العقد الأخير في تاريخ سورية جدلية الجمود والإصلاح (2/4)../محمد جمال باروت

يواصل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) نشر الحلقة الثانية من دراسة الباحث الأستاذ جمال باروت والتي تتناول حقيقة التحديات والاختلالات التي يعاني منها الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في القطر العربي السوري، و يركز على عملية الإصلاح المؤسسي في سوريا مشيرا إلى أنها اصطدمت بتطوير شريحة ديناميكية من رجال أعمال جدد يتميزون بقابليتهم للتعولم، وبناء تحالفات استراتيجية واندماجية مع فوائض رأس المال الخليجي والسوري المغترب والأجنبي

العقد الأخير في تاريخ سورية جدلية الجمود والإصلاح (2/4)../محمد جمال باروت

يواصل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) نشر الحلقة الثانية من دراسة الباحث الأستاذ جمال باروت والتي تتناول حقيقة التحديات والاختلالات التي يعاني منها الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في القطر العربي السوري، و يركز على عملية الإصلاح المؤسسي في سوريا مشيرا إلى أنها اصطدمت بتطوير شريحة ديناميكية من رجال أعمال جدد يتميزون بقابليتهم للتعولم، وبناء تحالفات استراتيجية واندماجية مع فوائض رأس المال الخليجي والسوري المغترب والأجنبي.

ويؤكّد الباحث أنّ عملية الإصلاح تقلّصت إلى عملية تحرير أشبه ما تكون بطريقة "المكْسكة" حيث يظهر في صلبها رجال الأعمال الجدد الذين سيكيّفون السياسة الاقتصادية- الاجتماعية تبعاً لمصالحهم الخاصة. وأنتج الأمر أخطر الظواهر التي تمثل أحد أهم جذور مرحلة "قوس الأزمات" التي دخلت سورية فيها.

ارتبطت عملية اختزال الإصلاح المؤسسي الذي عبّرت عنه الخطّة الخمسية العاشرة التي هدفت إلى تحرير ليبرالي للاقتصاد، بتضافر الإرادة السياسية لاستعجال قطف ثمار النموّ العام في المنطقة، وجذْبها إلى الفضاء الاستثماري السوري، مع تطوير شريحة ديناميكية من رجال أعمال جدد يتميزون بقابليتهم للتعولم، وبناء تحالفات استراتيجية واندماجية مع فوائض رأس المال الخليجي والسوري المغترب والأجنبي بعدة عواملَ موضوعية خارجية وداخلية.

وقد ارتبطت العوامل الموضوعية الخارجية بعاملين أساسيّين هما:

الأوّل: ارتفاع حجم الفوائض الخليجية التي كانت تبحث عن مواضع للاستثمار، وحثّها القيادة السورية على تسريع وتيرة تحرير الاقتصاد السوري وتطوير البيئة الاستثمارية في سورية. فارتفعت هذه الفوائض بعد الاحتلال الأنجلو-أميركي للعراق في نيسان/أبريل 2003 وبعد ارتفاع سعر برميل النّفط وصادرات الدول النفطية العربية من الهيدروكربونات، ثم ارتفعت نتيجة ذلك عائدات الصّادرات النفطية العربية من 195.1 مليار دولار في العام 2004 إلى281.1 مليار دولار في العام 2005، مسجّلةً بذلك معدّل نموّ بلغ 44%، على الرغم من تباطؤ الطلب العالمي على النفط في العام 2005، والذي تراجع من زيادة سنويّة بلغت7.3% في العام 2004 إلى 1.5% في العام 2005، وذلك بسبب العلاقة الطرديّة بين أداء الاقتصاد العالمي والطلب العالمي على النفط[1].

الثاني: وجود رأس مال سوري كبير في العالم قابل للاستثمار في سورية في حال توافرت بيئة ملائمة للاستثمار. وقدّر حجم هذا الرأسمال بما لا يقلّ عن 135 مليار دولار، وكان ترتيب سوريا الأول خلال سبعينيات القرن العشرين بين الدول العربية في هروب الأموال إلى الخارج التي تجاوزت ديونها في ذلك الوقت[2]. وارتفعت وتيرة هذا الهروب في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات جراء قيود تحويل العملة في سورية وارتفاع معدل الفائدة في مصارف الدول المجاورة[3]، ولم يجتذب قانون الاستثمار رقم 10 في سنة 1991 إلاّ قدراً بسيطاً منها خلال فترة الاندفاع الاستثماري [1991-1994] جراء توقف الإصلاحات الاقتصادية[4].

أمّا العوامل الداخلية فتمثّلت في ثلاثة عوامل أساسية هي:

1- قابلية استقرار المؤشرات الكلية للاقتصاد الكلّي السوري التي يتألّف منها المؤشّر المركّب لمناخ الاستثمار، لجذب الاستثمارات[5]، إذ كان الاطمئنان كبيراً على سلامة هذا الإطار وتوازنه في الأعوام 2005-2007 بما يشير إلى قدرته على استيعاب عملية التحرير، والتحول من مرحلة "الاستقرار النقدي" التي ميزت مرحلة الإصلاح الانتقائي الثاني[1987-1996] إلى مرحلة سريعةٍ من عملية إعادة الهيكلة؛ فقد كان الاقتصاد الكلي يتميز بعجز موازنة وتضخّم منخفضين[6]، ويعتبر انخفاضهما وفق معايير الاتحاد الأوروبي ومنطقة السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي [Comisa] والجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا [Ecwas] دليلاً على الاستقرار الاقتصادي[7]، كما كانت المديونية الخارجية بسيطة، واستقرار سعر الصرف ضمن تذبذبات محدودة وقابلة للتدخل الفاعل. وكانت الدولة تمتلك - بسبب عوائد النفط السوري، وما جنته الخزانة من سياسات الانكماش في الإنفاق العام على مستوى سياسات "الاستقرار النقدي" التي دفعت الفئات الوسطى والفقيرة ثمنه مخزوناً احتياطياً من العملات الأجنبية لتمويل نحو 29 شهراً من المستوردات، أو 65% من عرض النقود، أو90% من الناتج المحلي الإجمالي[8]. وكان مخزون الاحتياطات الدولية من أعلى مخازن العملات الصعبة في دول المنطقة العربية، مع أن حجم الاحتياطات الدولية لا يقيس بالضرورة قابلية الاستدامة عند مستويات كافية، وعدم نضوبه السريع في الأحوال غير المواتية. وكان هذا الإطار الكلّي السليم أو المستقرّ يمنح الشعور بالاطمئنان والثقة بالنفس، مع أنه يخفي خلفه تشوهاتٍ وجموداتٍ بنيويةً.

2- سرّعت الخطوات التي قطعتها سورية في بناء بيئة جاذبة للاستثمارات عبر التعجيل بوضع الإطار التشريعي والسياساتي لبيئة الأعمال من خلال ما عُرف بـ "ثورة المراسيم" التي تميزت بسمات "الطفرة" [تعدت خلال 2000- 2005 نحو1200 قانون ومرسوم وقرار إداري] في إطار دمج الاقتصاد السوري بسيرورات الاقتصاد العالمي، والاستجابة من طرفٍ واحدٍ لمواءمة القوانين والتشريعات الوطنية مع معايير منظمة التجارة العالمية في ظل المقيدات الأورو- أميركية [الوفاق عبر الأطلسي] لعملية انضمام سورية إلى منظومة الشراكة الأورو - متوسطية لأهدافٍ سياسيةٍ ترتبط بإرغام سورية على الانغماس في السرير الاستراتيجي الأميركي الجديد للمنطقة.

3- سيطرة سورية على مؤشر مخاطر الدولة على الاستثمارات في سورية، وبروز قوة الاقتصاد السوري خلال سنوات [2000-2005] خصوصاً، وسنوات 2007 عموماً، على الرغم من أنها كانت سنوات اضطراب جيو- بوليتيكية في العالم والإقليم رفعت مؤشر مخاطر الدولة على الاستثمارات في سورية. فقد ارتفعت وتيرة الضغوط الخارجية على سورية بعد الاحتلال الأميركي للعراق [9 نيسان/أبريل 2003]، وتبع ذلك سياسة "احتواء" سورية بالضغط والتطويق واستصدار "العقوبات الأحادية" والقرارات العقابية الدولية، ثم تحويل لبنان، جراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير2005، إلى منصة عمليات لإنهاء دور سورية الإقليمي، بل لمحاولة تنظيم انقلاب داخلي ضدّ الرئيس بشار الأسد بسبب مواصلته السياسة الخارجية السورية في مجال الصراع العربي- الإسرائيلي، ورفضه أداء المهمة "القذرة" بنزع سلاح حزب الله لقاء بقاء سورية عسكرياً في لبنان.

من تصدير الاستثمارات إلى جذبها

رفعت الحكومة السورية في ضوء هذه العوامل الموضوعية الخارجية والداخلية وتائر تحرير الاقتصاد السوري لالتقاط أكبر حجمٍ ممكنٍ من الفوائض المالية الخليجية والسورية المغتربة الضخمة بتأثير "الفورة المالية" بغية تحقيق رفعٍ سريعٍ لمعدّل النمو الاقتصادي. وتمكنت هذه السياسات بالفعل من تحويل سورية من دولةٍ يُحجم القطاع الخاص عن الاستثمار فيها، ومصدِّرةٍ للاستثمارات في العام 2001، إلى جاذبٍ قوي نسبياً لها في العام 2005. وقد كانت سورية في العام 2001 رابع دولةٍ عربيةٍ مصدّرةٍ للرأسمال بعد دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية. لكنها احتلت في العام 2005، على الرغم من العوامل السياسية المتوترة في المنطقة التي رفعت من مستوى ما يطلق عليه اسم "مؤشّر مخاطر الدولة"، المرتبة الرابعة بين الدول العربية في جذب الاستثمارات العربية البينية، بسبب تسارع وتيرة تساقط بعض آثار الفوائض المالية النفطية في فضائها الاستثماري، والذي يعتبر بدوره جزءاً من تساقط هذه الآثار في الفضاءات الاستثمارية في الدول العربية. ويُعتبر العام 2005 عاماً استثنائياً بجميع المعايير في مجال حركة الاستثمارات البينية العربية. وبمقارنة الاستثمارات العربية البينية خلال العامين 2004 و2005 نجد أن هذه الحركة سجّلت زيادة في إحدى عشرة دولة عربية مستقبلة للاستثمارات، وأتت سورية إلى جانب السعودية والسودان ولبنان والمغرب في رأس الدول المستقبلة للاستثمارات العربية البينية الخاصة، إذ بلغ مجموعها خلال العام 2005 نحو 38 مليار دولار أميركي مقابل 5.9 مليارات دولار في العام 2004. وارتفعت حصة سورية فيها من 427 مليون دولار في العام 2004 إلى 1672 مليون دولار في العام 2005[9]. ووفق مصفوفة التوزيع القطاعي لتلك الاستثمارات المرخّص لها في العام 2005 توجّهت معظم الاستثمارات البينية في سورية، والبالغة 1672 مليون دولار إلى الخدمات بالدرجة الأولى وإلى الصناعة بالدرجة الثانية[10]. وبلغت حصة رأس المال السوري المغترب- الخليجي من المشاريع التي رخصت وفق قانون الاستثمار في العام 2005 نحو 30% من مجموع المشاريع المسجلة مقارنةً بـ 5% في العام 2004. ومن المعتقد أن قسماً منها كان الأسرع في الاستثمار الفعلي، وهو ما قد يكون ساهم بما يعادل 5% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي[11].

برنامج الإصلاح الاقتصادي أو اللبرلة الاقتصادوية

 استرشدت سياسات التحرير السورية في مرحلة اختزال الإصلاح إلى تحرير اقتصادوي بحزمةٍ من التقارير والاستشارات الدولية والمحلية لقطف ثمار ارتفاع النمو العام في المنطقة. وفضّلت الحكومة السورية التحرير السريع على التمهيد له بالتمكين بحجّة عدم فوات القطار، إذ أنّ حزمة التمكين المؤلّفة من الإصلاحات المؤسسية والإدارية والمالية وإصلاحات الشركات الحكومية قد تحتاج إلى ما بين 8 و12 سنة لتحقّق نتائج مثمرة في إطار مؤسسي، ولذلك فإن تحقيق هذه الإصلاحات يجب أن يتم بمنظور المستقبل وليس بمنظور الحاضر[12]، بينما قطف الثمار في متناول اليد في ضوء مؤشرات حازمة في هذا الاتجاه.

 شكّل استقبال هذه الفرصة "المواتية" منطلق ما يمكن أن يطلق عليه "برنامج الإصلاح الاقتصادي". ومع أن الحكومة لم تقرّ قطّ هذا البرنامج بصورة رسمية، فإنها استندت إليه مرجعياً في عمليات التحرير، وسارت سياساتها وترتيباتها وإجراءاتها على هديه[13]. ولا تكمن المشكلة في مبدأ الاسترشاد بتوصيات هؤلاء الخبراء "المجرّبين" واقتراحاتهم، بقدر ما تكمن في منهجهم ورؤيتهم المشكلة بسبب وصفات "الكتب" الليبرالية الجديدة لحل المشكلات الاقتصادية في البلدان الفقيرة.

 وضع هذا البرنامج في سياق احتدام الانقسامات بين وزراء الحكومة السورية في شأن الخطة التي شكّلت "كيس رمل" التباينات والخلافات والانقسامات، وشكلت في وقت واحد "منصةً" لدمج الانقسامات التقليدية في أوساط النخب البيروقراطية العليا، وحتى في داخل أقطاب الفريق الاقتصادي الليبرالي نفسه في شأن النفوذ والصلاحيات مع رفض الخطة والتملص منها. وأفضى ذلك إلى أن القيادة السياسية رفعت شعار "اقتصاد السوق الاجتماعي"، بينما طرح الليبراليون المتطرفون التحرير السريع للتجارة الخارجية باعتبارها بحسب الوصفة الليبرالية المتطرفة هي التي تقود النمو. أما الليبراليون المنفتحون على المقاربات الإصلاحية المؤسسية، فقد تكيفوا في شروط تعقيد لعبة السلطة مع قواعد اللعبة التحريرية الجديدة "المنفلتة" وأدمجوا هذه المقاربات في صلب الخطة.

 تمفصلت تأثيرات الاتجاه الليبرالي المفرط في الفريق الاقتصادي الليبرالي أو "المتلبرل" بمن فيه الأقرب إلى مقاربات "وفاق واشنطن الموسع"، مع رؤية بعض "رجال الأعمال الجدد" النافذين في السلطة، والذين أخذت شريحتهم تبزغ وتبرز في تبني منظور "ليبرالي" و"اقتصادوي" بسيطٍ أو من منظور "ممكْسك" للتنمية[14] بهدف ركوب موجة ارتفاع معدل النمو في الإقليم، ولا سيما في دول الخليج، وقطف ثمارها في اجتذاب مزيدٍ من الاستثمارات الخليجية والسورية المغتربة، وتحويل سورية من طاردةٍ للاستثمارات إلى جاذبةٍ لها، وتوفير بيئةٍ مغريةٍ للاستثمار وإغراء الربح، وتقديم ضمانات بتعزيز هذه البيئة وتحديثها.

 إنّ هذا البرنامج جعل مشروع الإصلاح المؤسسي سطحياً، ومسخه إلى مشروع تحرير اقتصادوي، اقترن فيه التحرير التجاري بهدر التصنيع. إذ ترافق مع عملية اختزال "الإصلاح" إلى "تحرير"، مع تجميد كافة أفكار ومقترحات ومشاريع إصلاح القطاع العام الصناعي الذي ألّفت لأجله لجان عدة في فترة [2000-2005] بشكل شبه تام، لدفعه إلى ملاقاة مصيره "المحتوم" وهو "الموت السريري" بديلا من عدم القدرة، لأسبابٍ اجتماعيةٍ- سياسيةٍ، على "خصخصته المباشرة" أو إعادة هيكلته وفق أشكال الخصخصة الأخرى التي اقترحها البنك الدولي، وعدم الثقة بإصلاحه في وقتٍ واحدٍ باعتباره "خاسراً"، ويتضخم بالعمالة "الفائضة" والمحدودية الإنتاجية، والمشاكل المزمنة. وهذا ما يفسّر أن "التحرير" في الشروط السورية اقترن بـ "هدر التصنيع" لمصلحة تضخيم النشاط الأسرع ريعيةً وعائديةً في قطاع الخدمات الإنتاجية التي قطفت الطبقات القوية ثمارها الكبرى.

لا يتعارض الإصلاح المؤسسي مع التحرير، بل يمثّل التحرير، بمعانيه الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والسياسية الشاملة، عنصراً أساسياً وجوهرياً من عناصر أيّ برنامج إصلاحي مؤسسي تعمل عناصره، وتتبادل التأثير فيما بينها، كـ "سلةٍ متكاملةٍ"، محررةً المبادرات الفردية والجماعية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من سلبيات جمودها "الموروثة" من النظام التنموي البيروقراطي شبه الريعي- والتوزيعي السابق، ومن الاحتكار والسيطرة البيروقراطية، إلى المنافسة والتسابق وإطلاق الفاعلية الإبداعية الحرة المنتجة.

إنّ ربط التحرير بالإصلاح هو جوهر ما يميّز التنمويين عن الليبراليين الاقتصادويين والتصحيحيين التقليديين. فالتصحيحيون السياسيون والبيروقراطيون السوريون، خلافاً للتنمويين، الذين ظلوا متمسكين طيلة الفترة الممتدة من أواسط الثمانينيات وحتى منتصف العشريّة الأولى من القرن العشرين بأسطورة تقول بتعارض الإصلاح والتحرير، مموّهين بذلك مصالحهم في "نهب" القطاع العام، وتحويله إلى "بقرة حلوب" تموّل شبكاتهم" الزبائنية"، وإلى أداة سلطوية تسلطيّة ذات طابع اقتصادي- اجتماعي لاختراق العلاقات الاقتصادية-الاجتماعية- السياسية. كما تميّزوا عن الليبراليين الاقتصادويين الذين تصْدر مواقفهم من نظرية: "التجارة تقود النموّ".

 كانت هذه النظرية المرجع أو النّموذج لاختزال الإصلاح في سياسات [2006-2010] والذي يؤدّي إلى تحرير اقتصادوي تقوده شريحة "رجال الأعمال الجدد" السّوريين البازغة، باتجاهاتها المتعددة والمختلفة. وقد عبّر أحد قادة هذه الشريحة عن هذه النظرية بقوله: "التجارة أولاً، ثم السياحة وهي نفط سورية، وأخيراً الصناعة"[15]. غير أنّ مدار الجدل لا يتحدّد مع هذا النموذج المبسّط الذي استبطنته السّياسات الليبرالية الاقتصادوية السورية عن دور تحرير التجارة في تحفيز النموّ، أو مع النموذج "التصحيحي" التقليدي الذي يتردّد بين تحرير التجارة والتنمية مدّعياً أنّ "الحماية" شرط النموّ، ولا بدّ من ربط تحرير التجارة بقضايا التّنمية البشرية. والواقع أنّ ادّعاءات كلّ من النموذجين التحريري الاقتصادوي [التوجّه إلى الخارج] و"التصحيحي" التقليدي [التوجّه إلى الداخل] تعكس جانباً من جوانب التنمية، فلا الحماية بمعناها التقليدي، ولا التحرير بمعناه الاقتصادوي يحقّقان في حدّ ذاتهما النموّ ما لم يرتبط بالتمكين، وبالتالي بقضايا التنمية البشرية. فلو قيس الانفتاح كما يقاس في المدرسة التي رفعت شعار "تحرير التجارة يقود النمو" وتعتمد نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي كمؤشّرٍ على عملية التنمية، لاعتبرت قصة أميركا اللاتينية التي قادت العالم في عملية تحرير التجارة قصّة نجاح نموذجية، مع أنّ النتائج كانت مخيّبةً للآمال[16]، كما حصل في تجربة التنمية في المكسيك التي عانت قصوراً في التنمية أطلق عليه ظاهرة "المكْسكة".

خاضت المكسيك تجربة في الإصلاح الاقتصادي قوامها برنامج متأثّر بتوصيات بعثات من الخبراء الدوليّين. وشكّل هذا البرنامج نسخةً معدّلةً عن برامج التحرير النمطية التي تتبنّاها المؤسّسات الدولية، وبشكل خاص صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكان هذا التعديل حتى في ضوء المنظور الليبرالي [الاقتصادوي] أقرب إلى مقاربات "وفاق واشنطن" السابق منه إلى "وفاق واشنطن الموسّع".

 مراحل إعادة تشكيل شرائح رجال الأعمال السوريين الكبرى: "الإمارة والتجارة"

 اقترن الاندفاع إلى جذب الاستثمارات بتكوين شريحةٍ جديدةٍ من رجال الأعمال السوريين لقيادة التوسّع في مجال الخدمات الإنتاجية، ولا سيّما قطاعات السياحة والخدمات المالية والمصرفية والنّقل الجوّي وغيرها من القطاعات ذات المردودية الربحيّة السريعة، والتي شكّلت المجال الجاذب لتلك الاستثمارات الباحثة عن فرص. كانت هذه هي الموجة الثالثة الكبرى التي شهدها الاقتصاد السوري خلال العقود الأربعة الأخيرة في عملية إعادة تشكيل شرائح رجال الأعمال.

 ارتبطت الموجة الأولى بالشّريحة الطبقية المؤلّفة التحالف غير "المرئي" بين النخبة البيروقراطية المرسملة المستحوذة على جهاز الدولة [ما دُعي بمصطلح غير دقيق البورجوازية البيروقراطية]، وبين رجال الأعمال العاملين في المقاولات الثانوية للقطاع العام والوسطاء مع الشركات الأجنبية [ما دُعي بمصطلح غير دقيق البورجوازية الطفيلية]. وقد حدث ذلك إبّان مرحلة النموّ السريع في سبعينيات القرن الماضي حين بلغ النموّ متوسطًا سنوياً مقداره 10،5% طيلة فترة السبعينيات.

ولإعطاء فكرة عن ريعية الفساد الأسود، ودورها في تشكيل هاتين الشريحتين، فقد قُدّرت ريعية الفساد نتيجة العمولات التي تدفعها الشركات الأوروبية في بعض بلدان العالم الثالث بما يتراوح بين20 و50% من تكاليف التكوين الرأسمالي [المباني والمعدّات] فوق التكلفة الأصلية[17]. ومن بين ممارسات البيروقراطية المرسملة هذه، المفسدة للتنمية، سيطرتها على أراضي الدولة بوضع اليد عليها عبْر الاستئجار المجحف وتدوير قسم من الأموال الأجنبية التي تأتي في شكل معونات عينية ونقدية إلى الجيوب الخاصة، والتحكم في خدمات المرافئ، وتنظيم عملية التهريب ولا سيما من لبنان حيث حقّقت تراكماً رأسمالياً أوّلياً كبيراً [بلغة كارل ماركس] أو ما يطلق عليه "الريع"، لكنها وظّفتْه في مشاريع الأبّهة والمزارع، وشراء الأراضي والعقارات والمضاربة بها، أو شراكة "الوجاهة/الحماية" مع بعض رجال القطاع الخاصّ في إطار ديناميات العلاقة الزبائنية. ولم يندمج "ريعها" أو تراكمها الرأسمالي الأوّلي في السوق إلاّ في مرحلةٍ تاليةٍ في التسعينيات وبعدها من خلال الأبناء والأصهار والأقرباء، وبرز ذلك أكثر ما برز في المطاعم السياحية التي كان يملكها أو يستثمرها أفراد هذه الشريحة، ثم في بعض قطاعات الخدمات الأخرى.

بسبب القيود على تحويل العملة، وطبيعة النظام السياسي ذي الصبغة الريعية التوزيعية، لجأت هذه الشريحة إلى تهريب الريوع الرأسمالية التي راكمتها إلى الخارج، ليصل حجم رأس المال السوري المهرّب إلى نحو 135 مليار دولار، كان ترتيب سورية الأول خلال سبعينيات القرن المنصرم بين الدول العربية في الأموال المهرّبة إلى الخارج والتي تجاوزت في مجموعها ديون سورية كلها في ذلك الوقت[18]. وشكّل هؤلاء المهرّبون، قوام فئة المكتومين الكبار" في منظومة فئة المكتومين العامّة [وهم من ليست له قيود لدى الدوائر الضريبية، ولا تعرف هذه الدّوائر شيئاً عنهم، أو التي تبقيهم بموجب ديناميات الفساد خارج القيود]. وكان معظم "وكلاء" الشركات الأجنبية الذين يعملون في سورية، ولا يوثّقون وكالاتهم أصولاً ينتمون إلى هذه الفئة[19].

 وتلا ذلك تكوين شريحتين كبيرتين أخريين في الثمانينيات على خلفية الأزمة البنيوية التي كان يواجهها الاقتصاد السوري، وخلوّ خزينة الدولة من القطع النادرة، وهما شريحة "الصيارفة" بمن فيهم رجال أعمال الخدمات والتحويلات المالية الذين نشطوا في "السوق السوداء" للعملة الأجنبية، وشريحة "المهرّبين" للمواد السلعية إلى سورية ومهربو المحروقات المدعومة إلى الدول المجاورة. وكشف اصطدام حكومة الكسم في منتصف ثمانينيات القرن المنصرم بشريحة "الصيارفة" شبكة العلاقات المافيوزية التي تربط هذه الشريحة بأصحاب النفوذ والسلطة.

 أمّا الموجة الثانية لعملية إعادة تكوين شريحة رجال الأعمال، فحدثت خلال سنوات الإصلاح الاقتصادوي الانتقائي الثاني في فترة 1987-1994. وتميزت هذه الشريحة من الشرائح الخمس السابقة بأن ارتفاع معدّل نموّها ارتبط بالتوسّع في الإنتاج السلعي وصادراته إلى الاتحاد السوفياتي ودول ميزان المدفوعات في إطار برنامج "المقاصة" [مبادلة الديون بصادرات سلعية سورية]، ومن ثمن قيامها بفورتها الاستثمارية خلال سنوات [1991 ـ 1994] بعد صدور قانون الاستثمار رقم 10. وقد أنعش برنامج الصادرات السورية شرائح القطاع الخاص الصناعي المحصور في المنشآت الصغيرة والمتناهية في الصغر، وأتاح للتراكم الرأسمالي لدى بعض شرائح البيروقراطية المرسملة التي كانت في بعض مواقعها في السّلطة توظف جزءاً من رؤوس أموالها في بعض الصناعات، وهو نشاط نتج منه لأوّل مرة نشوء بعض الصناعات الكبيرة والمتوسطة، وبزوغ بعض المستحدثين من رجال الأعمال الصناعيين الذين ستتميز منتجاتهم بجودتها وقدراتها التنافسية وارتفاع حجم صادراتها، وتشغيل عشرات ورشات الغزل الصغيرة والمتوسّطة في ميدان النسيج وتحويل ذلك إلى ملابسَ جاهزة. وقد شكّل هؤلاء نجوم عالم الأعمال في العشريّة الأولى من التسعينيات باستثناء البعض من روّاد هذه الشّريحة الذين سقطوا في إفلاسات نتيجة قصور الكفاءة الإدارية التي تعزى إلى الإدارة العائلية اللاعقلانية، والإنفاق غير المضبوط، وارتفاع الفوائد التي تدفعها للودائع العائلية، أو جراء الإفلاس الاحتيالي[20].

وقد استحوذ بعض رجال الأعمال الذين ينتمون إلى تلك الشريحة في مرحلة صعودها في التسعينيات على حوض مالي هائل بالمعايير السورية ناجم عن مدخرات قسم من أبناء الفئات الوسطى، وتمثّل ذلك في اجتذاب ودائع عائلية لقاء عائد شهري غير عقلاني يصل إلى ما يتراوح بين 25% و30% بدعوى استثمارها في مشروعات يروّجون لربحيتها بحسابات وهمية تلبس لبوس الشرعنة "الإسلاموية" لتمييز الرّبح من الفائدة الربويّة. ونشطت عمليات "النصب" هذه في مجالات صناعية وتجارية صغيرة ومتوسطة، وفي المضاربة بالأراضي. ونتج من ذلك كله في سنوات 1994-1996 موجة انهيارات وإفلاسات كبرى في صفوف هؤلاء المجازفين أو "المحتالين"، وبروز ما عُرف قانونياً باسم "جامعي الأموال" الذين أنتجتهم ظاهرة رجال الأعمال المفلسين.

ترتبط الموجة الثالثة لعملية إعادة تشكيل طبقة رجال الأعمال في شريحة قيادية مستحدثة للأعمال هي شريحة رجال الأعمال الجدد، بمرحلة التحول من الإصلاح المؤسسي إلى التحرير الليبرالي الاقتصادوي في العشرية الأخيرة. وتنحدر أصول هذه الشريحة - وفق لوائح تأسيس شركتين قابضتين كبريين في سورية هما "الشام" و"السورية" - من أجيالٍ مختلفةٍ من رجال الأعمال. وتضم هذه اللائحة مزيجاً من النخب التي تنتمي "أباً عن جد" إلى عائلات تجارية وصناعية معروفة ورثت عن عائلاتها تراكماً رأسمالياً يمكّنها من الاستثمار وتنويع نشاطها ضمن "مجموعات عائلية" وبعض شرائح المقاولين والوكلاء في السبعينيات الذين كوّنوا ثرواتهم من نشاطهم المرتبط بالشريحة البيروقراطية المرسملة. غير أنّ بروز معظم نخب هذه الشريحة وصعودها يعود إلى فترة التحرير الثاني بمعناها الزمني الموسّع [1987-1996]، ولا سيما بعد الفورة الاستثمارية التي أفضى إليها قانون الاستثمار رقم 10 في فترة [1991-1994].

 وتختلف عملية إعادة تشكيل فئة "رجال الأعمال الجدد" في العشرية الأخيرة عن عملية تشكيلها في الموجتين السابقتين، في أن هذه العملية قد ارتبطت بتحرير السياسات الليبرالية للمجالات التي كانت الدولة تحتكرها في قطاع الخدمات الإنتاجية، وفتحها أمام استثمار القطاع الخاص، في سياق فتح أي قطاع تحتكره الدولة، ويكون القطاع الخاص قادراً على الاستثمار فيه. وبذلك اقترنت عملية إعادة تشكيل هذه الشريحة من شرائح رجال الأعمال بارتفاع معدّل نموّ القطاعات الإنتاجية الجديدة. ويتّخذ هذا الأمر نمط الشراكة بين الدولة والشّركات القابضة الكبرى.

 الشركات القابضة الكبرى: تحالف المئة الكبار

أ - جذور الشركات القابضة المساهمة وسوق الأوراق المالية في التاريخ الاقتصادي السوري الحديث

 إن تأسيس شركات قابضة مساهمة وسوق للأوراق المالية ليس جديداً تماماً في سورية. فلقد عرفت سورية فكرة "الشركة المساهمة" لتعبئة المدخرات وتحويلها إلى استثمار منذ العام 1909 حين كان لطفي الحفار [1885-1968]، وهو أحد أبرز رجال الحركة العربية الشامية يومئذ، أحد الرواد الذين أعادوا في أوائل فترة الانتداب الفرنسي، من موقعه في غرفة تجارة دمشق، الإلحاح عليها[21]. وارتبط نشوء الصناعة السورية وتطورها طوال الفترة الممتدة من أوائل الثلاثينيات إلى مطالع الستينيات بتأسيس الشركات المساهمة المغفلة، وبرزت موجة تأسيس شركات صناعية وتجارية وزراعية مساهمة طوال فترة الخمسينيات. وفي مرحلة النمو الصناعي السريع الثاني في الخمسينيات إبان مرحلة الجمهورية العربية المتحدة [1958-1961] التي كانت "فردوساً" للصناعة التحويلية السورية حين أقبلت الشركات العائلية على تأسيس شركاتٍ مساهمةٍ عائليةٍ مغفلة. وقامت في هذا السياق سوق أولية للأوراق المالية تتداول أسهم الشركات وتنشر الأخبار عنها في الصحف، وتفتح أمام المدّخرين والمستثمرين خيارات استثمارية عدة. وكانت اتجاهات المودعين هي الاستثمار في الشركات الصناعية التحويلية، فبلغ عدد المساهمين في هذه الشركات عشرات الآلاف.

 في هذا السياق العام من انتشار مفهوم الشركة المساهمة في النشاطات الاقتصادية السورية المختلفة ظهرت أنواع من الشركات القابضة المساهمة، كان أبرزها وأكبرها الشركة "الخماسية" [الشركة التجارية الصناعية المتحدة المساهمة المغفلة] في دمشق التي رعى الحكم الوطني بعد الاستقلال، وتحديداً شكري القوتلي، وهو أوّل رئيس للجمهورية بعد الاستقلال [1943-1949] ثم الرئيس في حقبة [1955-1958]، تأسيسها لتطوير النهضة الصناعية والتجارية السورية. وقد عملت هذه الشركة شركةً قابضة مساهمة تتملّك أسهم الشركات الأخرى، وتسيطر تبعاً لذلك على مجالس إداراتها. وقد صارت، بسبب رعاية النظام السياسي لها، أبرز الشّركات التي استفادت من دعم الدّولة المالي، ولاسيّما الحصول على العملة الأجنبية لتمويل مستوردات الغزول[22]. وسرعان ما انخرطت هذه الشّركة في السّياسة، فتحالفت مع نظام العقيد أديب الشيشكلي [1951-1954]، وتحوّلت بعد سقوطه إلى أكبر قوةِ ضغط اقتصادية على الحكومة الجديدة، وإلى ناخبٍ كبيرٍ في الانتخابات العامّة، وحتى في انتخاب رئيس الجمهورية. لكنها تعرّضت للتأميم الكامل في أواخر عهد الجمهورية العربية المتحدة، غير أنّ سلطات الانفصال أعادت ملكيتها إلى أصحابها، ثم ما لبثت أن أعادت تأميمها مجدّداً جرّاء تركّز رأسمالها في مجموعةٍ ضيّقةٍ من المالكين، وتدخّلها القويّ في العمل السياسي وتحكّمها في اتجاهاته[23]. أمّا مدينة حلب التي كانت في مرحلة ما بعد الاستقلال وحتّى استلام حزب البعث السلطة في 8 آذار/مارس 1963 في تنافس شديد مع دمشق، فقد تشكّل نوع غير رسمي من الشركة القابضة المساهمة عرفت محلياً بمجموعة "الحجّاج الخمسة"[24] الذين عملوا في استحداث الشركات المساهمة، وفي تملك أصول الشركات المساهمة الأخرى في سياق احتدام الصراع بين الليبراليين التقليديين في كل من الحزبين الكبيرين: "الحزب الوطني" و"حزب الشعب"[25] على تعزيز قوتهما السياسية بقوة اقتصادية. وغاب ذلك كله طيلة مرحلة [1963-1987] لتعود فكرة إعادة هيكلة الشركات الصناعية العامة في شركات مساهمة، وتأسيس شركات قابضة، وإحداث سوق للأوراق المالية وسط الاستقطاب بين "التصحيحيين" و"التحريريين" في أواخر العام 1987.

ب - الشركات القابضة في مرحلة الاستقطاب" التصحيحي- التحريري"

 كان تأسيس صناديق استثمارية تعبئ موارد القطاع الخاص في صناديق استثمارية كبيرة، في شكل شركات قابضة، وإحداث سوق للأوراق المالية كأوعية نشطة للادخارات والاستثمارات، أحد أبرز عمليات إعادة الهيكلة الاقتصادية التي تبناها التحريريون في أوائل التسعينيات بعد صدور قانون الاستثمار رقم 10، في ضوء حقيقة أن غياب هذه الأوعية الاستثمارية كان أحد أبرز عوامل لجوء الفئات الوسطى في النصف الأول من التسعينيات لتوظيف مدخراتها لدى شريحة من أطلق عليهم اسم "جامعي الأموال". غير أنّ مقاومة "التصحيحيين" حالت دون تطويرها وتقنينها ضمن شروط تقسيم الاختصاصات التي أقرّها الرئيس الراحل حافظ الأسد [1970-2000]، بين القيادة والحكومة والأجهزة التي تتولّى الشأن الداخلي، بينما انصرف إلى مفاوضات السّلام والسّياسة الخارجية. لكن فكرة تأسيس هذه الصّناديق عادت إلى الظّهور مجدّداً في النّصف الأوّل من العشرية الماضية، حين صدر المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2000 وسمّاها الشركات المساهمة المغفلة القابضة، وأخضعها لشروط الشركات المساهمة. لكن هذه التسمية كانت غامضة حتى إنّ أيّ عضو من أعضاء لجنة الـ(33) التي أُلّفت لإصلاح القطاع العام الصناعي لم يكن يعرف معنى "الشركة القابضة". واستقرّت اللجنة وفق "سيناريو لعنة الفراعنة" على العودة إلى تجربة المصريين فيها، والذين كانوا قد طبقوها منذ أيار/مايو 1991 مع إبرام اتفاقية برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي[26]. وتمّ أخيراً، بعد معرفة صيغة الشركة القابضة المساهمة، إدماجها في أحد مشاريع اللجان المكلفة بإصلاح القطاع العام الصناعي، والتي تبنت إعادة هيكلته في شركات قابضة ومساهمة أسوةً بالتجربة المصرية في هذا المجال[27]. وبذلك تكون سورية قد تأخرت نحو عقدين من الزمان، في إعادة هيكلة الشركات الصناعية في شكل " شركات قابضة" على جدول أعمال الإصلاح الاقتصادي، وتقنين هذا الشكل والشروع في تطبيقه[28].

إنّ ارتفاع وتيرة إلغاء القيادات" التصحيحية" و" تقليم" نفوذها في البيروقراطية الأمنية والسياسية في النصف الأول من العشرية الماضية تَناسب طرداً مع تساقط آثار الفورة المالية الخليجية في الفضاء الاستثماري السوري، وفتح الباب على مصراعيه للسير في عملية إعادة الهيكلة وإحداث سوقٍ للأوراق المالية [بورصة]. وقد ارتفعت وتيرة تدفقات رؤوس الأموال الخليجية من 427 مليون دولار في العام 2004 إلى 1673 مليون دولار في العام 2005[29]. لكن عملية إعادة الهيكلة "المنظمة" التي تتخطى حدود العملية التلقائية متمثلةً في توسيع دور القطاع الخاص، اقتصرت على القطاع الخاص من دون القطاع العام الصناعي الذي تُرك ليواجه مصيره المحتوم، وهو التآكل والموت بحيث يصفّي نفسه بنفسه. وشكّل تأسيس شركة سورية - قطرية قابضة برأسمال 200 مليون دولار لتعمل في نشاطاتٍ اقتصاديةٍ استثماريةٍ مختلفةٍ في سورية أحد أكبر الحوافز لإقدام رجال الأعمال السوريين على التكتل والتحالف مع تدفقات رأس المال الخليجي، وقطف ثمار ذلك، بينما تمثل حافز الحكومة في تخفيف وطأة الإنفاق الاستثماري للحكومة، وجذب الاستثمارات، وإنعاش الاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة.

 ج- استحداث الشركات القابضة: الشراكة بين الحكومة ورجال الأعمال الجدد

 ظهرت في هذا السياق خلال العامين 2006-2007 شركاتٌ قابضة كبيرة عدة للعمل كصناديق استثماريةٍ في استحداث الأعمال وتملك أصول الشركات المساهمة المحدثة، أو التي يمكن أن يتم استحداثها. وكان من أبرزها على مستوى الحجم والنفوذ شركتا "الشام" و"سورية" القابضتان.

 مثّل رامي مخلوف رئيس " صندوق المشرق" الاستثماري الذي تميز بمبادراته "دينامو" تأسيس هذه الشركات، ودفع شركات القطاع الخاص والمستثمرين فيه إلى التهيكل فيها، لإبعاد شبهة استئثاره أو استئثار حلقة ضيقة من عائلته بقطاع الأعمال على خلفية قضية شركة "سيرياتيل" للاتصالات وما أثارته من صراع كبير "صاخبٍ" بين فئات رجال الأعمال الصاعدين والنازلين. هذا من جهةٍ أولى[30]، ومن جهة ثانية، عمل مخلوف على تعبئة الموارد الاستثمارية لكبار رجال الأعمال السوريين بالتحالف مع رأس المال الخليجي والسوري المغترب والأجنبي المقبل على الاستثمار في سورية، لتكبير "الكعكة"، وتقاسمها بشكلٍ نسبي "تصاعدي" بحسب ارتفاع نسبة المساهمة. كذلك لجأ إلى إغراء رجال الأعمال بتأسيس هذه الشركة والحصول على موافقة مسبقة لـ "صندوق المشرق الاستثماري" المرتبط به على الكثير من المشاريع " الجاهزة" للتنفيذ[31]. ومن جهة ثالثة كان مخلوف من خلال ذلك كله يرى أنه يلبِّي أهداف الحكومة السورية في إنعاش الاقتصاد وقطْف ثمار النموّ العام في المنطقة.

 كانت مصالح قسمٍ كبيرٍ من رجال الأعمال السوريين كما تُبيّن السّير الذاتية المهنية للذين انخرطوا في تأسيس هذه الشركات متحالفةً بالفعل مع رأس المال الخليجي، ومدركةً مسبقاً الفرصة "السانحة" في "اقتناص" ارتفاع معدّل النموّ في المنطقة، ووجود فوائض ماليّة ضخمة تبحث عن الاستثمار. ولهذا كانت وتيرة إقبالهم مرتفعةً على الاكتتاب في مشروع شركة "الشام القابضة". وهذا ما يفسّر أنّ الاكتتاب فاق التوقّعات، إذ بلغ الاكتتاب حتّى موعد إطلاقه الرسمي 350 مليون دولار أميركي، بينما كان الهدف جذب 200 مليون دولار فقط[32].

وقع تنافسٌ كبير بين كبار رجال الأعمال على إدارة الشركات القابضة. وقد تطوّر التنافس في بعض الحالات إلى صراعٍ ضارٍّ تدخّلت فيه، بشكل خفيّ، قوى ضاربة في السلطة، انحاز بعضها لمصلحة مخلوف بينما وقف البعض الآخر ضدّه. وعلى مستوى التنافس، استحدث هيثم جود رئيس مجموعة "جود" في اللاّذقية شركة قابضة مستقلّة عن مشروع شركة "الشام"، وتمخّضت هذه المنافسة عن نشوء شركتين كبيرتين هما شركة "الشام" القابضة [أسّسها71 رجل أعمال برأس مال قدره مليار و350 مليون دولار أميركي]، وكان صاحبا أكبر حصّة فيها رامي مخلوف ومحمد كامل شراباتي الصناعي الحلبي الشهير، بينما ترأّسها رجل الأعمال الدمشقي السوري المغترب في النمسا محمد نبيل الكزبري[33]. وكانت ثروة مخلوف عائلية في الأساس، لكنه تمكّن من تنميتها باستحواذه على بعض المشاريع مثل شركة الأسواق الحرة ثم شركة "سيرياتيل" لاحقاً، بالتّحالف مع رجل الأعمال المصري نجيب سويرس. وإذا ما أُخذ في الاعتبار أبناء عائلة مخلوف المساهمون في الشركة فإن هذه العائلة كمجموعة تشكّل أكبر المساهمين فيها على الإطلاق. وقد سعى رامي مخلوف لتحويل الشباب من أقربائه إلى رجال أعمال.

أمّا أبو كامل شراباتي [وهذا هو الاسم الذي اشتهر به محمد كامل شراباتي] فيتحدّر من بيئة صناعة النسيج الحلبية التقليدية التي طوّرت عملها في أواسط الثمانينيات مع تطوّر برنامج الصادرات، وكان يعمل مع حميّه [والد زوجته]، لكنه انفصل عنه بعد تطور المشاريع التي استحدثها والتي تحوّلت إلى إحدى أبرز المشاريع الكبيرة على مستوى المنطقة. أمّا الشركة الثانية فهي شركة "السورية القابضة" التي أسّستها مجموعة من رجال الأعمال عددهم 23 مساهماً برأس مال قدره 4 مليارات ليرة سورية[34]، وبذلك ضمّت الشركتان نحو مئة مستثمر كبير ومجموعات أعمال في مجال الصناعة والتجارة والخدمات الإنتاجية، وينتمي بعضهم إلى رجال الأعمال المسيطرين على مجالس إدارات غرف التجارة والصناعة في دمشق وحلب وطرطوس واللاذقية.

 قدّر رامي مخلوف كبير المساهمين في شركة "الشام" القابضة حجم نشاط مؤسسيها بـِ 60 % من النشاط الاقتصادي السوري[35]، بينما قدّرت بعض الدراسات حجم نشاط مؤسسي "السورية القابضة" بأكثر من مليار دولار أميركي[36].

الشراكة بين الدولة ورجال الأعمال الجدد

قامت الحكومة بدور الشّريك الكامل في تحفيز تأسيس الشركات القابضة، ولا سيّما شركة "الشام" القابضة، وفي حثّ كبار المستثمرين على الانضمام إليها، ومنح موافقة مسبقة على المشاريع الاستثمارية التي جرى التفكير في استحداثها في سورية، بحيث تصبح شراكة الدولة مع القطاع الخاص على غرار الشراكة التي قامت مع هذه الشركة[37]. غير أنّ الحكومة خضعت لهذه الشركات ولمصالح نخبها أكثر ممّا أُخضعت هذه الشركات والمصالح إلى سياسات الدولة التنموية[38]. ويعود ذلك إلى اختزالها برنامج الإصلاح المؤسسي في الخطة الخمسية العاشرة إلى برنامج تحرير اقتصادوي" ملبْرل"، بتأثير من النظرية القائلة إن "التجارة الخارجية تقود النمو" بحسب رأي بعض أعضاء فريقها الاقتصادي. وهو ما يظهر في الاختزال الليبرالي للتشاركية. فنظرية "التشاركية" مبنية أصلاً على التفاعل وعلى العلاقة الندّية بين الفاعلين الثلاثة: الدولة والقطاع الخاصّ والمجتمع المدني. لكن سياسة الإصلاح المؤسّسي بالتحرير الليبرالي الاقتصادوي اختزلتها إلى علاقة تحالف أو تعاقد اقتصادوية صرفة يقودها أقوياء الشركات القابضة، وتتمّ بنظام التراضي بين الدولة والقطاع الخاصّ الوطني والاستثمارات الأجنبية على أساس أخذ القوّة الشرائية للعملات بعين الاعتبار. [Purchasing Power Parity] P.P.P.. صحيح أنّ هذا النّوع من العقود طُبّق في حالاتٍ محدّدةٍ مثل مشروع محطّة الحاويات في مرفأ اللاذقية، غير أنه كان يشير إلى الأيلولة الاقتصادوية لمعنى التشاركية بين القطاعات الثلاثة وحتى مع قطاع الاستثمار الأجنبي. وبهذا الشكل فرَّغ الاختزال الليبرالي للخطة الخمسية العاشرة المضمون التشاركي الواسع المبني على فلسفة "الملعب المنبسط" من محتواه الجوهري لمصلحة ديناميات اللعبة المقفلة بين كبار البيروقراطية وكبار المستثمرين.

لم تكن مفارقةً في إطار تلك العلاقة بين النخب البيروقراطية الليبرالية العليا الواضعة للسياسات والقرارات [الحكومة والمجلس الأعلى للاستثمار] وبين فئة رجال الأعمال الجدد، أن تشترك الحكومة مع رجال الأعمال الجدد في توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الخدمية ذات الربحية السريعة. صحيح أنّ الصناعة والطاقة كانتا في عداد المجالات الاستراتيجية الستة التي حدّدتها تلك الشركات بدرجاتٍ متفاوتةٍ كمجالاتٍ استثماريةٍ لها، وهي السياحة والعقارات والصناعة والنقل والمصارف والطاقة والصحة. غير أن نشاطها الاستثماري الفعلي توجّه إلى الاستثمار المباشر أو بصيغة نظام.B.O.T [بناء، تشغيل، نقل إدارة الأصل إلى الدولة] في قطاعات العقارات والمصارف والسياحة والمجمعات الخدمية الضخمة المتراكبة الوظائف [فندق ومركز مؤتمرات وتسوّق ومطاعم ومقاهٍ و غيرها] بدرجةٍ أولى، وفي قطاع النقل بدرجةٍ ثانيةٍ، ليغيب الاستثمار في قطاعات الصناعة والصحة والطاقة كلياً من مجالاتها الاستثمارية.

المقصود هنا توجّه النشاط الاستثماري لهذه الشركات "القابضة"، وتركّزها وليس نشاط مساهميها أو الشّركات التي تتألف منها، وفيها بعض الشركات الصناعية. لكن تركيز الشركات القابضة على الاستثمار كان يهدّد باحتمال حرف هذه الشّركات عن الاستثمار في المشاريع الصناعية التي كانت الهدف من تأسيسها في الأساس، إلى التركيز على المجالات الخدمية المذكورة خلافاً لتوجّهات رجال الأعمال القدامى في مرحلتي الأربعينيات والخمسينيات الذين كان توجّههم المركزي منْصباً على تأسيس الشركات المساهمة في الصناعة التحويلية، أو المساهمة فيها أو في تأسيس مرافق أساسية مثل شركة مرفأ اللاذقية. أمّا التوجّه المركزي لرجال الأعمال الجدد فيتركّز على المجالات العقارية المرتبطة بالنشاطات السياحية والخدمية السريعة المردود.

إن جردةً بمشاريع الشّركات التي فرّختها الشركات القابضة كشركات فرعيّة لها [39] تشير إلى تركّزها في المجمّعات الخدمية الضّخمة المتعدّدة والمتراكبة الوظائف، والموجّهة إلى تلبية طلب الطبقات الأغنى والأقوى من الخدمات، ويؤدّي قيام هذه المجمّعات تقليدياً ونمطياً كما في قطاع التطوير أو الإنماء العقاري إلى ارتفاع قيمة الأرض بصورة كبيرةٍ ومبالغٍ فيها، ويؤثّر سلباً في قضية التنمية البشرية من خلال جعل المسكن الصحّي واستثمار المشاريع الصغيرة والمتناهية في الصّغر باهظة الثمن. وما يزيد الأمر سوءاً أنّ قسماً كبيراً من هذه المشاريع يقام على أراضٍ زراعية مثل مشروع "بوابة حلب" ومشاريع "يعفور" وغيرها.

في هذا المنظور تندرج هذه المشاريع في معنى واسع للإنماء أو التطوير العقاري على أساس المعايير "الفخمة". بينما لو كانت هناك سياسة تنمويّة للحكومة في التشارك بينها وبين القطاع الخاصّ لوجّهت مشاريع الإنماء العقاري نحو حلّ مشكلة العشوائيات التي يقطن فيها ما لا يقلّ عن 30-40% من سكّان المدن المليونية والمئة ألفية. فالهدف من الاستثمارات في المنظور التنموي ليس رفع معدّل النموّ، لأنّ رفع معدّل النموّ ليس هدفاً في حدّ ذاته إلاّ بقدر ما يرتبط بقضايا التنمية البشرية. وبدلاً من أن تتوجّه هذه الشركات إلى الاستثمار في مجال الطاقة، فقد حمّلت الحكومة مسؤولية تزويدها بالطاقة، وردّت إخفاق بعض مشاريعها الصناعية التي ادّعت أنها سارت في استحداثها إلى عدم تعاون الحكومة معها[40]. بينما اشتركت الشركات القابضة كلّها في إسقاط الاستثمار الزراعي النباتي والحيواني أو تصنيع المنتجات الزراعية من مجالات استثماراتها، مع أنّ اهتمامها بالصناعة يفترض اهتمامها بالزراعة، وهذا الاهتمام هو الذي يعزّز الروابط الخلفية والأمامية بين الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى، ولا سيّما قطاعيْ الصناعة والخدمات الإنتاجية.

 تكشف مقاربة خطاب قادة الشركات القابضة أنّ اهتمامها بالزراعة غائبٌ كلياً، وأنّ اهتمامها بالاستثمار في الصناعة والطاقة والصحّة هو اهتمام شكلي لذرّ الرّماد في العيون، والادّعاء بأن استثماراتها تتمتّع بشمولية الرؤية في سلة تنمويةٍ متكاملةٍ. وتعكس رؤية هيثم جود كبير مؤسّسي "السورية القابضة"، ورئيس مجلس إدارتها طبيعة القطاعات التي تفضّل الشركات القابضة الاستثمار فيها، فهو يقول: "التجارة أولاً، ثم السياحة وهي نفط سورية، وأخيراً الصناعة"[41]. تحتلّ الصناعة مكانةً ثانويةً وأخيرةً في هذه الرؤية التي يعبّر عنها خطاب جودة بينما تغيب الزراعة كلياً عنها. ويتمثّل الوجه الثاني لهذه الرؤية في غياب أيّ سياسةٍ حكوميةٍ عن توجيه الاستثمارات الجديدة إلى القطاع الزراعي[42]. بينما تنكشف حقائق التوجّه للاستثمار في الطاقة عن شراكة مع الاستثمارات الأجنبية النفطية مثل الشراكة مع شركة Gulfsand Petroleum] لتطوير مشروعات النّفط والغاز، التي ليست إلاّ عنواناً لصناعة استخراجية. وفي مثل هذه الشراكات التي من المشكوك فيه أن يكون لشركة "الشام القابضة" إسهام جدي في استثمارها، يحلّ أقوياء الشركات القابضة في الشراكة مع الاستثمارات مكان شراكة المصالح الخاصة للبيروقراطية السابقة مع هذه الشركات.

المنافسة الاحتكارية: من فلسفة" الملعب المنبسط" إلى نظام احتكار القلة

اختلفت طبيعة فئة رجال الأعمال الجدد المؤسّسين للشركات القابضة عن الفئات البيروقراطية المرْسْملة والوسيطة [الوكلاء] والطفيلية التي نمت في السبعينيات من جهةٍ أولى، وعن فئة رجال الأعمال في مرحلة التسعينيات من جهةٍ ثانيةٍ، في أنّ طبيعة المجموعة الأولى ريعية بيروقراطية وطفيلية نمت في سياق السياسة الحمائية التسلطية، بينما المجموعة الثانية صناعية نَمت في برنامج الصادرات وفي إطار الدفعة التي أطلقها قانون الاستثمار. وكان مفهوم السوق أكثر وضوحاً لها وفاعليةً بحكم انصرافها إلى التصدير الخارجي، لكنها أقرب من غيرها إلى الحمائية بمعناها القانوني الاقتصادي التي تطوّرت الصناعة السورية تاريخياً في سياقها، بينما كانت المجموعة الجديدة كما أُعيدَ تشكيلها في تكتّل الشركات القابضة ذات طبيعة خدمية ومرتبطةً بسوق الخدمات عموماً وسوق الخدمات الجديدة خصوصاً وهي الأكثر "تعولماً". وكانت نخب هذه المجموعة من أكثر النخب السورية تعولماً وقابليةً للتعولم، ليس بسبب تكوينها العلمي الأكاديمي الحديث في الجامعات الأوروبية والأميركية فحسب، بل بسبب الطبيعة المعولمة للخدمات في العالم، وتحوّلها إلى خدمات قابلة للاتّجار.

نَما نشاط هذه المجموعة "القابضة" في سوق سورية مشوّهة تحمي الاحتكارات أكثر ممّا تحمي المنافسة، وتقوم سياساتها على حماية "احتكار القلّة" بدعوى جعلها تتحسّس مزايا الاستثمار في سورية أكثر ممّا تقوم على فلسفة "الملعب المنبسط". وقد مثّلت هذه السّياسة تراجعاً واضحاً عن فلسفة "الملعب المنبسط" الذي تبنّته الرؤية الإصلاحية المؤسّسية للخطّة الخمسية العاشرة، بل نقيضاً لها، إذ قامت تلك الرؤية لـ "تحقيق التوازن الدقيق" بين مقتضيات الكفاءة ومتطلبات العدالة" و"الأخذ بفلسفة الملعب المنبسط، حيث يواجه جميع اللاعبين في الساحة الاقتصادية القواعد نفسها بصورةٍ عامةٍ في إطار بيئةٍ مؤسّسيّةٍ وتشريعيةٍ مناوئةٍ للاحتكار، وحاميةٍ للمنافسة"[43].

وفي سياق ضعف السوق وتشوّهها، وغياب التشريعات التي تحمي المنافسة وتحدّ من الاحتكار، فإنّ النفوذ "اللولبي" لشريحة رجال الأعمال الجدد من متّخذي القرارات في البيروقراطية الحكومية الليبرالية أو "المتلبرلة"، والمستند مرجعياً إلى الشراكة بين الدولة والشّركات القابضة، أفضى إلى بروز ظاهرة ما يطلق عليه البعض "احتكار القلّة"، ونشوء نوعٍ من "منافسةٍ احتكاريةٍ" بين أقطابها الأقوياء كبديلٍ من المنافسة الحقيقية التي تفترضها قواعد السوق الرأسمالية الحقيقية[44].

وكمثالٍ معبّرٍ عن" المنافسة الاحتكارية" في إطار "احتكار القلّة"، نذكر لعبة المنافسة الاحتكارية بين شركتي "سيرياتل" [Syriatel] و" ام. ت. ن". [MTN] للاتصالات التي يملكها خمسة عشر مساهماً فقط، والتي راكمت أرباحاً هائلةً بسبب عدم دخول مشغّل ثالثٍ في الخدمة. فقد دخلت "سيرياتل" في عملية تقاضٍ ضدّ الحكومة في شأن احتساب مدّة عقدها، هل يسري من تاريخ التشغيل أم من تاريخ توقيع العقد، وكانت الغاية تأخير استلام الدولة لأصولهما من جهةٍ، وللاستمرار في احتكار السوق خلال فترة التقاضي من جهةٍ ثانيةٍ. وقد أتى ذلك على حساب المستهلك، إذ إنّ دخول المشغّل الثالث لا يقضي على "المنافسة الاحتكارية" بين الشركتين فحسب، بل يحسّن الخدمات ويخفّض التكلفة على المستهلك أيضاً. ففي تجربة الإمارات العربية المتحدة التي شهدت دخول المشغل الثاني شركة الاتصالات المتكاملة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ونتيجة مباشرة لدخول المنافسة، انخفضت أسعار خدمات انترنت النطاق العريض 31٪، كما شهدت السوق انخفاضاً في أسعار المكالمات الدولية وصل إلى 75٪ على مكالمات الهاتف الثابت و65٪ على مكالمات الهاتف المتحرك، بينما انخفضت رسوم الاشتراك في خدمات الهاتف المتحرك 65٪ [45].

لقد راكم مشغّلا الخليوي أرباحاً كبيرةً بسبب احتكار السوق، وتأخر إقرار الحكومة للإطار التنظيمي لمجمل قطاع الاتصالات، وتلكّأت في إدخال المشغّل الثالث. وتعتبر سورية من آخر الدول في المنطقة التي لم يدخل فيها مشغّل خليوي ثالث يفعّل المنافسة بين المشغّلين، ويرفع وتيرة الانتشار، على الرغم من احتمال تقليص المشغَلين لاستثماراتهما بسبب قرب انتهاء عقديْهما في العام 2013، لأن من مصلحتهما تأخير عقديهما عن التحول من عقود الامتياز بموجب نظام[B.O.T.] إلى نظام الترخيص[46]. ما يعني أنّ التحوّل إلى الترخيص سيوجب دفع مئات ملايين الدولارات ثمناً للرّخصة.

 ويؤثّر تأخّر دخول المشغّل الثالث في عائدات الدولة نظراً إلى ارتفاع مساهمة قطاع الاتصالات في الناتج المحلّي الإجمالي. إذ يساهم قطاع الاتصالات بنحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي، أي بمساهمة مباشرة توازي مساهمة قطاع التشييد والبناء أو قطاع المصارف. وكوّنت إيراداته في العام 2008 موْرداً ملحوظاً للخزانة العامة [7% من الإيرادات الإجمالية]، وهو ما يعادل تقريباً [39%] من إيرادات النفط[47] ومع تحويل" امتياز" المشغلين إلى رخصة، وترخيص المشغّل الثالث ستزيد عائدات الخزانة عشرات ملايين الدولارات. بينما تبلغ مساهمة هذا القطاع السنوية المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي للعام 2009 في دولة الإمارات العربية 4.9%، وفي الأردن 9.5 %. وإذا ما أضيفت إلى هذه النسبة في الأردن المساهمات غير المباشرة لهذا القطاع فإنها تصل إلى 14.3%. أمّا في سورية فإنّ المساهمة المباشرة لهذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي كإيرادات قطاع الاتصالات [الهاتف الثابت والخليوي بشكل رئيس] بلغت 5% في العام المنصرم[48]. ولا يمكن تفسير هذا التأخر بسبب ضعف الرهان على عائدية رخصة المشغّل الثالث فحسب، بل بسبب مراعاة مصالح المشغلَين في استمرار احتكار السوق ضمن منطق "المنافسة الاحتكارية" بينهما، وربما تطلعهما إلى السيطرة على المشغل الثالث بطريقة الواجهة أو الشراكة أو التحالف.

لقد عملت السياسات التحريرية من خلال جعل الشركات القابضة تختص بالمشاريع الخدمية السريعة الربح وبكثير من الحوافز الضريبية والتسهيلات في مجال استملاك الأراضي، على تركز الثروة في جيوب فئةٍ محدودةٍ من رجال الأعمال الجدد في غياب المنافسة. وفي مرحلةٍ تاليةٍ حين تم التفكير في إصدار تشريع يمنع الاحتكار ويحمي المنافسة اصطدمت هذه الاتجاهات بمعارضة هذه المجموعة، ليس لأن المنافسة تحد من تضخم أرباحها فحسب، بل لأنها تتضمن جعل العقود "بالتراضي" في المشاريع القابلة للتنافس حالةً ثانويةً. في حين تحول "العقد بالتراضي" إلى قاعدةٍ بدعوى زائفةٍ هي المواصفات المطلوبة التي لا تتوافر بطريقة المنافسة.

 أبرمت عقود معظم مشاريع الشركات القابضة منذ تأسيسها وحتى سنة 2010 بطريقة "الاحتكار" أو "المنافسة الاحتكارية" وليس بطريقة "الملعب المنبسط". وتمّ تمويه طريقة "الاحتكار" بالصيغة القانونية لـ "العقد بالتراضي"، ولاسيما العقد وفق نظام [B.O.T.]. وبلغ عدد العقود التي درستها لجنة العقود خلال العام 2010 وفق نظاميْ [B.O.T. و [B.O.O.T. أي: "بناء، ملكية، تشغيل، نقل الأصل إلى الدولة" نحو 176 عقداً بلغت قيمتها الإجمالية 1540 مليون ل.س.، وتشمل هذه العقود الخدمات الإنتاجية في مجالات البنية التحتية المرفئية والطرقية والجوّية والخدمية الطابقية المتراكبة الوظائف التي تنوء قدرات الدولة بتنفيذها[49].

لا شكّ في أنّ نظام الـ [B.O.T.] ومشتقّاته يتضمن بطبيعته حوافز كبيرةً للمستثمرين، لكن مشاريعه تعود بالنّفع على المدى المتوسّط أو الطويل الأمد، ويندرج في عدادها تشغيل العمالة، وتوطين التقانة والتنظيم، ورفع أعباء الإنشاء الباهظة عن الدولة، كما تفيد الدّولة في تنمية البنية التحتية التي لا تستطيع الدولة أن تستثمر فيها دوماً بسبب تكاليفها العالية نسبياً وافتقاد الخبرة المؤسسية و التقانية. ويمثّل نظام B.O.T. بذلك نظاماً فاعلاً يسمح للدولة بأن تنفق أكثر على ميادين التنمية البشرية، ويخفّف عنها عبء "التّعب" أو" الإنهاك التنموي"، كما يسمح بـ "توازن الموازنة" والتخفيف من عجزها، ويحدّ من مخاطر التضخّم. لكن المشكلة لا تتمثّل في طبيعة هذا النظام في حدّ ذاته بل في الديناميّة التي تحكمه حين تغيب المنافسة ويحلّ الاحتكار، وتغيب مؤسّسات السوق الشّفّافة لمصلحة مؤسّسات وهيئات وشركات "الاقتناص" التي تعمل في الزواريب الخلفية. وتكون ثمرة اشتغال هذه الدّينامية متمثلةً في هدر مصالح الدولة العامة لمصلحة تضخيم المصالح الخاصّة بشكل غير عقلاني لا تقبله حسابات الجدوى وتقديرات العائد المعقولة. ويندرج في عداد ذلك منح الشركات القابضة مدّة طويلةً لاستثمار المنشآت المبنية وفق نظام[B.O.T.] لا تقلّ عن 46-49 سنة.

وُقّعت هذه العقود بطريقة "التراضي" بين الجهات الإدارية، وبشكل خاصّ مجالس المدن، والشركات التي تحكمها دينامية الفساد بما هي دينامية اجتماعية[50]. وهو ما يثير في محاولة فهمها أهميّة العودة إلى الفساد كديناميةٍ اجتماعيةٍ، وذلك في ضوء مفهوم العلوم الاجتماعية، أي دراسة الظاهرة من خلال العمليات أو السيرورات الاجتماعية[51]. وتسمح هذه المقاربة بالقول في ضوء السيرورات الفعلية والعملية إنّ إبرام عقود "التراضي" في "كوريدورات" البيروقراطية السورية التي تعيش من الخدمة العامّة أكثر ممّا تعيش لها اختلط بتركّز الثروة واستغلال النفوذ وبالتالي بالفساد. وهذا النّوع من الفساد، هو، على وجه التحديد، "الفساد الكبير". فإذا كان الفساد الصغير قد ارتبط اقتصادياً بفقدان التناسب بين "الأجور" و "الأسعار"، وعدم قدرة الأجور على تمويل نفقات الحياة الأساسية للعائلات السورية التي ترتفع فيها معدّلات الإعالة العمرية والاقتصادية، كما ارتبط أيضاً بضغوط النّهم الاستهلاكي الذي بات مرتبطاً بتوسّع قطاع الخدمات، فإنّ "الفساد الكبير" يرتبط بشبكات ودهاليز نصف" مرئية" بين رجال الأعمال والبيروقراطية. ويمكن اعتبار مجلس مدينة حلب الذي توسّع كثيراً في منْح هذه العقود لرجال أعمال من مؤسّسي الشّركات "القابضة" ومن غير مؤسّسيها، نموذجاً لمركز العجلة في شبكة مافيوزية متعدّدة الأذرع في الأجهزة البيروقراطية المختلفة، مع أنّ رجال الأعمال هؤلاء عُزلوا من مناصبهم بين أواخر العام 2010 وأوائل العام 2011. ويعود ذلك إلى غياب الشّفافية عن تلك العقود، وخضوعها لتدخّلات سلطاتٍ أخرى آمرة للسلطات العامة الرسمية، أي أنها تتمتّع بالقوّة الاجتماعية التي تتيح لها استخدام سلطة الأمر والنّهي، وسلطة الثواب والترقية والعقاب، إذ يحتلّ أعضاء مجالس المدن في تراتبية العلاقات بين القوّة والسلطة مكانةً ضعيفةً يسهل فيها التحكّم وتوجيههم لمصلحة الجهات النافذة التي أوصلتهم إلى هذه المناصب. الأمر الذي يمثل تحويلاً للمشاريع إلى ما يوصف بـ " رأسمالية المحاسيب"[Crony Capitals]. ويمثل بذلك مقابلاً للمنافسة التي تقوم على آليات الشفافية والإنصاف داخل عالم الأعمال، والشّفافية والنزاهة والوصول إلى المعلومات[52] التي تشكّل معايير "الملعب المنبسط"، وبذلك يساهم اعتماد نظام العقود بـ "التراضي" في المنظومة البيروقراطية السورية السائدة، كبديلٍ من نظام المنافسة، في تركّز الثروة في قبضة فئةٍ مختارةٍ من المستثمرين لدواعٍ مصلحيةٍ أو سياسيّة. وحتى في المنظور الليبرالي النّمطي البحت، فإنّ العلاقة اللولبية بين البيروقراطية من جهة، وأقوياء الشّركات القابضة الذين باتوا يضطلعون بوظيفة "بوّابة الاستثمارات" المتدفّقة، والباحثة كما في كلّ مكان في العالم عن الرّبح، من جهة أخرى، تؤدّي إلى تدهور قدرة الدولة على وضع سياساتٍ مقبولةٍ لقواعد اللعبة التي يحترمها اللاعبون؛ ويعني ذلك عدم قدرة الدولة على العمل كسلطةٍ حياديةٍ تمثّل "المصلحة العامّة" على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع ضمن قواعد اللعبة، وتحوّلها إلى جزء من تضارب المصالح الخاصة لقوى السوق التنافسية، وتغلب العلاقات "الكوريدورية" و"الدهاليزية" على القوانين في ظلّ حماية الاحتكار والبعد عن مَأْسسة المنافسة.

لهذا أبرز رجال الأعمال الجدد عبر نفوذهم في البيروقراطية الليبرالية مقاومةً كبيرةً لصدور قانون المنافسة وتشريعات الشّفافية والإفصاح التي تنال من نظام "المنافسة الاحتكارية" أو" احتكار القلة"[53]. ويشكّل ذلك جزءاً من الموقع المتناقض لشريحة رجال الأعمال الجدد في النظام الاقتصادي- السياسي السوري. ويتمثّل هذا الموقع المتناقض في أنّ شريحة رجال الأعمال هذه تعمل على دفع الدولة دوماً إلى تسريع سياسات التحرير، لكنها لا تختار بالضرورة "لبرلة" اقتصادية كاملة، ولا استقلاليّة ذاتية نهائية عن الدّولة، بل إنّ كثيراً منها يفضّل البقاء على مقربة من الدولة[54]. ويشكّل هذا الأمر الأساس الموضوعي للتّحالف السياسي بين شريحة "المئة" التي تمثّل نخبة رجال الأعمال وأكثرهم قوّةً ونفوذاً. وكما يقول جان ليكا: "ما الذي يلزم هذه الجماعة الانخراط في فعل سياسي مكشوف حين يكون في استطاعتها الحصول على هذا كله لقاء قدر أقلّ من التكلفة عليها من خلال البقاء متمسّكة بالسياسات البيروقراطية أو بسياسات القصور الحكومية، حيث الشبكة اللارسمية للتضامن العائلي والمناطقي والفئوي هي التي تحتلّ موقع القلب من اللعبة"؟[55].

التحالف الاستراتيجي بين الشّركات القابضة ورأس المال الخليجي والأجنبي:

الأبعاد والدلالات والتّحالفات والتعولم على المستويين الخدمي والسلعي

كشف نشاط الشركات القابضة عن ارتفاع وتيرة تعولمها واندماجها برؤوس الأموال الخليجية والأجنبية من خلال صيغ التحالف الاستراتيجي. ويمكن القول إنّ النخب القويّة في القطاع الخاصّ السوري، والمؤسّسة لهذه الشركات، قد دخلت في دورات هذا التحالف بوساطة نخبتها القائدة الصّاعدة في الشركات القابضة التي تنفّذ مشاريعها بالتّحالف مع رؤوس الأموال تلك. ولا تخلو "دهاليز" هذا التّحالف من أبعاد "ريعيّة" غير "مرئيّة"، بين الاستثمارات الخليجية والأجنبية وبين الشركات القابضة باعتبار أنّ هذه الأخيرة هي التي حصلت على الموافقة الحكومية لإقامة هذه المشاريع. فلقد احتلّ أقوياء الشركات القابضة، النّافذون في وسط البيروقراطية الحكومية الصانعة للسياسات والقرارات، مكانة "بوّابة" الاستثمارات المتدفّقة، للاستثمار في سورية، وتسهيل تمرير مشاريعها، وضمان أرباح مرتفعة لها بشكل مسبق، وتخريج صيغ متعددة للتشارك المتبادل المصالح معها تحت اسم التحالف.

 يمكن اعتبار التحالف دينامية اجتماعية، أي سيرورة وعمليات. ويمثل التحالف بهذا المعنى دينامية اجتماعية لمبادلة المصالح الاستثمارية/ الخدمية، فهي دينامية تسهل التعقيدات البيروقراطية أمام الاستثمارات، وجني أكبر قدرٍ ممكنٍ من خدمات الدولة. ولا تخلو هذه الدينامية من ريعية ضمنية للخدمات التي تقدّمها نخب الشركات القابضة للاستثمارات الحليفة. ويتأسّس هذا النوع من "دهليزية" المصالح لرؤوس الأموال الخليجية في الاستثمار السياحي في سورية بحكم تنوّع الموارد السياحية السورية على مستوى العرض، وارتفاع الطلب السياحي عليها. فقد جذبت سورية في العام 2005 نحو 77% من إجمالي السياحة العربية البينية التي تصل إلى نحو 40% [56]. وشكّل ذلك أحد عوامل فتح شهيّة رؤوس الأموال تلك للاستثمار في سورية وجنْي أرباح كبيرة وسريعة. وبشيءٍ من توسيع مفهوم مركز العجلة وأذرعها وتكييفه [hub-and-spoke effect]، فإنّ الاستثمارات الخليجية والأجنبية تمثّل مركز العجلة، بينما تمثل الشركات القابضة أطرافها بمرتبة حلفاء. ولأنّ تحالفها ما فوق وطني أو فوق قومي فإنّها تمثّل في الوقت نفسه ديناميةً من ديناميات التعولم في المجال الخدمي.

 أمّا في المجال السلعي، وعلى الرغم من أنّ سورية ليست حتى الآن طرفاً في المنظومة الأورو- متوسطية أو في منظّمة التجارة العالمية، فقد قطعت شوطاً كبيراً في تأهيل اقتصادها للتكيّف مع معايير تلك الشراكات، بل إنّ الشراكة السورية- التركية التي جرى تطويرها إلى مجلس تعاون استراتيجي صارت تمثّل نموذجاً مصغّراً مطوّراً عن اتّفاقية الشّراكة الأورو- متوسطية. وفي هذا السياق حقّقت سورية أهمّ ديناميات التعولم وهي تحرير التجارة الخارجية التي تنعكس على المجالات الخدمية [المرتبطة بقيادة نخب الشركات القابضة] والسلعية [المرتبطة بالقطاع الصناعي الإنتاجي السلعي].

 وتؤدّي ديناميات التعولم المتسارعة إلى تحويل سريع للنمط التنموي السّوري من نمطه التاريخي أي "الموجّه إلى الداخل" إلى نمط "التوجّه إلى الخارج"، وينعكس ذلك في دينامية من ديناميات التّحالف والاندماج بين الصناعة السورية وبين رأس المال الخليجي والأجنبي الذي يعمل في مجال الإنتاج السّلعي، لكنها تتّسم بدورها بعدم تكافؤ الثّقل بين مركز العجلة وأطرافها. ويمكن فهم انتشار نمط " العقد من الباطن" [sub-contracting] فهماً يتخطّى الأبعاد الاقتصادوية في ضوء مفهوم عدم التكافؤ بوصفه من ديناميات التعولم [57]. وعلى الرغم من أن التعاقد من الباطن يشمل في الحقيقة مجالات الإنتاج كلها بما في ذلك الزراعة التعاقدية وصادرات الخدمات والسلع، فقد بات شائعاً لجوء الشركات المنتجة للخدمات والسّلع إلى تطبيق استراتيجيات دولية متكاملة في إنتاج الخدمات من خلال تجزئة عمليات إنتاج الخدمات وتنفيذها في عدّة بلدان. وفي النّمط السوري وفي سياق تشابكات الأسواق والتكاملات الإقليمية، فإنه يرتبط بشكل خاصّ بتولّي مركز العجلة استقطاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تتّسم بالمهارة وبالقدرة على التكيّف مع مواصفات الشركات المتعاقدة. ويختلف مستثمرو هذه المشاريع عن المستثمرين في الشركات القابضة في أن تكوينهم السوسيولوجي- الثقافي قد تمّ أساساً في فضاءات اجتماعية-ثقافية تقليدية، بينما تطوّر تكوين مستثمري الشّركات القابضة في فضاءٍ حديثٍ قابل للتعولم ومعولم. لكن نمط "التعاقد من الباطن"، بما هو دينامية تعولم "تبعيّة" ومتبادلة المصالح، يمكن أن يفضي إلى تغذية راجعةٍ تنطوي على شحنةٍ متعولمةٍ جديدةٍ في التكوين التقليدي لأولئك المستثمرين.

يشتغل النّمط الشّائع لهذا النظام بالتّصنيع بقصد التصدير، وينطوي على جوانبَ إيجابية من ناحية التطوّر التقاني، واكتساب مزايا تنافسية نسبية. وإذا كان هذا الأسلوب قد ارتبط تقليدياً بالتصنيع الذي يعتمد على كثافة عماليّة، فإنّ اللاّمركزية واللاّرأسية في حلقات الإنتاج العالمية تفضيان بصورةٍ أساسيةٍ إلى استخدامه في شراء أو تصنيع حلقات منتجات متخصّصة تعتمد على الكثافة التقانية، أو من خلال إصدار التراخيص ومنح العلامات التجارية، أو من خلال إقامة بعض العمليات مقابل الحقّ في استخدام العلامة التجارية وترخيص استخدامها، وهو أمر شديد الأهمية في استراتيجية التسويق التي تشكل العلامة التجارية إحدى أبرز محدداتها. وتتمثل الدلالة الجوهرية لهذا النوع الاستثماري في زيادة اندماج الاقتصاد السوري بنيوياً في سلاسل الإنتاج في الاقتصاد العالمي، وفي تحوّل هذا الاندماج إلى علاقةٍ داخليةٍ أو سمةٍ بنيويةٍ من سمات الاقتصاد السوري يزول فيها كثير من مقيّدات ثنائيات الداخل والخارج، ويغدو مفهوم "الصناعة الوطنية" فيها ضعيفاً أو يتلاشى في اقتصاد عالمي متكامل ومندمج وموزّع الحلقات. وفي الآونة الأخيرة أخذ شيوع هذا النمط ينتشر في إطار التكامل السوري- التركي. وتتمثّل حركته الأساسية السائدة في سورية في تراتبيةٍ على مستوى القوّة بين "معلّم" متعاقد [مركز العجلة] من الخارج مع "صانع" ماهر متعاقَد معه من الداخل [أذرع العجلة].

محاولة تركيب

شكّل مشروع الإصلاح المؤسّسي حين اختزل في تحرير اقتصادوي، الإطار السياساتي الذي أُعيدَ فيه تشكيل طبقة رجال الأعمال السورية، وبروز شريحة رجال الأعمال الجدد الذين شكّلوا "شركات قابضة" لقطف ثمار الاستثمارات الكبيرة المتدفّقة على سورية في مرحلة الفوائض المالية الخليجيّة. وقد برزت فاعليّة هذه الشّريحة في قيادة التوسّع في مجال القطاعات العقارية والسّياحية والمالية الخدميّة من قطاعات الخدمات الإنتاجية، عبر "التّحالف" مع رؤوس الأموال الخليجيّة والأجنبية وفق قاعدة مركز العجلة وأذرعها. وقام تشكيل نخب قطاع الأعمال على أساس "متعولم"، الذي سرّع وتائر عملية التعولم الداخلية للاقتصاد السوري، وتكيّفه مع السياسات التحريرية" الليبرالية" الجديدة في ضوء منظور يقول إن "تحرير التجارة والخدمات يقود النموّ". ويمثّل تشكيل هذه الشّريحة بهذا المعنى أحد أبرز إفرازات عملية إعادة الهيكلة الجارية في المجتمع السوري، والتي تتخطّى الأبعاد الاقتصادوية لعملية إعادة الهيكلة إلى الأبعاد الاجتماعية والأنثروبولوجية والثقافية والرمزية والعمرانية في ديناميات عملية "التغيير الاجتماعي" الجارية في سورية. وقادت هذه الشّريحة بما في ذلك شركاتها الفرعيّة وشركات مؤسّسيها، عملية النموّ الاقتصادي في سورية خلال النّصف الأخير من العشرية الأولى في القرن الحادي والعشرين، وجذب الاستثمارات إليها، وساهمت، على الرغم من سنوات الجفاف وتأثيرات الأزمة المالية الدولية المباشرة وغير المباشرة في الاقتصاد والمجتمع السوريّين، في تحقيق معدّلات نموّ اقتصادوية معقولة. لكن تشوّهات توزيع الدّخل من الناتج المحلّي مثّلت الوجه الآخر لهذا النموّ. فما هي حصيلة النموّ الاقتصادي خلال تلك الفترة وفترة العشريّة الأولى؟ وما دورها في إنتاج الفقر؟ وما العوامل التي تحكّمت في ارتفاع نسبة مَن هم تحت خطّ الفقر في سورية؟

هذا ما ستتوقّف عنده الحلقة الثالثة.

 -----------------------------------------------

  • [1] التقرير الاقتصادي العربي الموحد لسنة 2006، الكويت، صندوق النقد العربي، 2007، ص 16 و 86.
  • [2] رمزي زكي، "الاقتصاد العربي تحت الحصار: دراسات في الأزمة الاقتصادية العالمية"، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1989، ص 88.
  • [3] يمكن تفسير ارتفاع معدل الهروب في أواخر السبعينيات بعوامل متعددة، بينها ارتفاع معدل الفائدة على العملات الأجنبية إلى 20% في المصارف التركية واللبنانية والأردنية، وزيادة طلب القطاع الخاص على الدولار في الأسواق المجاورة. انظر: مطانيوس حبيب، "أوراق في الاقتصاد السوري"، دمشق: دار الرضا،، 2006، ص 297، ومحمد العمادي، "تطور الفكر التنموي السوري"، دمشق: دار طلاس، 2004، ص 210-211.
  • [4] نبيل سكر، مصدر سبق ذكره، ص 15-16.
  • [5] يتكون المؤشر المركب للاستثمار في البلدان العربية من المؤشرات الاقتصادية الكلية التي تشمل مؤشرات السياسة النقدية [معبراً عنها بمعدل التضخم] والتوازن الداخلي[معبراً عنه بعجز أو فائض الحساب الجاري في ميزان مدفوعات الدولة الخارجية مع العالم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ويستخدم معدل النمو الحقيقي]. انظر: "مناخ الاستثمار في الدول العربية"، 2009، الكويت: المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، 2009، ص 18. www.dhaman.org تاريخ المشاهدة 6/ 3/ 2011.
  • [6] تمثلت مؤشرات توازن الاقتصاد الكلي في فائض ميزان المدفوعات والميزان التجاري نسبياً، ودين داخلي زهيد قياساً على متوسطه في الإقليم والعالم، واحتياطي مرتفع جداً من النقد الأجنبي، وعجز موازنة وتضخم منخفضين. ودين خارجي زهيد، وسيولة كبيرة في المصارف وصلت في العام 2003 إلى نحو 549 مليار ليرة سورية. لمزيد من التفصيلات انظر: " مسح المسارات"، ص300-309.
  • [7] إبراهيم العيسوي، مصدر سبق ذكره، ص 324 - 325.
  • [8] مسح المسارات الاقتصادية الكلية، مصدر سبق ذكره، ص 300-306.
  • [9] محمود عبد الفضيل، "كفاءة الاستثمارات في الاقتصادات العربية وعلاقتها بالتنمية"، دمشق: جمعية العلوم الاقتصادية، 2007، ص 3-5.
  • [10] عبد الفضيل، المصدر السابق نفسه، ص3-5.
  • [11] تقرير بعثة صندوق النقد الدولي إلى الجمهورية العربية السورية، تقرير خبراء الصندوق في إطار مشاورات المادة الرابعة، دمشق: تقرير خاص،13 تموز/يوليو 2006، ص11.
  • [12] منتدى البحوث الاقتصادية، تقرير الواقع الاقتصادي في سورية، الفصل الأول: سياسات الاقتصاد الكلي وأداء السياسات العامة، دمشق: منتدى البحوث الاقتصادية، 2005، ص 29.
  • [13] كان من أهمها البرنامج الذي حمل هذا الاسم على وجه التحديد، وأعدّه اندر سود [Inder Sod] الأستاذ بجامعة جورج تاون. إن تقارير بعثات صندوق النقد الدولي التي تجري مشاورات منتظمة مع الحكومة السورية، بموجب اتفاقية الصندوق، وترفع تقارير منتظمة إلى الحكومة عن وضع الاقتصاد السوري وإصلاح سياساته كانت تلتقي مع هذا البرنامج.
  • [14] نسبة إلى تجربة المكسيك التي قادت حرية التجارة في العالم، وطبقت التحرير الكامل للتجارة ولحركة رؤوس الأموال والخصخصة الكاملة، لكنها عادت بدءأ من العام 1998 عن هذه السياسة التي ألحقت الوبال بها. انظر نزيه الأيوبي، "تضخيم الدولة العربية: السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط"، [ترجمة أمجد حسين]، مراجعة فالح عبد الجبار، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2010، ص 692.
  • [15] انظر مقابلة مع هيثم جود على الموقع http://www.aliqtisadi.com/pages/BrowseByOrg.aspx?orgid=154
  • [16] تقرير التنمية البشرية لعام 2005، "التعاون الدولي على مفترق طرق: المعونة والتجارة والأمن في عالمٍ غير متساو"، نيويورك: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2005، ص119-121.
  • [17] محمود عبد الفضيل، "مفهوم الفساد ومعاييره"، في "الفساد والحكم الصالح في البلدان العربية"[تحرير محمد جمال باروت]، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 2006، ص84.
  • [18] رمزي زكي، "الاقتصاد العربي تحت الحصار"، ص88.
  • [19] سمير سعيفان، "التهرب والتهريب: مقاربة صريحة"، محاضرة في جمعية العلوم الاقتصادية، دمشق: 13/3/2001. المكتومون بالنسبة إلى المكلفين هم الذين يقومون بكتمان تام للمعلومات المتعقلة بنشاطهم المالي فلا تصل إلى الدوائر المالية، وبالتالي فهم لا يدفعون أي ضرائب على الإطلاق، وهذا هو أكثر أشكال التهرب أماناً.
  • [20] كان لهذه هذه العوامل مجتمعةً شأن في إفلاس نجوم الصادرات في الثمانينيات والتسعينيات مثل الديري وجربوع وبلاش وغيرهم في حلب. وفرار بعضهم بإفلاس احتيالي إلى الخارج مثل كويفاتية. وكان هؤلاء جميعاً، استحوذوا على نسبة مرتفعة من المدخرات العائلية، التي شكلت أحد أهم مصادر استثماراتهم.
  • [21] كان لطفي الحفار أول من طرح تأسيس الشركات المساهمة في افتتاح المنتدى التجاري في دمشق في تشرين الأول/ أكتوبر 1908، بيروت: جريدة "الاتحاد العثماني"، 24 تشرين الأول/أكتوبر 1908، ص 1.
  • [22] في العام 1946 زوّدت الحكومة الصناعيين السوريين بالدولار نقداً لتمويل مستورداتهم من الغزول، وقد استفادت الشركة الخماسية من مبلغ قدره 740 ألف دولار يومئذ، وقامت بالاستيراد الفعلي بينما قام معظم الذين قبضوا الدولار باليد ببيعه في السوق السوداء. قارن مع جدول وزير الاقتصاد حسن جبارة أسماء الذين استلموا الدولارات من وزارة الإعاشة وفى معظمهم تعهده الاستيراد، وقد استفاد كل من دياب إخوان وعادل الخجا وأنور قطب وياسين دياب من نحو 740 ألف دولار، أما الحاج وهبي الحريري فاستفاد من 182 ألف دولار. الجلسة السابعة في 5 شباط/فبراير1946، الجريدة الرسمية، العدد 29، 11 تموز/يوليو 1946، ص122-123.
  • [23] تأسست الشركة الخماسية في العام 1945، وسميت الخماسية نسبةً إلى مؤسسيها الكبار الخمسة. و بلغ عدد مساهميها 100 مساهم ورأسمالها 10 ملايين ليرة سورية وغايتها "القيام بمشاريع تجارية وصناعية وزراعية وقبول كافة الوكالات" بحسب القرار رقم 10 تاريخ 15/1/ 1950 والنظام الأساسي للشركة التجارية الصناعية المتحدة المساهمة المغفلة [الجريدة الرسمية، العدد 7، 9 شباط/فبراير 1950، ص 548]. وقد شملتها قوانين التأميم الناصرية في تموز/ يوليو 1961، ثم رفع عنها التأميم خلال المرحلة الأولى من الانفصال السوري في العام 1961، لكن حكومة بشير العظمة في عهد الانفصال أعادت تأميمها بسبب تركز رأس المال فيها، وتدخلها في الحياة السياسية.
  • [24] من أبرز هؤلاء الحاج كامل هيكل، وتوفيق الحاج علي خضير وأبو النور حمامي ونوري الحكيم، وشكل هؤلاء محفظة مالية استثمارية للاستحواذ على الشركات المساهمة الأخرى، أو استحداثها. واتسعت فئة "حجاج" حلب لتشمل صناعيين مجازفين لكنهم مهرة، مثل الحاج وهبي الحريري شاغل الدنيا ومالىء الناس في حلب في الأربعينيات، والحاج عبد القادر شبارق وإخوته، والحاج سامي صائم الدهر مؤسس أول معمل للصناعة التحويلية السورية. وقد ضربت قوانين التأميم هؤلاء المستحدثين كلهم باستثناء من فر برؤوس أمواله ووجد عملاً له في المغرب ولبنان.
  • [25] ظهر هذان الحزبان في العامين 1947 و1948 على خلفية انحلال" الكتلة الوطنية" التي قادت النضال الوطني السوري ضد الانتداب الفرنسي[1920-1943] في مرحلة مابعد الثورة السورية الكبرى. وكان الصراع الأشد بينهما في مدينة حلب.
  • [26] مقابلة شخصية أجراها الباحث في ربيع العام 2008 مع فؤاد لحام عضو اللجنة ومعاون وزيرالصناعة يومئذ. ويعني "سيناريو لعنة الفراعنة" أن سورية تحتذي عادةً ما تحتذيه مصر اقتصادياً وتشريعياً بفارق زمني يتراوح بين سنة وخمس سنوات.
  • [27] لم توافق القيادة القطرية يومذاك على مشروع إعادة الهيكلة الذي اقترحته اللجنة.
  • [28] في العام 1980 قدم وزير الاقتصاد المصري السابق عبد الرزاق عبد المجيد أول اقتراح بتحويل الشركات العامة في ميدان التجارة الخارجية والتأمين إلى فروع لشركات قابضة مختلطة خاصة وعامة. وفي العام 1981 قدم وزير الصناعة المصري السابق طه زكي اقتراحاً يقضي بـ"فصل الإدارة عن الملكية"، وتأسيس شركات قابضة تتولى إدارة رأسمال الشركات المختلطة العامة والخاصة والمختلطة. انظر: نزيه الأيوبي: "تضخيم الدولة العربية"، ص676-677.
  • [29] محمود عبد الفضيل، "كفاءة الاستثمارات في الاقتصادات العربية وعلاقتها بالتنمية"، مصدر سبق ذكره، ص3-5.
  • [30] تصدّر هذه المعارضة ثلاثة نواب يمثلون القطاع الخاص من أعضاء مجلس الشعب هم رياض سيف ومأمون الحمصي ومحيي الدين حبوش، ولكن من قاد المعارضة والحملة ضد رسو العرض على مخلوف كان رياض سيف الذي تحول إلى صفوف المعارضة السياسية، وحكم عليه بالسجن. عن سيرة سيف، انظر: "تجربة رياض سيف: هموم في الصناعة والسياسة"، دمشق: بلا ناشر، 1999.
  • [31] http://www.iqtissadiya.com/index.asp تقرير عن الشركة، تاريخ المشاهدة 10 آذار/مارس 2011.
  • [32] انظر: "ظاهرة الشركات القابضة في سورية [شام القابضة نموذجاً]، تقرير خاص، دمشق: المكتب الاقتصادي السوري، حزيران/يونيو 2007، ص 12.
  • [33] خلافاً للادّعاءات السياسوية بقيام الشركة على خيوط طائفية، فإن الشركة هي شبكة مصالح اقتصادية مؤلفة من مسلمين ومسيحيين، ونسبة المسلمين[من المذهب العلوي] محدودة جداً، وأقل من نسبة المسلمين[من المذهب االسني]. عن حصة مخلوف وشراباتي، انظر: هيام علي، "الكزبري رئيساً.. ومخلوف نائبا"[تقرير إخباري]، جريدة "الثورة"، دمشق: 29/ 7/ 2007.
  • [34] المصدر السابق، ص 12 و24.
  • [35] قارن تصريح رامي مخلوف نائب رئيس مجلس إدارة" الشام" القابضة، في مجلة "الاقتصادية"،على الرابط: www.iqtissadiya.com، تاريخ المشاهدة 15 آذار/ مارس 2011.
  • [36] المصدر السابق، ص 24. انظر تصريح رامي مخلوف للتعرف إلى مشاريع سورية القابضة في الرابط التالي: http://www.souriaholding.com، تاريخ المشاهدة 15 آذار/ مارس 2011.
  • [37] انظر التقرير الإخباري المطول عن الاجتماع بين رئيس الحكومة السورية وأعضاء شركة الشام القابضة ومديري شركاتها، وعرض المشاريع التي تنفّذها، على الرابط مع http://www.syriastory.com، تاريخ المشاهدة 15 آذار/مارس 2011.
  • [38] في كانون الثاني/ يناير 2010 صارح عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية الباحث بأن الحكومة باتت عاجزةً عن السير بعملية الإصلاح إلى مستوى تنافسي يكسر احتكار القلة بسبب معارضة رجال الأعمال وفئات بيروقراطية نافذة. واستخدم الدردري يومئذ تعبيراً يشير إلى أن هؤلاء هم الذين يعارضون الإصلاح الاقتصادي الحقيقي وقيام اقتصاد سوق. وفي هذه الفترة كانت الخلافات بين الدردري وبين بعض رجال الأعمال على أشدها [مقابلة شخصية للباحث مع عبد الله الدردلي في 22 كانون الثاني/ يناير 2010].
  • [39] مثل مشاريع " بوابة حلب" و" أبراج دمشق" وفندق "روتانا" والمجمعات السياحية على الشاطىء السوري ومشروع تحويل ثكنة طارق بن زياد العسكرية القديمة إلى مجمع فندقي وخدمي كبير... إلخ.
  • [40] انظر السجال الذي دار بين عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وبين هيثم صبحي جود رئيس مجلس إدارة الشركة "السورية القابضة"، والرئيس التنفيذي لمجموعة [جود] التي تعتبر من كبرى المجموعات المؤسسة لـ "السورية" والمساهمة فيها. فلقد ادعى جود أن الحكومة أحبطت مشروعاً صناعياً ضخماً للشركة حين لم توفر الطاقة لها، بينما ردّ عليه الدردري بالقول بأن توفير الطاقة هو من مسؤولية الشركات التي تستحدث هذه المشاريع. راجع تفصيلات هذا الجدل في مجلة "الاقتصادي" على الرابط http://www.aliqtisadi.com، تاريخ المشاهدة 15 آذار /مارس2011.
  • [41] مقابلة مع هيثم جود http://www.aliqtisadi.com، تاريخ المشاهدة 17 آذار/مارس 2011.
  • [42] كان جود قد ذكر أنّ "رؤية الحكومة ما زالت علاقة حكومة بفلاح، ولم تؤسّس لتشريعات تشجّع الاستثمارات الزراعية". ورد الدردري عليه بأنه محق في ذلك بالنسبة إلى الزراعة، فنحن لم نطوّر حتى الآن التشريعات التي تشجّع الاستثمارات الكبرى في الزراعة، ولدينا في ذلك مبرّران: الأوّل هو أنّ كل الملكيات الزراعية في سورية باستثناء حوض الفرات تعتبر ملكيات خاصة ومفتتة، ونحن كحكومة لانستطيع أن نتدخّل في العلاقة بين المستثمر وصاحب الأرض لأنّها ملكية خاصة. وبما أنّ أراضي الدولة على حوض الفرات هي الوحيدة التي يتاح للدولة طرحها للاستثمار، فإننا الآن وضعنا لها نظاماً خاصاً للاستثمار ويمكن للراغبين دراسته والتشاور معنا". مجلة "الاقتصادي" على الرابط: http://www.aliqtisadi.com. تاريخ المشاهدة 20 آذار/مارس 2011، لكن ما تكشف عنه هذه المساجلة هو أن جود لم يطرح مسألة تطوير الحكومة لتشريعات الاستثمار الزراعي إلاّ بهدف الإحراج وليس لأسباب تطوير تلك التشريعات.
  • [43] جودت عبد الخالق، "السياسات الكلية لتقليل الفقر في سورية"، دمشق: ورقة خلفية للخطة الخمسية العاشرة، 2004.
  • [44] محمود عبد الفضيل، العرب والتجربة الآسيوية، مصدر سابق، ص 195.
  • [45] المصدر السابق نفسه.
  • [46] سمير العيطة، "استراتيجيات الاستثمار في قطاع الاتصالات والمعلومات في سورية في ظل الأزمة العالمية"، دمشق،:وزارة الاتصالات والتقانة في الجمهورية العربية السورية، أيار/مايو 2009، ص 42.
  • [47] العيطة، المصدر السابق، ص 24.
  • [48] انظر التقرير السنوي الأول لسوق الاتصالات في دولة الإمارات العربية المتحدة، التقرير الأول لعام 2009، أبو ظبي: الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات، 2010 على الرابط: http://www.tra.gov.ae/news_The_Telecommunications
    _
    Regulatory_Authority_released_its_first_Annual_Market_Review-167-9-A.php. وعن الأردن انظر: "تقييم الأثر الاقتصادي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على الاقتصاد الوطني في الأردن"، عمان: وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، 2009، http://www.arabianbusiness.com/arabic/576916، ومع www.tra.gov.ae تحت عنوان "تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في دولة الإمارات العربية المتحدة".
  • [49] مذكرة وزارة النقل المقدمة إلى اجتماعات مجلس المستشارين في العام 2010، وقد استند الباحث إلى صورة عنها لدى بعض أعضاء هذا المجلس.
  • [50] كان مجلس مدينة حلب من مجالس المدن التي توسّعت بعقود" التراضي" مع الشركات وفق صيغة[B.O.T.]، ثم أقيل رئيسه وأوقف عدد من أعضائه وكبار موظفيه بتهم الفساد بين أواخر العام 2010 وأوائل العام 2011، وهو ما يعني أنّ الصفقات التي أبرمها المجلس خاضعة للشكّ.
  • [51] علي الزعبي وخلدون حسن النقيب، "دراسة حالة الكويت في الفساد والحكم الصالح"، ص 612 -613.
  • [52] نور الدين العوفي، "مؤشرات الحكامة وآليات الانتقال الديموقراطي: حالة المغرب"، في المصدر السابق، ص 919.
  • [53] مقابلة في دمشق مع عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، دمشق 22/1/2010.
  • [54] نزيه الأيوبي، تضخم الدولة العربية، مصدر سبق ذكره، ص 800.
  • [55] الأيوبي، المصدر السابق، ص800-801.
  • [56] مسح المسارات الاقتصادية الكلية، مصدر سابق، ص 411.
  • [57] كمثال على ذلك قيام شركة سورية بتصنيع ملابس عمال عدد بارز من أشهر ماركات السيارات العالمية مثل مرسيدس وأوبل، كما تصنع لشركة أديداس العالمية الملابس الرياضية باسمها. كما أن أفخر أقمشة ربطات العنق الباريسية يصنع في ورشات صناعية ماهرة في حلب ودمشق

التعليقات