سيرة رابين: عسكري فشل طريقه السياسي أم زعيم؟

تعرض الصحفي والمؤرخ المعروف، د. توم سيغف، في مقالة طويلة نشرتها صحيفة "هآرتس"، لسيرة رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاك رابين، التي صدرت مؤخرا تحت عنوان "رابين – جندي، سياسي وزعيم"، بقلم د. داني رابينوفيتش.

سيرة رابين: عسكري فشل طريقه السياسي أم زعيم؟

(أ ف ب)

تعرض الصحفي والمؤرخ المعروف، د. توم سيغف، في مقالة طويلة نشرتها صحيفة "هآرتس"، لسيرة رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاك رابين، التي صدرت مؤخرا تحت عنوان "رابين – جندي، سياسي وزعيم"، بقلم د. إيتمار رابينوفيتش، وهو أكاديمي ومؤرخ شهير كان قد شغل منصب رئيس الوفد الإسرائيلي للمفوضات مع سورية خلال فترة رابين.

سيغف يبدأ من تقرير رابينوفيتش بأن القاتل ليس هو من بلور موروث رابين، معتقدا أنه رغم عدم تورط الكاتب بمطب الإجابة على سؤال، ماذا كان سيجري لو لم تحدث عملية الاغتيال؟ إلا أن كتابه يفضي إلى نتيجة مفادها، أنه ربما ما كان ليتغير شيء لأنه قبل الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1995 لم يغير رابين السياسي كثيرا. وفي هذا المقام يقرر سيغف، أنه رغم تشديد رابينوفيتش على احترام ذكرى رابين، إلا أنه كرئيس أركان لم تنجح طريقه في السياسة، يجد رابين الذي رسمه رابينوفيتش، نفسه في صف واحد مع إيغئال يدين وإيهود براك.

قصة رابين الضابط بدأت، كما يقول سيغف، عندما كان نائبا ليغئال ألون، وقاد الرجلان طرد آلاف المواطنين العرب من اللد والرملة بأمر من بن غوريون. حول هذا الموضوع هناك روايات مختلفة بينها شهادات من قبل رابين نفسه، وقد اختار رابينوفيتش الرواية التي جرى تسريبها للنيويورك تايمز، وهو يقتبس دون تحفظ تفسير رابين حيث يورد على لسانه، "كان واضحا بأننا لا نستطيع إبقاء سكان اللد المسلحين والمعادين بداخلنا، لأن ذلك كان سيشكل خطرا على إمدادات "وحدة يفتاح" في طريق تقدمها نحو الشرق".

ورغم أن هذا الادعاء يحتاج إلى فحص من قبل المؤرخ، كما يقول سيغف، فإن رابينوفيتش يكتفي بالقول إن قضية اللد تحولت إلى إحداثية هامة في الجدل الدائر حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو ينهي النقاش حولها بالقول، "إنه بمعزل عن وجهة النظر التي يتم من خلالها فحص القضية في العقد الثاني من القرن الحالي، فإنها ستكون بعيدة عن اعتبارات القيادة السياسية والعسكرية التي وجدت نفسها في تموز/ يوليو 1948، حائرة بشأن مصير السكان العرب في اللد والرملة.

سيغف يرى أن استنتاج رابينوفيتش، مستهلك ومتصدع، لأن البعد التاريخي في النقاش حول قضية اللد والرملة ذو صلة بالعقد الثاني من القرن الحالي، خاصة في وقت يدور فيه الحديث عن الطرد والترانسفير، بما يتعلق بالقدس والمثلث بشكل خاص.

وبالانتقال إلى عملية الاغتيال التي وقعت بعد فترة قصيرة من حصول رابين على جائزة نوبل للسلام على مساهمته في اتفاق أوسلو، وتكريسها لصورته بنظر الكثيرين كـ "رجل سلام"، فيقول سيغف، إن بالرغم من أن رابينوفيتش لا يعطي تعريفا لنظرة رابين إلى العرب، إلا أنه يحاول فهم موقفه من النزاع العربي الإسرائيلي من خلال التحولات التي طرأت على هذا الموقف بما يتعلق بـمصر، الأردن، سورية، لبنان والفلسطينيين، وهي طريقة ممكنة للوصول لجواب السؤال الأساس، وهو: هل آمن رابين بالسلام؟ ومن الممكن أنه لم يؤمن بوجود حل للنزاع ولذلك يمكن إدارته فقط.

في كلتي الحالتين فإن رابينوفيتش، يعتقد بأن وجود معادلة واحدة لتعامل رابين مع الموضوع هو أمر غير مقنع تماما، لأن رابين كان "صقرًا عسكريًا وحمامة سياسية"، وهو كصقر عسكري حلم منذ 1963 بتوسيع حدود إسرائيل حتى نهر الأردن وقناة السويس ونهر الليطاني.

ولا يخفي رابينوفيتش الضرر الذي تسبب به الصقر العسكري حتى قبل حرب 1967، عندما كان رئيسا للأركان، من خلال عملية الرد واسعة النطاق في قرية السموع الأردنية عام 1966 والتي عكست خطأ خطيرا في التقدير وفاقمت التوتر الذي أدى في النهاية إلى الحرب. في الفترة ذاتها صعد رابين التوتر مع سورية عبر التصريحات "الحربجية" الاستفزازية، وكان تقديره أن مصر لن تتدخل في النزاع مع سورية والأردن والمنظمات الفلسطينية، وربما كانت تلك غلطته الكبرى.

ويربط رابينوفيتش دعوات رابين "الحربجية"، بمحاولته لاستبعاد رئيس الحكومة، ليفي إشكول، عن مواقع السيطرة في الجيش، بالمقابل يعتبر انهياره عشية الحرب حالة إنسانية جدا، رغم أنها لا يجب أن تحدث لقائد أركان، وهو يصفه بتواضع كمهندس انتصار حرب الـ67.

رابين رفض بعد الحرب التنازل عن الأراضي المحتلة لأجل تحقيق السلام، وفي هذا السياق يرى رابينوفيتش أن الصقر العسكري تغلب على الحمامة السياسية، حيث منع في كل مرة أي تغيير في حدود إسرائيل بعد الحرب، كذلك رفض الانسحاب من القدس من منطلقات "قومية" "سياسية"، كما يقول رابينوفيتش.

ويتعرض رابينوفيتش بتوسع، وهو الذي كان رئيس الوفد الإسرائيلي للمفاوضات مع سورية، والتي بدأت مع مطلع عام 1993، والرسالة التي نقلها وزير الخارجية الأميركية للرئيس السوري حافظ الأسد، حول استعداد إسرائيل للانسحاب الكامل من الجولان، وانهيار المفاوضات بسبب الخلاف على السيطرة على شاطئ بحيرة طبرية.

الكتاب يتعرض لعلاقة رابين بأميركا خلال إشغاله منصب سفير إسرائيل في واشنطن، وعلاقته المركبة بوزير الخارجية آنذاك، هنري كيسنجر، ويشير إلى أنه وعلى غرار نتنياهو وبراك، كان معجبا بـ"الأمركة"، فقد عاش والده في أميركا قبل أن يهاجر إلى إسرائيل.

ويأخذ سيغف على رابينوفيتش بأنه لم يحاول تفكيك أسباب وجذور الخلاف التاريخي بين رابين وبيرس، لصالح امتداح رابين كزعيم، خلال تعرضه للموضوع في كتابه، علما أن كراهية رابين لبيرس شكلت في كثير من الأحيان اعتبارا مركزيا، وأحيانا وحيدا، في عملية اتخاذ القرار لديه، وهي جذور تعود، وفق سيعف، ربما إلى تطوير بيرس للبرنامج النووي الإسرائيلي ومعارضة رابين له في البداية، ورغم تغيير رابين لموقفه لاحقا إلا أنه لم يغفر، كما يبدو، لبيرس لأنه سبقه، كما يقول سيغف.

ويستنتج سيغف، أن رابين الذي يعرضه رابينوفيتش هو ليس رجلا ضعيفا فقط، بل عاثر وملوث بالفساد، وهكذا يظهر أنه بالذات في "نوبته" خسّر "المباي" الحكم بعد 30 سنة، ووقع مناحيم بيغن بالذات اتفاقية سلام مع مصر.

وعن أوسلو يقول سيغف، إن رابين لم يمنع محادثات "أوسلو"، لكنه قتل قبل أن يتطلب الأمر مواصلة العملية، ويشير إلى إجادة رابينوفيتش بوصف أجواء التحريض التي سبقت الاغتيال وإشارته إلى التحذيرات المتعددة له، من قبل صحفيين ومن قبل رئيس "الشاباك"، وإلى رفض رابين ارتداء درع واقي، أو استخدام سيارة مصفحة وإلى مواصلته التجول بحرية بين الجمهور والاستهتار بقواعد الحذر وهي صفة ميزت أعضاء "البلماح".

رابينوفيتش، الذي يحاول على امتداد مساحة الكتاب، عدم الوقوع بسحر "فتى الملصق الصهيوني" والأسطورة العظيمة، التي بنيت بعد موته حول الميراث المنسوب له، لا يصمد وينهي بقوله، إن إسرائيل التي تواجه اليوم نفس القضايا الأساسية، هي أحوج ما تكون إلى زعيم مثل رابين، وهو قول يرى سيغف، أنه يصح قوله أكثر عن بن غوريون.

التعليقات