تقرير: إسرائيل "تتهيأ" للأسوأ في ظل حكومتها اليمينية

إسرائيل تفترض الأسوأ من آخر التطورات الثورية في الشرق الأوسط وفي مقدمها ثورة 25 يناير المصرية، وتحولات مجتمعها نحو مزيد من التدين والتطرف

تقرير: إسرائيل

(*) رام الله- قال المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار إن إسرائيل تفترض الأسوأ من آخر التطورات الثورية في الشرق الأوسط وفي مقدمها ثورة 25 يناير المصرية، وتتهيأ لذلك أساسًا من الناحية العسكرية، وذلك في ظل وجود حكومة يمينية، وتحولات داخلية بنيوية آخذة في التفاقم من عام إلى آخر وتشي بتحوّل المجتمع الإسرائيلي نحو اتجاهات أكثر تدينا وبالتالي أكثر يمينية.

 

جاء ذلك في سياق مؤتمر خاص عقده مركز مدار أمس الأحد (27/3/2011) وعرض فيه أبرز استنتاجات تقريره الإستراتيجي السنوي للعام 2011 الذي يرصد أهم المستجدات والتطورات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية في العام 2010، كما يستشرف تطور الأمور ووجهتها في الفترة المقبلة.

 

بدأ المؤتمر الذي حضره ما يزيد عن مئة مشارك من سياسيين وكتاب وباحثين وطلبة دراسات عليا فلسطينيين بكلمة للدكتورة هنيدة غانم، المدير العام لمدار، رحبت فيها بالحضور، وتحدثت عن المحاور الرئيسة للتقرير، ومنهجية العمل عليه، ثم استعرضت بشكل سريع بعض النتائج التي توصل إليها التقرير، وأكدت أن هذا التقرير لم يكن يخرج للنور لولا جهود الباحثين المختصين الذي تناولوا محاوره، ومتابعات فريق العمل في مدار  طوال الوقت.

 

ويتطرّق التقرير بالتفصيل إلى التطورات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية في سبعة محاور أساسية هي: المفاوضات؛ العلاقات الخارجية الإسرائيلية؛ المحور السياسي؛ المحور الأمني والعسكري؛ المحور الاقتصادي؛ المحور الاجتماعي؛ محور الفلسطينيين في إسرائيل، بالإضافة إلى ملخصه التنفيذي.

 

وأشرف على إعداد وكتابة التقرير مجموعة من الباحثين المختصين. وقامت بتحريره وكتابة الملخص التنفيذي له د. هنيدة غانم، المدير العام لمركز مدار، وشارك في كتابة فصوله كل من د. عاطف أبو سيف ومهند مصطفى ، د. أمل جمّال، أنطوان شلحت، فادي نحاس ، د. حسام جريس ، نبيل الصالح وإمطانس شحادة. الذين اتبعوا في تحليلهم قراءة موضوعية استشرافية لشتى الأحداث التي ميزت العام  2010، من خلال التركيز على المتغيرات ذات الطابع الإستراتيجي.

 

وتناول التقرير مجموعة الأدوات التي تستخدمها إسرائيل، أو التي من المتوقع أن تستخدمها في الأفق المنظور، في مواجهة التطورات المتلاحقة في المنطقة، وتوقف بشكل خاص عند ثلاثة منها هي:

 

1.     التهيؤ عسكريا لسيناريو المواجهة: ويعني هذا افتراض سيناريو المواجهة بوصفه إمكانية حقيقية تتطلب التهيؤ التام من الناحيتين اللوجستية والعسكرية، وبالذات التهيؤ للأخطار الأمنية المحتملة من  الاتجاه المصري ولكن ليس حصرا، ورغم أن هذه الأخطار سترتبط بالضرورة بتطورات إقليمية وبشكل التعاقدات الدولية التي ستتطور ناهيك عن شكل الأنظمة التي ستبرز فإن إسرائيل تفترض الأسوأ وتتهيأ له، وهو ما يمكن لمسه بداية بإضافة 700 مليون دولار إلى الميزانية الأمنية بعد أن كانت مقرة وذلك في أعقاب ثورة 25 يناير المصرية، ومن ثم ما طرحه لاحقا وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في 8 آذار 2011 خلال مقابلة صحافية بشأن نية إسرائيل التوجه إلى الولايات المتحدة بطلب زيادة المساعدات العسكرية إلى 20 مليار دولار وذلك كي تتمكن من تهيئة نفسها عسكريا للمخاطر التي قد تنجم عن الثورات العربية.

 

2.     الترويج لفكرة "إسرائيل حليف مستقر وحيد لأميركا في الشرق الأوسط": رغم أن الحكومة الإسرائيلية حاولت أن تتمالك نفسها وأن تمتنع عن الإدلاء بتصريحات حول الأمر إلا أنها أيضا حاولت أن تستغل الحدث وعلى لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو للترويج  بأنها الحليف الثابت والمستقر الوحيد لأميركا في الشرق الأوسط، ويخفي هذا الادعاء أمرين مترابطين: اعتبار عدم الاستقرار الإقليمي عاملا ثابتا والتعامل مع الاستقرار بوصفه عاملا متحولا وبالتالي التهيؤ لأخطار دائمة مستقبلية، ما يعني إبقاء إسرائيل على أهبة الاستعداد العسكري لمواجهة أية مستجدات تطرأ لأن قوتها العسكرية هي ضمانتها الوحيدة التي تواجه بها محيطها المتخبط. ومن المهم أن نشير هنا إلى أنه حتى في حال وصول رئيس مصري "معتدل" من وجهة نظر إسرائيل إلى السلطة فإن هذا لا يغير من توجهها.

 

3.     السعي إلى إيجاد تحالفات دولية جديدة: خسرت إسرائيل العام 1979 حلفها الإستراتيجي مع إيران الشاه، وفي العام 2010 خسرت حلفها الإستراتيجي مع تركيا، ويبدو أنها أيضا في طريق خسارة صداقتها مع مصر، بمعنى آخر انهارت خارطة التحالفات الإسرائيلية في المنطقة، وبدأت إسرائيل في السعي نحو  تأسيس تحالفات جديدة بديلة تعوّض خسارتها الإستراتيجية، وبحسب المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن إسرائيل بدأت العمل على تطوير شراكات عسكرية واستخباراتية جديدة مع اليونان وبلغاريا ودول أخرى مثل أوكرانيا ومقدونيا.

 

سياسات نتنياهو

 

ويؤكد تقرير مركز مدار أن سياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو تشكلت من خلال تقاطع أربعة عوامل مركزية هي: 1- التعويل الكامل على القوة والقدرة العسكرية، ما يعني الإيمان الراسخ أن القوة العسكرية وقوة الردع هما أهم مرتكز للسياسة الإسرائيلية؛ 2- هيمنة السياسة الداخلية على السياسة الخارجية، وهذا يعني فلسطينيا ربط استحقاقات الملف الفلسطيني ليس فقط بالحسابات القومية الإستراتيجية بل بالحسابات التكتيكية الائتلافية والفئوية؛ 3- انزياح ثابت ومستمر في تركيبة المجتمع الإسرائيلي من مجتمع علماني إلى مجتمع متدين ويميني وتحول مستمر للحريدية الشرقية التي تمثلها شاس نحو الصهيونية اليمينية، ويعني هذا التغير أن ما كان ممكنا سياسيا يصير أكثر صعوبة مع مرور الوقت؛ 4- غياب رؤية إسرائيلية موحدة لكيفية حل الصراع.

 

لكن التقرير أكد أنه تقاطعت في نهاية 2010 وبداية 2011 مجموعة من الأحداث المفصلية الداخلية والإقليمية والدولية في لحظة معينة كان يبدو فيها الجمود السياسي والتعنت الإسرائيلي سيد المشهد وهو ما قد يجبر إسرائيل إما على العمل جديا على إنهاء الصراع وهو ما يعني تقديم عرض جديد لم تقدمه حتى الآن، أو تعميق عزلتها والانزلاق نحو مستقبل مجهول يحمل ملامح كثيرة من حالة دولة الأبارتهايد في السبعينيات والثمانينيات.

 

الأحداث المفصلية

 

 

وأشار التقرير إلى أن أبرز الأحداث المفصلية التي شهدها العام الفائت هي ما يلي:

 

1.     بوادر ظهور "شرق أوسط جديد": يشكل هذا أكثر الأحداث أهمية على الإطلاق وهو ناتج عن تقاطع عاملين مركزيين هما: الثورات العربية التي تقف على رأسها الثورة المصرية؛ أفول الحلف العسكري الإسرائيلي التركي مقابل انزياح تركيا أكثر باتجاه حلف سورية- إيران وإن ما زال مبكرا الحديث عن حلف تركي- إيراني- سوري، وتقاطع هذا الأفول مع تغيير آخر مهم هو عودة سورية بصورة أو بأخرى إلى لبنان وذلك من خلال نجاح حلفائها في تيار 8 آذار بقيادة حزب الله بشق صفوف تيار 14 آذار أولا وإسقاط حكومة الحريري ثانيا.

 

2.     تعاظم عزلة إسرائيل الدولية وتزايد "عمليات نزع الشرعية" عنها: أدى الجمود السياسي في عملية السلام إلى جانب مواقف حكومة نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان المتصلبة تجاه الفلسطينيين إلى تزايد عزلة إسرائيل الدولية التي ترافقت مع ارتفاع حدة النقد الأوربي لنتنياهو. وبالتوازي مع النقد المتعاظم إزاء الحكومة الإسرائيلية من قبل حكومات أوروبية حليفة وصديقة تتزايد في إسرائيل التقارير التي تتحدث عن استمرار نزع الشرعية عن إسرائيل وتدهور صورتها في العالم، وأشار استطلاع نفذته وزارة الدعاية والشتات بين الإسرائيليين عشية إطلاق حملة لتحسين صورة إسرائيل في العالم أن 90% من المستطلعين الإسرائيليين وافقوا أن لإسرائيل مشكلة جدية جدا بما يخص صورتها، ووافق 80% على أن إسرائيل تظهر في الخارج بمظهر الدولة العنيفة. وتتقاطع هذه الأجوبة مع نتائج استطلاع عالمي تقوم به سنويا هيئة الإذاعة البريطانية حيث اتضح أنه ينظر إلى إسرائيل كدولة ذات تأثير عالمي سلبي حيث أدرجت في المكان الرابع قبل الأخير، وقد سبق أن نشر معهد ريئوت الإسرائيلي للتخطيط الإستراتيجي ورقة موقف في 2010 اعتبر فيها أن إسرائيل تواجه حملة غير مسبوقة من نزع الشرعية واعتبر الأمر بمثابة تهديد إستراتيجي يأتي بعد تهديد النووي الإيراني.

 

3.     إسرائيل أكثر تدينا وأكثر يمينية: يشهد المجتمع الإسرائيلي تحولا داخليا بنيويا حيث يتحول نحو مجتمع أكثر تدينا وبالتالي أكثر يمينية، وهو ما يتم التعبير عنه من خلال التزايد المضطرد في نسبة المتدينين من عدد السكان ونمو نسبتهم في مؤسسات الدولة الفاعلة، في المقابل يزداد أكثر فأكثر التشديد على الطابع اليهودي وعلى طبيعة الدولة اليهودية وهو ما يمكن رصده من خلال تزايد وتيرة التشريعات المطروحة في الكنيست لتأكيد هوية الدولة اليهودية مقابل حملات الملاحقة التي تشنها أطراف يمينية على منظمات حقوق إنسان يهودية وعربية ومنظمات مجتمعية يسارية مثل منظمة  صندوق إسرائيل الجديد إضافة إلى شن حملة مكارثية على دوائر علم الاجتماع وعلى علماء الاجتماع النقديين في إسرائيل والتحريض عليهم، وكل هذا يأتي في ظل تزايد حملات تشديد الخناق على العرب. وبالمقابل تتزايد قوة أفيغدور ليبرمان في السياسة الداخلية ويرى كثيرون، بمن في ذلك بعض كبار المسؤولين في حزب الليكود الحاكم، أن رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف أصبح بمثابة "رئيس الحكومة الفعلي" في إسرائيل عقب انشقاق باراك عن حزب العمل وانسحاب هذا الحزب الأخير من الحكومة. وعلى الرغم من أن ليبرمان  هو علماني وبعيد كل البعد عن التدين إلا إن أفكاره اليمينية المتشددة والمتطرفة تجاه العرب تهيمن على خطابه وتتقاطع بقوة مع الأفكار اليمينية للمتدينين سواء كانوا من التيار المتزمت الذي تمثله شاس أو الصهيوني الاستيطاني، بل إن هذا التقاطع يتحول عمليا إلى مساحة للحمة بينهم يتغذى من الإفراط في المواقف المشتركة اليمينية لإنجاح شراكة غريبة بل مستحيلة في مجتمعات أخرى على أساس تخفيف حدة الاختلاف والتباين في المواقف الدينية.

 

التعليقات