عدوان متوقع!

عدوان متوقع!
رحب الإسرائيليون، بسوادهم الأعظم، بالمذبحة التي ارتكبها الطيران الحربي الإسرائيلي في قطاع غزة أمس، وهم الذين يطالبون منذ أيام برد عسكري عنيف على استمرار سقوط القذائف الصاروخية على جنوب إسرائيل. ودعا مئات من متصفحي المواقع الإخبارية العبرية على شبكة الانترنت إلى مواصلة القصف الجوي وصفقوا لجيشهم على الأرواح التي حصدها في غزة وكأنها تشفي غليلهم: "كل الاحترام"، "واصِلوا ضربهم واقطفوا رؤوسهم"، "اضربوهم حتى ينهاروا"، "أعيدوا لنا كرامتنا"، "لا توقفوا الضرب قبل الحسم"، وغيرها من التعليقات التي تمجد الجيش.

وفي الواقع لم تفاجئ المجزرة أياً من الإسرائيليين، إذ اشار استطلاع للرأي نشر الجمعة إلى أن 27 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون عودة إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات من و22 في المائة يؤيدون إعادة احتلال أجزاء واسعة من القطاع و15 في المائة يؤيدون شن عملية عسكرية محدودة.

لكن الرقم الأهم في نظر صناع القرار في الدولة العبرية التي تعيش أجواء الانتخابات العامة بعد ستة أسابيع هو أن 43 في المائة من الإسرائيليين أعلنوا أن تصويتهم في الانتخابات العامة المقبلة سيتأثر بمن يعرف كيفية معالجة الوضع الأمن المأزوم. وعادة تشهد الحملات الانتخابية تنافساً بين قادة الأحزاب على إبداء المواقف الأكثر تشدداً وتطرفاً من الفلسطينيين.

وكان الوزير العمالي وزير الدفاع لسابق بنيامين بن اليعيزر أعلن قبل أيام أن من شأن عمل عسكري في القطاع أن يفيد زعيم حزب وزير الدفاع ايهود باراك في صناديق الاقتراع، في ظل استطلاعات الرأي التي تنذر بتهاوي الحزب.

وخلال الأيام الماضية تراكمت الاشارات والتقارير والتعليقات الصحافية التي أكدت إلى أن إسرائيل تعد لهجوم جوي كاسح "آتٍ حتماً" على القطاع "لجباية الثمن". وجرى الحديث عن ان سلاح الطيران الحربي أرجأ عملياته الخميس الماضي بسبب سوء حال الطقس علماً أن "المطبخ السياسي الأمني" المصغر أقرّ له تنفيذ ضربات جوية.

وجاءت صحف نهاية الأسبوع لتحمل معها كماً هائلاً من التعليقات والدعوات التي أطلقها عدد من أبرز الصحافيين المؤثرين في الرأي العام لقادة الدولة العبرية بالتحرك فوراً وضرب القطاع. وتجند أحد أكبر الأدباء الإسرائيليين المحسوب على معسكر السلام عاموس عوز، ليكتب مقالاً نشرته كبرى الصحف الإسرائيلية "يديعوت أحرونوت" على صفحتها الأولى تحت عنوان: على إسرائيل الدفاع عن مواطنيها". معتبراً تعرض هؤلاء إلى القصف الفلسطيني "جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية". ولم يتردد في تقريع الحكومة الإسرائيلية على ترددها وعدم رغبتها "في وقف معاناة سكان الجنوب".

وعلى غير عادته خرج كبير المعلقين في الصحيفة ناحوم برنياع بمقال شديد اللهجة ضد باراك على "عدم فعل شيء" إزاء القصف الفلسطيني. وكتب: لا تكفي التصريحات على الملأ بأن الوضع لا يطاق وأنه يستلزم عملاً. يجب أيضاً الايمان بذلك..ليس فقط أمن سكان الجنوب مطروحا على الطاولة. أيضاً هيبة الردع الإسرائيلية. أولمرت وباراك وأشكنازي يخشون الفشل إلى حد كبير". وأضاف: قبل أيام قال لي نائب رئيس شاباك سابقاً النائب يسرائيل حسون
"بسهولة يجب تسوية 130 مكتباً لحماس في غزة مع الأرض، نمتص الرد ونواصل". ليس أكيدا أن هذا هو الحل لكن حيال العجز المتذاكي للحكومة يصعب ألا نذكر بالخير رجالا، مثل رابين أو شارون، الذين عرفوا احيانا كيف يردون من البطن".

وبدا زميله في "هآرتس" يوئيل ماركوس مطمئناً إلى أن الضربة العسكرية لغزة قادمة معتمداً على "مواهب باراك الخارقة والمثبتة كل ما يتعلق بالاستراتيجية والتكتيك وفي تضليل العدو..علينا الانتظار حتى يرفع ستار السرية. عندها سنعرف ما إذا كان باراك بطل التحايل".

وباستطاعة ماركوس الآن، التباهي بـ"بطل التحايل" الذي أضاف إلى سجله الحافل بالاغتيالات مذبحة جديدة لم يقدر على ارتكاب مثلها مذن سنوات طويلة جنرالات سابقون. بهذه المذبحة يشرح براك لمن يساوره شك حول لماذا يعتبره ماركوس وغيره الجنرال الأول في تاريخ إسرائيل والأكثر تقلداً للأوسمة العسكرية.


التعليقات