انضمام فلسطين إلى الجنائية دولية يراكم مصاعب قضائية أمام إسرائيل

تناول أستاذ القانون الدستوري والقانون الدولي في جامعة تل أبيب، د. أيال غروس، انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، من جهة الإمكانيات القائمة، والصعوبة التي ستواجهها إسرائيل في التهرب من الدعاوى التي ستقدم إلى الجنائية الدولية

انضمام فلسطين إلى الجنائية دولية يراكم مصاعب قضائية أمام إسرائيل

تناول أستاذ القانون الدستوري والقانون الدولي في جامعة تل أبيب، د. أيال غروس، انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، من جهة الإمكانيات القائمة، والصعوبة التي ستواجهها إسرائيل في التهرب من الدعاوى التي ستقدم إلى الجنائية الدولية.

تناول بداية قرار المدعية في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عدم المضي في التحقيق في مجزرة سفينة مرمرة، ما يعني أنها قررت ذلك بالرغم من أنها توصلت إلى نتيجة مفادها أن هناك أساسا معقولا للاعتقاد بأن جرائم حرب قد وقعت على متن السفينة، وذلك استنادا إلى حقيقة أن مدى خطورة الحادثة لا تدعو إلى تفعيل صلاحيات الجنائية الدولية.

في المقابل، فإن ما بعض ما حددته المدعية العامة من حقائق بهدف اتخاذ مثل هذا القرار يدعو إسرائيل إلى القلق، وخاصة عندما أعلنت فلسطين عن انضمامها إلى المحكمة الدولية، وذلك من جهة إشارة المدعية، على سبيل المثال، إلى أنه في حين تدعي إسرائيل أنها لم تعد محتلة لقطاع غزة، فإن الموقف المعمول به في المجتمع الدولي يشير إلى أن درجة وحجم السيطرة الإسرائيلية على القطاع، بعد 'فك الارتباط'، يجعلها قوة محتلة.

وبحسب غروس، في تحليل نشرته صحيفة 'هآرتس' اليوم الجمعة، فإن إغلاق 'ملف مرمرة' بسبب نوعية الخطورة، ينبع من أن دستور المحكمة الدولية يحدد أنه "يكون للمحكمة صلاحيات، بشأن جرائم حرب، عندما تنفذ كجزء من خطة أو سياسة أو من تنفيذ جرائم حرب واسعة النطاق". وفي حالة 'مرمرة' فإن الحديث عن حالة منفردة مع عدد قليل من الضحايا. كما شددت المدعية على أن المحكمة ليس لها صلاحية على أحداث وقعت في السياق الواسع للصراع 'الإسرائيلي الفلسطيني'، وأن وضع المدنيين في قطاع غزة هو من شأن المجتمع الدولي، وليس المحكمة الدولية.

ويضيف أن انضمام فلسطين، هذا الأسبوع، سوف يغير الصورة بشكل تام، حيث أن المدعية ستضطر الآن إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم التعامل مع فلسطين كدولة تستطيع الانضمام إلى المحكمة الدولية. وأشار في هذا السياق أن المدعي العام للمحكمة في نيسان (أبريل) من العام 2012 قرر عدم فحص ادعاءات الفلسطينيين بشأن جرائم حرب ارتكبت خلال الحرب العدوانية على قطاع غزة في كانوني 2008 – 2009، والتي أطلق عليها 'الرصاص المصبوب'، وبذلك بعد أن قرر أنه ليس من الواضح ما إذا كانت فلسطين هي دولة، باعتبار أن دستور المحكمة ينص على أن الدول فقط تستطيع الموافقة على الحكم في جرائم ارتكبت على أراضيها. كما أشار المدعي في حينه إلى أن فلسطين تعرف في الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنها 'مراقبة'، وليس 'دولة غير عضو'. وبالنتيجة فإن تغير الوضع سيفتح الباب أمام المدعي لفحص ادعاءات بارتكاب جرائم حرب في فلسطين.

بعد ذلك حصلت متغيرات، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) اعترفت الجمعية العامة بفلسطين كـ'دولة غير عضو' في الأمم المتحدة.

ويضيف غروس أن الوضع اليوم سوف يصعب على المدعية القول إن مصير السكان الفلسطينيين يقع خارج صلاحيات المحكمة، فالاعتراف بفلسطين كدولة، وانضمامها إلى ميثاق روما، من المتوقع أن يوسع صلاحيات المحكمة إلى كل الأراضي الفلطسينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

كما تناول غروس نوعية القضايا التي يمكن أن تصل إلى المحكمة الدولية، مشير إلى أن قتل مدنيين فلسطينيين من قبل إسرائيل، من شأنه أن يثير تحقيقات، إضافة إلى مقتل إسرائيليين من قبل فلسطينيين، في إطلاق صواريخ مثلا. ولكنه يلفت إلى أنه في حين يحمل المسعى الفلسطيني مخاطر على الفلسطينيين، فإنه يجب تذكر أنه عندما يكون الحديث عن فلسطينيين يهاجمون إسرائيليين، فإنهم يواجهون سياسة الاغتيالات أو المحاكمة والسجن، بينما يتمتع الإسرائيليون حتى اليوم بحصانة، وبالتالي فإن المسعى الفلسطيني يهدف إلى إلغاء هذه الحصانة.

كما تجدر الإشارة إلى أن دستون المحكمة الدولية يمنع، مثل ميثاق جنيف الرابع، نقل سكان مدنيين من الدولة المحتلة إلى الأراضي المحتلة، وتعتبر ذلك على أنه جريمة حرب. كما يفتح الباب أمام إجراءات ضد مسؤولين إسرائيليين يتحملون المسؤولية عن البناء في المستوطنات، علما أن إسرائيل كانت تدعي في السابق أن الاستيطان ليس ممنوعا بحسب القانون الدولي، حيث أن ميثاق جنيف لا يسري على أراض لم تكن تتمتع بسيادة من قبل، ولكن هذا الادعاء رفض من قبل المجتمع الدولي، وخاصة من قبل المحكمة الدولية في لاهاي، وذلك في وجهة النظر التي أصدرتها بشأن جدار الفصل.

وكتب غروس أن هناك من يعتقد أن المحكمة الدولية لن تنشغل بالاستيطان بادعاء أنه ليس الحديث عن جرائم حرب خطيرة، مثل قتل مدنيين، ولكن من الممكن أن تعتقد المحكمة الجنائية الدولية بأن الاستيطان ليس أقل من قتل المدنيين وأنه يقع في صلب نظام الاحتلال الإسرائيلي ويصادر حق تقرير المصير من الفلسطينيين.

إلى ذلك، يشير الكاتب إلى أن دستور المحكمة الدولية ينص على عدم تناول قضية أجرت الدولة المعنية تحقيقا بشأنه. ولذلك فمن المتوقع أن تدعي إسرائيل أنها أجرت تحقيقات في قضايا ذات صلة بقتل مدنيين فلسطينيين من قبل إسرائيل، خلال الحرب على غزة أو في أحداث أخرى، علما أن ذلك لا ينسحب على المستوطنات حيث أن الحديث عن سياسة حكومية معلنة.

وتوقع غروس أن تحاول المدعية في المحكمة الجنائية الدولية التخلص من كل ملف يتصل بـ'الصراع الإسرائيلي الفلسطيني'، وذلك بهدف تجنب التصادم مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، مع الإشارة إلى أنه بالنظر إلى كون غالبية الملفات التي تعالجها الجنائية الدولية ضد متهمين من أفريقيا، فإنها سترحب بملفات تفند الادعاءات بأنها تلاحق القارة السوداء.

وينهي الكاتب بالقول إنه حتى في حال تقديم دعاوى ضد إسرائيليين، فإن محاكمتهم لن تتم بدون تسليمهم إلى المحكمة الدولية، وهو احتمال يبدو ضئيلا جدا، ومع ذلك يبدو أن الطريق قد فتحت أمام تعقيدات قضائية دبلوماسية مربكة. ويشير على سبيل المثال، إلى أن قرار المحكمة الإسرائيلية العليا الإشكالي هذا الأسبوع، والذي صادق على سياسة هدم البيوت من قبل جيش الاحتلال، يدل على الفجوة بين المواقف القضائية الإسرائيلية، وبين التقاليد الدولية المتبعة، حيث أن هدم بيوت المدنيين قد يعتبر كجريمة حرب بحسب ميثاق روما. وهذا مثال واحد فقد على المخاطر القضائية الجديدة التي يقود المسعى الفلسطيني إسرائيل إليها.

التعليقات