قراءة في اليسار الإسرائيلي*../ د. عبد الله البياري**

-

قراءة في اليسار الإسرائيلي*../ د. عبد الله البياري**
* جزء من ورقة بحثية قدمت إلى جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد و العلوم السياسية – قسم الدراسات الإسرائيلية
** كاتب فلسطيني من مدينة يافا مقيم في باريس
 
 
يمكننا القول بأن حركة "السلام الآن" وغيرها من حركات السلام الإسرائيلية المدعاة، ممن أنبتهم اليسار الإسرائيلي – ولنا إعتراض على المصطلح- قد تميزت على امتداد تاريخها بنوع من الانتقائية عرته أحداث كثيرة بداية من الموقف من الاستيطان و أحداث أسطول الحرية الأخيرة، و امتدادا إلى إنتفاضة الأقصى، تلك الانتقائية التي بقدر ما عبرت عن الماهية الحقيقية للقوى اليسارية الرسمية الإسرائيلية، التي عادة ما تنضوي تحت سقف حركة "السلام الإسرائيلية"، فهي تعبر في الوقت نفسه عن جملة من المتناقضات التي تنخر في متن تلك الحركة، وتجعل من سلامها المنشود مجرد غاية للتطلعات الصهيونية المألوفة من وراء السلام، أو هكذا يسمى، جاعلة الفرق بين مفهوم اليمين و اليسار في الداخل الإسرائيلي غير موازي للمسافة التي يعبر عنها كل من لفظ "يمين" و "يسار".
 
إذا شئنا إختصار التناقضات التي تتمظهر في اليسار الإسرائيلي:
 
1. الاستلاب التام لشروط مايسمى بـ"الإجماع القومي الصهيوني"، أو بما سماه د.عزمي بشارة "المظلة الصهيونية"، بحثا عن شرعية متوهمة في حدود هذا "الإجماع" الذي يتبدى قويا في حالات الطواريء، عندما تحددها السياسة الإسرائيلية الرسمية المعلنة. منها للمثال لا للحصر، ماجاء على لسان الكثيرين من قادة اليسار أمثال "يوسي سيريد"، رئيس حزب "ميريتس"، والذي يعد أبرز أحزاب اليسار : "إسرائيل في حالة طوارئ، وفي الطوارئ، فإنني أقف مع رئيس الحكومة".
 
2. الموقف من علمانية الدولة، فازدواجية الموقف الإسرائيلي المتذرر بين العلماني و الحريدي (اليميني المتشدد) لا تزال واحدة من أبرز الازدواجيات على الساحة السياسية و في العقل الصهيوني، والتي نستطيع القول إنها عصية على التجاهل أو النسيان أو حتى الذوبان، وهو ما تعكسه أزمة الهوية التي كثيرا ما عبرت عنها الأدبيات العبرية.
 
بيد أن اليساري الإسرائيلي، العلماني بسبب طبيعة اليسار، يؤدي به البحث عن شرعيته المبتغاة في حدود "الإجماع الصهيوني"، إلى أن يعيش مأزق المجاهرة بموقفه العلماني، من خلال المواجهة مع الحريدي ودعواه الثيوسياسية، من جهة. ومن جهة أخرى مأزق مواجهة العالم في معرض دفاعه عن صهيونيته باسم حق تاريخي، وهو الحق الديني في جوهره، مع ما يستلزمه ذلك من تقويض للعقل وحرية التفكر و النقد والمقاربة ناهيك عن الازدواجية، وتتمثل تلك الأخيره بجلاء في وصف أ.ب. يهوشع (أحد أبرز كتاب وروائيي اليسار الإسرائيلي ) لـ"الحق التاريخي" قائلا : "لو سألتني عن رأيي، لقلت لك إنني لا أؤمن بالحق التاريخي. لا لليهود ولا لأي شعب آخر، فلا يمكن أن يأتي شعب ليقول كنت هنا قبل ألفي عام أو مئة عام و أريد العودة"، وفي نفس السياق يجيب نفس الكاتب أعلاه ردا على سؤال مفاده :" ما الفرق بين الأرجنتين أو أوغنده أو سويسرا وبين فلسطين؟ " قائلا : "لقد كان هناك رابط بيننا وبين المكان. هذه أرض آبائنا..".
 
3. التعامل مع الآخر ضمن إطار " النرجسية الذاتية"، وهو تعاط لا يمكن فصله عن مشاهد التميز التي استحوذتها العقلية الصهيونية من "دور الضحية" و "الجلاد"، والتي وصفها الرئيس الأسبق للكنيست والوكالة اليهودية أبراهام بورغ في كتابه الأخير "فلننتصر على هتلر" قائلا: "...وفهموا في خضم التوتر بين دولة الجيش ودولة المواطنين تكون دولة الجيش ملزمة أن تقدس قيما مرفوضة : الشوفينية القومية، والقوة وتأليه مفهوم "الأمن القومي" على كافة المفاهيم الأخرى. لأنه ليس لدى دولة العسكرة والعسكر طريقة عمل سوى الصرامة السياسية والاجتماعية التي تستند بثقل إلى ميل الشعب نحو الآراء المسبقة والتمييز ضد كل من يعتبر "آخر" أو خصما للأمة المتحدة".
 
لطالما دأب الخطاب السياسي العربي على تصوير اليسار الإسرائيلي  وكأنه حصان طروادة، وأن العرب عجزوا عن استثماره والاستفادة منه لصالح قضيتهم العادلة، وكأن ذلك الأخير هو الحل السحري للاحتلال والعودة الذهبية لعصر روبن هود الذي سيعيد الأمور لنصابها، وهو ما سيتبين لنا في النهاية أنه لا يعدو أن يكون تطوعا عربيا بحل معلب، إنما يخدم في النهاية الأجندة الصهيونية، ولا يعدو أن يكون مجرد تأنيب للذات أمام الكيان الإسرائيلي الذي لا يختلف يمينه عن يساره إلا في بسائط الأمور، ليمأسس بذلك للمزيد من التبعية، التي وضعت أساساتها عقلية "اللي منه أحسن منه"، والتي لا تعد إلا وجها آخر لعقلية "نصف العمى و لا العمى كله"، و كأنه قد كتب علينا أن نظل عميانا.
 
ربما تكمن المشكلة الرئيسية في أن حركة السلام الإسرائيلية (وليدة اليسار الإسرائيلي) لا تعتمد لنفسها اولا ولا للغير، برنامجا واضحا للسلام المدعى، إنما تعمل على فتح الطرق للسلام في صيغته المتفق عليها تحت مظلة الإجماع الإسرائيلي – الصهيوني الحذر، لذا وجب علينا لدى مقاربة أجندة اليسار الإسرائيلي السياسية، تحديد نقاط قياس بذاتها.
 
 أولا:الاستيطان وعودة اللاجئين:
 
لا يجب أن نسقط ضحية الموقف الزئبقي لليسار الإسرائيلي فيما يتعلق بالاستيطان، وهو الموقف الآخذ في التعاظم و الازدياد، وهو الذي يؤسس لرفض الاحتفاظ بالمستوطنات "الكولونيالية" في الضفة و القطاع، باعتبار أن الاحتفاظ بتلك المستوطنات، يعد تهديدا لـ"عملية السلام"، وعلى "حيوات سكان المستوطنات"، وهو ما عبر عنه الكاتب الإسرائيلي اليساري – السالف الذكر- أ.ب يهوشع، وهو الموقف الذي يتبدى إلى هذا الحد منطقيا وإنسانيا بل وداعما للحق العربي في نزع شرعية الاستيطان، ولكن سرعان ما تعري المقايضة بين ذلك الموقف والمطالبة بالتزام الطرف الفلسطيني بالتخلي التام والنهائي عن حق "عودة اللاجئين الفلسطينيين".
 
وذلك الموقف هو ما عبر عنه نسيم كلدرون، الناقد الأدبي والأستاذ الجامعي، وأحد الناشطين الرئيسيين في الصفوف الأمامية لحركة السلام الإسرائيلية، وذلك بنشره مقالا بعنوان "بدون مستوطنات وبدون حق عودة"، على صفحات جريدة إيديعوت أحرنوت في العام 2000.
 
وهو المقال الذي يبدي فيه كلدرون تبرمه ورفضه من إحدى الفقرات الواردة في بيان "المثقفين الفلسطينيين" الموجه إلى الرأي العام الإسرائيلي، والتي تطالب بـ"أن تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن نشوء مشكلة اللاجئين في 1948 " باعتبار هذا الاعتراف "شرطا مسبقا لإيجاد حل عادل وثابت لمشكلة هؤلاء اللاجئين بموجب قرارات الأمم المتحدة". حيث علق على تلك الفقرة قائلا: "إن من يطلب مني التوقيع على صياغة كهذه إنما يطالبني بأمرين :
 
 أولا – تعريف حرب الإستقلال في 1948 بأنها خطيئة ارتكبتها إسرائيل.
ثانيا – قبول "حق العودة" الذي يعني عدم اعتراف فلسطيني بحدود الرابع من حزيران 1967، وأنا أرفض هذين المطلبين جملة وتفصيلا،. مسؤولية إسرائيل عن طرد اللاجئين حقيقية وقائمة، وهي مسؤولية ثقيلة. غير أنها أقل من مسؤولية القيادة الفلسطينية التي رفضت قرار التقسيم ودعت الجيوش العربية إلى غزو إسرائيل والقضاء عليها. وعليه إذا كان الحديث عن نظرة صوب المستقبل، فإن كل عاقل لابد له أن يفهم، أن هذه الصياغة تدس "حق العودة" من الباب الخلفي، وكل عاقل لابد له أن يفهم أن حق العودة معناه تعديل إثم بإثم آخر أعظم منه: إلغاء قيمة خط الرابع من حزيران 1967، كخط فاصل بين الدولة القومية الفلسطينية، وبين الدولة القومية اليهودية، (مع الأقلية العربية فيها). وإن من يرغب بحل ممكن عليه التمسك بهذا الخط، الذي اعترف به من جانب غالبية دول العالم. ينبغي عدم إبطاله، لا بواسطة المستوطنات ولا بواسطة حق العودة".
 
ومن شأن هذا المقال –كما الكثير من أفكار اليسار الإسرائيلي – أن يضعنا أمام التناقض المباشر والعاري والأكثر لؤما لحركة لليسار، التناقض الذي يتراوح بين التغييب الكامل لأثر الماضي على الحاضر و بالتالي الانطلاق نحو المستقبل، من جهة، والمسار المرضي في القراءة التاريخية، التي تبرر لجرائم الصهيونية، بل والقول إنها جرائم لم تكتمل، و"ضرورة سياسية" على وزن "الكارثة المفيدة" لبن غوريون.
 
وبحسب المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، فإن "معظم (المؤرخين الجدد) قد ولدوا في حوالي العام 1948، وقد شبّوا في إسرائيل أكثر انفتاحا وتشككا وانتقادا لنفسها من إسرائيل ماقبل حرب لبنان التي شب فيها المؤرخون القدامى".
 
وإن كانت كشوف المؤرخين الجدد الإسرائيليين قد أدت إلى تأكيد ما كان المؤرخون الفلسطينيون قد قالوه دوما عن الطرد الجماعي والجرائم التي مارستها الصهيونية ضد السكان العرب، و أدت إلى إفراغ مايقارب ال87% من أرض فلسطين من أصحابها لأجل إقامة دولتهم اليهودية.
 
 إلا أن موريس، والذي اعترف بالترانسفير – وهو التعبير الملطّف المكرس في الرطانة الصهيونية الرسمية للإشارة إلى الطرد بكل الوسائل والتي كان منها التطهير العرقي – كان لا يزال يدثر ذلك الاعتراف بالتهوين من التعّمد الذي كان وراء الترانسفير، وإضفاء شرعية الضرورة الوجودية والبراغماتية له، وهو الذي قد اعترف بحضور تعبير "تطهير عرقي" في كل الوثائق الصهيونية التي راجعها.
 
ومقاربة التاريخ التي يلجأ إليها اليسار الإسرائيلي، تتوقف –تاريخيا وليس جغرافيا – على الدوام على حدود الرابع من حزيران 1967، حيث ترفض التوغل التاريخي فيما هو أعمق من تلك الحدود التي ارتقت بها العقلية الصهيونية لتصبح حدودا تاريخية بقدر ما هي حدود جغرافية.
 
ومن هنا يأخذ اليسار الإسرائيلي، حيزه الإنساني المدعى، الذي وصفه أبراهام بورغ "...اليسار، نحو العالمية والإنسانية، وإلى محبة الإنسان لكونه إنسانا"، ولكنه –بورغ – يقفز فوق التعريفات الرأسية للإنسان، وفي هذا الصدد يرى الشاعر يتسحاق لاؤور، في سياق تصديه لفضح رياء "اليسار" الإسرائيلي، أن الأرضية المسكوت عنها لخفوت حدة الاحتجاج على المذبحة الكبرى ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، كما ضدهم في إسرائيل، كما ضدهم في الداخل الإسرائيلي، متمثلا في الصمت المريع إعلاميا و أكاديميا، ومثال ذلك للعد لا الحصر كانت المحاكمات التي واجهها فيلم وثائقي بعنوان (جنين.. جنين)، للمخرج و المسرحي الفلسطيني محمد البكري والذي أدت لمنعه من العرض في الداخل الفلسطيني وداخل الخط الأخضر، وما استتبعه ذلك من مضايقات قانونية وشخصية لصاحب العمل، وعلى ذلك نقيس ما حدث مؤخرا للكاتب اليساري اليهودي الأمريكي نعوم تشومسكي الذي منع من دخول الأراضي المحتلة لإلقاء محاضرة، وعلى ذات الوزن أيضا تم تصنيف الكاتب الأمريكي اليهودي – أيضا- نورمان فنكلستين على أنه أحد أكبر أعداء الدولة الإسرائيلية.
 
عبر لاؤور بأن أشار إلى إن الأمر الرئيس هو من يحكم عندما تقع أحداث كتلك، ولكن، ولأن الحرب بين الأحزاب يمينها ويسارها لا تخرج عن مظلة الإجماع الإسرائيلي، فإن كل شيء ظاهر أي مباح.
 
 وهو ما يمكننا وصفه، أن العقلية المسيطرة على اليسار الإسرائيلي هي عقلية الحسابات الضيقة والإنتشاء بالذات تحت مظلة الدولة وليس خروجا عن تلك المظلة.
  
 
 ثانيا : الآخر الفلسطيني في الداخل (كمواطن في الدولة):
 
انطلاقا مما سبق، ينظر اليسار الإسرائيلي إلى الترنسفير والعدوان الحزيراني، بوصفهما مظاهر انتقال للمجتمع من "صهيوني إشتراكي" إلى مجتمع "يميني كولونيالي"، في انتظار تحرير الدولة الكولونيالية من الفكر الكولونيالي الذي أنتجته الصهيونية، انتقالا إلى الدولة الكاملة المعترف بها دوليا ضمن المقاييس الدولية، وهو ما سيظهر لنا أيضا ازدواجية تلك التوصيفات لدى اليسار، في حين أن تلك التغييرات المدعاة والتي يؤسس عليها اليسار مقاربته للدولة، ما هي إلا استمرار للمشروع الصهيوني الكولونيالي ذي النزعة الإحلالية، عبر التنويع في أشكال الاستيطان، وذلك لمأسسة الواقع على الأرض الديموغرافية.
 
لذا تكمن أهمية تلك الذهنية العقلية لدى اليسار في التعامل مع الآخر فيما يلي :
- الانفتاح على الآخر، ومحاورته ومد يد العون له، بل وحتى المطالبة بتغيير الوضع الاجتماعي له، ضمن حدود واضحة وبينه لا علاقة لها إلا بما يصب بالنفع على أصحاب تلك الذهنية، ويحررهم جزئيا من وطأة "توبيخ الضمير" المدعى (وهنا يظهر الفارق بين النواب العرب في الكنيست ويرد التهمة المعلب بعمالتهم، وبين نواب الكنيست اليهود).
 
وذلك التحرر، هو الوجه الآخر لعملة اليسار الإسرائيلي، والذي تمثله عقلية التعامل بـ"اقتله بالإهمال"،التي برع فيها اليسار لدى التعامل مع أدبيات المابعد الصهيونية، التاريخية والسوسيولوجية، كما أنها تفسر تناقض تعامل اليسار مع مؤرخين مثل إيلان بابيه المحاضر السابق في جامعة حيفا، لما اقترفه من تعرية للمصطلح والمفهوم وربطه بالواقع التاريخي والأرض.
 
وعند هذه النقطة تجب الإشارة للمبدأ اليساري الإسرائيلي في التعامل مع المؤرخين الجدد، والذي وإن كان مؤسسا على مبدأ التجاهل، إلا أن شواهد الهجوم عليهم لا تخفى على أحد، فمنهم للمثال لا الحصر، "أمنون روبنشتاين"، عضو الكنيست السابق عن حزب "ميريتس"، ووزير العدل والتعليم في حكومتي رابين وباراك، والذي ترك العمل السياسي، تفرغا لما أسماه البحث في "مستقبل إسرائيل"، في منصب الأستاذية في جامعة تل أبيب، وهو المعروف بهجومه الحاد على المؤرخين الجدد، بحجة أنهم كما علماء الإجتماع إنما يعملون عن تهديد "البقرات المقدسة"، والتي تقوم على قرونها الرواية التاريخية الإسرائيلية، حول النزاع.  
 
وبالعودة للمثال الأبرز، لتهافت اليسار الإسرائيلي، نشير إلى مقال سابق نشره إيلان بابيه، بعنوان "اليسار الراديكالي في إسرائيل"، وهو المقال الذي عرض فيه واقع اليسار الإسرائيلي والخيارات المتاحة أمامه، والمقال وإن كان مقالا قديما –نشر في نهايات الألفية الماضية، إلا أن ما ورد في متنه لا يزال قابلا للاستشراف في أيامنا الحالية، بما يكفي لتسليط الضوء على المستقبل الخاص بذلك اليسار ودوره في النزاع:
 
حيث يذكر بابيه أنه في حال التوصل لاتفاق نهائي ودخول ذلك الاتفاق حيز التنفيذ، فإن ذلك من شأنه أن يجعل الرأي العام اليهودي في الداخل الإسرائيلي، ينشغل بحالة "أزمة الهوية"، بالشكل الأعمق منذ قيام الدولة، وإنعكاسات ذلك السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
 
ومن هنا وجب على القائمين على العملية السياسية، أن يبعدوا الخطر الأكبر المستفيد من تلك الأزمة، وهم المواطنون (؟؟) العرب، بقدر ما هو ذات الحال أو أقل قليلا بالنسبة لليهود المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق وأثيوبيا، وهو ما يشكل في مجموعه ما يتخطى حاجز المليونين.
 
لذا فأزمة الهوية تلك والتلهي عنها هو الهدف الأهم –بحسب بابيه- لأصحاب ثلاثة مواقف فكرية رئيسية وهي :
1.الموقف الصهيوني الكلاسيكي.
2.الموقف الصهيوني الجديد.
3.الموقف المابعد الصهيوني.
 
لذا فالأجندة السياسية لليسار لا تعدو أن تكون أكثر من عملية تجميل للأجندات السابقة، مما ينتهي كما أوضحنا سابقا لتقارب المسافة الإصطلاحية والتطبيقية والفعلية بين "اليمين" و"اليسار"، في الداخل الإسرائيلي، لذا تظل حقيقة تفسخ الصهيونية، شاخصة أمامنا، فتلك كانت حركة لتحقيق الوطن القومي لليهود، وبلوغ مرتبة القوة الإقليمية..ولكن ماذا بعد؟ و في ظل غياب القادة الصهاينة المخضرمين، تزداد وطأة السؤال.

التعليقات