حلا ورحلة اللجوء في الأردن.. الأطفال السّوريّون يبحثون عن السّعادة

من أرض شعلة الثورة في درعا، نزحت عائلة إبراهيم شَلش، ومئات العائلات معها قبل نحو عامين، إلى محافظة عجلون في الأردن، على الحدود السورية الأردنية، هروبا من الفقر إلى الفقر.

حلا ورحلة اللجوء في الأردن.. الأطفال السّوريّون يبحثون عن السّعادة

الطفلة حلا (تصوير: "عرب 48")

من أرض شعلة الثورة في درعا، نزحت عائلة إبراهيم شَلش، ومئات العائلات معها قبل نحو عامين، إلى محافظة عجلون في الأردن، على الحدود السورية الأردنية، هروبا من الفقر، إلى الفقر.

كان البيت الجديد لعائلة إبراهيم، عبارة عن غرفة واحدة متهالكة، تكاد لا تحتوي على أساسيات متطلبات الحياة، يعيش فيها إبراهيم وزوجته وأبناؤه الستّة، والتي كانت الطفلة حلا، ذات الثلاثة أعوام، أجملهم، إلا أن حزنها ونظرتها تبعثان في النفس شعورا بالذنب، وكأننا مسؤولون عن أسباب بؤسها!

البيت الجديد للعائلة عبارة عن غرفة واحدة (تصوير: "عرب 48")

في الأغوار، كان الحر شديدا، لدرجة أن ملابسنا الصيفية الخفيفة، تبلّلت من العرق. لم نكُن نطيق الحر، وتذمرنا في داخلنا لكننا سكتنا، ولكن نظرة واحدة إلى حلا، حرّكت فينا المشاعر وكانت كافية لتعطينا درسا في الصبر، ولا سيّما أننا نرى طفلة تنتعلُ في قدميها ما لا يٌنتَعَلُ إلّا في شتاء قارس.

وقفت الكلمات هنا، ولم نجرؤ على السؤال حتى، لماذا تنتعلُ حلا جزمة شتائية طويلة، في جوفها صوف كثيف لصدِّ البرودة الشديدة، في أجواء حارة كهذه؟، لأن الجواب واضح وبديهيّ؛ فلو امتلكت حلا ما تنتعلُ غير الجزمة، لانتعلَته.

انطلقنا عشيّة العيد، لنُوزِّع الهدايا المتواضعة على الأطفال السوريين في عجلون، ثم جاءت حلا، في ليلة حارة، تنتعل ذات الجزمة الشتائية. عرفتها، ورأيتُ في وجهها سرورًا لا يُوصف، فأعطيتها هدية، وأوقفتها ووالدها لألتقط لهما صورة تذكارية، بعثت السعادة في نفسي.

إلى عجلون

تُعدّ عجلون إحدى المحافظات الأردنيّة الكبيرة، فيما يظهر الفقر فيها جليًّا إذا ما قورِنَت مع باقي المحافظات، تحدُّها الحدود السورية، وتعيش في أحيائها العشوائية عوائل اللاجئين السوريين، الذين فروا من نار الحرب في سورية، وغالبيتهم من منطقة درعا.

ظُروف اللاجئين في عجلون أشد ضراوة وقساوة من الظروف التي تُعاشُ في المخيمات التي ترعاها الوكالات، إذ إن لاجئي المخيّمات التي ترعاها الوكالات، يتلقون مساعدات شهرية، فيما يعتاش اللاجئون في عجلون على الفتات، فبينما تكسوا الخيام لاجئي المخيّمات وتأويهم، قد لا يجدُ العديد من اللاجئين في عجلون مأوى يقيهم، ليقضوا فيه ليلتهم.

أطفال سوريون نازحون (الأناضول) 

في البيوت شاهدت شبابًا مصابين، ونساءً من ذوات الاحتياجات الخاصّة، دون عناية، ومسنين مكسوري الخاطر، وأطفالًا ورجالًا مبتوري الأطراف، وغيرهم ممن فقدوا إما حبيبًا، أو قريبًا، أو صديقا، لكن اللافت في الأمر، هي تلك الابتسامة التي تعلو وجوه السوريين اللاجئين، وكأنها تُشير إلى يُسرٍ آتٍ.

أما حلا، صاحبة الابتسامة التي تشرح الصدر، والتي كانت تسير دائما رفقةَ والدها، تعيش في مأساة لا تدركها، ولعلَّ المُضحِك - المُبكي في قصّتها أنها تظنّ أن أصوات القنابل والبراميل المتفجرة التي تُسمعُ على الدّوام، هي نوعٌ من المفرقعات التي تُطلَق ترحيبًا وفرحةً بمجيئها، كما قال لها والداها اللذين ذكرا أنهما، خارجان وإيّاها، رفقة أشقّائها، في رحلة ترفيهية حينما تركوا منزلهم في درعا. 

وفيما يتألّم الوالدان يوميا على قساوة الظروف التي منعتهما من منح أبنائهما أبسط الاحتياجات التي قد يطلبها أي طفل، لا تنفكّ حلا عن سؤالهما يوميا عن موعد انتهاء "الرحلة الترفيهية"! 

اليوم الثاني

لم أتمالك نفسي وأنا أرى طابورا من الأطفال المصطفّين أمام السيارة التي كانت توزع الهدايا. عجزتُ عن الكلام وأنا أرى أطفالا ينتظرون هدية متواضعة، مستعدين لركض مئات الأمتار للحصول عليها، وما زاد ألمي هو تفكيري في الفرق بين الحياتيْن التي عاشها أفراد تلك العائلات، ففي حين كانت لهم حياةٌ، ومنزل، في سورية، ها هم اليوم في حياتهم الجديدة، أقسى ما يستطيعون فعله هو الاستنجاد بأية جهة لتقديم المساعدات.

(الأناضول) 

اليوم الأخير

وصلنا إلى اليوم الأخير، والفعالية الأخيرة من حملة الإغاثة هذه. صرنا نوزّع طرودا للعائلات في المركز الإسلامي في عجلون، بعد توزيع قسم منها في البيوت، بدأنا بتوزيع هدايا، وتجمَّع حولي عدد من الأطفال، في شارع يطلّ على عدد من البيوت الكئيبة. سنترك هذه البيوت والأطفال على حالهم، ثلاثة أيام عشناها وكأنها ثلاث سنوات، حتى وإن زرعنا الابتسامة لوقتٍ مؤقت، فإن الحال سيعود مجددا كما كان عليه قبل مجيئنا.

كنت أُجهزّ أغراضي للعودة، فجأة شدَّني صوت حلا وهي تقول: "شكرا عمّو على الهدية"، لأجد نفسي مأخوذا كأن شيئا فيها يبعث الأمل بعد اليأس، وينثر الفرح بعد الحزن. عدت إلى منزلي وأنا أفكّر؛ ربّما أعود يوما، وربما لا، ولكنني أثق أن حلا، ومئات الأطفال السوريين مثلها في عجلون، وفي مخيمات اللجوء، ينتظرون هدايا أخرى، وينتظرون الابتسامة، وينتظرون حياة تليق بالأطفال، بعيدة عن المجازر، والجوع، والظّلم، والدّم!

التعليقات