الاتفاق النووي من وجهة نظر إيرانية: ليس هو المهم بل العقوبات

ثلاثة عناصر في الاتفاق النووي يسعى الإيرانيون إليها: رفع جميع العقوبات؛ ضمانات أميركية بعدم الانسحاب مرّة أخرى من الاتفاق؛ حريّة التجارة الإيرانية.

الاتفاق النووي من وجهة نظر إيرانية: ليس هو المهم بل العقوبات

العقوبات أثرت على الإيرانيين بشكل كبير (أ ب)

تشير التصريحات الرسمية الإيرانية الصادرة الأسبوع الماضي إلى أنّ مفاوضات الاتفاق النووي ستجدّد خلال الأسابيع المقبلة، وعلى الأرجح قبل تشرين الثاني/نوفمبر المقبل؛ ومع أنّ تحديد موعد أولي لبدء المفاوضات هو تقدّم بعد الجمود في المفاوضات، إلا أنّها لا تشير إلى إمكان التوقيع على الاتفاق سريعًا، على الأقل بصيغته الأصلية الموقعة في العام 2015.

وتشير الخطوات التي اتخذتها إيران، مؤخرًا، إلى أنها تعطي الأولوية لإزالة آثار العقوبات الأميركية القاسية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عليها، بعد انسحابه أحادي الجانب من الاتفاق النووي عام 2018، لا إلى التوصل إلى الاتفاق النووي مجدّدًا، بحسب ما رصد تقرير لمجلة "فورين بوليسي"، الخميس.

وأعلن الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، في أول مؤتمر صحافي له بعد انتخابه رئيسًا، في آب/أغسطس الماضي، أنّ "السياسة الخارجية لحكومته لن تبدأ بالاتفاق النووي، ولن تنتهي بها وأنه لن يربط مصير اقتصاد البلاد بالمفاوضات"، بينما سخر وزير خارجيته، أمير عبد اللهيان، أمام البرلمان من سلفه، محمد جواد ظريف، قائلا إن وزارته لن تكون "وزارة الاتفاق النووي".

ففي نيسان/أبريل 2021، وبعد بضعة أشهر فقط من تولي الرئيس الأميركي، جو بايدن، منصبه، بدأت إيران والموقّعون الآخرون على الاتفاق النووي (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا والصين، وروسيا) محادثات في فيينا بشأن إحياء الصفقة. ولكن المباحثات توقّفت بعد ست جولات، شاركت فيها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، بسبب الانتخابات الإيرانية.

وبعد الانتخابات، أعلنت الحكومة الإيرانية الجديدة أنها ستراجع المحادثات السابقة، وتشكيل فريق تفاوضي جديد وستعود إلى المحادثات قريبا.

ومع ذلك، تركّز إدارة رئيسي على إستراتيجية تعطي الأولوية لـ"تحييد أثر العقوبات"، عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الجيران وروسيا والصين، من بين تدابير أخرى، على استئناف المحادثات لإحياء الاتفاق النووي، وهي إستراتيجية المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، الذي قال في اجتماعه الأخير مع إدارة الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، إنّ جهودها أثبتت حماقة الثقة في الغرب.

تشكّك في إيران: هل سترفع الولايات المتحدة العقوبات فعلا؟

ويعكس هذا التحوّل، وفق "فورين بوليسي"، "خيبة أمل وتشكّكًا لدى الحكومة الإيرانية الحالية بفشل الولايات المتحدة في رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد. فلا أحد في حكومة طهران الجديدة يعتقد أن الولايات المتحدة تنوي رفع العقوبات فعليًا. وعلى العكس من ذلك، الاعتقاد في إيران أن الولايات المتحدة تستخدم المحادثات النووية رافعةً لاحتواء القوة الإيرانية".

وينظر صانعو السياسة في إدارة رئيسي، بحسب المجلة، إلى تجربة الاتفاق النووي المبرم عام 2015، على أنه "مثال واضح على نهج الحكومة الأميركيّة وعدم الجدية في رفع العقوبات... فعلى الرغم من أنّ إيران فقدت الجزء الأكبر من قدراتها النووية بموجب الاتفاق، إلا أن واشنطن لم ترفع العقوبات بشكل فعال خلال أكثر من عامين، بين تنفيذ الاتفاقية وانسحاب إدارة ترامب من الصفقة في أيار/مايو 2018".

ويستند صانعو السياسيات إلى العقوبات التي فرضت على قطاع البنوك، حتى أثناء العمل بالاتفاق النووي، للتأكيد على أنه لا ثقة برفع العقوبات عن إيران.

روحاني ورئيسي.. على طرفي نقيض (أ ب)
روحاني ورئيسي.. على طرفي نقيض (أ ب)

ويرى صانعو السياسة الإيرانيون الآن، وفق المجلّة، أن فوائد إيران الاقتصادية من الاتفاق، إن تم إحياؤه، ستكون أقلّ بكثير مما ستحصل على الولايات المتحدة.

ليست مساوئ الاتفاق النووي فقط.. بل عدم ثقة بواشنطن

ولا تقتصر المشكلة على "الإخفاقات المحدّدة" للاتفاق النووي، إنما ترتبط بشكل أساسي بعدم ثقة الإيرانيين بواشنطن، وهو "أمر له جذور أعمق بكثير"، وفق "فورين بوليسي".

ويفترض المسؤولون الإيرانيون، بحسب "فورين بوليسي"، أنّ "السياسة الأميركيّة العامّة هي احتواء إيران، وبالتالي فإن الأميركيّين سيُبقون العقوبات سارية بطريقة ما. فحتى إذا تم إحياء الاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة لن ترفع سوى جزء صغير من العقوبات، وستحافظ على الجزء الأكبر منها تحت ذرائع أخرى، مثل حقوق الإنسان أو برنامج الصواريخ أو أنشطة طهران في الشرق الأوسط".

وممّا يزيد من حالة الشكّ الإيرانية هذه، وفق المجلة، هو استمرار رفض إدارة بايدن لرفع جميع العقوبات المفروضة على إيران في عهد ترامب، والتي فُرض الكثير منها بذريعة حقوق الإنسان والإرهاب.

وتستنتج المجلة أنّ الرأي السائد "بين صانعي السياسة في إدارة رئيسي، هو أن إحياء الاتفاق النووي، بأي ثمن، لا ينبغي أن يكون على أجندة إيران، وأنه يجب على الدولة اتخاذ موقف أكثر صرامة في المفاوضات المستقبلية لتأمين منافعها الاقتصادية المتوقعة".

ثلاثة عناصر لإحياء الاتفاق النووي

ويسعى الإيرانيون، وفق المجلّة، إلى أن يستند "الاتفاق النووي" الجديد إلى ثلاثة عناصر. الأوّل: رفع جميع العقوبات التي فرضت بعد دخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016؛ الثاني: ضمانات أميركية بعدم الانسحاب مرّة أخرى من الاتفاق؛ الثالث: تفسير الفقرة 29 من الاتفاق النووي التي تؤكّد على إزالة الحواجز أمام تطبيع التجارة الإيرانية.

كما تصرّ إيران على عدم شمول قضايا أخرى، مثل نفوذ طهران الإقليمي وبرنامج الصواريخ بتاتًا.

التعليقات