لماذا قرر بن غوريون قتل رياض الصلح؟ (2/4)../ د. محمود محارب

عقد الاجتماع الثالث بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وطوفيه أرازي في 28/11 /1948 في فندق بريستول واستمر ساعتين، كان رياض الصلح خلالهما مؤدباً ولطيفاً، وفق تقرير إلياهو ساسون. في بداية الاجتماع سأل إلياهو ساسون رياض الصلح هل توصل إلى قرار بخصوص خيار الحرب أو السلام الذي تحدث عنه في الاجتماع السابق

لماذا قرر بن غوريون قتل رياض الصلح؟ (2/4)../ د. محمود محارب

الاجتماع الثالث بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وطوفيه أرازي

عقد الاجتماع الثالث بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وطوفيه أرازي في 28/11 /1948 في فندق بريستول واستمر ساعتين، كان رياض الصلح خلالهما مؤدباً ولطيفاً، وفق تقرير إلياهو ساسون. في بداية الاجتماع سأل إلياهو ساسون رياض الصلح هل توصل إلى قرار بخصوص خيار الحرب أو السلام الذي تحدث عنه في الاجتماع السابق. وقبل أن يجيب رياض الصلح، استطرد إلياهو ساسون في شرح عواقب كل واحد من الخيارين على العرب، ثم قال: إذا اختار رياض الصلح طريق السلام فيمكنه عندها القيام بعدة ادوار ومهام معاً: الوساطة، الشرح والاعلام، والاقناع.

ويضيف إلياهو ساسون في تقريره: «شرحنا له كنه هذه الأدوار ووسائل تنفيذها». ولم يفصل إلياهو ساسون في تقريره أكثر من ذلك. ويبدو من رد فعل رياض الصلح، وفق تقرير إلياهو ساسون، على ما شرحه بالتفصيل عن كنه المهام والأدوار المطلوب من رياض الصلح القيام بها، أن إلياهو ساسون عرض على رياض الصلح الرشوة مرة أخرى تحت غطاء تمويل المهام المتعلقة بوسائل الإعلام، ويبدو أيضاً أن رياض الصلح فهم أن هذه المهام ستحوله إلى عميل لإسرائيل.

في البداية، بحسب تقرير إلياهو ساسون، جاء رد فعل رياض الصلح على الأدوار والمهام التي عرضت عليه، في صيغة سؤال، إذ قال: «لماذا تختارونني أنا ولا تختارون قادة عرباً آخرين للقيام بهذه المهام؟». فأجابه إلياهو ساسون بأنهم توجهوا إلى رياض الصلح بالذات لأنه لا توجد لديه تطلعات ذاتية، فقد وصل إلى المنصب الأعلى في بلاده، وكذلك لأنه لا توجد للبنان مطالب في فلسطين، لا سياسية ولا إقليمية.

ويضيف إلياهو ساسون أنه عرض أسباباً أخرى، بيد أنه لم يذكرها في تقريره. وفي رده ذكر رياض الصلح أن قادة إسرائيل يبدو أنهم سكارى من الانتصار، ففي الأول من كانون الأول/ديسمبر 1947 أعلنوا أنهم يقبلون قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، لكنهم يتراجعون اليوم عن ذلك ويطالبون بجميع المناطق التي احتلوها، والتابعة للدولة العربية وفق قرار التقسيم. وهناك أساس للافتراض أنهم سيتراجعون عن ذلك بعد عدة شهور ويطالبون بفلسطين كلها. فهل يستطيع هو، أي رياض الصلح، كرجل يحترم نفسه، في مثل هذه الأوضاع أن يبادر ويتحدث عن السلام مع اليهود؟ واستطرد رياض الصلح قائلاً إن من الأفضل له ان ينتحر على أن يسلم بيده فلسطين كلها لليهود. ثم وجه انتقادا شديدا لمواقف إسرائيل في الأمم المتحدة، وذكر أن إسرائيل تحاول قمع العرب في الجبهتين السياسية والعسكرية، وتمريغ أنوفهم في التراب بعضهم أمام بعض وأمام العالم اجمع.

وأضاف: لقد أحرزت إسرائيل فعلا نجاحا ليس قليلاً، لكن هذا نجاح موقت وليس في وسعه ان يقرّب السلام أو يؤمن حدود إسرائيل أو مصالحها. ويشير إلياهو ساسون في تقريره إلى أن رياض الصلح كرر مرات كثيرة في مجرى حديثه قوله: «لا تضربوا العرب في المكان الأكثر إيلاما لهم» و«لا تعمقوا الفجوة أكثر».

ويضيف إلياهو ساسون أن رياض الصلح خاطبهما متقربا إليهما بالقول: «أنتم اليوم دولة، أنتم اليوم جزء من المشرق العربي، وعليكم ألا تنسوا أن ليس في مصلحتكم، وليس من مصلحتكم الاقتصادية والسياسية والعسكرية خاصة أن يظهر هذا المشرق أمام الخارج ضعيفا ومضروبا. هذا من شأنه أن ينتقم منكم من جهتين: من خارج الشرق الأوسط ومن داخله، من الأجانب ومن العرب أنفسهم. أولئك وهؤلاء سيعتبرونكم العدو الأساسي. أولئك وهؤلاء سيحاولون في الفرصة الأولى غرس سكين في ظهركم لهدم بنيانكم كله. انتبهوا، الانجليز يتربصون بكم.» ويكتب إلياهو ساسون عن انطباعهما، هو وطوفيه أرازي، بعد سماعهما أقوال رياض الصلح أن الصلح «تحدث بصدق وألم حقيقيين وبرغبة صادقة في إيجاد مخرج جيد». ويضيف أنهما، هو وأرازي، حاولا أن يقنعاه بأن لا أساس لمخاوفه وشكوكه، و«أننا مستعدون لتقديم تنازلات من أجل أمر واحد: السلام، وهذا أثر فيه كثيرا». بعد ذلك وعد رياض الصلح أن يعطيهما جوابه بعد عدة أيام، بشأن دعوتهما له كي يقوم بدور "ملاك السلام" كما يذكر إلياهو ساسون في تقريره.

وعند نهاية الاجتماع طلب رياض الصلح منهما أمرين:
1 ـ الإيعاز إلى مبعوثي إسرائيل في الأمم المتحدة ألا يطلبوا من الأمم المتحدة اتخاذ قرارات جديدة بخصوص الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وعوضا عن ذلك، الطلب منهم أن يسعوا لاستصدار قرار يدعو إلى تعيين لجنة تسوية بين إسرائيل والعرب.
2 ـ الإيعاز إلى مبعوثي إسرائيل في الأمم المتحدة ليطلبوا من إحدى الدول الحيادية أن تقدم اقتراحا إلى الأمم المتحدة لإصدار دعوة للطرفين العربي والإسرائيلي إلى السلام.

وقال رياض الصلح إذا تم تنفيذ هذين الأمرين، فإن من شأن ذلك مساعدته، هو والكثير من الآخرين من أنصار السلام، في إيجاد جو جديد في العالم العربي لمصلحة المفاوضات مع إسرائيل. وأضاف رياض الصلح أن إسرائيل لن تخسر شيئا إذا لم تصدر الأمم المتحدة أي قرار جديد، ففي يدها أمران مهمان:
1ـ قرار التقسيم الذي صدر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947
. 2 ـ الوضع القائم في فلسطين.
وعند سؤاله عن كيفية تصويت ممثلي الدول العربية في حالة وصول هذين الاقتراحين إلى مرحلة التصويت، أجاب رياض الصلح أنه لم يبحث ذلك بعد مع ممثلي الدول العربية، لكنه يعتقد أن في استطاعته الحصول على تأييدهم. وقد وعده إلياهو ساسون بطرح هذا الموضوع على موشيه شرتوك وزير الخارجية الإسرائيلي(13). وفعلا طرح إلياهو ساسون هذا الموضوع على موشيه شرتوك وزير خارجية إسرائيل الذي قرر الاستجابة لطلب رياض الصلح وتنسيق المواقف بخصوص الاقتراح القاضي بإنشاء الأمم المتحدة لجنة تسوية ونجم عن هذا التنسيق النجاح في إصدار الأمم المتحدة هذا القرار(14).

ويتبين من تقرير إلياهو ساسون عن الاجتماع الثالث مع رياض الصلح أن إلياهو ساسون كان متفائلا في قبول الصلح القيام بالمهام المقترحة عليه. ويتبين أيضا الأمر نفسه من تقرير طوفيه أرازي عن هذا الاجتماع. ففي تقريره عن الاجتماع الثالث كتب طوفيه أرازي: «انطباعي عن هذا الاجتماع مع رياض الصلح أن من الواضح لرياض الصلح أن في إمكانه القيام بمهمة رفيعة تتمثل في الإسراع في جلب السلام»، وأنه «إذا ما قام بذلك فانه سيرفع من مكانته الشخصية واحترامه في العالم العربي وسيربح من ذلك أيضاً». ويضيف أرازي في تقريره: « يبدو أن المحادثات السابقة معه قد فعلت فعلها، واتضحت له في هذا الاجتماع مسائل عدة تردد في الماضي في اتخاذ قرار نهائي بشأنها، ذلك كله على الرغم من قوله انه لا يزال في حالة تفكير»(15).

كان من المفروض أن يكون الاجتماع الثالث هو الاجتماع الأخير بين رياض الصلح وإلياهو ساسون وأرازي، ولكن عندما لم يعط رياض الصلح جوابه النهائي عن قيامه بدور «ملاك السلام» الذي اقترحه عليه إلياهو ساسون، تم الاتفاق على عقد اجتماع آخر بين الطرفين. ويظهر من تقارير طوفيه أرازي أن اتصالات عدة جرت بعد الاجتماع الثالث برياض الصلح تناولت ليس موضوع قرار رياض الصلح بخصوص قيامه بدور «ملاك السلام» فحسب، وإنما موضوع مصير الأراضي اللبنانية التي احتلتها إسرائيل في عملية «حيرام» أيضاً، وهي المرة الأولى التي يطرح فيها هذا الموضوع مباشرة بين الطرفين، علما أن الاجتماعات الثلاثة المذكورة تمت بعد عملية «حيرام» واحتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية.

الاجتماع الرابع بين رياض الصلح وطوفيه أرازي

عقد الاجتماع الرابع بين رياض الصلح وطوفيه أرازي في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 1948 في الفندق الذي كان يقيم فيه رياض الصلح. ولم يشارك إلياهو ساسون في هذا الاجتماع لأنه عاد إلى إسرائيل، لكنه تابع الاتصالات برياض الصلح من خلال البرقيات والرسائل التي تبادلها مع طوفيه أرازي.

كان الموضوع الأساس الذي هيمن على هذا الاجتماع، وعلى الاجتماعين اللذين تلياه أيضاً، مطالبة رياض الصلح بإلحاح بأن تنسحب إسرائيل من المناطق اللبنانية التي احتلتها في عملية «حيرام». ويذكر أرازي في تقريره أنه اخبر رياض الصلح بأنه استلم رداً ايجابيا من حيث المبدأ عن انسحاب إسرائيل من المنطقة اللبنانية المحتلة، وأن إلياهو ساسون سيبرق إلى طوفيه أرازي في شأن الحيثيات التي سيتم وفقها هذا الانسحاب فور وصوله إلى إسرائيل.

ويضيف أرازي أن رياض الصلح أكد له مرة أخرى أهمية هذا الانسحاب بالنسبة إليه، وأن من شأن ذلك أن يؤثر ايجابيا في اتخاذ قرار القيام بدور "ملاك السلام". ويضيف أرازي أنه أثار مسألة «تقوية رياض الصلح من طرفنا» (الأقواس في الأصل كما استعملها طوفيه أرازي والتي تدل على إعادة أرازي عرض الرشوة على رياض الصلح مرة أخرى. م. م.) كما قال له إلياهو ساسون قبل ذلك بعدة أيام. وقد أجابه رياض الصلح هذه المرة ، على خلاف المرات السابقة التي ظل فيها ساكتا عندما عرضت عليه الرشوة: إن المسألة هنا ليست مسألة نقود، وأنه إذا قرر العمل فلن يحتاج مساعدتنا لأنه حينها سيدخل إلى المعركة بكل طاقاته».

وفي محاولة منه لحثه على قبول الرشوة قام طوفيه أرازي، وفق تقريره، بشرح العرض المالي الذي كان إلياهو ساسون قد عرضه على رياض الصلح وكرره أرازي في هذا الاجتماع، فذكر أرازي أنهم في إسرائيل يدركون ما هو وضع الرأي العام في الدول العربية وفي لبنان، وأنهم يرون أن هناك ضرورة لتمهيد الأرضية لرياض الصلح ولصورته، ويدركون أن عليه أن يعود إلى بلاده كرجل نجح في مهمته، وأن يتم إيضاح ذلك في وسائل الاعلام.

وقصد أرازي في شرحه هذا أن كل ذلك يكلف مالا. أجابه رياض الصلح انه «سيكون شاكرا لنا إذا ما اهتممنا بنشر أمر نجاحه في الصحف الأميركية». وعده أرازي القيام بذلك، وفعلا اتصل بصحافي أميركي، وفق ما جاء في تقريره، في صحيفة نيويورك تايمز، الذي وعد بأن ينشر في صحيفته أن رياض الصلح كان مميزاً في نشاطه في الأمم المتحدة أكثر من جميع وفود الدول العربية الآخرين، وأن ما أنجزته الوفود العربية في الأمم المتحدة كان ثمرة نشاط رياض الصلح. ويشير أرازي أيضا إلى أنه تحدث مع صحافي آخر عن نشر الأخبار عن رياض الصلح، وأن أرازي يأمل أن يقوم ذلك الصحافي بنشر الكثير عن رياض الصلح(16).

الاجتماع الخامس بين رياض الصلح وطوفيه أرازي

عقد الاجتماع الخامس بين رياض الصلح وطوفيه أرازي في 12/12/1948 في الفندق الذي كان ينزل فيه رياض الصلح. وفي ضوء تلكؤ القيادة الإسرائيلية في الرد على طلب رياض الصلح الانسحاب من الأرض اللبنانية المحتلة، الأمر الذي كان من شأنه وفق تقارير أرازي إلى قيادته أن يؤثر إيجابا في قرار رياض الصلح، قال أرازي لرياض الصلح في بداية الاجتماع إنه لم يتلق بعد جوابا من إلياهو ساسون بخصوص حيثيات الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة. واختلق أرازي سبباً لعدم تلقيه الرد، كذبا، وهو تأخر إلياهو ساسون في طريقه إلى إسرائيل؛ فطلب منه رياض الصلح أن يبرق إلى إلياهو ساسون ويحثه على الرد لأهمية الموضوع القصوى بالنسبة لرياض الصلح. وعرض أرازي في هذا الاجتماع على رياض الصلح إشكالية تنفيذ الانسحاب، فأخبره أنه ينبغي على حد علمه تنفيذ الانسحاب بتسليم الأراضي مباشرة من الإسرائيليين إلى اللبنانيين. رد رياض الصلح أن بإمكان ذلك أن يتم بواسطة الجنرال وليم رايلي، رئيس مراقبي الأمم المتحدة، وأنه لا يعارض أن يرافق ضابط لبناني الجنرال رايلي لترتيب الموضوع، والأمر المهم بالنسبة إلى رياض الصلح أن يتزامن وقت الانسحاب مع عودته إلى بيروت. ويذكر أرازي في تقريره أن رياض الصلح حدثه عن الأساليب التي اتبعها بخصوص التصويت في الأمم المتحدة بشأن لجنة التسوية، ويضيف أن أسارير وجه رياض الصلح انفرجت عندما هنأه أرازي على نجاحه الشخصي بشأن التصويت، واستفسر الصلح من أرازي عما إذا كان هذا رأي موشيه شرتوك أيضاً. وفي ختام تقريره يخبر أرازي مسؤوليه أنه سيلتقي الصلح قبل سفره المقرر بعد عدة أيام(17).

الاجتماع السادس والأخير بين رياض الصلح وطوفيه أرازي

عقد الاجتماع السادس والأخير بين رياض الصلح وطوفيه أرازي في 15/12/1948 في مقهى في باريس، قبيل مغادرة رياض الصلح فرنسا. وهيمن على هذا الاجتماع عدم رد القيادة الإسرائيلية على موضوع انسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة اللبنانية المحتلة.

ويستهل طوفيه أرازي تقريره بالاحتجاج على عدم استلامه رد القيادة الإسرائيلية المنتظر، فيذكر أنه "على الرغم من وعد إلياهو ساسون للصلح، وعلى الرغم من برقياتي إليكم، لم يصلني جوابكم بشأن القرى اللبنانية التي احتللناها. وأن رياض يعطي أهمية كبيرة جدا لهذا الأمر وكان يتصل بي يوميا". ويضيف أرازي «أن رياض الصلح أجّل عودته إلى بيروت من أجل أن يهيئ رأيا عاما مؤيدا له يستند على «نجاحه» (الأقواس في الأصل م. م.) في باريس» ، وأن موضوع سحب القوات الإسرائيلية من القرى اللبنانية التي نحتلها كان سلسلة مهمة في خطته للعودة «منتصرا» (الأقواس في الأصل م. م.) إلى لبنان». ويضيف أرازي أن رياض الصلح اهتم بأن تقوم الصحافة الفرنسية بمدحه بما في ذلك صحيفة «لي موند»، حيث ترسل المقالات التي تنشر في فرنسا إلى بيروت والعواصم العربية لنشرها هناك. ويضيف أرازي أن رياض الصلح اهتم كذلك بالصحافيين العرب.

يبدو أن اتصالات رياض الصلح الهاتفية اليومية وإلحاحه على أرازي لاستعجال الجواب من القيادة الإسرائيلية، قادت أرازي إلى أن يجد مخرجا بعد ان تشاور مع موشيه شرتوك وزير الخارجية الإسرائيلي. فيكتب في تقريره إلى القيادة في إسرائيل أنه بعد تشاوره مع موشيه شرتوك الموجودة في باريس، أخبر رياض الصلح أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أوصت من الناحية السياسية بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وأن هذا الموضوع انتقل إلى سلطة الجيش الإسرائيلي الذي احتل القرى اللبنانية لأسباب عسكرية، بحسب ادعاء طوفيه أرازي. وأن أرازي لا يعلم ما هو سبب تأخر الجواب الإسرائيلي حتى الآن.

ويضيف أرازي أن رياض الصلح، الذي كان على وشك السفر، طلب منه أن يتصل به فور تلقيه الجواب الإسرائيلي بخصوص الأراضي اللبنانية المحتلة، أكان في روما أو في القاهرة اللتين سيمكث في كل منهما عدة أيام قبل عودته إلى بيروت. ويذكر أرازي في ختام تقريره أن رياض الصلح حاول في جميع محادثاته معه في الأيام الأخيرة أن يقنع أرازي أنه إذا ما تزامن انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى اللبنانية فإنه «سيكون لذلك تأثير ايجابي ليتخذ قرار العمل من أجل السلام ؛ وإلا فإنه يعتقد أن كل محادثاتنا معه لن تقود إلى نتائج» (الأقواس في الأصل م. م.). ثم يضيف أرازي أن رياض الصلح «تحدث بسخط مرات عديدة عن هذا الموضوع وعن التأخير في جوابنا. كان طلبه أننا إذا كنا فعلاً على استعداد لإخلاء القرى، فمن الأفضل إن نقوم بذلك قبل أو عند وصوله إلى بيروت»(18).

وقبل الخوض في قرار إسرائيل قتل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، في الوقت الذي كانت تجري مفاوضات معه، من المفيد إعطاء لمحة قصيرة عن احتلال الجيش الإسرائيلي أراض لبنانية ووصوله إلى نهر الليطاني في عملية «حيرام»، وهو الموضوع المرتبط مباشرة بالقرار الإسرائيلي قتل رياض الصلح.


عملية "حيرام"

احتل الجيش الإسرائيلي في عملية «حيرام» التي قام بها في 28 ـ 31 تشرين الأول/أكتوبر 1948، علاوة على مناطق واسعة في الجليل الأعلى الفلسطيني، أراضي لبنانيـة واسعة تقع في القطاع الشرقي من جنوب لبنان. فقد احتل في هذه العملية 15 قرية لبنانيـة (19) ووصل إلى نهر الليطاني في هذا القطاع، وهو الحلم والهدف الذي طالما تطلعت إليه وتحدثت عنه علنا القيادة الصهيونية . ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيل عندما احتلت هذه المنطقة من جنوب لبنان كانت تسعى، كما في احتلالها الأرض الفلسطينية، أن يبقى فيها أقل ما يمكن من السكان اللبنانيين.

وتجمع المصادر الإسرائيلية على أن الجيش اللبناني وكذلك سكان الخمس عشرة قريـــة لبنانية لم يقاوموا الجيش الإسرائيلي في عملية «حيرام». وتضيف هذه المصادر أن جيش الإنقاذ لم تبدر منه مقاومة تذكر بل انسحب من هذه المنطقة. ومع ذلك ارتكب الجيش الإسرائيلي في أثناء عملية الاحتلال جرائم حرب بحق قرية حولا اللبنانية عندما قتل العشرات من سكانها خلال عملية الاحتلال، ثم قتل بدم بارد، بحسب المصادر الإسرائيلية، في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1948، أي في يوم الاحتلال نفسه 58 أسيرا مدنيا (20). وكان هدف الجيش الإسرائيلي من هذه المجزرة ترويع اللبنانيين لدفعهم إلى الهجرة من قراهم.

الـــهـــوامـــش

13ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة إلياهو ساسون رقم 65 من باريس في 29/11/1948.
14ـ رؤوفين ارليخ، في الشرك اللبناني، تل ابيب: وزارة الدفاع، 2000، ص256.
15ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3770، رسالة طوفيه أرازي من باريس في 29/11/1948.
16ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالتا طوفيه أرازي من باريس في 11/12/1948 وفي 12/12/1948.
17ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3770، رسالة طوفيه أرازي من باريس في 12/12/1948.
18ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 79/3771، رسالة طوفيه أرازي من باريس 15/12/1948.
19ـ القرى اللبنانية التي احتلها الجيش الإسرائيلي في عملية «حيرام» هي: بليدا، محيبيب، ميس الجبل، حولا، مركبا، طلوسة، عديسة، رب تلاتين، بني حيان، كفركلا، الطيبة، القنطرة، دير سريان، علمان، القصر. وتذكر المصادر الإسرائيلية أن لبنان الرسمي أخفى مسألة الاحتلال هذه عن الرأي العام اللبناني لفترة طويلة.
20ـ عن تفصيلات المجزرة انظر التحقيق الذي أجرته مجلة «هاعولام هازه» في عددها الصادر في 1 آذار/مارس 1978.

----------------

نشر في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"
 

التعليقات