الاتفاق النووي... ومأزق بايدن

يعكس قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، توجيه ضربة عسكرية لميلشيات مدعومة إيرانيًا، في سورية والعراق، فجر الإثنين، التوازنات الدقيقة لتعامل إدارته مع الملف الإيراني، بحسب ما ذكر مراسل البيت الأبيض والأمن القومي في صحيفة "نيويورك تايمز"، دافيد سانغر، اليوم، الثلاثاء.

الاتفاق النووي... ومأزق بايدن

(أ ب)

يعكس قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، توجيه ضربة عسكرية لميلشيات مدعومة إيرانيًا، في سورية والعراق، فجر الإثنين، التوازنات الدقيقة لتعامل إدارته مع الملف الإيراني، بحسب ما ذكر مراسل البيت الأبيض والأمن القومي في صحيفة "نيويورك تايمز"، دافيد سانغر، اليوم، الثلاثاء.

والتوازنات المشار إليها هي، وفق سانغر، إظهار "الاستعداد الدائم لاستخدام القوة دفاعًا عن المصالح الأميركية، والإبقاء على العلاقات الدبلوماسية – الهشّة – منفتحة".

وفي العلن، يصرّ المسؤولون في إدارة بايدن على أن المسألتين منفصلتان.

ونقلت الصحيفة عن المسؤولين، أمس، الإثنين، أن بايدن تصرّف "بموجب سلطته الدستورية للدفاع عن القوات الأميركية، عبر شنّ غارات جوية على المواقع المستخدمة لشن هجمات بطائرات بدون طيار على القوات الأميركيّة في العراق"، وأنّ هذه الضربات "لا ينبغي أن يتعارض مع الدفعة الأخيرة لإعادة البلدين إلى الامتثال للاتفاق النووي".

أمّا على أرض الواقع، فالقضايا متشابكة بشدّة.

فبالنسبة للإيرانيين، وفق سانغر، "السعي لامتلاك سلاح نووي كان في جزء منه محاولة لإثبات أن طهران قوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط وخارجه. الآن، عُزّزت قوّة البلاد بترسانة جديدة من الطائرات المسيّرة عالية الدقّة، وبالصواريخ بعيدة المدى وبالأسلحة الإلكترونية المتطورة بشكل متزايد، التي يتضمّن بعضها تقنيات، بدت أنها تتجاوز مهارات طهران، عند التفاوض على الاتفاق النووي، في العام 2015".

"انتكاسة مؤقتة لإيران"

أمّا بالنسبة لبايدن، فأحد أهداف محاولته إحياء الاتفاق النووي هو استخدامه خطوة أولى نحو الضغط على إيران لمعاجلة قضايا أخرى، بما في ذلك دعمها للميليشيات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ترسانتها العسكرية الواسعة. "وعلى هذه الجبهة، لا يتوقع أن تكون الضربات التي أمر بها بايدن، وشنّتها القاذفات المقاتلة لسلاح الجو الأميركي أكثر من انتكاسة مؤقتة لإيران"، بحسب "نيويورك تايمز".

وتكمل الصحيفة أنه "حتى وإن نجحت الإدارة الأميركية في إعادة الاتفاق النووي، فسيبقى بايدن يواجه التحدّي المتمثّل في إيجاد طريقة لكبح جماح الإيرانيين"، وأنه "بهذا المعنى، تؤكّد الضربات الجوية عدد التيارات المتضاربة التي يواجهها بايدن، أثناء محاولته صياغة سياسة متماسكة تجاه إيران".

داخليًا، تعدّ الضربات، أيضًا، جزءًا من ردّ بايدن على الجمهوريين، الذين عارضوا الاتفاق النووي عام 2015 بشكل ساحق، ويسعون إلى تصوير بايدن على أنه "ضعيف في مواجهة العدوان الإيراني"، بحسب سانغر.

والكونغرس نفسه، أيضًا، بالنسبة لبايدن، "ليس سوى جزء من التعقيدات المحيطة بالتعامل مع إيران"، وفق سانغر.

وفسّر سانغر تصريحات بايدن للرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، أنه لن تكون لإيران أسلحة نووية أثناء وجوده في منصبه، على أنها إشارة إلى إسرائيل أنها والولايات المتحدة تتشاركان في نفس الهدف، حتى لو كانت لديهما مفاهيم مختلفة للغاية حول كيفيّة نزع السلاح الإيراني.

والخلافات الإسرائيلية – الأميركية الآن هي حول نوع الاتفاق النووي المطلوب الآن، بعد ستّ سنوات من الاتفاق الأول، الذي أبرم عام 2015.

بايدن وريفلين (أ ب)
بايدن وريفلين (أ ب)

ويعترف كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، بدءًا من وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، أن من بين أوجه القصور في الاتفاق النووي القديم "أنه يجب أن يكون ’أطول وأقوى’، وأن يعالج البرنامج الصاروخي الإيراني ودعم الإرهاب"، وفق "نيويورك تايمز"، التي تستدرك أن الفجوة الآن تتّسع أكثر، "فمن الواضح، بشكل متزايد، أن أي اتفاق شامل لمعالجة الشكاوى الأميركية العديدة بشأن السلوك الإيراني، يجب أن يغطّي أيضًا مجموعة واسعة من الأسلحة الجديدة التي كانت القوات الإيرانية تعمل عليها قبل ست سنوات فقط... وتستخدمها اليوم بانتظام".

وهذه الأسلحة هي، وفق "نيويورك تايمز"، الطائرات المسيّرة التي بإمكانها إطلاق سلاح تقليدي صغير بدقة مميتة ضد القوات الأميركية؛ والصواريخ التي يمكن أن تستهدف جميع أنحاء الشرق الأوسط وأطراف أوروبا؛ والأسلحة الإلكترونية التي تستهدف المؤسسات المالية الأميركية.

هذه الأسلحة لم يأتِ عليها الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، على الرغم من وجود اتفاقية صاروخية منفصلة ومتزامنة، أقرّها مجلس الأمن الدولي، وتجاهلتها إيران إلى حدّ كبير جدًا، وفق ما تزعم الصحيفة.

ويطرح الكاتب سؤالا مركزيًا عن إمكانية جذب إيران إلى اتفاق يغطّي كل هذه التقنيّات، بعد استعادة "جوهر اتفاق 2015"، وينقل عن مساعدي بايدن أن هذا هو هدفهم، متسلّحين بالرغبة الإيرانية في فكّ الحجوزات المالية الغربية عن مبيعاتها للنفط.

ويستدرك الكاتب أن النظرية القائلة بأنه يمكن لواشنطن أن تتفاوض مع "الحكومة المتشددة الجديدة" في إيران لا تزال غير مختبرة، "وهناك بعض العلامات المقلقة".

فدون تفسير، رفضت إيران تمديد الاتفاق مع المفتشين النوويين الدوليين الذي انتهى يوم الخميس الماضي، وأبقت الكاميرات الأمنية وأجهزة الاستشعار الأخرى مثبتة على مخزون البلاد من الوقود النووي، على الرغم من عدم السماح للمفتشين بدخول المنشآت الإيرانية خلال المفاوضات. "وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة للإدارة الأميركيّة، التي سيتعين عليها إقناع الكونغرس وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وآخرين بأنه لم يتم تحويل أي مواد نووية سرًّا إلى مشاريع تفجير أثناء إجراء المفاوضات".

وفي حين قال المسؤولون الأميركيّون، أمس، الإثنين، إنه لا سبب للاعتقاد بأن هذه الكاميرات توقّفت عن العمل، فمن الواضح أن المسؤولين الإيرانيين يحاولون زيادة الضغط – "ما يشير إلى أنه إن لم يتم التوصل إلى اتفاق وفقًا لشروطهم، فقد لا يتمكّن الغرب من فهم ما يحدث لمخزون إيران النووي"، بحسب الصحيفة.

ويستنتج الكاتب أنه "إذا أدى ذلك إلى أزمة واسعة النطاق، فقد يتعرّض الاتفاق النووي للخطر، وقد تُدفع الإدارة الأميركية إلى جولة جديدة من التصعيد، وهو بالضبط ما تريد تجنبه".

التعليقات