"الله إسلام" وتسفي يحزكيلي: تزييف، تخويف وتحريض

يحزكيلي من خلال فيلمه هذا لا يحرض ضد المسلمين والعرب فقط، بل يسعى دائما لإدخال فلسطين في هذا السياق أيضًا من خلال حركة التضامن في الشارع الأوروبي مع الشعب الفلسطيني وتصوير الأمر على أنه لا سامية ضد اليهود يقودها الإسلام المتطرف. وعلى ما يبدو إعادة بث الفيلم بعد عامين وفي هذه الفترة بالذات، لم يأت من فراغ، في الوقت الذي كان فيه الإعلام الإسرائيلي جزءًا من قرارات المؤسسة العسكرية خلال العدوان الأخير وبشكل واضح ووقح: أنه التزييف والتخويف والتحريض.

الملصق الدعائي للسلسلة الوثائقية

 أعادت القناة العاشرة الإسرائيلية قبل أسبوع، بث الفيلم الوثائقي "الله إسلام" الذي أنتجته عام 2012 وقام بإعداده الصحافي الإسرائيلي تسفي يحزكيلي، "المتخصص" بشؤون العرب في القناة، والذي يتحدث عن التحقيق الصحافي الذي قام به يحزكيلي في عدد من المدن الأوروبية ليظهر في فيلمه الممتد على أربعة أجزاء كل جزء منه قرابة الساعة، أن الإسلام يجتاح أوروبا ويفرض نمطًا جديدًا من الحياة على الأوروبيين، مختلفا عما تتميز به هذه الدول الديمقراطية.
 

ولعل إعادة بث الفيلم في هذه الفترة جاء بقرار من القناة العاشرة، لإستغلال الفرصة في أجواء الحرب على غزة وصعود نجم «داعش» في المنطقة التي بدأت تأخذ حيزًا في التغطية من قبل الإعلام الإسرائيليوفي قراءة في الفيلم الذي حمل عنوانا جذابا لفضائية إسرائيلية "الله إسلام" وكلّف انتاجه ملايين الشواقل، تتلخص مقولة يحزكيلي فيه بجملة بسيطة يحب أن يسمعها الرأي العام الإسرائيلي واليمين الأوروبي: الإسلام دين ارهابي والمسلمون شعوب متخلفة، واليوم العالم الحر المتمثل بأوروبا في خطر بسبب تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين، ونمط الحياة يتغير عن السابق بسبب هذا "الغزو" الإسلامي.

هذه هي الخلاصة التي يقدمها الفيلم حول قضية اللاجئين والإسلام في أوروبا، فالمنظور الإسرائيلي لهذه القضايا ليس وليد هذ الفيلم، بل هي العقلية التي خططت منذ البداية لحاجة إنتاج هذا الفيلم، خصوصًا من صحافي خدم في المخابرات العسكرية ولديه علاقات جيدة مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، ويتحدث اللغة العربية.

تخويف
يركز الفيلم على فكرة أساسية تتمحور حول كون المسلمين في أوروبا انفصاليين بينهم جماعات دينية متشددة لديها أجندة تناقض القانون الأوربي وتستغل الحياة الديمقراطية لتنفيذ مآربها للسيطرة على القارة العجوز، مستغلًا بذلك بعض الأحداث والوقائع التي حصلت وتضخيمها وعرضها بشكل على أنها القاعدة لا الاستثناء وإخراجها من سياقها، ويتعامل مع المسلمين والعرب في أوروبا من وجهة نظر استشراقية، طبعًا دون  الإشارة إلى اندماج الكثير من المسلمين في أوروبا كمواطنين، ووصول العديد منهم لمناصب سياسية ومواقع اجتماعية مؤثرة وانخراطهم في المشهد الثقافي، والإصرار طيلة الوقت على تصوير العلاقة بين الأوروبي والمسلم كعلاقة متوترة وسيئة وستنفجر يوم ما، دون عرض أي نموذج لحالة التعايش الطبيعية لغالبية المسلمين في أوروبا.


ولتحقيق ذلك، لم يعتمد يحزكيلي على القصص التي عرضها في الفيلم فقط، بل على التقنيات المستعملة مثل الموسيقى التي كان لها دور مركزي وأساسي في خدمة أجندة الفيلم، إذ تكون دائمًا موسيقى خطر وترهيب في خلفية المشاهد عندما يتم الحديث عن الإسلام، أو عرض مكثف لصور نساء محجبات أو منقبات يمشين في الشارع للتدليل على أحد أشكال "الاحتلال" الجاري، بالإضافة لطريقة التصوير والزوايا والإطار الذي يُصور به المشهد.

تحريض
وبإمكان المشاهد ملاحظة المقولة الأساسية من خلال الفقرة الإفتتاحية للفيلم التي تظهر فيها أعلام الدول الأوروبية تتحول إلى أعلام إسلامية، وهي بالطبع مقولة تحريضية ضد العرب والمسلمين في أوروبا التي تخشى إسرائيل دورهم فيما لو تنظموا وتحولوا لقوة حقيقية تؤثر على السياسات الأوروبية فيما يتعلق بالقضايا العربية والقضية الفلسطينية، خصوصًا أن المشهد الأول في الفيلم يُظهر تسفي يحزكيلي في جنين خلال مسيرة في مخيم جنين خلال الانتفاضة الثانية، وأمامه قائد كتائب شهداء الأقصى في منطقة جنين في حينه زكريا زبيدي غاضبًا ويحمل السلاح ويقول له "تسفي .. هذه المرة أنت قدمت من إسرائيل.. المرة القادمة لا تستطيع القدوم"، وبعض اللقطات السريعة من خلال لقاءات له مع قادة ميدانيين في المقاومة يظهر فيها السلاح وعمليات إطلاق نار، ثم ينتقل لمشاهد ما وراء الكواليس وهو يحضر نفسه قبل الانطلاق في رحلته وهو يختار الكوفية التي سيلبس كي يكون مظهره كالمسلم، ثم مشهد آخر مبتذل جدًا عندما يسأله شخص من الخلف أثناء وقوفه أمام المرآة: هل ستحلق ذقنك؟ فيجيبه وهو يفرك ذقنه بيده وينظر إلى المرآة: سندعها كما هي.

وطبعًا قبل الانطلاق، مشهد آخر من وراء الكواليس، حيث يظهر يحزكيلي جالسًا على أرجوحة ويحمل ابنته الصغيرة كمن يودعها مع موسيقى هادئة، ثم يقول "أنا لست قادمًا من منطلق الخوف، هيا لا نخاف من المسلمين في أوروبا، هيا نكتشف ما هي قصتهم... السؤال هو هل هنالك إسلام جديد الذي يعيش هناك ولديه أجندته الخاصة ويربي جيلًا آخر".. وتبدأ الرحلة.

يبدأ يحزكيلي جولته في مدينة مالمو السويدية حيث تحولت المدينة في السنوات الأخيرة، لمدينة غالبيتها من اللاجئين، بسبب سياسة الحكومة السويدية المتساهلة بالموافقة على اعطاء أوراق اقامة للاجئين القادمين من مناطق تعيش صراعات حول العالم. يتحدث يحزكيلي مع أحد الشباب العراقيين الذي يدخله إلى منزله بعد أن أخبره يحزكيلي أنه يُعد فيلمًا يقارن فيه الحياة بين العراق والسويد مُخفيًا عنه أنه إسرائيلي، كما فعل مع جميع العرب والمسلمين الذين قابلهم، الأمر الذي يضرب مصداقية الفيلم ويطرح أيضًا سؤال مدى سهولة اختراق الجماعات السلفية التي كسب يحزكيلي (ضابط المخابرات سابقًا) ثقتها بسرعة.


وكان موقع "ميديا بلوغ" الإسرائيلي كشف في تقرير له، عن التزييف وعدم المهنية الذي اتبعه يحزكيلي في فيلمه من خلال عرض توصيف الشخصيات الأوروبية التي استضافها في الفيلم بشكل كاذب. فجأة يصبح لارس هدجراد عضو الحزب الدانش اليميني في الدنمارك لمؤرخ تاريخي وناشط يسار اشتراكي كما يبين في التوصيف، كذلك الأمر رفائيل دريي البروفيسور في العلوم السياسية ومختص في دراسة التاناخ والمعروف عنه في فرنسا بأرائه المعادية للقضية الفلسطينية والمسلمين، يتم توصيفه على أنه اشتراكي ومختص في قضايا اللاجئين. زان لواي برويير الذي وُصف كقاضي سابق ومختص في في قضايا الارهاب، إلا أنه في حقيقية الأمر، رجل سياسي ناشط في حزب اليمين الفرنسي، وتعرض لنقد واسع من جمعيات حقوق الإنسان أثناء فترة خدمته في الشرطة بسبب أسلوب التحقيق الذي يتبعه.

حاول يحزكيلي أن يُظهر أنه يستعرض جميع الآراء الأوروبية حول الموضوع من مختلف التيارات أو من أشخاص مهنيين، لكنهم في حقيقة الأمر محسوبين على اليمين المعروفة مواقفه في مثل هذه القضايا.

خلال الفيلم، يستشعرض العديد من أشرطة الفيديو من الارشيف على أنها مواجهات بين المهاجرين والشرطة، كما حدث عند حديثه عن مالمو، على أنها احتجاجات للاجئين استعملوا فيها العنف ضد شرطة البلد الذي يستضيفهم، ليتبين بعد الفحص، أن المواجهات هذه حصلت بين نشطاء يسار سويديين والشرطة أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008/2009 خلال لعبة كرة تنس للمنتخب الإسرائيلي في مالمو.

وفي مقطع آخر أيضا من مالمو، يُظهر يحزكيلي فيديو لمواجهات بين مهاجرين والشرطة، لكن يحزكيلي يقرر عدم ذكر سبب اندلاع المواجهات عام 2010، والتي كانت على خلفية قيام رجل سويدي باطلاق النار على 12 لاجئًا وقتلهم على مدار أشهر.


تزييف الأرقام
يتواصل تزييف يحزكيلي للمعطيات، إذ يستعرض نسبة زيادة العنف في السويد حسب معطيات الشرطة، إلا أنه لا يعرض حقيقة هذه الأرقام التي تقول أن 97% من أعمال العنف هي ضد مجموعات الأقليات، وان 83% نُفذوا على أيدي مجموعة الغالبية ضد الأقلية، أي أن المهاجرين واللاجئين هم من يعانون من اعمال العنف وليس كما يصوره الفيلم. بالإضافة لتضخيم أرقام أعداد اللاجئين المسلمين، بخلاف الأرقام الرسمية، وعند حديثه عن مالمو وصف كل العراقيين هناك بالمسلمين مع العلم أن غالبية العراقيين في مالمو هم من المسيحيين الذين تركوا العراق بأعداد كبيرة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. يتحدث يحزكيلي عن أن عام 2050 سيكون في معظم الدول الأوروبية أغلبية مسلمة من ناحية عدد السكان، لكن حقيقة الأرقام تقول أن نسبة المسلمين في الاتحاد الاوروبي اليوم هي 3.2% ونسبة المسلمين في كل دول أوروبا هي 7.2%، وفي عام 2050 سيكون نسبة المسلمين في كل أوروبا 10% ولا يتوقع أن تكون أغلبية مسلمة في أي بلد أوروبي. يحزكيلي يعطي معطيات كاذبة كتلك التي تقول أن المسلمين في الدنمارك يقاربون 180 ألف شخص وذلك يعني 24% من المجتمع حسب يحزكيلي، إلا أنه في الحقيقة نسبة المسلمين هي 1% من بلد يعد 16 مليون مواطن.

من المؤكد أن يحزكيلي لم يبحث عن الواقع الاجتماعي السياسي لهذه الشرائح الوتحديات التي تعيشها والمشاكل التي تواجهها داخل المجتمعات الأوروبية، ويتعامل معها على أنها العدو القادم. ينعكس ذلك في القصص التي عرضها، مثل انتفاضة ضواحي باريس عام 2005، وغيرها من بعض الاحداث الصغيرة في بعض المدن، مستغلًا مقابلة بعض الناشطين في الجماعات الجهادية والمتطرفة ليقول "هذا هو الإسلام.. هذا هو الخطر القادم" الذي لا يعرف أحد ماذا يحصل داخل مساجده، التي يعلمون فيها الدين الإسلامي واللغة العربية، وكأن أصبح تعلم اللغة العربية والدين الإسلامي تهمة.

يحزكيلي من خلال فيلمه هذا لا يحرض ضد المسلمين والعرب فقط، بل يسعى دائما لإدخال فلسطين في هذا السياق أيضًا من خلال حركة التضامن في الشارع الأوروبي مع الشعب الفلسطيني وتصوير الأمر على أنه لا سامية ضد اليهود يقودها الإسلام المتطرف. وعلى ما يبدو إعادة بث الفيلم بعد عامين وفي هذه الفترة بالذات، لم يأت من فراغ، في الوقت الذي كان فيه الإعلام الإسرائيلي جزءًا من قرارات المؤسسة العسكرية خلال العدوان الأخير وبشكل واضح ووقح: أنه التزييف والتخويف والتحريض.

 

التعليقات