ما بعد «فينـوغراد»: تخـبطات وتآمرات ولا أحد يحاكم قاتلي الأطفال اللبنانـيين!

أتى تقرير لجنة فينوغراد المرحلي ليشعل حربًا سياسية في إسرائيل، بين الأحزاب الصهيونية السياسية، وفي داخل حزب كديما، مع أنّ المراقبين يرون أن أولمرت استطاع إخماد الحرب الداخلية ضده في حزبه- مرحليًا على الأقل. كل هذا من دون أن يتطرق أحد إلى تجاهل اللجنة للقتلى والدمار في لبنان، جراء العدوان الإسرائيلي.

ما بعد «فينـوغراد»: تخـبطات وتآمرات ولا أحد يحاكم قاتلي الأطفال اللبنانـيين!
بما أنّ مقولة «تمخّض الجبل فولد فأرًا» عادت إلى «الجّرغون» السياسي هذه الأيام، فباستطاعتنا عند الحديث عن التقرير الجزئي للجنة «فينوغراد»، الذي صدر وتصدّر، يوم الاثنين الفائت، أن نقلب المقولة لتصبح «تمخّض الفأر فولد جبلاً»؛ ففأر «فينوغراد» الذي عيّنه رئيس وزراء حكومة الهزيمة، إيهود أولمرت، كبديل هزيل للجنة تحقيق رسمية ذات صلاحيات ونفوذ قادرة على الإطاحة الأكيدة به، هذا الفأر، الذي توقّع أولمرت في أسوأ أحلامه أنه قادر في أقصى الحالات على خدش مكانته بشكل طفيف، زأر مهدّدًا بإحداث زلزال سياسي، وفي شكله الآني- زلزال مع وقف التنفيذ.

ذلك أنّ السياسيّ المحنّك، أولمرت، نجح حتى الآن، بامتصاص الضربة الأولى متداركًا السقوط، فنجح مساء أمس الأول الأربعاء في جلسة كتلة «كديما» في الكنيست بحشد تأييد كتلته على ما يبدو، باستثناء وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، ورئيس الائتلاف المُستقيل، آفي يتسحاكي، ومارينا سلودكين. وبدأ أولمرت في الإعداد لتغييرات وزارية، ولكنه قرر عدم إقالة وزيرة الخارجية في هذه المرحلة، كتكتيك سياسي يلجم تحوّل ليفني إلى «مسيح منقذ» -إن جاز التعبير- لـ «كديما» والحكومة والدولة بشكل عام. إذًا، ماذا جاء في التقرير؟
من توقع هزة أرضية في إسرائيل، شهد زلزالاً، ومن استشرف عاصفة عاين إعصارًا. فقد خرق التقرير الأوّلي للجنة «فينوغراد» أعلى سقوف التكهنات، وتجاوز أبعد حدود التقديرات: في إسرائيل قيادة فاشلة، أدارت حربًا فاشلة. بهذه العبارة يمكن تلخيص محتوى التقرير الذي صدر يوم الاثنين مُدشنًا، على ما يبدو، مرحلة جديدة في تاريخ إسرائيل، يمكن تسميتها «مرحلة ما بعد فينوغراد».

ويأتي عمل هذه اللجنة محصورًا في ضمن البحث عن أسباب «الإخفاقات» الإسرائيلية في إحداث نصر عسكري ومعنوي على المقاومة اللبنانية، من دون أن يفطن أحد في الواقع الإسرائيلي السياسي المنحل أخلاقيًا والمبني على الغطرسة السياسية والعسكرية، إلى ضرورة التحقيق في قتل آلاف اللبنانيين وتدمير لبنان!

ووصف معلقون إسرائيليون التقرير بالقاتل، فيما رأى فيه آخرون لائحة اتهام بحق «ثالوث الحرب»، رئيس الوزراء إيهود أولمرت، ووزير الأمن، عمير بيرتس، ورئيس الأركان المستقيل، دان حالوتس، تؤسّس لإدانتهم في التقرير النهائي المرتقب صدوره منتصف الصيف المُقبل. قال التقرير كل شيء يمكن أن يقال في توصيف أداء قيادي فاشل، بدءًا بانعدام الخبرة والتجربة، مُرورًا بالتهوّر وقصر النظر وصولاً إلى افتقاد المبادرة والانقياد وراء توصيات اتضح لاحقًا أنها، أيضًا، كانت ارتجالية. كل شيء، سوى دعوة المعنيين إلى الإستقالة التي استبق أولمرت المطالبات المتوقعة بها بإعلانه رفضها.

وبعد طول انتظار، أصدرت «لجنة فحص أحداث حرب لبنان 2006» تقريرها الأولي. وسلّم أعضاء اللجنة الخمسة نسخة كاملة من التقرير إلى كُلٍّ من أولمرت وبيرتس، قبل أن ينشروا لاحقاً نسخة أخرى «منقحة أمنيًا» على الملأ، في مؤتمر صحافي عقدوه في تل أبيب. وتلا رئيس اللجنة، القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد، خلال المؤتمر، مُلخصًا أبرز نقاط التقرير وأهمها، مطلقاً بذلك دوياً هائلاً وسط الساحة الرسمية والشعبية التي كانت في أعلى درجات التوتر.

فقد أعلن فينوغراد أنّ أولمرت «فشل فشلاً ذريعًا في تقويم (الوضع) وتحمّل المسؤولية والحذر»، مشيراً إلى أنه «اتخذ قراره (بشن العدوان) بتسرّع، رغم عدم عرض أية خطة عسكرية مفصلة، ومن دون أن يطالب بخطة كهذه». وإذ صرح بافتقار أولمرت إلى الخبرة العسكرية، واتهمه بتحديد أهداف للعدوان «غير واضحة ومبالغ فيها ومستحيلة التحقيق»، خلص فينوغراد إلى تحميله المسؤولية الشخصية عن الإخفاق في قرار الحرب وآليات اتخاذه وإدارتها. كما حمّل فينوغراد هذه المسؤولية على كل من بيريتس، وحالوتس.

بالنسبة إلى بيرتس، رأى فينوغراد أنه «فشل في ممارسة مهماته، وبالتالي فإنّ وجوده على رأس وزارة الأمن أثناء الحرب أضرّ بقدرة إسرائيل على مواجهة التحديات التي كانت أمامها». فهو «لم يطلب من الجيش الخطط العملية ولم يدرسها، ولم يتحقق من درجة استعداد الجيش وتدريبه، ولم يدرس التطابق بين الأهداف ووسائل التحرك».

أما حالوتس، الذي استقال في كانون الثاني الماضي، فشدد رئيس اللجنة على أنه «فشل في مهماته في قيادة الجيش وفي وظيفته المحورية في الإدارة السياسية والعسكرية. وظهرت في مهنيته ومستوى مسؤوليته وتقويمه» لتطورات الوضع.


قال محللون سياسيون إنّ أولمرت امتصّ الضربة الأولى ونجا من الهزة داخل حزبه، إلا أنه لا يمكن توقع التطورات المستقبلية فقد أعلن، الأربعاء، عن نية وزير الأمن، بيرتس، الاستقالة من منصبه، وهناك احتمال بأن يدفع التحرك الشعبي الذي بدأ مساء أمس الخميس بمظاهرة في تل أبيب، حزبَ «العمل»، إلى الانسحاب من الائتلاف الحكومي.

وكانت ارتفعت، الأربعاء، أصوات في محيط أولمرت تدعوه إلى إقالة ليفني. وأوضح مقربون من أولمرت صباح أمس أنّ إقالة ليفني لم تستبعد نهائيا لأنّ أعمالها «تآمرية وغير أخلاقية». ورغم أنّ النية لإقالتها موجودة إلا أن رئيس الوزراء قرر التروي.

ودعا وزير الأمن الداخلي، آفي ديختر، رئيس الحكومة، صباح أمس الخميس، إلى عدم إقالة ليفني التي دعته للاستقالة معتبرًا أنّ دعوتها نابعة عن «استقامة وشجاعة». وعبّر ديختر في حديث مع الإذاعة العامة الإسرائيلية عن رضاه من أنّ أولمرت لم يستمع للأصوات التي تدعوه إلى إقالة ليفني. وكان مساعد أولمرت، طال زلبيرشتاين قد صرح بأنه لا مناص من إقالة ليفني.

وقالت مصادر سياسية إنّ أولمرت «سجّل لنفسه انتصارًا تكتيكيًا في الصراع الداخلي في الحزب»، حينما وقف معظم أعضاء كتلته إلى جانبه. وقال مقربون منه إنه مصر على التمسك بمنصبه «وقيادة تطبيق استنتاجات تقرير فينوغراد». وحسب تقديرات مقربين من أولمرت فإنّ الوزيرين شاؤول موفاز ومئير شطريت سيكون لهما دور في التغييرات الوزارية العتيدة. يذكر أنه وردت أسماء شطريت وموفاز وشمعون بيرس كبديلين محتملين لليفني. وشمعون بيرس هو المرشح لتولي منصب القائم بأعمال رئيس الحكومة بدل ليفني.

وكانت ليفني اجتمعت، الأربعاء، بأولمرت وعقدت بعد ذلك مؤتمرًا صحافيًا أوضحت فيه أنها طالبت أولمرت بالاستقالة من منصبه في أعقاب تقرير لجنة فينوغراد. ووصف اللقاء بينهما بأنه كان متوترا. ونقل عن أولمرت قوله لليفني: «أنت لا يمكنك إدارة حملة ضدي». وأعلنت ليفني في المؤتمر الصحفي أنها تدعو أولمرت إلى الاستقالة ولكنها تنوي البقاء في الحكومة ولن تعمل على تنحيته. ونفت أنها عملت على تنحية أولمرت معتبرة أنه قرار يجب أن يتخذه هو. واعتبرت أنّ الوضع «يتطلب إصلاحات كثيرة». وتطرقت ليفني إلى فقرة من تقرير لجنة فينوغراد حول عدم إشراك رئيس الحكومة لوزارة الخارجية في اتخاذ القرارات وقالت إنّ التعاون بينهما هام جدا في أوقات الحرب وفي العمليات السياسية.


وكان سكرتير حزب العمل، الوزير إيتان كابل، أعلن عن استقالته من الحكومة، مشيرًا إلى أنه لا يستطيع البقاء في حكومة يترأسها أولمرت. كذلك، أعلن النائب أفيغدور يتسحاقي، بعد مؤتمر ليفني، استقالته من رئاسة الائتلاف الحكومي. ورأت عضو الكنيست ليمور ليفنات (الليكود) أن «مطالبة أولمرت بالاستقالة غير كافية، وأن المسؤولية عن الفشل ملقاة على كاهل كل من أعضاء الحكومة وعلى كل أعضاء الحكومة الاستقالة».

وأكدت رئيسة كتلة ميرتس، عضو الكنيست زهافا غلاؤون، أنّ «كلام الوزيرة تسيبي ليفني أثبت أن كل الحكومة ينبغي أن تذهب إلى البيت». أما عضو الكنيست آفي إيتام (الاتحاد القومي - المفدال) فقد رأى أن «محاولة دعوة رئيس الحكومة إلى الاستقالة وفي الوقت نفسه الاستمرار في ظل وزيرة في حكومته هو أمر فاسد وغير أخلاقي ويعبر عن فقدان الشجاعة والقيادة». وقال رئيس المفدال عضو الكنيست زبولون أورليف إن «ليفني وجهت رسالة واضحة لأولمرت: أنت رئيس حكومة محدود مع وقف التنفيذ وينبغي أن تذهب إلى البيت سريعاً».

في المقابل، بادر كل من وزير الداخلية، روني بار أون ورئيس لجنة الخارجية والأمن، تساحي هنغبي، ووزير الشؤون البرلمانية، يعقوب ادري، للدفاع عن أولمرت تحت شعار أن استقالته ستؤدي إلى إجراء انتخابات عامة وإلى تتويج نتنياهو رئيسًا للحكومة. أما شطريت فقد رأى، من جهته، أنه «لا حاجة لقطع الرؤوس. لا ينبغي لكديما أن يعمل على تنحية أولمرت، لكن إذا ما استقال أولمرت فستجري انتخابات تمهيدية، ومن يرغب في التنافس فليتفضل». ودعا شطريت إلى «إظهار بعض الرأفة وعدم المسارعة إلى قطع الرؤوس، ويجب السماح للجمهور بقول كلمته».

وكان رئيس حزب شاس، إيلي يشاي، قد التقى، في أعقاب الإعلان عن تقرير «فينوغراد»، المرشد الروحي للحركة، الحاخام عوفاديا يوسف، الذي عبَّر عن أسفه لعدم قبول اقتراح يشاي في الحكومة، خلال الحرب، لتدمير قرى لبنانية بأكملها وتسويتها بالأرض، بالإضافة إلى ضرب البنى التحتية وتخريب الشوارع وقصف شبكات الماء والكهرباء.


يقع التقرير الأصلي للجنة فينوغراد في 323 صفحة، في حين اقتصر التقرير الذي نشر على 178، من ضمنها الملاحق المرفقة. وقد تم تصنيف التقرير الكامل في خانة »سري جداً« لاحتوائه على مواد ذات حساسية أمنية ودبلوماسية، ولم تُسلّم منه سوى نسخ معدودة لكل من رئيس الوزراء إيهود أولمرت، ووزير الدفاع عامير بيرتس، وبعض المسؤولين الإسرائيليين ذوي الصلة.

واقتطعت الصفحات الـ150 من التقرير الأصلي في أعقاب رقابة مزدوجة خضع لها على مرحلتين؛ في المرحلة الأولى، بادرت اللجنة نفسها إلى حذف معطيات تنطوي على معلومات حول قدرات الجيش الإسرائيلي، وكذلك معطيات أخرى تتعلق بالعلاقات الخارجية لإسرائيل. ومن بين هذه المعطيات، وفقاً لما أفادت به تقارير إعلامية إسرائيلية، محادثات أجراها أولمرت مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، وكذلك «رسائل وصلت من دول عربية معتدلة عبرت عن تأييدها لتوجيه ضربة عسكرية لحزب الله».

كما يعرض التقرير الأصلي النصوص الكاملة لبعض الاقتباسات التي استشهد بها من إفادات بعض المسؤولين الإسرائيليين، وهي اقتباسات تم اقتطاعها في التقرير العلني.

وفي مرحلة لاحقة، قامت وحدة أمن المعلومات في الجيش الإسرائيلي، وكذلك الرقابة العسكرية، بشطب معطيات أخرى من التقرير الأصلي تتحدث عن الفشل الإستخباري. وتتحدث هذه المعطيات بالتفصيل عن المعلومات التي وردت إلى الاستخبارات العسكرية وكانت تشير إلى نية حزب الله تنفيذ عملية أسر.


خلال كلمته في جلسة الكنيست الخاصة بتقرير «فينوغراد»، أمس الخميس، قال النائب د. جمال زحالقة: «بعد فشلها في الحرب على لبنان، أُصيبت القيادة الإسرائيلية بهوس ترميم قوّة ردعها تجاه العرب، كل العرب، بمن فيهم المواطنين العرب، وعلى هذه الخلفية اتخذ قرار سياسي بالاتّفاق بين إيهود أولمرت ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين، بفتح ملف وتلفيق تهم أمنيّة ضد الدكتور عزمي بشارة».

وأضاف زحالقة: «الجماهير العربية لن ترضخ للتهديدات ومحاولات التخويف التي تتّبعها السلطة من خلال الملف السياسي ضد بشارة ووصف العرب بأنّهم خطر استراتيجي، فالسلطة تريد أن تخيف الناس وتعيدهم لأيام الحكم العسكري، لكنها ستفشل حتما، لأنّ شعبنا لا يخاف، وردّه هو مزيد من التمسك بالحركة الوطنيّة وبحقوقه المدنيّة والقوميّة».

وتطرّق زحالقة في كلمته إلى لجنة «فينوغراد»، قائلاً: «اللجنة ومن عيّنها لم يسألوا السؤال الأهم، وهو: هل كان بالإمكان منع الحرب؟ وما هي مسؤوليّة السياسيّين الذين كان بمقدورهم منعها، ولم يمنعوها... يجب محاسبة مجرمي الحرب وليس بشارة الذي عارضها. لقد قرّر بيرتس وأولمرط شنّ الحرب كي يبنيا مجدًا أمنيًا فوق جثث اللبنانيين، وحتى فوق جثث الإسرائيليين».

واختتم زحالقة، قائلاً: «لقد فشلتم في الحرب وبدأتم بالبحث عن كبش فداء، ولفقتم ملفًا لبشارة في محاولة بائسة للتهرب من المسؤوليّة عن فشلكم وخيبتكم».

التعليقات