سقوط شرق دمشق: مقاتلون وصحافيون يتهمون الفصائل بالخيانة

​انتهت ثلاث سنوات ونصف من المفاوضات بين النظام من جهة وقوات المعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى في أحياء القابون وحي تشرين وبرزة بشرق دمشق، بترحيل أكثر من 5000 سوري إلى شمالي البلاد، إدلب، برعاية روسيّة، لتنتهي بذلك آخر جيوب المعارضة.

سقوط شرق دمشق: مقاتلون وصحافيون يتهمون الفصائل بالخيانة

(أرشيف)

انتهت ثلاث سنوات ونصف من المفاوضات بين النظام من جهة وقوات المعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى في أحياء القابون وحي تشرين وبرزة بشرق دمشق، بترحيل أكثر من 5000 سوري إلى شمالي البلاد، إدلب، برعاية روسيّة، لتنتهي بذلك آخر جيوب المعارضة في العاصمة السورية.

للمرة الأولى التقى عبد عبد الرزاق هبول وهو 'متطوع مدني ومقاتل من الحي' بابنه في الحافلة التي أقلته من القابون إلى إدلب، يقول هبول لموقع 'عرب 48' إنه وصل إلى إدلب بما يرتديه من ملابس، 'لم يكن هناك وقت لجمع المزيد، وسرق ما معي من متاع أثناء الرحلة، لقد خذلتنا كل الفصائل في القابون ومحيطها، لا أستطيع أن أصف لك كيف أشعر اليوم، كل شيء حدث بسرعة، المفاوضات والخروج، انتهت خمس سنوات من حياتي في القابون، ولا أصدق حتى الآن أنني خرجت منها'.

خلال المعركة الأخيرة، أرسل الهبول، الذي لم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره بعد، إلى دمشق، وبقي يقاتل في الحي، وحتى حين وضعت زوجته مولوده يوسف في دمشق فلم يره، والآن، فقط، يجتمع معه للمرة الأولى في الحافلة المتجهة إلى الشمال.

يرسل لنا الهبول مشاهد من منزله المحترق في القابون، مشاهدُ يتأملها بحرقة، وهو يطوف في أرجاء ريف حماة، الذي وصله اليوم، ولا يزال يبحث عن منزل له يأويه ولعائلته.

مفاضات أم استسلام؟

طوال سنوات، سيطرت المعارضة المسلحة على حي القابون، وهو حي فقير يغلب عليه السكن العشوائي، ومحاط بثكنات عسكرية وأمنية، يتصل بحي أكثر فقرًا هو حي تشرين. منذ مظاهرات عام 2011، وحتى بداية عام 2012، كان الحي قد خرج عن سيطرة النظام، وشرد منه الآلاف من السكان.

في السنوات الأخيرة، تقاسم كل من جيش الإسلام ('الفيلق الثامن') و'فيلق الرحمن' و'حركة أحرار الشام'، السيطرة على الحي، فيما دكّه النظام بكل أنواع السلاح جوًا وبرًا، واستخدم خلال الأسابيع القليلة التي سبقت عملية الإجلاء، سلاحًا جديدًا هو البراميل المتفجّرة.

القوى العسكرية الثلاث الفاعلة في الحي، دخلت في اقتتال في ما بينها أثناء التفاوض، وحوله يقول موقع 'مراسل سوري' إن الأمر وصل بـ 'جيش الإسلام' حدّ اعتقال قائد 'فيلق الرحمن' في الحي، فيما وقعت اشتباكات بين الفصيلين على تخوم الحي في ذات الوقت الذي كان فيه النظام يكثف من قصفه للقابون.

وفيما يرتبط القابون بغوطة دمشق بأنفاق تحت الأرض، تؤمن الإمداد العسكري ونقل المدنيين وحتى الغذاء إلى الحي شبه المحاصر، وفي أثناء المعركة، أغلقت الأنفاق من قبل 'جيش الإسلام' و'فيلق الرحمن' حتى بوجه الجرحى والمصابين القادمين من القابون، وكاد بعضهم أن يقضي على أبواب الأنفاق، لولا تدخل شخصيات اعتباريّة في اللحظات الأخيرة.

وخلال الأسابيع الأخيرة، كان هنالك تياران سياسيان وعسكريان يسيطران على المشهد في القابون، أولٌ يريد الاستمرار في القتال رغم حتمية المعركة لصالح النظام، وثانٍ يريد الاستسلام والمضي في مسار المفاوضات. وفي النهاية انتصر الرأي الثاني، مباشرة بعد اعتقال 'جيش الإسلام' لقائد 'فيلق الرحمن'.

يقول الهبول ' مباشرة بعد الاعتقال انهارت معنوياتنا تمامًا، لم يعد من المجدي القتال أكثر، فعلنا الكثير، صمدنا طوال سنوات بعدد قليل وذخيرة أقل، كان المقاتلون حتى يدخلون في صفقات تبادل أسرى مع النظام، بعد أن يخطفوا ضباطًا وعناصر له، الآن، خذلان الفصائل أنهى الأمر كله'.

خيانة علنية

'هي خيانة علنية' يقول الصحافي رائد صالحاني، لـ'عرب 48' حول اتفاق القابون برزة وحي تشرين 'لم يخرج أي قائد كبير من فصائل المعارضة من الأحياء الثلاث، لقد بقوا هناك، ماذا يمكن أن نسمي هذا؟ اليوم هناك أفكار تطرح لتحويل القابون إلى نقطة تجارية عبر ربطها بأنفاق جديدة مع الغوطة، هذه الأنفاق تدر الملايين على المتحكمين بها، يمر عبرها الناس والبضائع وكل ما يمكن أن يباع ويشترى'.

صفقة القابون التي أدت إلى تسليم الحي إلى النظام تمت من دون أي مقابل، حتى من دون أن يخرج النظام أي معتقل لديه مقابل تسليم الحي، يرفض صالحاني اعتبار أن أيًا من فصائل المعارضة قد قاتلت في القابون 'من قاتل هناك هم شبان سوريون أرادوا الدفاع عن أرضهم فقط، لا يتبعون لأي فصيل أو تشكيل، لا يمكن التصديق أنهم قاتلوا أو صمدوا هناك'.

التفاوض عبر واتس أب

خلال الأسبوع الأخير من عمر المفاوضات، التي باتت متوقفة على موعد الخروج فقط، سرب ناشطون سوريون محادثات أجراها قادة ومسؤولون في ملف التفاوض في شرق دمشق، عبر تطبيق واتس آب، يقول فيها قادة عسكريون محليون إنهم مستعدون لتسليم القابون بشكل كامل لصالح النظام، فيما يمدح أحدهم ويدعى صلاح الخطيب، ضبّاطَ النظام، ويتفاخر بعلاقة تربطه بشقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، ورئيس شعبة المخابرات الجوية، جميل الحسن.

ثلاثة تسجيلات مسربة على الأقل، يتحدث فيها مسؤولو المفاضات بلا أي تجميل عن تسليم القابون، حتى أن أحدهم يقول 'إن تسليم القابون للنظام سيجعل منها باريس سورية'.

مع سيطرته على شرق دمشق، فُتحَ الطريقُ أمام النظام إلى غوطة العاصمة، وباتت كل جيوب العاصمة آمنة بالنسبة له، فيما تم تهجير أكثر من مئة ألف سوري من محيط العاصمة إلى شمال سورية.

التعليقات