مصور سوري من غبار القصف في حلب إلى ملاعب أوروبا

بالنسبة لعبد الكافي، تلك الصور هي ما يسميه "وصمة عار على جبين الإنسانية والمجتمع الدولي"، فقد مرت الصور كأنها صور عادية رغم كل القصص التي كانت تحملها، وتتحدث عنها. "البشر في تلك الصور لم يكونوا أرقاما، هم ضحايا ومظلومون"..

مصور سوري من غبار القصف في حلب إلى ملاعب أوروبا

لا يزال المصور الصحافي السوري، زكريا عبد الكافي، غير قادر على وصف الأيام التي عاشها في حلب، وغطى فيها عمليات القصف التي تعرضت لها المدينة، بكافة أنواع الأسلحة من قبل الطيران الروسي وطيران النظام آن ذلك. يقول لعرب 48 "أنها فترة تشبه الحلم، لا زلت لا أدرك كيف لا زلت حيا"...

في باريس يقيم عبد الكافي اليوم، وقد بدأ العمل مؤخرا كمصور صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب)، يغطي لها فعاليات ثقافية وسياسية في البلد الذي استقبله كلاجئ عام 2016، قبل أن يلتحق بوكالة الصحافة الرسمية في البلاد عام 2017، بعد ما يصفه "بالجهد والعمل وتطوير الذات" الذي لا يزال مستمرا حتى اليوم.

من المعارك إلى الملاعب

قبل أيام قليلة حصل عبد الكافي على اعتماد تغطية الدوري الفرنسي بكرة القدم، ومباريات دوري أبطال أوروبا التي ستقام في باريس، تحديدا لقاء الإياب من الدوري الأوروبي، الذي سيجمع فريقي باريس سان جرمان وليفربول.

يقول عبد الكافي "أعتقد أنه إنجاز فريد من نوعه، أي أن أدخل ملاعب أوروبا لأغطي مباريات في منافسات كنت أتابعها من حلب كأي مشجع منذ طفولتي".

عبد الكافي سيكون أول مصور صحافي سوري يشارك في تغطية بطولة من هذا النوع من أرض الملعب، وهو الشاب الذي لا تزال آثار الإصابة التي تعرض لها في العين بحلب، تعيش معه حتى اليوم، لكنها لم تمنعه عن الوقوف خلف العدسة، التي نقل من خلالها عذابات لا يمكن أن تنسى كما يقول.

حلب ذاكرة وصورة

لا تزال ذاكرة من غادروا حلب بموجب الاتفاق الذي أتى بعد عمليات قصف مستمرة أودت بحياة المئات في نهايات عام 2016، تحتفظ بأكثر المشاهد ألما وحزنا. عبد الكافي الذي انضم باكرا للحراك الثوري في سورية عام 2011، ووجد نفسه يعمل كمصور لصالح قنوات محلية وعربية، ويعتبر نفسه واحدا من الناجين من أيام حلب الصعبة، لا تغيب المقارنة عن باله بين حاله قبل عام 2016 وحاله اليوم، فيقول "عشت في حلب مع فكرة بسيطة: أنت لا تعرف متى ستموت أو متى ستصاب".

أصيب عبد الكافي، قبل أن يترك حلب، إصابة يقول إنها دفعته لأن يكون أكثر قوة في عمله، وحملت له الشغف "الشغف بأن أطور عملي أكثر، وأحقق النجاح الكبير الذي أحلم به. أنت تعلم ما هي أوروبا اقتصاديا، وكم هي الحياة فيها صعبة، بالذات على اللاجئين، أرغب بأن أعمل كثيرا، وأن أحقق الكثير في وقت قصير".

لا تزال عيون عبد الكافي تتجه إلى سورية، وما تشهده من تطورات، ولا يزال يحلم بأن تنجح الثورة في البلاد بعد أكثر من سبع سنوات من اندلاعها.

ويقول "أتمنى أن يسقط كل المجرمين. اليوم لا أستطيع أن أفعل الكثير، لكنني أشارك في كل النشاطات السورية هنا في باريس، كما أعمل على تقارير صحفية انشرها في وكالة الصحافة الفرنسية عن بلادي، وأحاول نشر أخبار سورية بين أصدقائي الفرنسيين".

الصورة التي هزمت

لا يؤمن عبد الكافي بالعمل السياسي السوري، ويعتبر أن جميع السوريين الذين عملوا في السياسة قد فشلوا في تحقيق ما كان يرغب به الشعب السوري. ويضيف: "لوكان لدينا سياسيون جيدون لكان وضع الصورة بألف خير".

ويغلب الحدث الإنساني على عقله حين تسأله عن الصورة التي يتمنى أن يلتقطها في سورية، فيخبرك عن المظاهرات والنشاطات المدنية التي تشهدها بعض مناطق سورية، فيما "الواجب هو من يحدد اللقطة وليس أنا" يختم قوله.

رغم آلاف الصور التي التقطت في سورية خلال السنوات الماضية، صور لأطفال ونساء خرجوا للتو من بعد غارة، وصورة لأب يبكي أطفاله، وثالث غُطي بغبار القصف فغابت ملامحه، ورغم أن بعض الصور تصدرت أغلفة الصحف والمجلات العالمية، إلا أن كل ذلك لم يغير شيئا، في الواقع السياسي والعسكري في البلاد التي تعرف صراعا قالت عنه الأمم المتحدة إنه أنتج أكبر مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.

بالنسبة لعبد الكافي، تلك الصور هي ما يسميه "وصمة عار على جبين الإنسانية والمجتمع الدولي"، فقد مرت الصور كأنها صور عادية رغم كل القصص التي كانت تحملها، وتتحدث عنها. "البشر في تلك الصور لم يكونوا أرقاما، هم ضحايا ومظلومون"، في ذاكرة عبد الكافي صور مثل صورة الطفل "عمران"، صور لحظات القصف بالـ"البراميل" واللحظة التي فقد فيها عينه.

سألنا عبد الكافي عن موعد العودة إلى سورية، قال بدهشة "كيف؟" قبل أن يتابع أنه سيعود إليها بعد أن يزاح عنها النظام وكل مجرم منها، وبعد أن تتم محاسبة كل المجرمين فيها "حينها أعود إلى سورية، أنا اليوم بعيد جدا، أفقد الأمل في بعض الأحيان، لكني أبقى على أمنيتي أن تبقى سورية بخير وسلام".

يتابع عبد الكافي كما الكثيرين من المصورين والفنانين والناشطين السوريين الحياة في دول الاتحاد الأوروبي، بعضهم مثله يحملون أثرا دائما عن أكثر الأيام ألما التي عرفوها في سورية، منهم من يحاول في كل مرة وفي كل موقع أن يذكر بما يحدث وحدث بسوريين لم يأبه بهم السياسيون طوال سنوات.

التعليقات