الرواية الإسرائيلية لـ"مجزرة الدبابات" في وادي السلوقي/ كتب: هاشم حمدان

-

الرواية الإسرائيلية لـ

[[تلقت الكتيبة 162، بقيادة غاي تسور، أمراً بالتحرك باتجاه نهر السلوقي، جنوب لبنان، في يوم الثلاثاء السادس من آب/أغسطس. وكان الهدف هو فتح "البوابة" المؤدية إلى احتلال جنوب لبنان. وبدأ اللواء النظامي 401، بقيادة موطي كيدور، المسلحة بدبابات "المركفاه 4"، التحرك في المنطقة يوم الأربعاء، وعلى رأسها قوات الهندسة، بعد أن قام سلاح الجو والمدفعية بـ"تليين" المنطقة. وبعد ساعات معدودة أصدر المستوى السياسي أمراً بوقف تحرك القوات.

تلقى اللواء 401 القرار بغضب، وذلك بسبب المخاوف الكبيرة من تحول الدبابات إلى أهداف سهلة عندما تكون في وضع ثابت (غير متحرك). وبعد يوم واحد فقط، تجدد التحرك ثانية باتجاه السلوقي، إلا أنه بعد مرور 5 ساعات أجبرت القوات على التوقف. وارتفعت حدة الغضب، فكل جندي في كتيبة مدرعات يدرك أن التحرك الموضعي يستدعي الهجمات بالقذائف المضادة للدبابات. ولذلك تقرر، بالتشاور مع قائد الكتيبة، تسور، مواصلة التحرك البطيء باتجاه السلوقي.

في مساء يوم الجمعة، قرابة الساعة 16:45، بعد ثلاثة أيام من صدور الأمر الأول، قرر رئيس الحكومة ووزير الأمن التحرك باتجاه الهدف والبدء باحتلال جنوب لبنان. وقد صدر القرار بعد أن بدأت تظهر بوادر اتفاق لوقف إطلاق النار بمصادقة الأمم المتحدة. وفي الساعة 01:00 بدأ التحرك. وفي الساعة 20:00 كانت قوافل الدبابات تشق طريقها في "المعبر الإجباري".
قدر قائد اللواء 401، كيدور، أنه طالما امتد زمن الإنتظار في المكان نفسه، قبل بدء التحرك باتجاه نهر السلوقي، فإن حزب الله سوف يقرأ التحركات ويستعد بما يتلاءم. وحذر كيدور قائد الكتيبة من الخطر الماثل، إلا أن تسور طمأنه وادعى أن قوات كتيبة الجوالة التابعة للواء "الناحال"، سوية مع كتيبة أخرى، سوف تنتشر في المنطقة وتضمن عدم تعرض الدبابات إلى خطر الإصابة بالصواريخ المضادة.

استغل حزب الله الاستخدام غير الحكيم للقوات المدرعة، واستعد ما يقارب 60 مقاتلاً في المنطقة، وبحوزتهم كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للدبابات، والتي تعتبر الأفضل في العالم، وهي من طراز "كورنيت". كما تم وضع الخلايا التي تعمل على إطلاق قذائف الهاون في المنطقة على أهبة الإستعداد.

ومع بزوغ فجر الأحد، تمكنت القوات، بقيادة كيدور، من عبور العقبة الأصعب، ووصلت بضعة دبابات فقط إلى قمة الجبل، ولكن بثمن باهظ جداً؛ 8 مدرعات وأربعة من جنود المشاة قتلوا في معركة "السلوقي"، وبين القتلى إثنان من ضباط كتائب الدبابات، وضابط في فرقة المدرعات.
وجه كبار الضباط في الجيش انتقادات حادة على الحملة العسكرية التي بدأت في الدقيقة التسعين من أجل التأثير على الرأي العام الإسرائيلي واللبناني، وإثبات قدرات الجيش. إلا أن النتائج كانت أقسى من أن تعتبر نجاحاً للحملة، بعد أن تقرر وقف إطلاق النار. وكان الجيش بحاجة إلى 30 ساعة من أجل إخراج الدبابات من "كمين النار" الذي أعده حزب الله. وكانت معركة السلوكي الوحيدة في الحرب التي اخترقت فيها الصواريخ المضادة للدبابات دروع دبابة المركفاة 4.

ويحاول أحد كبار الضباط في قيادة الشمال تصحيح الانطباع القاسي الذي نشأ عن طريق البحث عن "نصف الكأس المليء"، فيقول:" لو لم يتم التوقيع على وقف إطلاق النار، لكانت هذه المعركة هي الأهم في هذه الحرب".. يقول ذلك بالرغم من أن الحملة بدأت بعد أن أصبح واضحاً أنه سيتم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

وبنفس الروح، يعترف الضابط بأنه لم يتم تنفيذ كل شيء بموجب الخطط. " كان هناك الكثير من التحديات في هذه المعركة. قتل ثلاثة جنود في اليوم الأول كنتيجة لإصابة دبابة مركفاة 4، وقتل 4 جنود مشاة. وكانت هذه المعركة الأهم في هذه الحرب كلها، فقد فتحت "البوابة" لاحتلال جنوب لبنان. وكنا ملزمين بسلوك هذا الممر من أجل التقدم إلى الأمام".

أثناء السيطرة على المنطقة، اجتاز "الممر الإجباري" 24 دبابة، أصيب 11 منها بصواريخ حزب الله المضادة للدبابات. وأثناء تسلق الجبل، لم يقتل جنود، وإنما أصيبت الدبابات. لم تخترق الصواريخ المضادة للدبابات المركفاة 4. وعندما حاول ضابط الكتيبة تسلق المحور المؤدي إلى قمة الجبل، علق في منتصف الطريق، وذلك بسبب القصف الذي قام به سلاح الطيران قبل يومين في المنطقة، وبالنتيجة علقت 5 دبابات أخرى، ولم تتمكن من صعود الجبل، وأصبحت كـ "الأوز في مرمى الصياد".

أدرك حزب الله ذلك بسرعة فائقة، وبدأ بعملية "لينش" على الدبابات، حيث أطلق مقاتلو حزب الله صواريخهم المتطورة من نوع "كورنيت" الروسية، التي تعتبر الأفضل في العالم. ويقول أحد الضباط في وحدة المدرعات "سمعنا صرخات الرعب في أجهزة الإتصال.."

طلب الجنود في الدبابات المساعدة، ولكن لم يكن من بإمكانه ذلك. فالمروحيات الحربية والمدفعية لم تكن قادرة على ذلك لأن خلايا كثيرة من "ناحال" كانت منتشرة في المنطقة من أجل منع إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات، وخشي سلاح الجو من إصابتهم. وأصدر قائد اللواء 401 تعليماته للدبابات بالدوس على دواسة الوقود والهروب من المكان، إلا أن ذلك استغرق وقتاً، كان كافياً لإصابة الدبابات.

وبحسب قائد اللواء "كانت هناك مشاكل مهنية وخطيرة. ولكن يجب أن نتذكر أننا لم نتدرب على ذلك فترة طويلة. ومن الواضح أن التدريب على تفعيل الدبابات لم يكن كافياً.. قائد الدبابة لم يتدرب على التحرك في الليل.. قائد الكتيبة لم يعرف كيف يحرك القوات.. لم يجر أي تدريب جدي.. علينا استكمال الفجوات الكبيرة في تدريبات كثيرة.."

تتضح صورة معطوبة من التحقيقات التي يجمعها الجيش، في إطار الاستعدادات للجنة التحقيق الموشكة. ففي حالات كثيرة لم يتم استخدام الدبابات بشكل حكيم، وفي بعض الأحيان " جرى استخدامها بطريقة فيها الكثير من الإهمال عن طريق إدخالها إلى كمائن النار"، بحسب الجيش.

يقول أحد الضباط في الجيش" بشكل واضح، يتضح من الشهادات الميدانية أنه في الحالات التي تم استخدام الدبابة فيها كما يجب، نجحوا في الحفاظ عليها وتنفيذ المهمة.. الجهل من جانب القادة الميدانيين أدى إلى تعريض الدبابات إلى الخطر الحقيقي، ولم ينقذهم في عدد من الحالات سوى الدروع النوعية للمركفاة 4، التي أثبتت تفوقها. فقد اخترقت الصواريخ 22 دبابة فقط".

الإستخدام السيئ للدبابات لم يكن المشكلة الوحيدة. فقد استخف الجيش باستخبارات حزب الله، وخاصة فيما يتعلق بالقوات المدرعة الإسرائيلية. فقد استخدم حزب الله صواريخ من نوع "باغوت" و"أر بي جي 29 مونو" و" طاو" و"كونكرس" و"كورنيت".

كان الجيش على علم بأن هذه الصواريخ موجودة بحوزة حزب الله. إلا أن الجيش لم يعتقد أن مقاتلي حزب الله قادرون على تشخيص أنواع الدبابات المختلفة، وملاءمة الصواريخ النوعية للمدرعات ذات حماية عالية، وإطلاق الصواريخ القديمة على الدبابات الأضعف.

" كانت لديهم القدرة على تشخيص الدبابات بشكل واضح، ولم "يبذروا" في إطلاق أي صاروخ في متناول اليد. علاوة على ذلك، فإن الكراسات التي وقعت في أيدينا تشير إلى أنهم كانوا خبراء في قدرات الدبابات بأنواعها المختلفة، ونقاط الضعف لكل نوع. وكانوا على معرفة تامة بكافة المركبات القتالية المدرعة للجيش، وأطلقوا نيرانهم على نقاط الضعف فيها".

بعد النتائج الأولية، تفاجأ الضباط في القوات البرية لسماعهم، نائب قائد القوات البرية، مئير خليفي، يقول أن الخطة السنوية للجيش لن يحصل فيها أي تغيير. ويدعي الضباط أنه بالرغم من الإنتقادات الحادة على أداء القوات البرية في الحرب، فمن غير المتوقع أن يتم استخلاص عبر بشكل جدي. وأوضحوا أنهم خرجوا من الإجتماع مع خليفي بشعور سيء.

ويعترف ضباط في وحدات المدرعات، أن التكنولوجيا استغلت إلى أقصى حد منظومة الحماية للمركفاة 4، ويقول ضابط كتيبة مدرعات:" في نهاية الأمر، فإن للحجم والوزن حدوداً في الفيزياء، وذلك يقتضي التفكير بكيفية التسلح بحماية فعالة، وبكيفية مواصلة تطوير الماكنة الضخمة المسماة مركفاة 4 والتي أثبتت نفسها في هذه الحرب".

وصرح مصدر أمني أن "الأمريكيين يتفاخرون مؤخراً بأن صواريخ "أر بي جي مونو" التي تعتبر قديمة، لا تخترق دبابات أبرامز الجديدة.. رغم أن هذه الصواريخ لا تدغدغ المركفاة.. لقد أثبتت المركفاة أنها فعالة إلى حد معين حتى مقابل صواريخ "الكورنيت، بالإضافة إلى مهمات أخرى في الحرب الحالية، اشتملت على تدمير خنادق وبيوت ومنصات إطلاق وأهداف مختلفة"..

وفي نهاية التقرير يطرح التساؤل حول النوايا التي كانت قبل الحرب بشأن تقليص التسلح بدبابات المركفاة 4...



التعليقات