ساعات الغوطة الأخيرة: النظام قصفها بكل ما يملك وأهلها يرحلون

تسارع قوات النظام السوري والمليشيات العراقية الإيرانية الموالية له، بالاقتراب من قلب مدينتة دوما، عاصمة الغوطة الشرقية، بشكل أسرع مما كانت تتوقعه فصائل المعارضة المسلحة وعلى رأسها جيش الإسلام وفيلق الرحمن

ساعات الغوطة الأخيرة: النظام قصفها بكل ما يملك وأهلها يرحلون

(عرب 48)

تسارع قوات النظام السوري والمليشيات العراقية الإيرانية الموالية له، بالاقتراب من قلب مدينة دوما، عاصمة الغوطة الشرقية، بشكل أسرع مما كانت تتوقعه فصائل المعارضة المسلحة وعلى رأسها جيش الإسلام وفيلق الرحمن، اللذان كانا فد أعلنا عن تحالف متأخر بينهما، بعد أكثر من عشرة أيام على بدء الحملة العسكرية التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة.

وقصفت دوما خلال 20 يومًا، بالغازات السامة والنابالم الحارق والفوسفور والبراميل المتفجرة، من طائرات النظام السوري والطيران الروسي، كما دكت راجمات الصواريخ وصواريخ الأرض - أرض، مدن وبلدات الغوطة على مدار الساعة تقريبًا، وسمع صدى القصف في كل أرجاء العاصمة دمشق.

يد من حديد

ليل الخميس الثامن من آذار/مارس، يظهر قائد فيلق الرحمن، عبد الناصر شمير، في تسجيل مصور، معلنًا مقتل قائد أركان الفيلق، وواعدًا أهالي الغوطة بالنصر، معتبرًا أن الحملة التي يشنها النظام تهدف إلى تهجيرهم، شمير قال إنه لن يفاوض ولن يساوم ولن يقبل الاستسلام، وأنه سيضرب بيد من حديد كل المتعاونين مع النظام، في إشارة إلى قبول بعض المقاتلين الخروج من الغوطة برعاية روسية.

ظهيرة الجمعة، يظهر قائد جيش الإسلام، عصام بويضاني، يخطب من مكان مجهول خطبة صلاة الجمعة، فيستشهد بمعركتي بدر وأحد، واعدًا بشكل مبطن بالنصر، ويقول إن النظام خسر أكثر من 1000 مقاتل في معارك الغوطة، لم يظهر التسجيل من كان يستمع للخطبة، ولا حتى أرجاء المسجد.

مع مساء يوم الجمعة، كان النظام السوري قد سيطر على أكثر من نصف مساحة الغوطة، بعد أيام من القصف الجوي الروسي والسوري، الذي تسبب بمقتل أكثر من 1000 مدني، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، القصف تم أيضاَ بالغازات السامة، كما أكدت مصادر محلية لـ"عرب 48"، والتي تسببت في حالات اختناق بين المدنيين المحاصرين في الأنفاق.

الرعب الأخير

صباح السبت العاشر من آذار/مارس، يعلن التلفزيون السوري، عن خروج عدد من مقاتلي الغوطة الشرقية، بالحافلات الخضراء، نحو إدلب، من دون أن يحدد تلفزيون النظام العدد الكلي للمغادرين، لترد المعارضة من داخل الغوطة، بأن المغادرين هم من مقاتلي جبهة تحرير الشام "جبهة النصرة"، وعددهم لا يزيد عن ثلاثة عشرة مقاتلًا كانوا في سجون جيش الإسلام!

وفي أنفاق رطبة، يتكدس المدنيون فوق بعضهم البعض، منتظرين أي خبر قد يوقف العمليات العسكرية ضد الغوطة؛ يقول الصحافي فارس الشامي متحدثًا لـ"عرب 48": "وصل أكثر من 50 ألف مدني من البلدات التي سيطر عليها النظام في الغوطة إلى دوما خلال الأيام القليلة الماضية، لا يمكن أن أصف لك حجم المشهد، نساء وأطفال ورجال بلا مأوى، بعضهم حمل قليلًا من متاعه، في مشهد لا تفهم منه شيئًا، لم قد تحمل ما يزيد تعبك من أثاث ومعدات المطبخ، وأنت تعلم أنك تتجه إلى قلب المعركة من جديد؟".

يتمكن أهالي الغوطة من التواصل مع العالم الخارجي عبر خدمة الإنترنت التي تصل إليهم من مناطق سيطرة النظام، أي منهم، وفور تواصلك معه، يسألك عن آخر التطورات السياسية حول الغوطة، حتى الناشطون الذين كانوا حتى الأمس يشتمون كل المجتمع الدولي، عادوا إلى انتظار تحرك قد يوقف المذبحة المستمرة بحقهم.

مساء أمس، السبت، يدخل النظام بلدة مسرابا، ويقترب أكثر من مدينة حرستا، التي كان قد دمر الطيران الحربي أكثر من 70% من مبانيها، ورحل عنها سكانها قبل أشهر، بعد ساعات يعلن النظام السيطرة على بلدة حمورية، وأن سكانها صعدوا إلى حافلات ستنقلهم باتجاه إدلب في شمال سورية.

ليل السبت، يصل عدد الغارات التي يشنها النظام على بلدة دوما في يوم واحد، إلى 75 غارة، فيما تعلن المعارضة استهداف النظام لعربين بالقنابل الفسفورية، وأن أكثر من عشرين مدنيًا قتلوا في دوما منذ ذات الصباح، ليعلن جيش الإسلام بعد ذلك عن قطعه لطريق دمشق بغداد الذي يعتبر خط الإمداد الأول للنظام.

المفاوضات المرة

بثت قاعدة حميميم العسكرية الروسية في اللاذقية، بشكل شبه يومي، وطوال عشرين يومًا من الحملة على الغوطة، أخبارًا عن مفاوضات تخوضها مع فصائل الغوطة، فيما نفت الفصائل بشكل شبه تام أي مفاوضات مع الجانب الروسي.

كانت موسكو قد وقّعت مع جيش الإسلام اتفاقًا لضم جنوب دمشق إلى مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في اجتماعات أستانة، في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي في القاهرة، آنذاك كانت الخطة الروسية الخاصة بالغوطة، تنص على تحويل فصائلها، وعلى رأسها جيش الإسلام، إلى جهاز شرطة محلي، وإخراج جبهة تحرير الشام نحو إدلب، لكن موسكو غيرت من شروط التفاوض، لتحولها عمليًا، إلى شروط استسلام.

ليل السبت، قال بيان رسمي صدر عن "القيادة الثورية في دمشق وريفها"، إن المكون العسكري في الغوطة ممثلا بـ"بفيلق الرحمن" اجتمع مع المكون المدني مجسدا بالأمانة العامة، والتي تضم ممثلين عن بلدات الغوطة، لتدارس الوضع الميداني في المنطقة وما تواجهه من حملة عسكرية شرسة.

وأوضح البيان أن المجتمعين اتفقوا على عدة بنود، أبرزها وأولها: حسم الخيارات واتخاذ قرار الصمود والثبات في الغوطة الشرقية بالإجماع ورفض خيارات الاستسلام والتهجير القطعي. إلا أن قاعدة حميميم، استمرت في بث أخبار عن مفاوضات مع فصائل في الغوطة، في إشارة إلى جيش الإسلام.

مدنيو القيامة

عشرون يومًا بلا طعام كاف وبلا أي دواء، حتى المساعدات الطبية التي كانت ضمن قافلة الأمم المتحدة، سحبها النظام قبل دخول الحافلات إلى الغوطة.

فجر السبت، أضطر المدنيون إلى جمع الجثث في غرفة تحت الأرض، من دون أي قدرة على دفنها، حيث عرفت دوما أكثر من 75 غارة خلال يوم السبت فقط، لم يعد أي من الطعام متوافرًا، ساعات الهدنة الخمس التي كانت سمحت بها موسكو قبل أيام، كانت تسمح لهم ببعض الحركة، لكن الهدنة انتهت ولم يعد بإمكانهم حتى تأمين مياه الشرب.

قصفت دوما خلال عشرين يومًا، بالغازات السامة والنابالم الحارق والفوسفور والبراميل المتفجرة، من طائرات النظام السوري والطيران الروسي، كما دكت راجمات الصواريخ وصواريخ الأرض أرض، مدن وبلدات الغوطة على مدار الساعة تقريبًا، وسمع صدى القصف في كل أرجاء العاصمة دمشق.

 

التعليقات