أهالي دوما يترقبون مصيرهم: تفريغ جنوب الغوطة ووسطها

مع وصول آلاف المدنيين والمقاتلين، اليوم الأربعاء، تباعًا، إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في إدلب إثر إجلائهم بعد منتصف الليل عن الغوطة الشرقية قرب دمشق، تتواصل عملية التحضير لتهجير الدفعة الخامسة من مدينة عربين السورية، يما لا يزال مصير دوما

أهالي دوما يترقبون مصيرهم: تفريغ جنوب الغوطة ووسطها

(أ ب)

مع وصول آلاف المدنيين والمقاتلين، اليوم الأربعاء، تباعًا، إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في إدلب إثر إجلائهم بعد منتصف الليل عن الغوطة الشرقية قرب دمشق، تتواصل عملية التحضير لتهجير الدفعة الخامسة من مدينة عربين السورية، لتكتمل تقريبًا عملية تهجير مدن وبلدات جنوب الغوطة ووسطها، فيما لا يزال مصير دوما، أبرز مدن الغوطة، مجهولًا، وسط مفاوضات مبهمة بين روسيا والفصيل المعارض حول مصير المدينة.

ونقل "العربي الجديد" عن الناشط عامر الإدلبي، قوله، إنّ "قرابة ثلاثة آلاف من مهجري الغوطة الشرقية وصلوا ضمن الدفعة الرابعة إلى معبر قلعة المضيق شمال غرب حماة، وبدأوا بالتوجه إلى مناطق ومراكز الإيواء في ريف إدلب".

وغادرت الدفعة الرابعة بعد منتصف الليلة الماضية، وتضمّ 52 حافلة تقل 3252 من المدنيين والمقاتلين المهجرين من مدن وبلدات القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية، باتجاه محافظة إدلب.

ووفق وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، تم بعد منتصف الليل، إجلاء دفعة جديدة من جنوب الغوطة الشرقية مؤلفة من 101 حافلة على متنها "6432 شخصًا بينهم 1521" مقاتلًا.

ولفت الناشط، عامر الإدلبي، إلى أنّ المهجرين يعانون من أوضاع مزرية، كما وصلوا إلى قلعة المضيق في ظل أجواء ماطرة ما زاد من معاناتهم.

وفي الغوطة الشرقية، تستمر عملية التهجير حيث يتم التحضير لخروج الدفعة الخامسة والتي من المتوقع أن تضم قرابة ألفي شخص من مقاتلي المعارضة والمدنيين الرافضين للمصالحة.

وقال الناشط، محمد الشامي، إن الحافلات دخلت إلى عربين وحملت قرابة ألفي شخص وتنتظر إذن قوات النظام من أجل الانطلاق إلى الشمال.

ومع وصول الدفعة الرابعة إلى إدلب يبلغ عدد المهجرين من القطاع الأوسط بالغوطة الشرقية قرابة 16 ألفًا جلُّهم من المدنيين الرافضين للمصالحة والتسوية مع النظام.

من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أنّ 128 ألف شخص خرجوا من الغوطة الشرقية منذ بداية الهدنة الإنسانية في 28 فبراير/شباط الماضي.

ولفتت الوزارة الروسية إلى أنّ "25.5 ألف شخص خرجوا من مدينة دوما في الغوطة الشرقية عبر مخيم الوافدين، منذ بداية الهدنة".

كان يعيش في الغوطة قبل الحملة العسكرية الأخيرة للنظام ما بين 350 ألفًا إلى 400 ألف شخص، منهم 175 ألفًا يعيشون في مدينة دوما، التي لا تزال خاضعة للحصار.

وتبلغ المساحة المتبقية بيد المعارضة في شمال الغوطة نحو (14 كيلومترًا) تعادل نسبة 13 بالمائة من المساحة التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة قبل أكثر من شهر.

مفاوضات غامضة

وتجري مفاوضات غامضة نوعًا ما بين عسكريين روس وممثلين عن المدينة لتحديد مصيرها.

وقال المتحدث الرسمي باسم "جيش الإسلام"، حمزة بيرقدار، في تصريح لوكالة "رويترز"، إنّ "مقترحات قدمت لروسيا بشأن الوضع في دوما، لكنّهم لم يتخذوا أي قرار حيالها حتى الآن، ومن المتوقع عقد اجتماع اليوم الأربعاء لاستكمال هذه المداولات".

أضاف: "نحن قرارنا قدمناه وهو البقاء، وهذا ليس قرارًا على مستوى جيش الإسلام فقط، وإنما على مستوى جميع المؤسسات والفعاليات والشخصيات الثورية في دوما".

وأوضح بيرقدار أن "نظام بشار الأسد وحليفته روسيا يسعيان لفرض تغييرات في التركيبة السكانية على المنطقة بإجبار سكانها على الرحيل".

في هذا السياق، بعث "جيش الإسلام" برسالة إلى دول مجلس الأمن، يبلغهم فيها بمبادرة كان قد قدمها الفصيل إلى الجانب الروسي كحل لتردي الأوضاع في الغوطة الشرقية بريف دمشق.

ووفقًا للرسالة، فإنّ الجانب الروسي يرفض هذه المبادرة التي تضمنت وقفًا فوريًا لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإدارة الأمن في دوما بالتنسيق المباشر بين "جيش الإسلام" والقوات الروسية والشرطة المحلية.

كما تضمّنت المبادرة إدخال المؤسسات التابعة للنظام السوري إلى مدينة دوما، وتشكيل لجنة أهلية محلية للتنسيق مع النظام تحت إشراف مكتب الأمم المتحدة في دمشق.

وكانت مصادر صحافية ذكرت أنّ "جيش الإسلام" رفض مقترحات روسية بتسوية أوضاعه، وتحول مقاتليه إلى "قوات حماية شعبية" تعمل مع النظام في دوما.

تهديد روسي بالإبادة

وكشفت المصادر أنّ روسيا هدّدت بإبادة مدينة دوما، ما لم يرضخ "جيش الإسلام" لشروطها، ضمن المفاوضات الجارية بين الطرفين، مشيرةً إلى أنّ "الجانب الروسي منح جيش الإسلام مهلة 48 ساعة لقبول مغادرة المدينة، وفي حال رفض الخروج، سيمدد وقف إطلاق النار حتى يوم غد الخميس، وإلا ستتم إبادة المدينة بشكل كامل كنوع من الانتقام".

في غضون ذلك، نقلت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام عن مصادر عسكرية قولها إنّ جميع القوات العاملة في الغوطة الشرقية تستعد لبدء عملية عسكرية ضخمة في دوما، "ما لم يوافق جيش الإسلام على تسليم المدينة ومغادرتها".

وتابعت أنّ هذا التطور "يأتي على ما يبدو بعد إخفاق المفاوضات التي كانت تجري برعاية روسية مع "جيش الإسلام" لتسليم دوما، وإبرام اتفاق على غرار الاتفاقات التي عقدت مع باقي المليشيات المسلحة في بلدات الغوطة الشرقية".

من جهتها، قالت "القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية" الروسية، عبر حسابها في "تلغرام": "لن نسمح على الإطلاق ببقاء أي قوة مسلحة خارج سلطة الحكومة السورية في محيط العاصمة دمشق"، مشيرة إلى أن "المهلة الروسية الممنوحة للمسلحين غير الشرعيين ستكون الأخيرة".

غير أنّ العديد من المراقبين يعتقدون أنّ "جيش الإسلام" لديه بالفعل أوراق تفاوضية أقوى مما كان لدى فصائل المعارضة الأخرى في الغوطة، وأنّه قد ينجح في انتزاع تسوية بشروط مختلفة، أي لا تتضمن التهجير وتسليم مدينة دوما للنظام.

وقال الصحافي، شادي عبدلله، إنّ "جيش الإسلام لديه علاقات قديمة نسبيًا مع روسيا، وهو يسعى لصفقة معها تتضمن تمكينه من إدارة المدينة، أمنيًا دون دخول القوات العسكرية والأمنية للنظام، لكن مع السماح بدخول مؤسسات النظام المدنية والخدمية".

واستشهد عبدالله بكلمة قائد "جيش الإسلام"، عصام بويضاني، التي وجهها قبل أيام لفصائل درعا، وشدّد فيها على ضرورة وجود "قوة سنية" بالقرب من العاصمة دمشق، ما قد يؤشر إلى وجود تفاهمات إقليمية ودولية تقوم على توزيع المناطق على أساس طائفي، ويكون "جيش الإسلام" هو ممثل "السنة" للوقوف في وجه التمدد "الشيعي" الذي تقوده إيران وتستهدف من خلاله الهيمنة على دمشق وريفها.

وذكر عبدالله أنّ إستراتيجية "جيش الاسلام" العسكرية، وتحالفاته السياسية، كانت دائمًا تراعي أنّ يلعب دورًا رئيسيًا في مستقبل سورية، وأنّه ليس من السهولة تحييده وبعثرة وجوده على غرار الفصائل الأخرى، مشيرًا إلى "أوراق قوة أخرى لدى جيش الإسلام تتمثل في قوته العسكرية وأسلحته الثقيلة، وتمكّنه من بناء مؤسسة عسكرية منظمة إلى حد بعيد، فضلًا عن العدد الكبير من أسرى النظام لديه والمقدر بعدّة آلاف ما بين عسكريين ومدنيين موالين للنظام".

وبين عبدالله، أنّ "جيش الإسلام" إذا لم يتمكن من تحقيق مطالبه في البقاء بالغوطة، فالأرجح أنه لن يخرج إلى الشمال السوري حيث تسيطر "هيئة تحرير الشام"، التي خاض ضدها معارك عنيفة في الغوطة وغيرها من المناطق، مشيرًا إلى أن وجهته قد تكون إلى محافظة درعا في الجنوب، وهذه ستكون مشكلة للنظام السوري وروسيا، لأن منطقة الجنوب قد تكون هي المحطة التالية للنظام بعد الغوطة، الأمر الذي سوف يصعب من مهمة الأخير في فرض شروطه على تلك المنطقة.

التعليقات