لماذا قرر بن غوريون اغتيال رياض الصلح؟(4/4)../ د. محمود محارب

لعل الدارس المتعمق في إستراتيجية إسرائيل تجاه لبنان لا يملك إلا أن يستخلص أن إسرائيل اعتبرت ولا زالت تعتبر أن لبنان ينبغي أن يكون تحت النفوذ الإسرائيلي المكثف. واتضح لإسرائيل منذ فشل اتفاقية 17 أيار/مايو 1983 وتصاعد قوة حزب الله، أن هناك قوتين أساسيتين تحولان دون تحقيق أهدافها في لبنان تتمثلان في حزب الله، والدور السوري في لبنان. والسؤال هو: هل كان اغتيال رفيق الحريري بعيدا عن محاولات إسرائيل بسط نفوذها على لبنان ؟ هذا هو السؤال

لماذا قرر بن غوريون اغتيال رياض الصلح؟(4/4)../ د. محمود محارب

المنطقة اللبنانية المحتلة والضغط الدولي

اعتبر ديفيد بن غوريون أن وصول الجيش الإسرائيلي في"عملية حيرام" إلى الليطاني شكل نهاية ملائمة لعملية ناجحة. وكتب في كتابه "دولة إسرائيل المتجددة": " عبر لواء كرملي الحدود الشمالية، وسيطر على القرى الواقعة غرب طريق المنارة، وغالبيتها في دولة لبنان. وصل اللواء حتى وادي دوبا في الغرب ونهر الليطاني في الشمال. والعملية التي أطلق عليها اسم "حيرام" على اسم ملك صور، حليف وصديق الملك داود، انتهت "(36).

ويشير قائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي في حرب 1948، موشيه كرميل، إلى عملية حيرام بالقول: "وجدنا فرصة لإدخال تعديلات جدية على الحدود بيننا وبين لبنان، في الجزء الشمالي من البلاد..."، فنهر " الليطاني تحدث إلينا دوما [أي جذبنا إليه وأغرانا بالوصول إليه دائما. / م. م.]"(37).

وأشارت الخطوات التي قامت بها إسرائيل في المنطقة اللبنانية المحتلة والتي شملت 15 قرية لبنانية، إلى أن إسرائيل تركت الباب مفتوحا لإمكانية استمرار الاحتلال الإسرائيلي لهذه الأرض اللبنانية تمهيدا لضمها. فقد عمل الجيش الإسرائيلي على تهجير الغالبية من السكان بواسطة ارتكابه مجزرة إعدام الأسرى المدنيين، وبواسطة التهجير المباشر وغير المباشر للسكان، حيث بقي في الـخمس عشرة قرية لبنانية المحتلة أقل من 3000 نسمة، بعد احتلالها، من بين أكثر من 15 ألف نسمة كانوا فيها قبل الاحتلال.

ويكشف يعقوب شمعوني الذي كان يشغل منصب نائب مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية الذي كان يتولاه إلياهو ساسون، أنه، عشية عملية "حيرام"، جرت مشاورات بين الجيش الإسرائيلي وقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية. وخلال هذه المشاورات عرض الجيش الإسرائيلي سؤالا عن مصير السكان اللبنانيين في جنوب الليطاني. ويضيف شمعوني: "كان السؤال: هل نطردهم أم نبقيهم في أمكنتهم ونحاول أن نجعلهم متعاونين؟ هنا لم نعط تعليمات دقيقة ونهائية، ولكننا اتخذنا بصورة عامة موقفا وسطا: تشجيع أو ترتيب هرب أو مغادرة أكبر عدد من السكان في أثناء تقدم قواتنا... والحرص على أن يبقى في كل قرية على الأقل عدد من الناس يكون في إمكانهم الظهور كشخصيات وممثلين للقرية، ويطلبون حمايتنا ودخولنا..."(38).

تعاملت إسرائيل مع هذه المنطقة اللبنانية المحتلة، فور احتلالها، كأنها جزء من إسرائيل، حيث تدفق في فترة الاحتلال المئات من المدنيين الإسرائيليين إلى القرى اللبنانية للزيارة والتجارة. كذلك شغلت إسرائيل المئات من سكان هذه القرى اللبنانية المحتلة داخل إسرائيل في شق الطرق وجمع الزيتون... الخ.

تجاهل بن غوريون، في سياق سعيه لتوسيع حدود إسرائيل، ليس حدود قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 فقط، وإنما الحدود الدولية بين فلسطين والدول العربية أيضاً. كان العامل الحاسم الذي كان له التأثير القوي في بن غوريون بخصوص التوسع الإسرائيلي خارج ما خصصه لإسرائيل قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخارج حدود فلسطين الدولية، أي احتلال أراضي دول عربية علاوة على الأرض الفلسطينية، هو موقف الدول الكبرى وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا. ففي 31 تشرين الأول/أكتوبر 1948، في مساء اليوم الذي انتهت فيه عملية "حيرام"، كتب بن غوريون في مذكراته: "في المساء تشاورنا [يغآل] يدين ويعقوب [دوري] وأنا. يغآل سأل: ماذا بعد؟ قلت له علينا الانتظار أياما لنرى ماذا سيكون الرد الذي يتبلور في باريس... في هذه الأثناء علينا إسقاط جيب الفلوجة من دون نقض خطير للهدنة... وإذا لم يحدث في الأيام القريبة أمر خطير وجدي في باريس علينا القيام بالخطوة القادمة، بعد أسبوع أو في نهاية هذا الاسبوع: مهاجمة المثلث وجنين وأم الفحم وطولكرم وبيت نبالا وطوباس..."(39).

كان بن غوريون في تلك الفترة في حالة من الجموح لتوسيع حدود إسرائيل. فقد ازدادت قوة جيشه عدة وعددا حتى أصبح تعداده 96,441 عسكري في كانون الأول/ديسمبر 1948، وازدادت ثقة جيشه بنفسه بعد الضربات والهزائم التي ألحقها بالجيوش العربية المفككة، والتي كان عددها المشارك في الحرب يقل كثيراً عن عدد الجيش الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه تفاقمت الخلافات والصراعات بين الدول العربية، وتعاظم التوتر والصراع الداخلي في كل دولة منها، وباتت تفصح علنا، عن إمكانية حدوث انقلابات عسكرية فيها. في هذه الأوضاع كان بن غوريون يتحسس ويتفحص ردات فعل الدول الكبرى في شأن جدية موقفها الكابح لاحتلال أراضي دول عربية، علاوة على الأراضي الفلسطينية المخصصة للدولة العربية الفلسطينية، بحسب قرار التقسيم. كما لم تمنع الحدود الدولية بين فلسطين ولبنان جموح بن غوريون في التوسع في الأرض اللبنانية في عملية "حيرام"، لم توقف الحدود الدولية بين مصر وفلسطين شهوة التوسع لديه في الأراضي المصرية. ففي 28 كانون الأول/ديسمبر 1948 عبر الجيش الإسرائيلي الحدود الدولية بين فلسطين ومصر، في عملية "حوريف"، وتوغل في سيناء إلى أن وصل إلى مشارف العريش. وبعد الضغط الأنجلو ـ أميركي المكثف، وبعدما استعملت بريطانيا سلاحها الجوي، انسحب الجيش الإسرائيلي من سيناء إلى ما وراء الخطوط الدولية (40).

أدرك بن غوريون أن رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح كان المحرك الأساسي لتفعيل الضغط الدولي على إسرائيل في ما يتعلق بالمنطقة اللبنانية المحتلة، وفي ما يتعلق بلجم إسرائيل كي لا تقدم على احتلال المزيد من الأراضي اللبنانية. وكان بن غوريون على علم بنشاط رياض الصلح لدى الدول الكبرى من خلال التقارير التي كانت تصله، وخاصة تقارير إلياهو ساسون، بما في ذلك سعي رياض الصلح لتوقيع معاهدة مع بريطانيا. فقد علم إلياهو ساسون مبكرا في 11تشرين الأول/ نوفمبر 1948 من مصادر لبنانية في باريس أن رياض الصلح عرض موضوع احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية على بعثة بريطانيا إلى الأمم المتحدة في باريس. وبحسب المعلومات التي وصلت إلى إلياهو ساسون ونقلها إلى بن غوريون، فإن بريطانيا وعدت رياض الصلح بتقديم مساعدات عسكرية إلى لبنان إذا احتلت إسرائيل مناطق لبنانية جديدة. ففي مثل هذه الحال، وإذا طلبت الحكومة اللبنانية المساعدة من بريطانيا، ستظهر بعد مرور خمس ساعات على هذا الطلب، القوات البحرية البريطانية قبالة شواطئ بيروت وصيدا وصور، وستظهر في الوقت نفسه كذلك القوات الجوية البريطانية في مطارات لبنان (41).

لم يكن لوطنية رياض الصلح أو عدمها، ولا إمكانية استعداده أن يلعب دور "ملاك السلام" بين إسرائيل والدول العربية، وفق تقارير ساسون وأرازي المتفائلة بحذر من إمكانية قيامه بذلك؛ شأن في قرار بن غوريون اغتيال رياض الصلح. فالسلام في تلك الفترة كان آخر ما يفكر به بن غوريون (42). لقد كان شغل بن غوريون الشاغل في تلك الفترة هو إمكانات توسيع حدود إسرائيل وكيف يمكن إيجاد الأوضاع والفرص لتحقيق ذلك. ووفق المعطيات المتعلقة بالساحة اللبنانية والعربية والدولية، التي كانت أمام بن غوريون، شكل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في مرحلة تاريخية مهمة عائقا أمام سياسة بن غوريون في الاحتفاظ بالمنطقة اللبنانية المحتلة تمهيدا لضمها، وأمام إمكانية التوسع الإسرائيلي في المزيد من الأراضي اللبنانية.

عند بدء الجولة الثانية من المفاوضات بين رياض الصلح وأرازي في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 1948 في باريس، والتي أصر فيها رياض الصلح وألح على مطلبه انسحاب إسرائيل من المنطقة اللبنانية المحتلة، وكان مضمون هذه الاجتماعات يصل إلى بن غوريون من خلال برقيات طوفيه أرازي وإلياهو ساسون وتقاريرهما، اتخذ بن غوريون في الفترة ما بين 9ـ 12 كانون الأول/ديسمبر 1948 قراره بقتل رياض الصلح، بعد أن أيقن، غداة الاجتماع الرابع لطوفيه أرازي ورياض الصلح في 08/12/1948، أن رياض الصلح ما زال متمسكا بشدة بمطلب انسحاب إسرائيل من الأرض اللبنانية المحتلة وهو يرفض الرشوة. ومن المرجح أن بن غوريون قرأ تقرير أرازي بعد 9/12/1948 حيث كان يعتقد، حتى ذلك التاريخ، هو وإلياهو ساسون ومن تابع هذا الموضوع من القادة الإسرائيليين، أن رياض الصلح قد قبل الرشوة التي عرضها عليه إلياهو ساسون في اجتماعهما الثاني، لأنه ظل ساكتا ولم يرفضها، كما ذكر ساسون في تقريره، وكما أخبره إلياهو ساسون عندما التقاه وقدم إليه تقريرا شاملا عن هذه الاتصالات بعد عودته من باريس إلى إسرائيل.

وفسر إلياهو ساسون ومن ثم بن غوريون أن السكوت علامة الرضى في هذه الحال. فقد كتب بن غوريون في مذكراته في 9/12/1948 : "[إلياهو] ساسون وصل [من باريس]. يوجد بحسب أقواله إمكانات للسلام. رياض الصلح على استعداد لأن يعمل لمصلحتنا. لا توجد للبنان مطالب وتطلعات إقليمية. عبء الحرب ثقيل عليهم، ولكنهم لا يريدون الخروج لوحدهم، كان يريد أن يخرجوا كلهم. لا توجد إمكانية لرياض الصلح للصعود؛ فقد وصل إلى المنصب الأعلى الممكن لمسلم في لبنان. في خارج لبنان لا أمل له، وطموحه الوحيد أن يكون مؤثرا في جامعة [الدول العربية] " (43). وعندما وصلت بعيد ذلك برقيات وتقارير طوفيه أرازي إلى بن غوريون، وفوجئ بإلحاح رياض الصلح وإصراره على مطلب الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة كمقدمة وكشرط لأي علاقة له مع إسرائيل، قرر بن غوريون قتل رياض الصلح، لاعتقاده أنه يشكل العقبة الأساس أمام الاحتفاظ، ومن ثم ضم المنطقة التي كانت تحتلها إسرائيل.

لم يكن قرار الاغتيال السياسي لشخصية رفيعة لتحقيق هدف سياسي مهم، جديدا على بن غوريون. فقبل قراره اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح بعدة أسابيع، قامت إسرائيل في 17/9/ 1948 باغتيال الكونت برنادوت، وسيط الأمم المتحدة لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي، الذي عرض مشروعا، حمل اسمه، دعا فيه إلى إعادة تقسيم فلسطين بحيث يصبح النقب جزءا من الدولة العربية، ذلك المشروع الذي عارضه بن غوريون بشدة وعمل على إسقاطه. فبينما كان الكونت برنادوت متجها مع أربعة من مساعديه بحراسة ثلاث سيارات، من قصر المندوب السامي في القدس إلى مقابلة أحد المسؤولين الإسرائيليين، اعترضه أربعة مسلحين إسرائيليين ينتمون إلى منظمة "ليحي". وبعد أن أغلقوا الطريق أمامه بواسطة جيب، أطلق أحدهم، يهوشواع كوهن، (44) عليه عدة صليات نارية أردته قتيلا هو ومساعده الفرنسي. وأشارت معظم أصابع الاتهام ليس إلى أعضاء منظمة "ليحي" فحسب، وهي التي تبنت العملية تحت اسم "حازيت هموليدت" (جبهة الوطن)، وإنما إلى بن غوريون الذي حامت الشبهات القوية للغاية حول دوره في التغطية وحماية القتلة وكذلك في عملية اتخاذ قرار اغتيال برنادوت (45).

يبدو أن بن غوريون اعتقد وفق المعطيات التي كانت أمامه عن علاقات واتصالات واتفاقات إسرائيل السرية مع قوى لبنانية كان لها حضورها في الساحة اللبنانية، وإن لم تكن موحدة (لم يكشف النقاب عن الكثير من ملفاتها حتى الآن )، أن مجرد اغتيال رياض الصلح في تلك الفترة وفي الجو السياسي المشحون في لبنان، سيؤدي ليس فقط إلى التخلص من عقبة تقف أمام تحقيق سياسته تجاه المنطقة اللبنانية المحتلة، وإنما سيقود ايضا إلى احد الاحتمالات التالية:

أ ـ انقلاب عسكري يقوم به أنصار إسرائيل في لبنان.
ب ـ صراع داخلي لبناني محدود.
ج ـ اندلاع حرب أهلية.
واعتقد بن غوريون أنه إذا تحقق أحد هذه الاحتمالات، فإن ذلك يفتح المجال واسعا أمام ضم إسرائيل المنطقة المحتلة من لبنان، وتوسيع حدود إسرائيل إلى حدود الليطاني في حالة تمخض هذا الصراع عن انتصار حلفاء إسرائيل في لبنان.

الخلاصة

لم يكن هدف إسرائيل من اجتماعاتها إلى رئيس وزراء لبنان رياض الصلح وإلى النخب العربية الأخرى في تلك المرحلة تحقيق السلام. فالسلام كان آخر ما تفكر به إسرائيل. لقد كان هدفها من تلك الاجتماعات واللقاءات مع رياض الصلح ومع غيره من النخب العربية الأخرى، كما تظهر تقارير الإسرائيليين أنفسهم عن تلك الاجتماعات واللقاءات، الترويج للمواقف الإسرائيلية وللسياسة الإسرائيلية أيضا، وخاصة لسياسة "الأمر الواقع" الإسرائيلية، وجذب النخب العربية إلى المواقف الإسرائيلية، ثم إيجاد أرضية واحدة ومصالح مشتركة بين إسرائيل والنخب العربية ـ كأفراد وكشريحة اجتماعية ضيقة ـ تتناقض مع الحقوق العربية ومع حقوق الشعب العربي الفلسطيني؛ وفوق ذلك كله البحث عن متلقي رشى وعن عملاء.

وكما ظهر جليا في هذه الدراسة، رفض إلياهو ساسون وطوفيه أرازي طيلة الاجتماعات التي عقداها مع رياض الصلح، التطرق إلى أسس السلام التي طالبهما بها رياض الصلح. وعوضا عن ذلك، استعملا الحديث بشكل عام عن السلام كوسيلة لعرض الرشوة على رياض الصلح تحت غطاء الحديث عن قيامه بلعب دور"ملاك السلام"، وعندما رفض الصلح قبول الرشوة وأصرعلى مطالبته بانسحاب إسرائيل من المنطقة اللبنانية التي كانت تحتلها إسرائيل، وألح وطالب بانسحاب إسرائيل من الأرض اللبنانية المحتلة كشرط لإبقائه الباب مفتوحا للعب دور "ملاك السلام"، قرر ديفيد بن غوريون قتله. فقد أدرك بن غوريون من التقارير التي كانت تصله عن نشاط رياض الصلح ومن إطلاعه على التناقضات والصراعات التي كانت محتدمة في لبنان حينئذ، ومن خلال تحالف إسرائيل مع قوى لها حضورها الحقيقي في لبنان، أن رئيس وزراء لبنان رياض الصلح كان العقبة الأساس، في تلك المرحلة، التي تقف أمام سياساته وطموحاته في لبنان، وفي مقدمتها سعيه لضم الأرض اللبنانية التي كانت تحتلها إسرائيل.

وطوال أكثر من شهرين حاولت إسرائيل وبذلت الجهد كله لقتل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، بيد أنها فشلت. ولنتخيل، ولو قليلا، لو أن إسرائيل نجحت في اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح من دون أن تترك آثاراً للجريمة، فهل كان يجرؤ أحد على مجرد التفكير بتوجيه التهمة لإسرائيل في ظل الصراع الداخلي اللبناني الذي كان محتدما بشدة حينئذ؟

لعل الدارس المتعمق في إستراتيجية إسرائيل تجاه لبنان لا يملك إلا أن يستخلص أن إسرائيل اعتبرت ولا زالت تعتبر أن لبنان ينبغي أن يكون تحت النفوذ الإسرائيلي المكثف. واتضح لإسرائيل منذ فشل اتفاقية 17 أيار/مايو 1983 وتصاعد قوة حزب الله، أن هناك قوتين أساسيتين تحولان دون تحقيق أهدافها في لبنان تتمثلان في حزب الله، والدور السوري في لبنان. والسؤال هو: هل كان اغتيال رفيق الحريري بعيدا عن محاولات إسرائيل بسط نفوذها على لبنان ؟ هذا هو السؤال.
---------------------------
الهوامش:


36. ديفيد بن غوريون، “دولة إسرائيل المتجددة”، تل أبيب : عام عوفيد، 1969، الجزء الأول، ص 306.
37. رؤوفين أرليخ، مصدر سبق ذكره، ص 215.
38. أرشيف الدولة، ملف حيتس 11/2570، رسالة يعقوب شمعوني إلى إلياهو ساسون في 12/11/1948.
39. ديفيد بن غوريون، "يوميات الحرب"، تل أبيب : عام عوفيد، الجزء الثالث، ص790. في استعماله كلمة باريس، يقصد بن غوريون إذا لم يحدث أي شيء من جانب الدول الكبرى التي كانت تشارك في اجتماعات الجمعية للأمم المتحدة في باريس.
40. رؤوفين ارليخ، مصدر سبق ذكره، ص 224.
41. أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة ساسون من باريس رقم 56، في 11/11/1948، ورسالة ساسون من باريس رقم57 في 12/11/1948.
42. للمزيد من التفصيلات حول موقف بن غوريون من السلام مع الدول العربية وسياسته التوسعية انظر الفصلين الأول والثاني من كتاب : Avi Shlaim, The Iron Wall: Israel and the Arab World, London: A Lane,1999.
43. ديفيد بن غوريون، يوميات الحرب، تل أبيب : عام عوفيد، الجزء الثالث، ص 870.
44. ولد يهوشواع كوهن في تل أبيب في العام 1922 وانضم في العام 1937 إلى "المنظمة العسكرية القومية" الصهيونية (اتسل). وفي العام 1940 انضم إلى المنظمة العسكرية الصهيونية "المقاتلون من اجل حرية إسرائيل" ("ليحي" المشهورة بعصابة شتيرن). كان من ابرز أعضاء منظمة "ليحي" في عمليات الاغتيال في الأربعينات. انخرط في صفوف الجيش الإسرائيلي في تموز/يوليو 1948 برتبة ضابط وقاد عملية اغتيال الكونت برنادوت. تصادق مع ديفيد بن غوريون عشية عملية الاغتيال وظل بعدها صديقا حميما له، وانتقل إلى السكن معه في كيبوتس سديه بوكير في النقب.
45. للمزيد من التفصيلات حول ملابسات اغتيال الكونت برنادوت انظر كتاب عبد الحفيظ محارب، "هاجاناه، اتسل، ليحي : العلاقات بين التنظيمات الصهيونية المسلحة"، بيروت : مركز الأبحاث الفلسطيني، 1981، ص 385 ـ 390.
 

التعليقات