«يساريون» لا يثقون باليسار

وأوضح شلحت أن الحديث عن انعكاسات نتائج الاستطلاع على الخارطة السياسية سابق لأوانه والتكهن بهذا الأمر منذ الآن لأن الصراع داخل القوى التي تُعد على اليسار في هذه الخريطة يدور بين "يسار" يميل إلى الوسط (حزب العمل) ويسار يعيش على حطام الماضي (حزب ميرتس)، بينما يحتل مركز الخريطة وسط يميل إلى اليمين، وربما يعبر أكثر شيء عن المزاج العام في الشارع الإسرائيلي.

«يساريون» لا يثقون باليسار

في أوج موجة التطرف في الشارع الإسرائيلي، نشرت صحيفة هآرتس نتائج استطلاع للرأي مثيرة للجدل وتنطوي على تناقضات تعكس التباينات وحالة التخبط داخل المجتمع، حيث أشارت النتائج إلى أن نسبة عالية من الإسرائيليين يحملون أفكارا «يسارية» لكنهم لا يثقون باليسار، مع أن اليسار في إسرائيل يختلف عن أي يسار آخر في العالم،  وبحاجة إلى تعريف.

الكاتب والمحلل السياسي أنطوان شلحت عقب على نتائج الاستطلاع (انظر خبر منفصل) أنه لا معنى لقراءة نتائج الاستطلاع من دون تحليل هدفه الرئيسي، وهو إعادة بناء ما يسمى بـ "اليسار الإسرائيلي". كذلك لا معنى لتحليل عملية إعادة البناء هذه من دون معرفة على أساس أي برنامج ستتم، هل على أساس البرنامج التقليدي لهذا اليسار الذي جرى إتباعه حتى الآن ولم يتكرّس على مستوى الرأي العام بل مٌني بالفشل الذريع على رغم كونه في الحد الأدنى المطلوب بالنسبة إلينا؟ أم على أساس جديد مغاير؟.

يُضاف إلى ذلك أن نتائج الاستطلاعات تكون عادة متأثرة بالأوضاع الموضوعية، وحاليًا فإن هذه الأوضاع تميل لمصلحة اليسار بسبب الحالة الاقتصادية- الاجتماعية، لكن معظم الجمهور الإسرائيلي ما زال وفقًا لنتائج الاستطلاع نفسه ينظر إلى اليمين باعتباره أفضل من يتولى معالجة المسائل المرتبطة بـ "الأمن القومي الإسرائيلي"، وهذه المسائل ما زالت وستبقى لها الأولوية في جدول أعمال إسرائيل.  وعن تفسير ظاهرة الإسرائيليين الذين يؤمنون باليسار ولا يثقون بقدرته على خلق بديل حقيقي لحكم اليمين  قال بأن هؤلاء الأشخاص يؤمنون باليسار ظنًا منهم أنه أفضل من اليمين لمعالجة الأوضاع الداخلية وذلك تحت وطأة تدهور هذه الأوضاع من سيء إلى أسوأ. ولذا فإن الأحزاب اليسارية لا تعتبر في الوقت الحالي خيارًا سياسيًا بالنسبة إليهم، وليس من المبالغة القول إنها لا تعتبر خيارًا سياسيًا بالنسبة إلى إسرائيل عمومًا، إلا إذا ثبت العكس بموجب نتائج انتخابات حقيقية لا بحسب مجرّد توقعات.

في حين اعتبر الباحث مطانس شحادة أن هذه النتائج لا تفاجئ احد ولا تحمل جديد، وهي تعكس بشكل دقيق الواقع الإسرائيلي، وتعزز ما يُدّعى منذ سنوات ان لا يسار حقيقي في دولة إسرائيل، وان هناك اجماع سياسي جديد في المجتمع الإسرائيلية، وان تركيبة الكنيست الحزبية والسياسات الحكومة تعكس هذا الاجماع. فمن خلال بحث الدكتوراه  الذي يقوم به لاحظ أن المواقف السياسية والثقافة السياسية للمجتمع اليهودي في اسرائيل منذ العام 1992 ولغاية العام 2009، من خلال استطلاعات تجرى قبل كل انتخابات يعدها المعهد الاسرائيلي للديمقراطية، ان هناك مسار تحول واضح في الثقافة السياسية والمواقف السياسية للمجتمع اليهودي منذ العام 1996 ولغاية الان، تشير الى تبني مواقف سياسية اثنو-قومية يمينية تهدف الى الحفاظ على السيطرة والتفوق اليهودي داخل إسرائيل، من جهة، وترفض مبادئ السلام العادل والشامل مع الطرف الفلسطيني وتقبل ظاهريا اتفاقية سلام مع الطرف الفلسطيني وفقا للشروط الاسرائيلية. اي دون العودة الى حدود ال 67، وإرجاع القدس، وعودة الأجئين، ودون اخلاء معظم التجمعات الاستيطانية الكبيرة في المناطق الفلسطينية المحتلة. وبذلك هناك تشابه كبير بين مواقف المجتمع اليهودي والطرح السياسي المهيمن الذي طرحة ايهود براك حين كان رئيس وزراء والذي يطرحه نتنياهو اليوم.

وعن تعريف اليسار قال شلحت أن اليسار في إسرائيل ما زال مرتبطًا أكثر شيء بتأييده "حل الدولتين" الذي لفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يسار ضبابي في كل ما يتعلق بالمطالب الاقتصادية- الاجتماعية. سينشأ يسار حقيقي في إسرائيل إذا ما تبنى شعار العدالة السياسية والاجتماعية، سواء إزاء القضية الفلسطينية والفلسطينيين في الداخل، أو إزاء الفئات المستضعفة. وحتى الآن لم تظهر أي بوادر إلى نشوء يسار كهذا في الخريطة السياسية الإسرائيلية.

أمّا شحاده  في تعريفه لليسار الاسرائيلي قال بأن الادعاء لدى معدي الاستطلاع ان قرابة نصف المجتمع يدعم مواقف اليسار فيه تشويه وخلل ناتج عن عطب في تعريف اليسار واليمن في اسرائيل. أي ان معدي الاستطلاع وقعوا في فخ الاجماع الإسرائيلي التقليدي الذي  استعمل تعريف مبتور يقوم بالأساس على مواقف المجتمع والأحزاب تجاه الاحتلال الاسرائيلي للمناطق المحتلة عام 67. أي من يؤيد انهاء الاحتلال يعد يساري ومن يعارض ذلك فهو يميني. وقد غابت عن هذا التعريف مبادئ كونية اساسية لتعريف يمين ويسار، وغابت عنه المواقف في قضايا اجتماعية واقتصادية اخرى. وكذلك لم يكن هناك أي خلاف عميق بين ما يسمى يسار او يمين تجاه تعريف دولة اسرائيل كدولة يهودية او في جانب الموافق تجاه حق الفلسطينيين في الداخل. ناهيك انه في السنوات الاخيرة تغير هذا الواقع وتقاربت معظم الاحزاب الكبيرة في طرحها الاقتصادي والسياسي وفي مواقفها من التفاوض مع الطرف الفلسطيني وفي طرحها لمعاني يهودية الدولة ومركزيتها في المشروع الصهيوني. ووفقا للتعريف الاسرائيلي والذي استعمل في الاستطلاع، فان من يؤيد اقامة دولة فلسطينية وفقا للشروط الاسرائيلية (أي اللاءات الاربع المشهورة) فهو يساري، وفي الوقت نفسه يعارض حق العودة ويريد الحفاظ على يهودية اسرائيل والتفوق اليهودي فيها. هذا الانفصام في تعريف اليسار او اليمين لا يزعج معدي الاستطلاع المذكور.    

وأوضح شلحت  أن الحديث عن انعكاسات نتائج الاستطلاع على الخارطة السياسية سابق لأوانه والتكهن بهذا الأمر منذ الآن لأن الصراع داخل القوى التي تُعد على اليسار في هذه الخريطة يدور بين "يسار" يميل إلى الوسط (حزب العمل) ويسار يعيش على حطام الماضي (حزب ميرتس)، بينما يحتل مركز الخريطة وسط يميل إلى اليمين، وربما يعبر أكثر شيء عن المزاج العام في الشارع الإسرائيلي.

فيما رأى شحاده أن نتائج الاستطلاع تشير ايضا ان الوضع السياسي القائم سوف يستمر كما هو وان احزاب اليمين سوف تستمر في الحكم ولا يوجد تهديد جدّي على سيطرتها، خاصة في ظل دعم كبير لمواقفه في الاجيال الشابة. واعتقد انه حتى لو تغير، جدلا، الحزب الحاكم فان السياسات والمواقف لن تتغير لأنها تعكس مواقف الجمهور الاسرائيلي.  لذلك من الصعوبة بمكان التفكير في تغيير جدّي قد يحصل على الخارطة السياسية الحزبية في إسرائيل.
 

التعليقات