تجارة النساء في إسرائيل: 3000 امرأة في كل سنة

تجارة النساء في إسرائيل: 3000 امرأة في كل سنة
أدانت المحكمة المركزية في بئر السبع هذا الأسبوع مواطنين من بئر السبع، من المهاجرين حديثا الى اسرائيل، بتهمة المتاجرة بشقيقتين تم احضارهما من روسيا باغرائهما بوعود كاذبة. وأدين احد المتهمين أيضًا باغتصاب الشقيقتين، ومن ثم القى عليهما 50 شيكلا لكل واحدة منهن، وذلك "لكي تتعودا على ممارسة البغاء".

وكان المتهمان اعتقلا بعد ان قدمت الشقيقتان، وهما في العشرينات من عمرهما، شكوى في الشرطة، اتضح من خلالها ان تاجري النساء قاما ببيع الشقيقتين مقابل مبلغ 15 ألف دولار، وذلك للعمل في دار للدعارة في بئر السبع.

وكتب القاضي نيل هندل في قرار الإدانة، أن "المتهمين استغلا بصورة بشعة كون الشقيقتين لا حول لهن ولا قوة في بلاد اجنبية، وتتخوفا من المستقبل. وبالتالي فإن كل ذلك يؤكد خطورة القضية". ومن المتوقع أن يتم اصدار الحكم عليهما في الأسابيع القريبة.

وتنضم هذه القضية الى العشرات من قضايا المتاجرة بالنساء كالرق تمامًا، إلى جانب الاستغلال الفظيع للعمال الأجانب الذي كان موقع "عرب 48" كشف النقاب عنه، من خلال تحويل مواطنة مغربية إلى خادمة على مدار الـ24 ساعة في بيت وزير سابق. في وقت ترتقي فيه إسرائيل إلى أعلى سلم تجار النساء في العالم.

لقد تحولت هذه القضايا في المحاكم الاسرائيلية إلى احدى القضايا الأكثر شيوعًا، في الوقت الذي يتساهل فيه جهاز القضاء الاسرائيلي، رغم توجيه الانتقادات لاسرائيل في المحافل الدولية، وايضا، في لجنة المرأة التابعة للكنيست الإسرائيلي.

والحقيقة هي ان إسرائيل تتصدر دول العالم في تجارة الرقيق الأبيض. وأشار تقرير نشر مؤخرًا أن حجم ظاهرة المتاجرة بالنساء في إسرائيل، والمسماة "الرق الحديث"، أدت الى احتلال إسرائيل مكانًا متقدما جدا في "القائمة السوداء" للدول التي تتعاطى تجارة النساء. في السنوات الماضية، في اعقاب تشريع قانون منع التجارة بالانسان وتشديد فرض القانون نزلت إسرائيل الى مستوى متوسط بين هذه الدول، حيث اعترف وزير القضاء الإسرائيلي المقال، يوسف لبيد، ان لدى الوزارة معلومات تؤكد ان تجّار النساء في إسرائيل يعملون على تصدير فتيات الى الخارج لتشغيلهن مومسات.

وقال لبيد في بيان اصدره بمناسبة اليوم السنوي لمكافحة الاتجار بالبشر، أن المعطيات المتوفرة لدى الوزارة تشير الى وجود 2000 إلى 3000 مومس، يعملن في إسرائيل، تم تهريب غالبيتهم من دول رابطة الشعوب (الاتحاد السوفييتي سابقًا).

وحسب المعطيات المتوفرة لدى الوزارة الاسرائيلية، يسعى تجار النساء في الاسرائيليين الى تصدير المومسات الى الخارج، مستخدمين الحيَل والخدع على اشكالها لاقناع الفتيات بالسفر، مثل وعدهن بمدخولات مالية كبيرة، تأمين سفرهن ذهابا وايابا والقيام بكافة الاجراءات لضمان انتقالهن من بلد الى آخر.

وقال لبيد ان غالبية النساء اللواتي يقعن فريسة لظاهرة الاتجار بالنساء لأغراض الزنى يصلن الى إسرائيل من اوزبكستان واوكرانيا وروسيا ومولدوفا وكازخستان.

ظاهرة تجارة النساء في إسرائيل، وفقًا لعدة تقارير، وصلت في السنوات الاخيرة الى مستويات هائلة: نحو 3000 امرأة يُتاجر بها كل عام، وفي كل شهر يزور نحو مليون رجل مراكز الهوى. معظم الرواد هم إسرائيليون، بعضهم من العرب، وقلة منهم عمال اجانب. وبحسب المعطيات التي نشرت في هذا السياق فإن السن المتوسط للمرأة العاملة في البغاء هو 22 سنة، ولكن تم الكشف ايضا عن حالات عمل فتيات، هن في الوقاع اطفال، في الـ14 والـ15 من أعمارهن.

ومن المعطيات التي وصلت الى ائتلاف الكفاح ضد تجارة النساء يتبين ان تجارة النساء تجري بثلاثة طرق: التاجر "يوصي" على المرأة مسبقا، البائع يتوجه مباشرة الى امرأة ويغتصبها، كي "يفحص البضاعة"، كما حدث مع الشقيقتين في بئر السبع، وفي نهاية المطاف تباع النساء بالمزاد العلني. سعر كل امرأة يتراوح بين 4000 و10000 دولار، يتعلق الامر بجمالها وبسنها. وغني عن الذكر ظاهرة أخرى هي "توارث" المرأة أو نقلها من "مالك إلى آخر بناء على دين مستحق عليه في العالم السفلي. وهناك، ايضا، ظاهرة تأجير امرأة، بموجب كلفة يومية للقواد.

يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع، قبضت وحدة "رامون" التابعة لحرس الحدود في الشرطة الاسرائيلية على 14 أجنبيًا في منطقة عوجة حفير. بين هؤلاء الأجانب نساء، أحضرن ايضا للعمل مقابل آلاف الدولارات بعيدا عن بيوتهن. بينهن، أيضًا، نساء متزوجات اللواتي غادرن بيوتهن وبلادهن لكسب الرزق في "بلاد السمن والعسل"، لتجدن أنفسهن تدفعن تكلفة نقلهن الجوي والبري إلى إسرائيل. أما ما تؤكده السلطات الإسرائيلية والمؤسسات الرسمية فإن 90% من النساء يتم تهريبهن عبر مصر.

بعض هؤلاء النساء شهدن أمام محققي الشرطة الإسرائيلية، بأنهن تعرضن أيضًا للاغتصاب من "مرشديهن" البدو من شبه جزيرة سيناء المصرية، الذين حولوا الاتعاب.. ولكن هذا الاغتصاب تحول مع عبورهن إلى إسرائيل إلى استغلال جنسي مقرف وتشمئز له النفس البشرية. يتم نقلهن إلى تل أبيب.. وهناك في فندق رخيص يتم عرضهن أمام اصحاب بيوت الدعارة، وهن عاريات، وأحيانًا يقوم صاحب بيت الدعارة "بفحص البضاعة" عن كثب، "لكي تتعود على البغاء"، كما جاء في شهادة الشقيقتين اللتين تعرضتا إلى أبشع أنواع الذل الانساني.

ومن المعطيات الاخرى، التي توصلت اليها المؤسسات التي تعالج هذه القضية في إسرائيل، فانه تبلغ كلفة تأجير المرأة للقواد نحو 100 دولار يوميا. "والشاطر من يحضر إليهن أكبر عدد من الزبائن في اليوم". المقابلات التي اجريت مع المومسات وعرضن بدورهن خلالها طرق عملهن في إسرائيل، وحسب الشهادات التي ظهرت في ملفات المحاكم، أشارت إلى ان كل امرأة تجبر على ان تستقبل بالمتوسط 17 زبونًا في اليوم، وهناك حالات اكثر بشاعة ارغمن نساء خلالها على استقبال 47 زبونا في اليوم. وهن يعملن 30 يومًا في الشهر، حتى في زمن الحمل، المرض أو الدورة الشهرية. ويتبين من المعطيات ان نحو نصف النساء المتاجر بهن لم يعرفن مسبقا انهن سيبعن لغرض البغاء.

يقول قائد شرطة حرس الحدود "رامون" أنهم ضبطوا عشرات من عمليات التهريب في العام ونصف الأخير، منذ بدأت الوحدة بنشاطها في المنطقة على طول الحدود الإسرائيلية المصرية. واضاف إنه يتم عادة تحويل هؤلاء النساء إلى شرطة الهجرة التي تعتقلهن في مركز "تسوحار" في النقب، وهناك يحتجزن ثم يتم إعادتهن إلى الحدود المصرية مجددًا لأن تأشيرة الدخول هي لمصر.

ويروي الضابط تفاصيل عملية تهريب النساء الى اسرائيل، ويقول انه تصل سيارة ترانزيت محملة بالنساء كل بضعة أيام إلى الحدود الإسرائيلية المصرية وفق تعليمات من المهربين لإدخالهن إلى إسرائيل بصورة غير قانونية. "ان الأمر عبارة عن قطع عدة أمتار وليس اجتياز كيلومترات طويلة في الصحراء كما يدعون. فالنساء المهربات يدخلن الحدود مشيا على الأقدام حيث تكون سيارة أخرى بانتظارهن من الناحية الأخرى، الاسرائيلية. وهكذا تضاف مجموعة أخرى من النساء اللواتي يبدأن العمل في البغاء في إسرائيل".

أما مسيرة رحلة تجارة الرقيق الأبيض فتبدأ من البلد الأصلي حيث ينتقلن إلى القاهرة ومنها إلى إحدى المدن الحدودية المصرية ومن هناك يتم جمعهن في مجموعات من خمس إلى 15 إمرأة ليتم تهريبهن عبر الحدود المصرية الإسرائيلية بواسطة المهربين. البيع يتم بطرق مختلفة فأحيانا يأتي أصحاب دور البغاء ويشترون النساء بصورة علنية و"مهنية جدا"، وبعضهن يتعرضن لهجمات جنسية تصل حتى الاغتصاب.

قضية بيع النساء في إسرائيل بدأت تحظى باهتمام الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون في السنة الأخيرة فقط، وبضغط من الولايات المتحدة. وتظهر المعطيات أن سياسة ملاحقة الظاهرة في تنامي. وزراء القضاء الإسرائيليون يقومون في السنوات الأخيرة بزيارة المؤسسات النظيرة في واشنطن للبرهنة على أن بلادهم تسعى إلى مكافحة تجارة النساء.

حتى وزير الخارجية الأمريكي، كولين باول، صرح قبل عدة اشهر أن إسرائيل قد انتقلت من موقع سيء جدًا في قائمة الولايات المتحدة السوداء إلى مكان أسوأ.

إسرائيل موجودة اليوم في موقع متقدم من القائمة السوداء العالمية للدول التي تتعامل مع ظاهرة المتاجرة بالنساء، اغلبية اعضاء هذا النادي المريب هم من ما يسمى بدول العالم الثالث. البروفيسور مناحيم أمير، الخبير في علم الاجرام (الكريمنولوغيا)، يقول ان اسرائيل موجودة في المرتبة الثالثة في العالم من حيث حجم تجارة النساء.

مرينا، التي تبلغ من العمر 24 عامًا، هربت إلى إسرائيل قبل سنة ونصف من مولدافيا. عملت كمومس في دار بغاء وهي الآن بانتظار الإبعاد. تقول: "قبل أن آتي لإسرائيل عملت في كيشنيوف كبائعة بطاقات. وكنت أكسب 80 دولار شهريا وهو مبلغ قليل. وفي ذات يوم قال لي أحد الأصدقاء انه يجمع مجموعة من الراقصات للعمل في إسرائيل. صديقي هذا قال لي أن المسألة ليست رقصًا فقط وأنها تتضمن ممارسة الجنس بين الحين والآخر، ووعدني بأن أكسب منها 3 آلاف دولار شهريًا. المبلغ كان ضخمًا جدًا إذ اعتقدت أنني سأكسب خلال شهر ما كنت أكسبه من عملي في عامين كاملين".

مارينا سافرت إلى موسكو ومنها إلى قبرص ومن ثم إلى القاهرة. ومن هناك إلى إسرائيل. وقد استغرقت الرحلة ثلاثة أيام. وقد نقلت مارينا مع صديقاتها إلى صحراء سيناء، وهناك بقيت لمدة شهرين ونصف إلى أن سنحت فرصة التهريب. بعد ذلك تم تهريبها مع عشر نساء أخريات لإسرائيل حيث تم بيعها في تل أبيب لدور البغاء بنحو عشرة آلاف من الشواكل. المشتري صادر جواز السفر منها وقال لها انه دفع النقود ثمنا لها ولذلك عليه أن يمنعها من الهرب، وهدد بإبلاغ عائلتها في مولدافيا بأنها تعمل في البغاء.

غالبية النساء يأتين من مولدافيا بعد ان كانت اوكرانيا تتصدر الدول الموردة للرق الابض لسنوات طويلة، لتنتقل للمرتبة الثانية، أما روسيا فتأتي في المرتبة الثالثة. غالبية النساء يعرفن الهدف من العرض الذي ينشر في الصحف عادة والأقلية منهن يجبرن على ممارسة البغاء بعد وصولهن الى إسرائيل، وأحيانًا يتعرضن للحجز في دار البغاء أياما طويلة، لا يلتقين خلاله إلا بالزبائن.

الطاقم المشترك بين الوزارات الاسرائيلية يوصي بانشاء ملاجىء للمتضررات من تجارة النساء حيث تقدم لهن هناك كل المساعدات الممكنة طبيا وقانونيا ونفسيا وتحميهن من القوادين، حتى يدلين بشهاداتهن أمام المحاكم الإسرائيلية. كما يوصي الطاقم بتقديم مساعدة قانونية مجانية وبسن قوانين صارمة ضد المتاجرين بما في ذلك مصادرة الأملاك.

وكما ذكرنا، خلال العام الأخير استطاعت الشرطة اقناع العشرات من النساء المستغلات بضرورة تقديم شهادتهن في أروقة المحاكم الإسرائيلية. وقد تم في عام 2001 اعتقال 183 شخصا متهمين في مخالفات تتعلق بتجارة النساء و35 منهم يرتبطون مباشرة بالتجارة. وفي هذه السنة اعتقل 206 متهما، 46 منهم متهمون في التجارة بالنساء بصورة مباشرة.
أشد العقوبات على هذه المخالفة اليوم هي السجن اربع سنوات ونصف، الا ان العقوبة القصوى هي 16 سنة سجن. وقد تم الحكم بالسجن لمدة 12 عامًا على قادم جديد من روسيا، أدين بالتجار بالنساء. هذا الحكم جاء بعد ستة أشهر من عرض التقرير الدولي بشأن الرق الحديث الذي عرضته الولايات المتحدة. وبناء على توصية وزير القضاء نجحت النيابة العامة في وضع عدة اجراءات هامة في هذه القضية. احدى القاضيات اعتبرت في قرارها ان تجارة النساء تشبه الاتجار بالمخدرات اذ تتحول الى مهنة بالنسبة للمتهم وتشكل خطرا على الآخرين.

قاضي آخر قرر ان قضية موافقة المرأة على العمل في البغاء أولا ليست مهمة هنا، فالمخالفة قائمة في كل الاحوال حتى لو كانت هناك موافقة. حتى طاقم القضاة في المحكمة المركزية في بئر السبع، اعتبر أن أحد المتهمين قام باغتصاب الشقيقتين بالرغم من أن احداهما قبلت ذلك بدون معارضة، وذلك كونه استغل الوضع الذي تعيش فيه: بلاد غريبة، بعيدة عن أهلها، وخائفة.. وإنسان لا حول له ولا قوة، لا يستطيع أن يمتنع عن ممارسة الجنس، حسب اقوال طاقم القضاة.

وليس تجارة النساء فحسب، بل الاتجار بالعمال الأجانب هو من شيم الإسرائيليين حسب التقرير الأمريكي. وحسب التقرير الذي فإنه تم اعتقال 92 شخصًا بتهمة الاتجار بالناس في العام 2003 وان 93 مشتبهًا آخر متورطين معهم. في ذلك العام 537 ضحية العبودية الحديثة تم طردهم من إسرائيل وتم تقديم 753 تهمة جنائية حول مخالفة قوانين العمل، بحق عمال أجانب. هذا ما خول إسرائيل إلى التقدم لمرتبة متقدمة مع 63 دولة شرق أوروبية وأفريقية وعربية، في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول عبودية القرن الحادي والعشرين..

وحسب التقرير فإنه في العام الحالي فتحت حكومة إسرائيل 17 ملجأ لضحايا التجارة بالرقيق الأبيض، وتم منح سبع ضحايا تأشيرة مؤقتة، وكذلك مكنت السلطات الإسرائيلية لنحو 2336 عاملاً أجنبيًا من تغيير أصحاب العمل، وهي تقدم للعمال الأجانب الماكثين في الملاجئ مصروف شخصي وتمكنهم من تلقي علاج صحي مجاني.

التعليقات