وقائع سيطرة اليمين على إسرائيل (4-4)/ أنطـوان شلحـت

يمكن اعتبار عدد تشرين الأول 2010 من المجلة الفصلية "المستجد الإستراتيجي"، التي يصدرها "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، واحدًا من أبرز التقارير الإسرائيلية الحديثة التي تصدّت لإجمال حصاد العقد الفائت (2000- 2010) من خلال قراءة أهم المحطات التي شهدها والمرتبطة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وذلك تحت عنوان محدّد هو دراسة تأثير الانتفاضة الفلسطينية الثانية في مناسبة مرور عشرة أعوام على اندلاعها في أيلول 2000

وقائع سيطرة اليمين على إسرائيل (4-4)/ أنطـوان شلحـت

[نص الفصل الخاص بالمشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي في "تقرير مدار الإستراتيجي 2011: المشهد الإسرائيلي 2010" والصادر مؤخرًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار]

 

 

قراءات إسرائيلية في حصاد العقد الفائت:

تعمق التدخل الدولي وتفاقم الاستحواذ الديمغرافي!

 

يمكن اعتبار عدد تشرين الأول 2010 من المجلة الفصلية "المستجد الإستراتيجي"، التي يصدرها "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، واحدًا من أبرز التقارير الإسرائيلية الحديثة التي تصدّت لإجمال حصاد العقد الفائت (2000- 2010) من خلال قراءة أهم المحطات التي شهدها والمرتبطة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وذلك تحت عنوان محدّد هو دراسة تأثير الانتفاضة الفلسطينية الثانية في مناسبة مرور عشرة أعوام على اندلاعها في أيلول 2000.

إن أول ما يصادفه قارئ هذا العدد هو تقويم رئيس المعهد د. عوديد عيران، أحد كبار الدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين، بأنه ربما سيتبين في المستقبل أن العقد الفائت هو الأكثر أهمية في تاريخ الصراع الإسرائيلي- العربي من بين العقود التي سبقته كلها، وربما ستكون السيرورات والأحداث التي وقعت في هذا العقد الأكثر حسما وأهمية من بين التطورات والأحداث السابقة كافة.

ويتوقف الكاتب بشكل خاص عند مسألة التدخل الدولي في الصراع، فيشير إلى أن من الصعب الإشارة إلى عقد تعمق فيه التدخل الدولي في جوانب حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أكثر من هذا العقد. ومع أن ذلك من ناحية إسرائيل ينطوي على قدر من الإيجابية، إلا إنه لا بُدّ من أن تترتب عليه قيود مستقبلية على حرية عملها. 

وقد انعكس هذا التدخل الدولي بادئ ذي بدء في النشاطات الاقتصادية في مناطق السلطة الفلسطينية. لكن في الوقت ذاته، فإنه في أعقاب فشل المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية في العام 2000 ومطلع العام 2001 وفي إثر اندلاع الانتفاضة الثانية، ازداد التدخل الدولي في محاولة لرسم سمات التسوية المستقبلية وملامحها. ومن هذه السيرورة انبثقت مثلاً أفكار الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في كانون الأول 2000، والمبادرة العربية للسلام في 2002، وخريطة الطريق في 2003، ومؤتمر أنابوليس في 2007، واستئناف المفاوضات المباشرة في أيلول 2010. وبرأيه فإن الحديث يدور في شكل أساس على تدخل فعال من جانب الولايات المتحدة أكثر من تدخل لاعبين دوليين آخرين، إلا إنه لا بُدّ من الإشارة إلى أن لاعبًا جديدًا دخل إلى النشاطات والجهود السياسية والاقتصادية ممثلا في اللجنة الرباعية الدولية (التي تضم كلا من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، وفي واقع الأمر فإن تدخل "الرباعية" ملموس بشكل رئيس في المجال الاقتصادي، غير أن النشاطات العامة والشاملة لهذا الإطار أوجدت سابقة لن تستطيع إسرائيل تجاهلها في المستقبل.

وكانت هناك سابقة أخرى مهمة، وربما تكون دلالاتها للمدى البعيد أكثر أهمية، تتمثل في التدخل الدولي في الجوانب الأمنية، وخصوصا فيما يتعلق بالتزامات السلطة الفلسطينية بموجب "خريطة الطريق"، وإنشاء أجهزة أمنية (فلسطينية) بالتعاون بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا التدخل المباشر أوجد سابقة لا يمكن لإسرائيل أيضا تجاهلها أو منع تكرارها.  ولم يكن هذا  المثال الوحيد، إذ لا مفر من الإشارة إلى أن إسرائيل وافقت أيضا على وجود فريق من المراقبين من طرف الاتحاد الأوروبي على الحدود بين قطاع غزة ومصر كبديل جزئي لوجودها في المعبر بين  الجانبين (المصري والفلسطيني). وبالتالي فإن ما يمكن افتراضه هو أن مطلب إسرائيل بشأن ترتيبات أمنية وثيقة وناجعة يمكنها، بواسطة مرابطة قوات أمنية إسرائيلية بعد وضع الاتفاق موضع التنفيذ، الحيلولة دون شن عمليات "إرهابية" من أراضي الدولة الفلسطينية، سوف يصطدم برفض الفلسطينيين، الأمر الذي قد يؤدي إلى مرابطة عناصر أمنية دولية تلبي متطلبات إسرائيل في المجال الأمني.

ثمة تطوّر مهم آخر يعتقد الكاتب أنه أصبح ناجزًا مع انتهاء العقد الفائت، وهو ترسيخ مبدأ الدولتين كحل سياسي نهائي. وفي هذا الصدد فإنه يشير إلى أنه على الرغم من أن مبدأ الدولتين بدأ "يحلق" في الفضاء السياسي الإسرائيلي على الأقل منذ توقيع اتفاقيات أوسلو العام 1993، إلا إنه لم ينل شرعية رسمية من الولايات المتحدة سوى في خطاب الرئيس السابق جورج بوش في حزيران 2002، وفي "خريطة الطريق" في 2003، التي قبلت إسرائيل بمسارها الرئيس.  ويشدّد عيران على أن أغلبية معسكر اليمين السياسي في إسرائيل وافقت على هذا المبدأ لأول مرة فقط بعد تأليف حكومة أريئيل شارون الأولى في العام 2001، وقد انسحب وزيران فقط من حكومة شارون بينما لم ينسحب أي وزير من حكومة بنيامين نتنياهو بعد خطاب "بار- إيلان" في حزيران 2009 (ولا حتى أفيغدور ليبرمان- رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف- الذي سبق أن انسحب من حكومة شارون الأولى على هذه الخلفية).  ويشكل ذلك في رأيه تحولا أيديولوجيا لا يستهان به، وهو شرط ضروري - وإن لم يكن وحيدًا- لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، يكون مقبولا من الجانبين. ومع أن من الواضح أنه مع استمرار المفاوضات سينشب جدل حاد بشأن سمات وملامح الدولة الفلسطينية ومكونات سيادتها، غير أن استعداد اليمين الإسرائيلي لقبول الفرضية الأساسية للحل ينطوي، وفق اعتقاده، على "مغزى تاريخي" بعيد المدى.

بيد أن هذا الإقرار سرعان ما أخذ يتوازى مع مطلب اعتراف العرب بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي. ويعتبر ذلك تجديدًا أيضًا، إذ إن هذا المطلب لم يطرح في جميع جولات المفاوضات السابقة. ومع أنه يمكن الادعاء أن نهاية الصراع ووضع حدّ للمطالب المتبادلة اللذين سيكونان جزءا من الاتفاق الشامل النهائي بين الجانبين يقدمان جوابا عن هذا المطلب، إلا إن الاعتراف الفلسطيني والعربي المطلوب ينطوي على تسليم تام بوجود إسرائيل. 

ويعتقد عيران أن هناك طرقًا لحل مسألة قلق الفلسطينيين والعرب إزاء ما يسميه "الأقلية العربية في إسرائيل" وحقوقها الكاملة، الأمر الذي يطرح كسبب لرفضهما (أي الفلسطينيين والعرب) تقديم الاعتراف المطلوب. وكما هو معلوم فإن مسألة المكانة الدستورية والفعلية للعرب في إسرائيل نشأت بفعل قيام دولة إسرائيل، إلا إنها أخذت تتفاقم أكثر فأكثر، وقد سمعت من طرف الجانبين، اليهودي والعربي، خلال العقد الفائت، تعابير متطرفة يمكن في المستقبل أن تلقي بثقلها على إيجاد حل للصراع الشامل بين إسرائيل والفلسطينيين.

على صعيد آخر كان لأحداث العقد الفائت، ودور الانتفاضة فيها، تأثير على الرأي العام الإسرائيلي في كل ما يتعلق بـ "قضايا الأمن القومي"، وهو ما يتناوله مقال آخر في المجلة الفصلية نفسها كتبه الباحث في المعهد الدكتور يهودا بن مئير، الذي كان في السابق عضوًا في الكنيست وشغل منصب نائب وزير الخارجية، والباحثة أولنا بيغانو - مولدافسكي، مستندين إلى مجموعة كبيرة من استطلاعات الرأي العام التي أجراها المعهد، وإلى استطلاعات أخرى أيضا تم نشرها في الصحف والمجلات والدراسات ذات الصلة، منذ عام 1985 وحتى عام 2009. وبناء عليه فإنه تراكمت أمام الباحثين كمية كبيرة من الاستطلاعات تمكنا، بعد تحليلها، من الإطلاع على آراء الجمهور اليهودي في إسرائيل إزاء القضايا السياسية والأمنية، من جهة، وعلى نظرة هذا الجمهور إلى الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، من جهة أخرى.

وسعى الباحثان للتوصل إلى إجابات عن ثلاثة أسئلة، هي: أولاً، هل بالإمكان تلمس وجود تأثير متصل للانتفاضة على الرأي العام الإسرائيلي؟؛ ثانيًا، إذا كانت الإجابة عن السؤال الأول إيجابية، فإلى أي ناحية أثّرت الانتفاضة، وما هي التغيرات التي حدثت في صفوف الرأي العام الإسرائيلي عقب أحداث الانتفاضة؟؛ ثالثا، هل التغيرات في أوساط الرأي العام المذكور والتي تم رصدها كانت قصيرة الأمد ومتغيرة، أم إنها كانت تغيرات بعيدة الأمد ولا يزال تأثيرها قائما حتى الآن؟. ومن أجل الرد على هذه الأسئلة، استخدم الباحثان أجوبة المشتركين في الاستطلاعات عن أسئلة تتعلق بمواقفهم إزاء أربعة مبادئ أساسية: "دولة مع أغلبية يهودية"؛ "أرض إسرائيل الكاملة"؛ "دولة ديمقراطية"؛ "الحالة السلمية".

وخلص تحليلهما إلى أن آراء الجمهور اليهودي في إسرائيل في العام 2009 كانت قريبة جدا من آرائه في العام 1998، على الرغم من أنه خلال هذه الفترة وقعت "أحداث أمنية" بالغة الأهمية، على غرار الانتفاضة الفلسطينية، وخيبة أمل الإسرائيليين من تنفيذ خطة الانفصال عن غزة، وحرب لبنان الثانية، وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة على جنوب إسرائيل، والحرب على غزة أو ما يعرف في إسرائيل بـ "عملية الرصاص المصبوب".

ورأى الباحثان أنه "إذا كان هناك تأثير بارز للانتفاضة الفلسطينية، فإنه بالأساس كان في اتجاه تعزيز مركزية الاعتبار الديمغرافي". وبينما كان مبدأ "الحالة السلمية" في الأعوام التي سبقت الانتفاضة هو المبدأ الأهم في نظر الإسرائيليين، فإن مبدأ "دولة مع أغلبية يهودية" أصبح منذ العام 2003 هو الأهم. وتزايدت أهمية هذا المبدأ رويدًا رويدًا إلى درجة أنه في العام 2006 اعتبره أكثر من نصف الإسرائيليين على أنه المبدأ الأهم على الإطلاق. وقد كان الموضوع الديمغرافي مركزيا في تفسير الحاجة، بالنسبة لإسرائيل طبعا، إلى تنفيذ الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة. ونجم اهتمام الإسرائيليين بالموضوع الديمغرافي عن بضعة أحداث، شدد الباحثان على أن الانتفاضة كانت أحد أبرزها.

وكان الرأي العام الإسرائيلي مختلفا في عامي 2001 - 2002، اللذين بلغت الانتفاضة فيهما ذروتها، وبرز خلالهما ارتفاع معين في نسبة أهمية مبدأ "أرض إسرائيل الكاملة". لكن باستثناء هذين العامين فإن نسبة الإسرائيليين التي تعتبر هذا المبدأ على أنه الأهم بقيت تتراوح ما بين 7 إلى 11 بالمئة. كذلك فإنه باستثناء العام 2002، تم تدريج هذا المبدأ طوال الأعوام الفائتة على أنه الأقل أهمية من بين المبادئ الأربعة المذكورة أعلاه.

فضلاً عن ذلك، نوّه الباحثان بأنه كان للانتفاضة تأثير معين على انخفاض أهمية مبدأ "دولة ديمقراطية" الذي يعني "حقوقا سياسية متساوية للجميع". ففي العام 1999 رأى 27 بالمئة من الإسرائيليين أنه المبدأ الأهم، وفي العام 2000 رأى 32 بالمئة أنه الأهم، لكن منذ العام 2002 تراجع التأييد لهذا المبدأ وأخذ يتراوح ما بين 14 - 18 بالمئة، وهو ما يعني بلغتهما تعاظم المشاعر السلبية لدى الإسرائيليين إزاء العرب، بمن فيهم العرب في إسرائيل، عقب أحداث الانتفاضة.

ولا شكّ في أن هذا المعطى بالذات يتسق مع تفاقم الاستحواذ الديمغرافي، والذي يغذي بدوره التمسك بمطلب الدولة اليهودية. ومن الملفت أن المقال الذي يتناول هذا المطلب بالتشريح في المجلة الفصلية ذاتها، وهو بقلم الباحثة شيري طال- لندمان، يؤكد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو قد رفع درجة الأهمية المعطاة له إلى حد طرحه باعتباره واحدة من القضايا الجوهرية الأكثر مركزية المدرجة في مائدة المفاوضات. وتخالف الباحثة الآراء التي تقول إن طرحه لا يعدو كونه وسيلة تكتيكية لتحقيق أهداف أخرى، مؤكدة أن الإصرار عليه ناجم عن دوافع جوهرية أكثر مما هو ناجم عن محاولة لتأجيل مؤقت في العملية السياسية.

وهي ترى أن وقائع العقد الفائت تنطوي على ظهور تطوّر مهم في الخطاب الإسرائيلي بشأن القضايا الجوهرية في النزاع، وفي نهايته احتل مركز الحلبة العامة والسياسية اتجاه أصبحت فيه مكانة مسألة جوهرية خامسة متقدّمة على مكانة المسائل المركزية الأربع التي طرحت على مائدة المفاوضات في العام 2000 (وهي الحدود والمستوطنات؛ القدس؛ اللاجئون؛ الأمن)، والمقصود مسألة الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، بل إن هذه المسألة، مع افتتاح جولة المحادثات السياسية في أواخر صيف 2010، حظيت في الأجندة التي عرضها نتنياهو للعملية السياسية بمكانة الصدارة من حيث أهميتها.

إجمــال

 

اتسم العام الفائت بتعزّز النزعات اليمينية في صفوف الحكومة والرأي العام في إسرائيل، الأمر الذي ينعكس على السياسة الإسرائيلية الخارجية والداخلية. ويؤثر ذلك، على الصعيد الداخلي، في إذكاء محاولات رسم حدود جديدة للعبة الديمقراطية حتى فيما يتعلق بالعلاقات السائدة داخل المجتمع اليهودي.

ولا شك في أن نجاح المبادرات التشريعية لحزب "إسرائيل بيتنا" الرامية إلى إضفاء النزعة المركزية على الديمقراطية الإسرائيلية والتي تحظى بدعم من سائر مكونات الائتلاف الحكومي اليميني، يفتح شهية هذا الحزب على دفع مزيد من هذه المبادرات قدمًا، كما أن هذا النجاح شكل محفزًا لقيام رئيسه أفيغدور ليبرمان بتوسيع دائرة البيكار في هجومه كي تشمل مسؤولين كبارًا في الليكود اتهمهم مؤخرًا بمنع تكريس سلطة معسكر اليمين في إسرائيل، ومع أنه لم يذكر أي مسؤول منهم بالاسم، إلا إنه كان يقصد بهجومه كلا من رئيس الكنيست رؤوبين ريفلين والوزراء ميخائيل إيتان وبيني بيغن ودان مريدور، وذلك بسبب معارضتهم إقامة لجنة التحقيق مع منظمات حقوق الإنسان. ووفقًا لما قاله فإنه بسبب هؤلاء الأشخاص لا تتمكن حكومة نتنياهو مع "إسرائيل بيتنا" من تطبيق برنامج اليمين وأيديولوجيته (28).

وثمة تقديرات بأن المعطيات المستجدة فيما يتعلق بالحالة الديمقراطية تحيل إلى أنه لم يعد في إسرائيل 2010 منظومات يمكنها توفير الحماية لحرية التعبير. ويبدو، من ناحية أخرى، أن الإسرائيليين في معظمهم يعتقدون أن الديمقراطية منحصرة في إجراء انتخابات عامة مرة كل بضعة أعوام فقط، فضلاً عن أنهم قد ضاقوا ذرعًا بأجهزة الإشراف والمراقبة كلها، والتي تعتبر المحك الحقيقي للنظام الديمقراطي. والأمر المؤكد هو أن إسرائيل كهذه تكون على استعداد أكثر فأكثر لأي شرّ، ولن يقف في طريقها أي شيء، فضلاً عن أن أي زعيم عنيف وخطر وأي جرائم حرب سيصبحان محل ترحيب وتأييد.

ويشدّد البعض على أنه لا توجد أي حاجة في إسرائيل لحدوث انقلاب عسكري، وذلك لأن المؤسسة الأمنية تحكم سيطرتها الكاملة على معظم مجالات الحياة (29).

على صعيد آخر فإن المحاولات المتواترة لما يسمى بـ "تنظيم صفوف اليسار" في إسرائيل تجري أساسًا من خلال مسايرة اليمين وإجراءاته إزاء المواطنين العرب، ومن خلال عدم الوقوف بالمرصاد على نحو حازم في وجه العنصرية التي تتجرّد من الأعلى ومن الأسفل على حدّ سواء. ولا بُدّ من الإشارة إلى أن ممارسة العنصرية، وتحديدًا إزاء الفلسطينيين في إسرائيل، ليست جديدة، لكن الجديد هو تحطيم كل الحواجز التي كانت في السابق تحول دون الكشف علنًا عن وجهها القبيح، وتسريع الخطوات الرامية إلى قوننتها. 

وإذا كان اتهام الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها تفتقر إلى أي رؤية أو طريق سياسية يبدو صحيحًا بالنسبة إلى الذين يتبنون رؤية أو طريقًا مغايرة فقط، فإن ما يجب توكيده بغض النظر عن الرؤية التي يتبناها هؤلاء، هو أن هذه الحكومة وعلى رأسها نتنياهو لديها رؤية تحاول من خلالها أن تتسبّب باستمرار الوضع السياسي القائم، أي الوضع الذي تقف في صلبه حالة اللاحرب واللاسلم على ما تنطوي عليه من شحنات خطرة.

بيد أن ذلك لن يبقى مرهونا برغبة إسرائيل وحدها. 

(انتهـى)

 

هوامش:

 

28) يديعوت أحرونوت 11/1/2011.

29) غدعون ليفي، هآرتس 29/4/2010.

التعليقات