تقرير: خريطة التجنيد والخدمة في الجيش بحسب الانتماء الجغرافي/ كتب:هاشم حمدان

تل أبيب في أسفل قائمة التجند للجيش والوحدات القتالية * "عومر" في النقب تحتل المكان الأول * ارتفاع نسبة المسرحين من الخدمة العسكرية لأسباب نفسية..

تقرير: خريطة التجنيد والخدمة في الجيش بحسب الانتماء الجغرافي/ كتب:هاشم حمدان
كشف ملحق صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصادر في 01/09/2006 تقريراً يتناول معطيات حول التجند للجيش الإسرائيلي تنشر للمرة الأولى. وتتصل هذه المعطيات بنسبة التجند للجيش بشكل عام، والتوجه نحو الوحدات القتالية في الجيش بشكل خاص. ومن المرجح أن الحرب الأخيرة على لبنان ونتائجها، من جهة التوزيع الجغرافي للجنود القتلى، كانت من بين الأسباب التي "قصمت ظهر البعير" واستدعت الكشف عن "خارطة التجنيد والخدمة العسكرية بحسب الإنتماء الجغرافي"، خاصة في ظل حقيقة ساطعة وهي أن الجنود القتلى الثلاثة من مدينة تل أبيب، بوصفها إحدى المدن الكبرى، هو نفس عدد القتلى من مستوطنة "عيلي" الصغيرة المتطرفة في الضفة الغربية. هذه الحقيقة أشار إليها بشكل اعتبر "استفزازياً" رئيس شعبة الموارد البشرية في الجيش، إليعيزر شطيرن، بقوله إنه "يكاد لا يزور تل أبيب لتقديم التعازي للعائلات الثكلى"!

ورغم أن معد التقرير يوافق مع شطيرن على نفي العلاقة بين الوضع الإجتصادي (الإقتصادي الإجتماعي) وبين التهرب من الخدمة العسكرية، إلا أن التقرير يكشف النسب المنخفضة في التجند للجيش عامة، والوحدات القتالية خاصة، في مدن المركز بالمقارنة مع "الكيبوتسات" و"الموشافيم" والمستوطنين (المتدينين القوميين المتطرفين). كما يبين النسب العالية للتجند في الشمال والجنوب بالمقارنة مع المركز. علاوة على ذلك يتناول التقرير الإرتفاع المتواصل في نسبة التسريح من الخدمة العسكرية لأسباب نفسية، كما يبين أن هذه النسبة تنخفض في الشمال والجنوب وترتفع في المركز!

وللحقيقة كان د.عزمي بشارة قد سبق "كشف يديعوت أحرونوت" بأكثر من أسبوع، في مقالة له بعنوان "ارتباك ما بعد.. في إسرائيل" (نشرت في موقع عــ48ـرب بتاريخ 23/08/2006، أنظر المقالات- هـ.ح)، حيث أشار إلى فقدان تيار "المتنورين العلمانيين" موقعه كنخبة قتالية، وارتفاع نسبة أعضاء الكيبوتسات والمتدينين واليهود الشرقيين والمهاجرين الروس والمستوطنين (المدججين بالدوافع القومجية والدينية المتطرفة) في الوحدات القتالية. كما لفت الإنتباه إلى ظاهرة جديرة بالدراسة، برأيه، تتمثل في ارتفاع نسبة القتلى في صفوف أبناء الكيبوتسات والمستوطنات والقرى الزراعية بالمقارنة مع تل أبيب!

وأشار التقرير إلى أن نسبة التجند للجيش في تل أبيب هي أقل من المعدل القطري، ويأتي بعد تل أبيب القدس (الغربية) و"بني براك الحريدية". وحتى في "عومر" في النقب وأيضاً "كريات شمونه" يتجندون أكثر بكثير من "المدينة العبرية" الأولى. ومن بين المتجندين من تل أبيب فإن نسبة من يتجه إلى الوحدات القتالية هي أيضاً أقل من النسبة القطرية. ويشكل أبناء الكيبوتسات النسبة الأعلى في الوحدات القتالية.

وبحسب التقرير يعرف هذه المعطيات كل من يعمل في شعبة الموارد البشرية منذ سنوات، ولكن في إطار التفاهمات التي توصل إليها رؤساء الشعبة المتعاقبون مع مديري المدارس ووزارة المعارف، لم يقم أي من الطرفين بتسريب هذه المعطيات. وحافظوا على سريتها، ورفضت كافة الطلبات للحصول أو الإطلاع عليها، كما تم تحذير الضباط من مجرد التفكير بتسريب أجزاء بسيطة منها.

أدت الحرب على لبنان، وتصريحات الجنرال إليعيزر شطيرن في مقابلة مع رازي بركاي لإذاعة الجيش (غاليه تساهال)، بأنه لا يزور تقريباً عائلات ثكلى في تل أبيب.. الأمر الذي اضطره إلى تقديم إثباتات، فقال:" مع كل الأقاويل التي قيلت حول الاستفزازات التي أثرتها على ما يبدو، فأنا أصر على ما قلته. فليست مصيبة أن ننظر إلى قائمة القتلى"!

وبالنظر إلى قائمة القتلى، يتبين أنه من بين 119 جندياً، الذين قتلوا في الحرب، هناك 3 فقط من تل أبيب. وهو نفس عدد قتلى مستوطنة "عيلي" في الضفة الغربية. إلا أن الوثيقة الأهم، والتي يكشف عنها للمرة الأولى، هي "خارطة التجنيد والخدمة بحسب الإنتماء الجغرافي". هذه الوثيقة تلخص معطيات التجنيد في العام 2005، والتي وضعها مدير التجنيد في شعبة الموارد البشرية، وتكشف ما اعتقده كثيرون في المجتمع الإسرائيلي، والتي لم يصادق عليها أبداً بشكل رسمي. ويقول في ذلك أحد ضباط الجيش "التل أبيبيون يتهربون من سحب نقالة الجرحى".

ويتضح من الوثيقة أن نسبة المتجندين من بين من هم في جيل الخدمة العسكرية في تل أبيب لا يتجاوز 70%، وهذه النسبة أقل من النسبة القطرية التي تصل إلى 73.3%، وأقل بكثير من بلدات أخرى في نفس المستوى الإجتصادي. كما أن نسبة المشاركين في الوحدات القتالية في تل أبيب تصل إلى 36.9%، في حين أن المعدل القطري يصل إلى 41.8%. وتجدر الإشارة إلى أن هناك فقط مدينتين كبيرتين تنخفض فيهما نسبة التجنيد عن تل أبيب، "القدس الغربية" حيث تصل إلى 44%، و"بني براك" حيث تصل إلى 15%، وذلك بسبب كمية الإعفاءات الضخمة التي يحصلون عليها بسبب تدينهم، ورغم ذلك فإن من يتجه إلى الوحدات القتالية من القدس الغربية أعلى بشكل ملحوظ من تلك في تل أبيب، حيث تصل إلى 41.8%.

وبحسب معدي الوثيقة فإنه "بموجب كل المعايير فإن تل أبيب تبقى في أسفل التدريج بالمقارنة مع المدن المماثلة لها، كما أن نسبة المتجندين تبقى أقل بشكل ملحوظ بالمقارنة مع باقي المدن".

ولدى الإطلاع على اللوائح تبدو الصورة أكثر وضوحاً، خاصة مع مقارنة تل أبيب مع المدن الخمس الكبرى التي توازيها في المستوى الإجتصادي، بحسب معطيات الدائرة المركزية للإحصاء. ففي المكان الأول في نسبة التجند للجيش تقع "موديعين" الموحدة مع "مكابيم-راعوت" حيث تصل النسبة إلى 89.5%، يليها "كفار سابا" بنسبة 86.3%، ثم "رعنانا" بنسبة 81.9%، و"هرتسليا" بنسبة 80%، و"رمات غان" بنسبة 79%، وتل أبيب 70.5%. كما تقع تل أبيب في أسفل القائمة لدى مقارنة نسبة التوجه إلى الوحدات القتالية بين المتجندين، حيث تقف في المكان الأول "موديعين" بنسبة 58.8%، يليها "رعنانا" بنسبة 51.9%، ثم "كفار سابا" بنسبة 40.1%، و"هرتسليا" بنسبة 38%، و "رمات غان" بنسبة 37.7%، وتل أبيب 36.9%.

ولدى إجراء مقارنة نسبة التجند في كافة المدن الكبرى، يتبين أن تل أبيب تقع في المكان الثامن عشر في القائمة التي تضم 20 مدينة ( حيث يأتي بعدها القدس الغربية وبني براك، أعلى نسبة من "الحريديم"، كما أسلفنا). حيث يقف في المكان الأول "كفار سابا" و"ريشون لتسيون" بنسبة تجند تصل إلى 86% (ربما تجدر الإشارة هنا إلى أن مرتكب مجزرة عين قارة في التسعينيات، عامي بوبر، وكذلك مرتكب مجرزة شفاعمرو، نتان زادة، كلاهما من ريشون لتسيون!- هـ.ح)، يليها بالترتيب الخضيرة 84%، "رعنانا" وبئر السبع 82%، "هرتسليا و"أشكلون" 80%، "رمات غان" و"رحوفوت" 79%، "بيتاح تكفا" و"حولون" 78%، حيفا 77%، "نتانيا" والرملة 76%، اللد 75%، "بات يام" 73%، "أشدود" 72%، تل أبيب 71%، القدس (الغربية) 44%، "بني براك" 15%.

وضمن هذه اللائحة تقع تل أبيب في أيضاً في مواقع متدنية نسبياً بحسب المتوجهين إلى الوحدات القتالية من بين المتجندين. ويقف في رأس هذه اللائحة "رعنانا" و"ريشون لتسيون" بنسبة 58%، يليها القدس (الغربية) بنسبة 48%، "رحوفوت" 42%، "كفار سابا" وحيفا 40%، بئر السبع و"رمات غان" و"نتانيا" و"هرتسليا" 38%، "بيتاح تكفا" وتل أبيب 37%، اللد و"حولون" 29%، الرملة 27%، "بني براك" 26%، "بات يام" 26%.

يقول الجنرال شطيرن:" أن تقسيم من يتجند للوحدات القتالية وبين من يفعل ذلك، ليس مرتبطاً بالجغرافيا أو بالديموغرافيا، وإنما بمفاهيم مثل التربية، وفي الأماكن التي تكتسب فيها أهمية الحياة الإجتماعية بما في ذلك المساعدة المتبادلة، وليس فقط السينما والرياضة. فمستوى الحياة في "عومر" و"رعنانا" لا يقل عن تل أبيب، وبالرغم من ذلك فإن نسبة التجند أعلى سواء بشكل عام، أو للوحدات القتالية بشكل خاص. لا يختلف هواء تل أبيب عن هواء رعنانا، ولكن كما يبدو هناك فرق في "الأهواء"، ليس بالملاهي الليلة والمقاهي وإنما بالمدارس".

ويسوق شطيرن كمثال "الييشوف" ذا مستوى الحياة العالي "عومر" في النقب، والذي يحتل المكان الأول بحسب كافة المعايير. وتصل نسبة التجند في الييشوف إلى 92%، يتوجه منهم 75% إلى الوحدات القتالية. وفي المقابل من الممكن أن تحتل مدن تطوير أماكن متقدمة في اللائحة، مثل "كريات شمونه" حيث تصل النسبة إلى 87% و"ديمونا" 83%.

إلى ذلك، بينت فحوصات أخرى أجريت في شعبة الموارد البشرية أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة من يتم تسريحهم من الجيش لأسباب نفسية، في حين أن قسم الصحة النفسية في الجيش على قناعة بأن نفسية من تم تسريحهم هي على ما يرام!

ويقول شطيرن في هذا السياق أن تل أبيب لا تختلف عن "سديروت" و"كفار سابا" من جهة الصحة النفسية، ولذلك فإن مثل هذه الظاهرة "يجب أن تلقى لها تفسيراً من قبل القيادة في تل أبيب ومن المجتمع، وليس من الجيش. فما يحصل في تل أبيب هو أمر مقلق بشكل خاص من جهة كونها المدينة الثانية في إسرائيل، وكل نسبة مئوية واحدة ممن لا يتجندون هي كبيرة من جهة العدد بالمقارنة مع "سديروت" و"رعنانا" وهذا يزيد من شأن الظاهرة".

وتبين لائحة من يتم تسريحهم من الجيش لأسباب نفسية أن القدس (الغربية) تحتل المكان الأول بنسبة 10.8%، في حين أن النسبة تصل في تل أبيب إلى 5.9%، وفي المستوطنات 4.5%، حيفا 3.5%، الشمال 3.2%، الجنوب 2.8%.

كما تبين اللائحة أنه في العام 1992 تم تسريح ما معدله 3% من المتجندين لأسباب نفسية، وفي العام 2001 وصلت النسبة إلى 9%، وفي العام 2004 وصلت إلى 11%، وفي العام 2005 وصلت إلى 10.5%.

ويشير التقرير إلى أن معطيات التجنيد في "الكيبوتسات" و"الموشافيم" والجمهور "الديني - القومي" هي من المشجعة للجنرال شطيرن، حيث تقف الكيبوتسات على رأس لائحة نسب التجند للوحدات القتالية والتي تصل إلى 65%، بينما تصل إلى 54% في "الموشافيم"، مقابل 51% لدى خريجي المعاهد الرسمية الدينية، في حين يصل المعدل القطري إلى 39.8%.

وتصل نسبة التجند بشكل عام في "الموشافيم" إلى 91%، وفي الكيبوتسات 86%، ولدى الجمهور "الديني - القومي" 85%. وبحسب شطيرن فإنه لم يفاجأ، بعد زيارته كافة العائلات الثكلى بكمية القتلى من الكيبوتسات.

التعليقات