في سوريا للدفاع عن القاعدة الرّوسيّة وهو ما يسمّى 'قوّة حماية' من وجهة نظر المسؤولين العسكريّين الأميركيّين.

في 28 أيلول/سبتمبر أعلن الفرنسيّون بالجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة تنفيذ أولى ضرباتهم الجويّة في سوريا.

وفي ذلك الحين قال وزير الخارجيّة، لوران فابيوس 'المجتمع الدّوليّ يقصف داعش (الدّولة الإسلاميّة). فرنسا تقصف داعش. الرّوس في الوقت الحاليّ لا يفعلون أيّ شيء.'

في اليوم التّالي أعلنت روسيا بدء ضرباتها الجويّة في سوريا.

تحذيرات

قال مسؤول أميركيّ سابق كان في الحكومة في ذلك الحين لرويترز إنّ بعض المسؤولين في واشنطن بدأوا يعبّرون عن قلقهم من أنّ روسيا ستتدخّل عسكريًّا في سوريا قبل بدء القصف بأسبوعين.

وأضاف المسؤول السّابق أنّ مسؤولين في البيت الأبيض وآخرين من المعنيّين بالتّعامل مع قضايا الشّرق الأوسط، تجاهلوا تلك المخاوف لعدم وجود معلومات ملموسة.

ومضى يقول 'كان هناك ميل لقول 'لا ندري. لننتظر ونر'.

ولكن بين تشرين الأوّل/أكتوبر وكانون الأوّل/ديسمبر تغيّر تفكير الولايات المتّحدة كما أوردت رويترز في ذلك الحين.

بحلول كانون الأوّل/ديسمبر خلص المسؤولون الأميركيّون إلى أنّ روسيا حقّقت هدفها الرّئيسيّ وهو تثبيت حكومة الأسد وأنّ عمليّاتها في سوريا قد تستمرّ لسنوات.

وقال مسؤول كبير بالإدارة 'أعتقد أنّ نظام الأسد، بما لا يدع مجالًا للشكّ وبالدّعم العسكريّ الرّوسيّ في وضع أكثر أمنًا على الأرجح مما كان عليه.'

تحوّل دبلوماسي

في تلك المرحلة تحوّلت الولايات المتّحدة إلى طاولة التّفاوض مع روسيا وإيران. ويقول مسؤولون إنّهم لم تكن لديهم خيارات كثيرة في ظلّ عدم استعداد أوباما لإرسال قوّات بريّة إلى سوريا باستثناء مجموعات صغيرة من قوّات العمليّات الخاصّة أو إمداد مقاتلي المعارضة المدعومين من الولايات المتّحدة بصواريخ مضادّة للطائرات.

في ميونيخ في 12 شباط/فبراير أعلن كيري ووزير الخارجيّة الرّوسيّ، سيرجي لافروف، الاتّفاق على إدخال المساعدات الإنسانيّة و'وقف العمليّات القتاليّة' في سوريا، وهو ما يقلّ كثيرًا عن وقف إطلاق النّار.

وقال خبير الشّؤون السّوريّة السّابق، بوزارتي الخارجيّة والدّفاع الأميركيّتين، فريد هوف، والذي يعمل حاليًّا بمؤسّسة المجلس الأطلسيّ البحثيّة 'بوتين قيّم موقف الغرب... خلص بالأساس إلى أنّه يستطيع أن يضغط ويضغط ويضغط ويضغط ولن يواجه أيّ عقبات.'

والآن تختلف نبرة المسؤولين الأميركيّين عمّا كانت عليه في الأيّام الأولى للانتفاضة على حكم الأسد كثيرًا حين قالوا إنّه يجب أن يرحل فورًا. والآن مع دخول الحرب عامها السّادس فإنّهم يقولون إنّ عليهم الدّفع باتّجاه كافّة الاحتمالات الدّبلوماسيّة الممكنة إلى أقصى درجة ويصرّون على أنّ كيري يدرك تمامًا ما تفعله روسيا لتغيير الواقع على الصّعيد الميدانيّ.

وفي شهادة أمام الكونجرس، يوم الأربعاء، اعترف كيري بأنّه لا يوجد أيّ ضمان لنجاح 'وقف الأعمال القتاليّة' مضيفًا 'لست هنا لأجزم بأنّها ستنجح بالتّأكيد.. لكنني أقول لكم إنّ هذا هو السّبيل الوحيد الذي يمكننا من خلاله إنهاء هذه الحرب. البديل هو أن تزداد الحرب سوءً.. أنّ سوريا قد تدمّر بالكامل.'

وأضاف 'نحن بحاجة لنتأكّد من أنّنا نبحث ونستنفد كل خيار ممكن للحلّ الدّبلوماسيّ.'

بالنّسبة لمقاتلي المعارضة فإنّ الواقع مظلم.

ضيّقت القوّات الحكوميّة الخناق على مدينة حلب، وهي رمز مهمّ للانتفاضة. تمّ قطع خطوط إمدادهم من تركيّا ويقول مقاتلو المعارضة في منطقة حلب الآن إنّ سحقهم تمامًا ربّما يكون مسألة وقت.

لكن لا يزال مقاتلون آخرون متفائلين ويقولون إنّ الأسد يحقّق مكاسب بسبب القوّة الجويّة الرّوسيّة وحسب، ولن يتمكّن من الحفاظ على مكاسبه.

وبالنّسبة للسوريّين الذي يعيشون في دمشق تحت سيطرة الحكومة فإنّ تدخّل موسكو أعطى درجة من الثّقة. ويعزون الفضل في واحدة من أهدأ الفترات منذ بداية الحرب إلى مقتل القياديّ بالمعارضة المسلّحّة، زهران علّوش الذي لقي حتفه في ضربة جويّة روسيّة في يوم عيد الميلاد.

اقرأ أيضا: سوريا: نحو 100 فصيل معارض يوافقون على الهدنة

وليس هناك سوى بضعة سيّاح هذه الأيّام. يقول بشار السيالة الذي يملك متجرًا للهدايا التّذكاريّة في المدينة القديمة إنّ معظم زبائنه الأجانب روس. لقد نفدت من متجره للتو الأكواب المطبوع عليها صورة بوتين.

التعليقات