31/10/2010 - 11:02

المؤرخ العسكري د. مائير بعيل لـ"عرب 48": شارون لا يملك رؤية سياسية بل يملك رؤية لضم اراض فلسطينية

المؤرخ العسكري د. مائير بعيل لـ
خرج الخلاف بين رئيس الحكومة الاسرائيلي، اريئيل شارون، وقائد اركان الجيش الاسرائيلي، موشيه يعلون، هذا الاسبوع، الى العلن. وذلك بعد أن قرر شارون توجيه توبيخ الى يعلون عبر وسائل الاعلام، بسبب المواقف التي عبر عنها قائد اركان الجيش الاسرائيلي حيال خطة شارون المسماة "فك الارتباط" والتي تقضي بانسحاب الجيش الاسرائيلي من قطاع غزة واخلاء مستوطنات في القطاع، وعدد قليل من البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. فقد اعلن يعلون معارضته للانسحاب الاحادي الجانب.

ونسبت الصحف الاسرائيلية ليعلون قوله إنه "يجب الا نستبعد وجود علاقة بين تصاعد العمليات المسلحة التي ينفذها الفلسطينيون والاحاديث حول الانسحاب".

من جهة أخرى، قال رئيس جهاز "الشاباك"، افي ديختر، الذي استدعي الى واشنطن لتستمتع الادارة الامريكية لوجهة نظره من خطة شارون، قال إن "كل من يعتقد ان خطة فك الارتباط ستؤدي الى انخفاض ارادة الفلسطينيين تنفيذ عمليات تفجيرية، فهو مخطىء".

وبعد توبيخ يعلون علناً، قالت مصادر في الجيش الاسرائيلي ان جهات سياسية في اليمين الاسرائيلي تستخدم اقوال يعلون التي ادلى بها في "مؤتمر هرتسليا" قبل سنة ونصف السنة، من اجل مصلحة اهداف اليمين، لكن يعلون كرر هذا الاسبوع اقواله بأنه لا يتوجب اجراء انسحاب من جانب واحد، وان ذلك "لن يحل المشاكل الأمنية".

وفيما يتعلق بالخلاف بين شارون ويعلون، ويبدو أنه خلاف بين شارون والقيادة العسكرية الاسرائيلية، قال المؤرخ العسكري الاسرائيلي والجنرال المتقاعد، مائير بعيل، "ان ثمة مشكلة سياسية ومشكلة عسكرية. فقد صرح شارون انه، كرئيس لحكومة اسرائيل، مستعد لاخلاء الجيش والمستوطنات اليهودية من قطاع غزة. وان يتم ذلك على شكل :"اخلاء وحسب". وأنا اضيف الى ذلك : "ليس مهماً ما سيحدث". وانا اؤيد الاخلاء، كما انني اؤيد اخلاء الضفة والانسحاب حتى الخط الاخضر، ولا يهمني اذا تم اجراء تعديلات على المناطق التي يتم اخلاؤها، وذلك من خلال مفاوضات بين الجانبين. كذلك لا يهمني الانسحاب من القدس الشرقية. ولكن كل هذا يجب أن يتم من خلال مفاوضات والاتفاق على ترتيبات سياسية بين الدولتين : دولة اسرائيل، ودولة فلسطينية، تقرر القيادة الفلسطينية اين تكون عاصمتها، ولتكن في القدس الشرقية. عندها يتم اخلاء المستوطنات والجيش.

"ولكن ان تنفذ عملية اخلاء وانسحاب للجيش من دون اتفاق سياسي، فهذا يعني الانسحاب فيما الذيل بين الرجلين. وانا اتساءل : ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ماذا سيفهم الفلسطينيون الذين يقاتلوننا؟ لا شك انهم سيقولون ان الارهاب الذي مارسناه ضد الاسرائيليين على مدار ثلاث سنوات ادى الى ان يلفوا ذيلهم ويهربون. ولا يوجد اي سبب يمنعهم من مواصلة عملياتهم. اضافة الى ذلك، فأن النظرية الفلسطينية من الناحية الفعلية هي انه يتوجب اعادة كافة اللاجئين الذين نزحوا في العام .1948 »ولذلك، فانني ارى بان الاخلاء هو امر جيد للغاية، لكن يتوجب الاعلان عن ذلك، ويتوجب مد اليد اليمنى باتجاه الفلسطينيين. كان على شارون أن يقوم بذلك تجاه ابومازن، وبالامكان القيام بذلك مع عرفات".
*ولكن احد مشاكل خطة "فك الارتباط"، التي يطرحها شارون، تكمن في انها غير واضحة؟

بعيل : "سأقول لك اعتقادي حيال هذه الخطة، اريك شارون ليس الشخص الذي يفكر للمدى البعيد. وهو في هذه الأثناء يريد التخلص من القطاع. ويعتقد انه، بواسطة ذلك، ربما يخف ضغط الامريكيين عليه. وما الذي سيحدث بعد ذلك، الله كبير. وانا اعرف تماماً ما الذي سيحدث في المستقبل : فاذا بقي الوضع السياسي على حاله، فستستمر العمليات الارهابية. ولن يسود الهدوء ولا السلام. واذا لم نقم بعملية اخلاء بالشكل المناسب، مع اتفاق سياسي مع حكومة فلسطينية، تحكم في الضفة والقطاع، وفي هذه الحالة يكون لدينا عنوان لمن يتحمل المسؤولية في الاراضي الفلسطينية، اذا لم نقم بذلك فان الوضع سيبقى على حاله، كما هو الان. وما يطرحه شارون هو الفوضى بعينها".

* الرأي الذي تطرحه هنا شبيه الى حد كبير برأي يعلون؟

بعيل : "هذا صحيح، وأنا أؤيد يعلون في هذه القضية. وأعتقد أن كل رجل عسكري يرى الامور على هذا النحو".

*ولكن شارون هو رجل عسكري في الاصل، ولا شك انه يعرف الرأي العسكري في هذه القضية؟

بعيل : "هو يتصرف بهذا الشكل لأنه يرفض الضغوط الامريكية حول ضرورة الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الجهة التي يتوجب التفاوض معها. فهو لم ينضج كفاية في هذه الناحية. وانا لا اعرف اذا كان سينضج. ولذلك قرر الاعلان عن نيته باخلاء قطاع غزة لصد الضغوط الامريكية، واذا استمر العرب في المقاومة فانني ساجتاح القطاع مرة اخرى. وهذه الخطة التي يطرحها هي خطة غير جدية بتاتاً. وهي في هذه الاثناء تلحق اضراراً. وهو يقوم بذلك وفي مخيلته عملية الهروب من لبنان التي نفذها براك، ولكن الحالتين مختلفتان. في لبنان يوجد نظام حكم. ولكن هنا، في قطاع غزة، تسود الفوضى".

* ما تقوله هو ان الخلاف بين شارون والقيادة العسكرية وليس بينه وبين يعلون فحسب؟

بعيل : "لا تجرؤ القيادة العسكرية على القول لشارون أن يقوم بطرح حل سياسي. وانا اجرؤ على ذلك. والحل السياسي يكون بين حكومة اسرائيل وبين منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الشعب الفلسطيني، بواسطة الحكومة الفلسطينية أو حتى عرفات.
* ما تقوله يهدم نظريته التي تزعم عدم وجود شريك في الجانب الفلسطيني؟

بعيل : "ما يزعمه غير صحيح، لانه ثمة شريك. وبالمناسبة، حتى لو لم يكن هناك شريك في الجانب الفلسطيني، اعتقد ان على اسرائيل ان تبحث عن هذا الشريك وحتى ان توجده. على كل حال الشريك الفلسطيني موجود. فهناك شعب فلسطيني، ولديه قيادة، وهذه القيادة لن نختارها نحن. واذا كان يقول انه ليس هناك شريك فهو غبي. وخطة فك الارتباط التي يتحدث عنها، هي خطة في غاية الغباء، وهو لا يرى الصورة الشاملة. وما يقلق يعلون، وهو الرجل العسكري، هو أن تقييمات الوضع التي يجريها الجيش تشير الى ان القتال سيتواصل، وسيستمر الفلسطينيون في التسلل الى داخل الاراضي الاسرائيلية. كذلك سيسستمر الفلسطينيون في اطلاق قذائف القسام على بلدات اسرائيلية، وبعد اشهر سيعود الجيش الى احتلال القطاع من جديد. ويعلون يعتقد أن خطة شارون هي خطأ كبير من الناحية العسكرية، كما انها خطأ كبير من ا لناحية السياسية".

* هل تعتقد انه مقابل الانسحاب من القطاع، يريد شارون فرض واقع معين في الضفة؟

بعيل : "من الواضح لي، انه يعتقد بان الامريكيين سوف يقولون له انه مقابل اخلاء القطاع بامكانك فعل ما تشاء في الضفة، وهو يفعل، فعلاً، ما يريد في الضفة. مثلاً : مسار الجدار. هذا أمر فظيع. فالجدار يغلف القدس كلها من الشرق. الجدار الذي بني في ابو ديس، مثلاً، يعني ان القدس كلها، مع الاماكن المقدسة، ستكون داخل الجدار... الى الغرب من الجدار. وهو يريد بذلك فرض امر واقع نهائي، انه اذا قامت دولة فلسطين فستكون بدون القدس، ومع )مستوطنة( اريئيل داخل المنطقة الاسرائيلية. واريئيل لن تتزحزح من مكانها، وانما الحدود هي التي ستتزحزح من مكانها. وهو عندما يبني هذا السور فان ذلك ينطوي على مؤامرة لضم هذه المناطق الواقعة غرب الجدار... ليس لدى شارون رؤية سياسية بعيدة المدى وعقلانية بل لديه رؤية لضم اراضٍ فلسطينية لاسرائيل. وانا اعتقد أنه يتوجب التعامل مع العدو بقدر من الاستقامة، لأن هؤلاء هم جيراني الى الابد. وقد ينجح شارون في تحقيق اهدافه مؤقتاً، لأن الرئيس جورج بوش منهمك الآن في الانتخابات الرئاسية الامريكية وهو يريد كسب رضى اليهود في الولايات المتحدة. وبوش لا يفكر بشارون بل باليهود في الولايات المتحدة. واعتقد ان الامريكيين، فيما يتعلق بتأييدهم لخطة شارون، هم اغبياء الى أبعد حد".

* كيف تفسر المذابح المتعاقبة التي ينفذها الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة. وخصوصاً أنه في اعقاب هذه المذابح يرفعون مستوى التأهب الامني في المدن الاسرائيلية، مما يعني أنهم بهذه المذابح يستدعون عمليات انتحارية؟

بعيل : "تنفذ المجموعات الفلسطينية عمليات ارهابية في الاراضي الفلسطينية، ونحن، بدلاً من حل المشكلة بصورة شاملة أو اعادة احتلال الضفة والقطاع من جديد ونفرض حكماً عسكرياً، نرد على ذلك بعمليات ارهابية. اذ لا يوجد لدى الفلسطينيين جيش نظامي، وانما يتسلل اعضاء الفصائل الى اسرائيل وينفذون عمليات تفجيرية. اما نحن، اي اسرائيل، فلدينا جيش نظامي ولدينا القوى، وندخل الى الاراضي الفلسطينية ونرد على الارهاب بالارهاب. كل ذلك يتم بحجة البحث عن مطلوبين أو عن اسلحة. ولكن عمليات البحث هذه تجري بشكل عنيف وليس بشكل لائق، كما تفعل ذلك الشرطة مثلاً. في هذا الوضع بامكان طرح ادعاءات ضد الفلسطينيين، لكن وضع الفلسطينيين اسوأ من وضعنا، وباعتقادي ان علينا، نحن الاقوياء، ان نكون اكثر حكمة وعرض اقتراح سخي، بدون فذلكات، لكي يعرف الجانب الاخر أننا لا ننوي خداعه، وانما تمكينه من اقامة دولة فلسطينية الى جانبنا".
* انت تقصد ان هذه هي مصلحة اسرائيلية؟

بعيل : "هذه مصلحة اسرائيلية بعيدة الامد. بل انني اعتقد ان هذه مصلحة صهيونية بعيدة الامد".

* هناك ادعاءات في اسرائيل مفادها ان هذه المذابح لم تكن بموافقة شارون، ويريدون القول بذلك إن الجيش يريد من خلالها
افشال خطة شارون المسماة "فك الارتباط"؟

بعيل: "لا يمكن ان يحدث امر كهذا في الجيش الاسرائيلي. هذه العمليات هي بأمر من القيادة السياسية الاسرائيلية. والفكرة الكامنة وراء مثل هذه الاعمال هي استراتيجية شارون وجماعته،القاضية بالرد على العمليات التفجيرية بعمليات تفتيش عنيفة ينتج عنها سقوط عشرة قتلى فلسطينيين او اكثر.فالجيش الاسرائيلي هو "القبضاي" بالنسبة للفلسطينيين.وماذا بامكان الفلسطينيين ان يفعلوا؟عمليات ارهابية،حرب عصابات...ونحن نرد عليهم بارهاب نظامي وتوجيه ضربات اكبر نحوهم.لكن ما تقوم به اسرائيل هو استراتيجية ارهابية".

* جرى الحديث في الايام الاخيرة الماضية عن اتباع الجنود الاسرائيليين"شيفرة اخلاقية جديدة" في التعامل مع الفلسطينيين .هل هذا ممكن في ظل الاحتلال؟

بعيل: "هذه "شيفرة اخلاقية" غير اخلاقية، ومصطلح الشيفرة الاخلاقية يهدف الى التمويه ليس اكثر. يتوجب أن تكون هناك اخلاقيات. ولكن هذه الشيفرة تتضمن عدداً كبيراً من البنود ولا أحد يعرف ماذا كتب فيها. فاذا ذهب الجيش الى مخيم اللاجئين لاجراء تفتيش، والفلسطينيون هناك يطلقون النار على الجنود فان الجنود سوف يردون على اطلاق النار وبهذا يصبح مسموحاً للجنود ان يتعاملوا ويتصرفوا بقسوة. وهذه ثقافة العنف مقابل العنف.

"من جهة اخرى، بامكاني ان اعظ للفلسطينيين في الناحية الأخلاقية. ولكن لانني اعلم جيداً ان القيادة الفلسطينية اتخذت قراراً استراتيجياً تاريخياً يقضي بالتوصل الى اتفاق لتقسيم فلسطين التاريخية الى دولتين، وذلك في الوقت الذي لم توافق قيادتنا الحالية، اي شارون وجماعته على ذلك حتى الآن".

* كانت هناك تلميحات في الايام الاخيرة، ايضاً، الى امكانية استقالة قائد هيئة اركان الجيش الاسرائيلي هل هذا وارد؟

بعيل: "ليس من المقبول ان يدلي قائد هيئة الاركان علناً بتصريحات ضد الحكومة. ولكن بعد أن صرح يعلون ضد خطة الانسحاب من قطاع غزة، بدأ الكثيرون يفكرون بامكانية ان يستقيل. هذا ممكن. حدث مثل هذا الامر في السابق. يغئال يدين استقال من قيادة الاركان على خلفية نقاش مع بن غوريون على شراء اسلحة. ومن الوارد أيضاً أن تتم اقالة قائد الاركان، لكن هذا لم يحدث في الماضي ابداً.،آمل الا يحدث، ولكن من الصعب التنبؤ بما سيفعله شارون. وهو في ضائقة اذ انه اراد إعادة احتلال الضفة والقطاع وتكريس الاحتلال لجيلين قادمين.الا ان الضغوط التي تمارس عليه من الولايات المتحدة وغيرها، منعته من ذلك، وهذا يفسر ايضاً سياسة العنف التي ينتهجها ضد الفلسطينيين".

التعليقات