الحبس الاحتياطي يتحول إلى عقوبة ضد المعارضين في مصر

ويقول حقوقيون ومحامون إن الحبس الاحتياطي من دون الإحالة إلى المحاكمة تحول بالنسبة لفرج ومئات غيره إلى عقوبة في حد ذاته خصوصا بعد تعديل تشريعي صدر في أيلول (سبتمبر) 2013 يتيح لسلطات التحقيق تمديد هذا الحبس بدون أي سقف زمني.

الحبس الاحتياطي يتحول إلى عقوبة ضد المعارضين في مصر

مدرس الهندسة المعمارية في جامعة الإسكندرية شريف فرج (أ ف ب)

اضطر مدرس الهندسة المعمارية شريف فرج لمناقشة رسالته لنيل درجة الماجستير في مكتبة السجن وهو يرتدي الروب الأسود فوق لباس السجن الأبيض خلال فترة الحبس الاحتياطي التي امتدت ثمانية شهور قبل الإفراج عنه.
 
ويقول حقوقيون ومحامون إن الحبس الاحتياطي من دون الإحالة إلى المحاكمة تحول بالنسبة لفرج ومئات غيره إلى عقوبة في حد ذاته خصوصا بعد تعديل تشريعي صدر في أيلول (سبتمبر) 2013 يتيح لسلطات التحقيق تمديد هذا الحبس بدون أي سقف زمني.
 
ويقول الشاب الثلاثيني فرج بصوت ملؤه الأسى لفرانس برس: "الدولة حولتني لإنسان مجرم وقاتل على الورق دون دليل. شعور بالذل والقهر أن تحبس لثمانية شهور دون أي سبب".
 
واتهمت النيابة العامة فرج وهو مدرس مساعد في كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية بالتورط في أعمال عنف وتخريب أوقعت 34 قتيلا العام الماضي وبالانضمام لجماعة محظورة، في إشارة للإخوان المسلمين. لكن هذه التهم أسقطت عنه.
 
اعتقل فرج الذي ينفي أي انتماء له لتيار الإسلام السياسي فجرا من منزله بعد مئة يوم كاملة من تظاهرات منتصف آب (أغسطس) 2013 المؤيدة للإخوان المسلمين، وهو ما يقول محامون إنه يتكرر مع آخرين.
 
واستمر تجديد حبس فرج على مدى ثمانية شهور دون إحالته للمحاكمة، قبل أن يُستبعد واخرون من القضية في 29 تموز (يوليو) الفائت. 
 
ويوضح الحقوقي جمال عيد أن "القانون القديم حدد الحبس الاحتياطي بستة أشهر كحد أقصى يتم خلالها إحالة المتهم للمحاكمة أو إخلاء سبيله" ولكن التعديل التشريعي الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور بعد قرابة شهرين من إطاحة الرئيس محمد مرسي “أتاح تجديد الحبس الاحتياطي من دون حد أقصى وبالتالي تحول لعقوبة قد تمتد لفترات طويلة".
 
وأضاف عيد: "الآن يتم تجديد حبس الموقوفين مدة بعد أخرى لشهور عديدة تحت ذريعة استكمال التحقيقات" معتبرًا أن "السلطة استبدلت الحبس الاحتياطي بالاعتقال وقانون الطوارىء".
 
وكان فرج متهما بارتكاب الوقائع المنسوبة له يومي 14 و16 أب (أغسطس) 2013 اللذين شهدا مواجهات دامية بين الأمن ومتظاهرين إسلاميين احتجاجا على فض اعتصامين للإسلاميين في القاهرة ما أدى إلى سقوط مئات القتلى.
 
وفي مقهى قرب البحر في الإسكندرية يسترجع فرج  الذي لم يفقد روح الدعابة رغم ما عاناه، تجربته ضاحكا: "كل علاقتي بتلك الأحداث أنني شاهدتها في التليفزيون". ويضيف: "يوم 15 أغسطس كان يوم خطوبتي" ثم يخلع محبس الخطوبة الفضي من يده اليمنى ليشير لتاريخ الخطوبة المحفور عليه.
 
فقد فرج خلال حبسه 9 كلغ من وزنه، لكنه كما يقول “أصبحت الآن أكثر حذرا في الحديث عما لا يرضيني حتى لا أتعب أهلي معي إذا حُبست".
 
فقد بات فرج مثل من خاضوا تجربته يخشون من احتمال تعرضهم للملاحقة. 
 
وينشط فرج في الدفاع عن حقوق زملائه من أعضاء هيئة التدريس في جامعته والدفاع عن المباني الأثرية التي يؤكد أنها تتعرض باستمرار للهدم في الإسكندرية.
 
وفيما تقول القاعدة القانونية أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فإن العكس هو ما حصل معه، فقد ظل متهما حتى ظهرت براءته. 
 
ويقول الباحث القانوني في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في الإسكندرية، رامي سعيد، وهو محامي فرج أن "الحبس الاحتياطي تحول لعقوبة في حد ذاته ضد المعارضين. هو اعتقال مقنن وليس إجراء قانونيا".
 
ويقول رامي إن النيابة "يمكنها استخدام إجراءات بديلة للحبس الاحتياطي مثل المنع من السفر ولكنها لا تفعل ذلك للبطش بالمعارضين"، ومن بينهم طلاب بالجامعة وناشطات تظاهرن أمام قصر الرئاسة المصري في حزيران (يونيو) الفائت.
 
واقعة فرج تكررت مع المصور الصحافي الحر محمود عبد الشكور والمعروف باسم "شوكان" المحبوس احتياطيا، من دون أي تهمة رسمية، منذ أكثر من عام بعد توقيفه أثناء فض اعتصام الإسلاميين في 14 آب (أغسطس) 2013.
 
ويقول محاميه علي عبد الفتاح: "موكلي كان يؤدي عمله الصحافي أثناء فض الاعتصام"، مضيفا: "قدمنا 15  مرة للنيابة مستندات تثبت أنه مصور صحافي ويتعامل مع وكالة ديموتكس للصور ولكن يبدو أن أحدًا لا يكلف نفسه عناء مطالعتها".
 
وقال مايك جيغليو مراسل النيوزويك الذي ألقي القبض عليه مع شوكان، لفرانس برس: “ألقي القبض على شوكان أثناء تواجده للتغطية فيما كان يقف في الجهة التي تتواجد فيها الشرطة وليس ناحية المتظاهرين". 
 
وأضاف جيغليو الذي أطلق سراحه بعد خمس ساعات من توقيفه: "كان واضحا أنهم أوقفونا فقط لكوننا صحافيين".
 
ويقول محمد عبد الشكور شقيق شكوكان إن "محمود تحول لإنسان محبط ومنكسر يعاني من آلام نفسية رهيبة (...) الحبس الاحتياطي يسرق أخي مني".
 
وفي الثاني من أيلول (سبتمبر) الجاري جدد حبس المصور شوكان لـ 45 يوما جديدة.
 
ورفض المتحدث الرسمي باسم النيابة التعليق على الأمر، لكن مسؤولا قضائيا كبيرا قال لفرانس برس إن هناك بالفعل مشكلة فيما يتعلق بطول مدة الحبس الاحتياطي لبعض المتهمين.
 
واعتبر المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم كشف هويته، إن "عدد وقائع العنف التي تخضع للتحقيق كبيرة جدا وبالتالي الموضوع يستغرق وقتا كبيرا".
 
ومنذ عزل مرسي في تموز (يوليو) 2013، تشن السلطات المصرية حملة واسعة على أنصاره خلفت نحو 1400 قتيل كما تم اعتقال أكثر من 15 ألفا آخرين، لكن الحملة امتدت بعد ذلك لتشمل نشطاء علمانيين.
 
وصدرت أحكام بالإعدام على مئات من أنصار الاخوان في محاكمات معظمها جماعية وسريعة، كما صدرت أحكام بالسجن لمدد طويلة على نشطاء علمانيين كانوا مناهضين لمبارك ومعارضين لمرسي.
 
ويعطي الدستور المصري الجديد الحق للمتهمين الذين يتم إسقاط الاتهامات عنهم في طلب تعويضات من الدولة عن مدة حبسهم احتياطيا، لكن المسؤول في النيابة يقول إن "التعويض منصوص عليه دستوريا ولكن لا يوجد حتى الآن قانون ينظم الأمر".
 
ولكن فرج لا تعنيه التعويضات من قريب أو بعيد ويقول: "المال لا يمكن أن يعوضني عن سجني ظلما أو إحساسي بغياب العدل في المجتمع". 

التعليقات