28/09/2018 - 22:20

باراك ولعبة البحث عن مُنازِل لنتنياهو

يكاد المراقبون في إسرائيل يجمعون على أن رئيس الحكومة ووزير الأمن الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، يعتبر المعارض الأشد لرئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، والمتحدث الأبرز ضده وضد وحكومته، فهو لا يفوّت مناسبة أو فرصة مواتية إلا ويقتنصها.

باراك ولعبة البحث عن مُنازِل لنتنياهو

باراك ونتنياهو (أ ب)

يكاد المراقبون في إسرائيل يجمعون على أن رئيس الحكومة ووزير الأمن الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، يعتبر المعارض الأشد لرئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، والمتحدث الأبرز ضده وضد وحكومته، فهو لا يفوّت مناسبة أو فرصة مواتية إلا ويقتنصها ويحولها إلى منصة للهحوم السياسي والشخصي على الأخير وزوجته، حتى وصلت به الأمور إلى تشبيههما بالزعيم الروماني الأسبق، نيكولاي تشاوشيسكو، وزوجته اللذين أديبنا بتهم فسادٍ، وجرى إعدامهما شنقا.

وفي غياب معارضة حقيقية لحكم نتنياهو والافتقاد إلى قائد قادر على منازلته، تتجه الأصابع الإسرائيلية "مضطرة" إلى باراك، الذي يموضع نفسه دون غيره في رأس المنتقدين والمعارضين لسياسة نتنياهو وحكومته، حتى أن الصحافي بن كسبيت، الذي أجرى معه مقابلة مطولة عشية رأس السنة العبرية في صحيفة "معاريف"، اعترف أنه على الرغم من مواصلة اعتقاده بأن "باراك لا يستحق تولي أي منصب حكومي، ولكن بغياب معارضة حقيقية لحكم نتنياهو، فإن باراك يعتبر زعيم المعارضة الوحيد الذي يقول بملء الفم ما ينبغي أن يقال، لتحذير المجتمع الإسرائيلي من حكم نتنياهو وسياسته الخطيرة"، على حد قوله.

وتأتي أقوال بن كسبيت في وقت أورد فيه الصحافي بن درور يميني اقتباسا لباراك يقول فيه إنّ "دولة إسرائيل تعمل وفق رؤية قومية عنصرية ظلامية، وتشق طريقها، تحت جناح تلك الرؤية القلقة، قوانين التمييز والعرق والترانسفير، في حين يدور منذ ثلاث سنوات هجومٌ ممنهجٌ فاشي المعالم على أسس ومؤسسات الديمقراطية الإسرائيلية وعملية كم أفواه في الإعلام الحر ومنظمات المجتمع المدني".

ويرى يميني أن باراك يبدو بمثل هذه الأقوال "خليطًا من حنين زعبي وجدعون ليفي، وأن باستطاعته أن يكونَ مرشّحًا من قبل التجمع، بل ويذهب إلى حد اعتبار خطابه هذا معاديًا للصهيونية".

بالمقابل، يرى عضو الكنيست الأسبق عوزي برعام، أن باراك كان صادقًا في كل كلمة قالها، وأنّه رغم التداعيات الصعبة من الماضي، التي يثيرها مصطلح الفاشية في المجتمع الإسرائيلي، فإن الفاشيّة كانت في إيطاليا وإسبانيا، أيضًا، وإنه "رغم عدم وجود نظام فاشي في إسرائيل حتى الآن، فإن هناك مقدمات، إذ إن الأيديولوجية الفاشية تضع الأمة التي تعرف بمصطلحات بيولوجية، حضارية وتاريخية فوق كل بؤرة تضامن أخرى، وتسعى إلى خلق نخبة جديدة تنشط باسم الشعب وتحت قيادة زعيم صاحب كاريزما، وتتجسد شخصيته في حزب الشعب وتكون جميع مؤسسات الحكم خاضعة لإرادته".

ويرى برعام أن ذلك هو بالضبط ما يحدث في إسرائيل اليوم، وإلا ماذا نسمي تهديد وزيرة القضاء الإسرائيليّة، أييلت شاكيد، لقضاة العليا باسم الشعب، كما يقول، إن لم يكن تحديًا لجزء أساسي من النظام الديمقراطي، وربما يصدق في هذا السياق ما قالته عضو الكنيست، شيلي يحيموفيتش، من أن شاكيد سيكون بمقدورها، قريبًا، عزل قضاة العليا من مناصبهم.

وبالعودة إلى باراك، فبغض النظر عن الباطل الذي ترمي إليه أقواله ضد نتنياهو وحكومته، فإن ذلك لا يغير من كونها أقوال حق تقال بشجاعة قلما ينطق بها الواقع الإسرائيلي، فنتنياهو، برأيه، ينجر وراء غلاة المتطرفين في التيار القومي الديني، لكي يحافظ على كرسيه، ولا يريد أن يخسر قواعده اليمينية المتطرفة، لأنه سيخسر الحكم، كما حصل له في سنة 1999، (عندما خسر أمامه)، ولذلك يدفع ثمنًا لهذا التيار المتقوقع في القومية الظلامية.

ويرى باراك أن نتنياهو يفتقد للثقة بالنفس ولا يثق بالناس "وينطلق من مفهوم أن ما يوحد الناس حوله هو ليس الإنجازات؛ بل العدو الخارجي والداخلي، وفي التاريخ اليهودي ما يشجع فعلا على رؤية العدو الخطير، حيث كان اليهود قد تعرضوا لمحاولة إبادة".

وبغض النظر عن مصداقية موقف باراك، وهو الذي عمل حتى قبل فترة وجيزة وزيرًا للأمن في حكومة نتنياهو وشق حزبه، حزب العمل، للبقاء في هذا المنصب، إضافة إلى أنّهما شكلا معًا "ثنائيا" حاول جر إسرائيل إلى مغامرة عسكرية ضد إيران، لولا المعارضة الشديدة التي لقياها من رؤساء جميع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ناهيك عن أن موقفه من الموضوع الفلسطيني كان منسجما مع موقف نتنياهو.

وبغض النظر عن ذلك كلّه، فإنه مصيب عندما يقول إنّ نتنياهو "مسكون بهتلر الذي يراه مرة في حزب الله ومرة في أبو مازن، وإنه مشغول بالبحث عن أعداء داخليين يجدهم مرة في ’عرب إسرائيل’ ومرّة في النخبة الليبرالية، وإن رسالته تتلخص بالقول للناس: لا تنظروا إلى هؤلاء الأعداء من أسفل لأعلى بل اجعلوهم أسفلكم".

"إنه نَفَسٌ يتغذى من أولئك المتطرفين من "شبان التلال "في المستوطنات، ورجال الدين الذين يروجون للعربدة والعنف، أمثال الحاخام ليئور، الذي تربى على يديه باروخ غولدشتاين، منفذ مذبحة الخليل، وهم الذين يرى "الشاباك" أنهم كانوا الملهم لقاتل إسحاق رابين، ولمنفذي مذبحة عائلة الدوابشة، نتنياهو مقتنع بأنه إذا اصطدم معهم سيخسر حكمه، وهو لا يريد أن يخسر هذا الحكم"، يقول باراك.

باراك، البالغ من العمر 76 عامًا، كان حظه في السياسة أقل وفرة من الحياة العسكرية، فبعد أنّ كسب الانتخابات أمام نتنياهو عام 1999، خسرها أمام شارون عام 2001، بعد فشله في إبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين في كامب ديفيد، والتسبب بانطلاق الانتفاضة الثانية، وخسارة أصوات العرب بعد قمع هبة الأقصى في الداخل وسقوط 13 شهيدًا.

خلاصة القول فإنه، إذا لم يتقدم السباق جنرال آخر أصغر سنًا وأكثر شعبيةً، مثل بيني غانتس أو غابي أشكنازي، فإنّ حظوظ باراك بالعودة لقيادة معسكر اليسار- الوسط تبدو محتملة، خاصّة وأن الاستطلاعات تشير، حتى الآن، إلى غياب منازل متكافئ مع نتنياهو.

التعليقات