خوف الليبيين من الجوع في رمضان بسبب الحرب

سكان طرابلس يشعرون بالقلق ويدركون أن الحرب تزيد من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها منذ غرقت ليبيا بالفوضى بعد سقوط نظام معمر القذافي.

خوف الليبيين من الجوع في رمضان بسبب الحرب

سوق في طرابلس (أ ف ب)

يتجول محمد النويري (69 عاما) على كرسي صغير داخل سوق الرشيد المشهور وسط العاصمة طرابلس، وينصب يوميا بسطته الخشبية لعرض بعض البهارات والثوم المغلف، مصدر رزقه ورزق أهل بيته، مترقبا قبل أيام من بدء شهر رمضان، الزبائن الذين أنهكتهم سنوات من الأزمات والحروب.

وقال محمد النويري لوكالة "فرانس برس" وهو يغلف الثوم بأكياس، "أصابني الإرهاق وغيري كثيرون مثلي. نقاوم عاما تلو آخر في ظروف استثنائية والحرب تتربص بنا، كلما نشعر ببصيص أمل، يطفو للسطح صراع عسكري بين الليبيين".

ويشنّ المشير خليفة حفتر، الذي يطلق على قوّاته اسم "الجيش الوطني" والمدعوم من دول خليجية، منذ الرابع من نيسان/ أبريل هجوما على طرابلس حيث مقرّ حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.

وقد قتل 392 شخصا وأصيب 1936 بجروح في هذه المعركة خلال شهر نيسان/ أبريل، وفقا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية أمس الخميس.

وتتركز المعارك جنوب العاصمة، ولم تصل إلى أحيائها، لكن سكان طرابلس يشعرون بالقلق ويدركون أن الحرب تزيد من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها منذ غرقت ليبيا بالفوضى بعد سقوط نظام معمر القذافي.

وتابع النويري "أنا فخور بإطعام أولادي من الحلال. منذ سنوات، أواظب على المجيء إلى هنا، لإعالة أسرتي المكونة من عشرة أفراد، لدي أولاد في الجامعة وابنة معاقة بدنيا"، مضيفا "أنا مصاب بالسكري وأشتري دوائي بشق الأنفس".

وأشارت منال خيري (45 عاما) وهي تتجول داخل سوق البقوليات، إلى أنها تأتي كل عام إلى هذا المكان لشراء بعض الحمص والعدس ومستلزمات خاصة برمضان.

سوق طرابلس (أ ف ب)

وفي السابق كان يشهد هذا السوق زحمة في مثل هذه الأوقات، لكن الحال تغير بفعل الظروف الاقتصادية التي تمر بها ليبيا، وصعوبة الحصول على السيولة النقدية من المصارف.

وقال خيري إن المبلغ الذي سحبته من المصرف لا يكفي لسدّ احتياجات عائلتها سوى الأسبوع الأول من شهر رمضان.

ورفعت يدها صوب السماء قائلة "أرجو من الله أن يجمع شمل الليبيين، لأننا الآن نقتل بعضنا وثروات بلدنا تسرق في وضح النهار".

وقال التاجر عبد الله الشايبي إن المعارك التي يشهدها محيط طرابلس "باتت مزعجة ومقلقة، وجعلت آلاف الناس يتركون منازلهم".

وأضاف: "ألاحظ أن شريحة واسعة من الليبيين عاجزة عن شراء أبسط مقومات الحياة، بعض العائلات تعدّ تأمين وجبات الطعام إنجازا، وهو أمر لم نعتد عليه في بلاد غنية بالنفط".

وتابع قائلا بينما يقف أمام محل لبيع التمور، "بلادنا مشهورة عالميا بإنتاج التمر، نجد أنفسنا عاجزين عن شرائه بعد ارتفاع ثمنه ضعفين". ثم يتساءل "هل يمكن تخيل مائدة الليبيين في رمضان خالية من التمر الذي يمثل رمزية وروحية وقت الإفطار؟".

ويذكر أن المصارف التجارية الخاصة والحكومية تعجز عن توفير السيولة للمواطنين، على الرغم من برنامج إصلاحات اقتصادية أقرته حكومة الوفاق العام الماضي.

سوق طرابلس (أ ف ب)

أضرار النزوح

وقد تسببت المعارك الدائرة عند أطراف طرابلس بحركة نزوح كبيرة، جزء كبير منها باتجاه الأحياء الداخلية للعاصمة، ما فاقم معاناة السكان مع قرب حلول شهر رمضان.

وقال مالك الذي قصد السوق لشراء حاجياته "الحرب أخرجت آلاف من سكان جنوب طرابلس من منازلهم، وغادر معظمهم مسرعين دون التمكن من أخذ حاجاتهم الأساسية، ما جعل الأعباء المالية تثقل كاهلهم. مع رمضان سيواجهون أوقات قاسية لتأمين حتى وجبة الإفطار".

وأشار إلى أن رمضان هذه السنة "سيكون الأشد والأقسى" منذ أعوام على سكان طرابلس.

ويذكر أن عدد النازحين من مناطق الاشتباكات ارتفع إلى 55 ألف شخص، وفقا لأرقام حكومة الوفاق الوطني.

ومن اجل استدراك الوضع، فتحت الحكومة مدارس عامة لاستضافة عدد كبير من النازحين، فيما فضل غيرهم النزول عند أقارب لهم، أو يقيمون في مخيمات مستحدثة.

وحذرت مساعدة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا ماريا دو فالي ريبيرو الأحد الماضي من "خطورة" الأوضاع الإنسانية في طرابلس، مشيرة إلى احتمال تدهورها.

وقد حاولت حكومة الوفاق استباق رمضان بمحاولة تطمين المواطنين.

سوق طرابلس (أ ف ب)

وتحدث نائب رئيس لجنة الطوارئ التابعة للحكومة عثمان عبد الجليل، بحسب بيان رسمي، باسم وزارة الاقتصاد تأكيدها "أن جميع السلع الأساسية متوفرة وبشكل جيد جداً، وتغطي كافة احتياجات المواطنين طيلة شهر رمضان المبارك وما بعده".

وأدت الأزمة بعض الجمعيات الخيرية إلى إطلاق مبادرة "الإفطار الجماعي".

وقال رئيس جمعية خيرية في طرابلس مفتاح إدريس "قررنا مع بعض الجمعيات المساهمة في التخفيف على النازحين وعلى البلديات التي تتحمل ضغطا هائلا مع استمرار حركة النزوح، وقررنا إطلاق مبادرة الإفطار الجماعي".

وأضاف أن "الإفطار الجماعي ليس جديدا في ليبيا. كل رمضان توجد مثل هذه المبادرات. لكن هذه المرة مختلفة لأننا سنقيم إفطارا جماعيا في بعض مقرات ومخيمات النازحين"، معربا عن أمله في أن يترك ذلك "أثرا طيبا نفسيا على النازح ويخفف الأعباء المالية عن كاهله".

 

التعليقات