كيف ستحمي العلمانية الفرنسية المسلمين من قوانين ماكرون؟

ليس النقاش السياسي حول الإسلام جديدًا في فرنسا، حتى أن الخلافات حول الإسلام أصبحت جزءًا من الحياة اليوميّة، من الخلافات التي لا نهاية لها حول الحجاب إلى التركيز الأخير على تعدد الزوجات.

كيف ستحمي العلمانية الفرنسية المسلمين من قوانين ماكرون؟

ماكرون خلال خطابه (أ ب)

ليس النقاش السياسي حول الإسلام جديدًا في فرنسا، حتى أن الخلافات حول الإسلام أصبحت جزءًا من الحياة اليوميّة، من الخلافات التي لا نهاية لها حول الحجاب إلى التركيز الأخير على تعدد الزوجات.

إلا أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في خطابه يوم الجمعة الماضي، الذي أطلق خطّته "لمعالجة الانفصاليّة الإسلاميّة" يريد أن ينجح حيث فشل أسلافه، بحسب ما كتبت محلّلة الدين والهويات الوطنية والهجرة، كارينا بيسر، في تقرير لمجلّة "فورين بوليسي"، الأسبوع الجاري.

وتركز خطة ماكرون على الحد من النفوذ الأجنبي والاستثمار في جيل جديد من الأئمة الفرنسيين.

فما هو المقصود "بالأئمة الفرنسيين"؟ تمنع العلمانيّة السلطات الفرنسية من التدخّل في الشؤون الدينيّة، لذلك اعتمدت فرنسا ما يعرف بـ"الإسلام القنصلي" لإدارة المؤسسات الإسلاميّة ومن ضمنها المساجد والمدارس الدينيّة. فمثلا تموّل الجزائر المسجد الكبير في باريس، الذي يوزع الميزانيّات على المساجد التابعة له في جميع أنحاء البلاد. كذلك، تصدّر تركيا والجزائر والمغرب أئمةً إلى فرنسا.

وفي عام 2015، أبرم الرّئيس الفرنسي آنذاك، فرانسوا هولاند، صفقة مع النظام الملكي المغربي لتدريب الأئمة الفرنسيين في مركز بالرباط.

كما أن تركيا، الخصم الخارجي اللدود لماكرون استثمرت في المنظمات الدينية والثقافية في جميع أنحاء فرنسا، ولا سيما في عهد الرئيس، رجب طيب إردوغان.

"خلقت هذه التشابكات الخارجية أزمة في التمثيل والشرعية"، بحسب بيسر، "فلا تعكس المؤسسات الإسلامية في فرنسا مجتمعاتها الإسلامية المتنوعة، والتي تشكل ما يقرب من 9 في المائة من السكان. وتقول حكومة ماكرون إن التأثير الخارجي فتح الأبواب أمام الأفكار المتطرفة التي أدت إلى هجمات إرهابية متكررة".

وتستنج بيسر أنّ رؤية ماكرون "أيديولوجية إلى حد كبير: فيدّعي أنّ مشروعه سيعزز ’إسلام التنوير’ الذي ’يتوافق مع قيم الجمهورية’ - دون تحديد ما سيترتب على ذلك بالضبط"، وعلى الرغم من أن ماكرون شدّد على أن تركيزه كان على "الإسلاموية المتطرفة"، وليس الدين بشكل عام، إلا أن أنه زعم أن الإسلام "ديانة تعيش أزمة في كل مكان في العالم".

وأثارت تصريحات ماكرون غضبًا لدى المسلمين الفرنسيّين، وجاء في بيان وقّع عليه مئة أكاديمي وناشط نشر في موقع "ميديابارت" الإخباري اليساري أن "الحكومات تتغيّر، لكنّ الهواجس باقية" وتابع "هناك أكثر من ضرورة لمحاربة الإرهاب كظاهرة إجراميّة. (أما) الرئيس، فيشارك في خطابه في بناء مشكلة إسلاميّة تستهدف جمع المؤمنين ومعتقداتهم".

وتنصّ خطة ماكرون على اعتماد وتدريب الأئمة في فرنسا، بالإضافة إلى الدفع بتعليم اللغة العربية في المدارس العامة وتشديد الرقابة على التعليم الديني الخاصّ، والحد من التعليم المنزلي، وتضييق الخناق على الكلام أو الأنشطة التي تتعارض مع ما تسمى بـ"القيم الجمهورية"، مثل الفصل بين الجنسين في حمامات السباحة البلدية.

صعوبات في التطبيق... بسبب العلمانية

ولفتت بيسر إلى أنه من الصعب تنفيذ الكثير ما يتصوّره ماكرون، وعلى وجه التحديد بسبب القيم العلمانيّة التي دافع عنها مرارًا وتكرارًا خلال خطابه. فيمنع قانون الفصل بين الدولة والكنيسة (1905) الدولة صراحةً من التدخّل في الشؤون الدينية الخاصّة.

وقال الباحث في الدين والأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، أوليفييه روي، "هنا المفارقة: الدفاع عن العلمانيّة بخطّة تستند إلى تدخّل الدولة في الدين" واستنتج "لهذا السّبب، لسنوات عديدة، لم يُفعل أي شيء".

مظاهرة في فرنسا ضدّ الصلوات في الشوارع (أ ب)
مظاهرة في فرنسا ضدّ الصلوات في الشوارع (أ ب)

ولا يمكن للدولة الفرنسية، وفق القانون، المصادقة على تعيين الأئمة كما لا يمكنها المصادقة على تعيين أي من رجال الدين في الديانات الأخرى، فيقول روي "ما يغيب عن هذا المشروع هو المواطن المسلم الأساسي الذي يذهب إلى المسجد، ونحن لا نسمح لهم باختيار إمامهم. نحن لا نفرض حاخامًا معينًا على اليهود أو قسًا معينًا على المسيحيين".

وبغض النظر عن النقاش الفكري والقانوني، ثمّة مشكلة في التنفيذ أيضًا، هي أن الدولة الفرنسية لا تستطيع إجبار المسلمين حصريًا على حضور خطب الأئمة "المعتمدين"، وعلّق روي على ذلك بالقول إنه سيكون "مخالفًا للدستور ، وسيلغى على الفور في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".

ورغم أنّ خطّة ماكرون تركّز في مجملها على الإسلام حصرًا، إلا أن أي تشريع نهائي يجب أن يُطبّق على جميع الأديان، فينصّ قانون العام 1905 على أنّ جميع الأديان متساوية أمام القانون.

وإن وجد المسلمون الفرنسيّون أن القانون، من الناحية العملية، يُستخدم لاستهداف المسلمين أكثر من غيرهم، فقد يؤدّي ذلك إلى معارك قانونيّة.

فيجب أن ينطبق أي تدقيق في المدارس الإسلامية بشأن الفصل بين الجنسين واحترام المناهج الوطنية أو خطاب الكراهية على المدارس الكاثوليكية واليهودية أيضًا، كي يكون ذلك متّسقًا مع نص وروح قانون 1905، بحسب بيسر.

هجوم على ماكرون من اليمين، أيضًا

أيّ أن قانون ماكرون من شأنه أن يقيّد كل الأديان، لا الإسلام فقط، وهذا ما لم يفوّته خصومه السياسيّون. فقال التجمّع الوطني اليميني في بيان إنّه "من المؤسف أنه باسم مكافحة الإسلام الراديكالي، سيكون الفرنسيون ملزمين بكبح حرياتهم، ولا سيما حريات الوالدين"، في إشارة إلى الإجراءات المتعلقة التعليم المنزلي والتعليم الديني الخاص.

وتشهد فرنسا العام المقبل انتخابات رئاسيّة يسعى ماكرون فيها إلى اجتذاب أصوات اليمين.

ويقول مؤلّف كتاب "مسلمو أوروبا: الأوربيّون ’الآخرون’" إتش. إيه. هيلير، في مقال في المجلّة ذاتها إن ما يقول ماكرون ليس الإسلام "إنما ماري لوبن"، المرشّحة اليمينيّة التي خسرت أمامه في انتخابات 2017.

التعليقات