الطغمة اليمينية تأخذ إسرائيل نحو الفاشية

حملة حركات اليمين ضد المنظمات الحقوقية والحركات اليسارية في إسرائيل، نابعة بالأساس من استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية والتوسع الاستيطاني. ومن هذه الناحية، فإن هذه الحملة قد لا تكون مفاجئة

الطغمة اليمينية تأخذ إسرائيل نحو الفاشية

"إم تيرتسو" بدأت برواية متخيلة لنفي النكبة

حملة حركات اليمين ضد المنظمات الحقوقية والحركات اليسارية في إسرائيل، نابعة بالأساس من استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية والتوسع الاستيطاني. ومن هذه الناحية، فإن هذه الحملة قد لا تكون مفاجئة. إذ توقع مفكرون وباحثون إسرائيليون انتقال الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين إلى داخل الخط، وليس ضد الأقلية العربية فقط، وإنما ضد مجموعات يهودية مناهضة للاحتلال.

ولم يقتصر نشاط اليمين على حملات إعلامية ضد اليسار الإسرائيلي، أو من تحدث عن سلام مع الفلسطينيين، وإنما تجاوزتها إلى حد الاعتداءات الجسدية والاغتيالات. فبعد الحرب العدوانية الإسرائيلية في العام 1967 حاول متطرفون اغتيال النائب الشيوعي ماير فلنر، بسبب موقفه ضد الحرب، وأصيب بجروح خطيرة. وفي العام 1983 قُتل الناشط اليساري إميل غرينتسفايغ جراء إلقاء ناشط يميني قنبلة باتجاه مظاهرة نظمتها حركة 'سلام الآن'. وفي العام 1995 اغتال ناشط في اليمين المتطرف رئيس الحكومة، يتسحاق رابين، بعد حملة تحريض ضده، ويتهم رئيس المعارضة حينذاك، بنيامين نتنياهو، بأنه أحد قادة هذه الحملة.

ولم تتوقف هذه الاعتداءات في السنوات الأخيرة، حيث جرى زرع عبوة عند مدخل منزل المؤرخ الإسرائيلي اليساري، زئيف شطرنهل. وكُتبت شعارات مسيئة على مداخل وأبواب بيوت ناشطين يساريين، بينهم مديرة دائرة الاستيطان في 'سلام الآن'، حاغيت عوفران. وقائمة هذه الأحداث قد تطول.

واللافت أن حملات التحريض والجرائم هذه كانت تجري في أحيان متباعدة. لكن في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ عودة نتنياهو إلى الحكم وترسخ حكم اليمين واليمين المتطرف، باتت وتيرة حملات التحريض أكثر تسارعا، وخاصة ضد الفلسطينيين، بهدف تعميق الاستيطان بالأساس ومنع إمكانية أي حل سلمي. فقد تصاعدت جرائم 'تدفيع الثمن' الإرهابية ضد الفلسطينيين، وأصبحت ترتكب يوميا، ووصلت حد إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما.

ورغم أن العديد من حركات اليمين المتطرف تشكلت قبل عودة نتنياهو إلى الحكم، لكنها لم تكن تشن حملات تحريض كالتي تجري منذ عودة نتنياهو في العام 2009. وما يميز حركات اليمين الحالية، هو سعيها إلى التحريض على الحركات والشخصيات اليسارية، علما أنها بغالبيتها العظمى تنتمي إلى اليسار الصهيوني، بهدف ترسيخ حكم اليمين.

ويعني ذلك أنه تنشأ في إسرائيل أجواء مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في بداية العقد الماضي وما قبله، رغم سياسة الاستيطان والعداء للعرب التي كانت سائدة حينذاك أيضا. ويصف رموز في اليسار الصهيوني، وحتى في اليمين 'العقائدي والليبرالي'، حملات التحريض اليمينية الحالية والاعتداءات ضد الفلسطينيين، وكلاهما يجريان في إطار سياسة واحدة، بأنها 'نازية جديدة' و'فاشية'، إلى جانب الأوصاف العادية، مثل معاداة الديمقراطية وانحسارها.

'مندسون'

بدأت حركة 'إم تيرتسو'، التي تأسست في العام 2006، حملاتها بالتحريض ضد الفلسطينيين ونفي النكبة والترويج لرواية تاريخية متخيلة.

ووفقا لموقعها الالكتروني، فإن 'إم تيرتسو' تتطلع إلى 'وجود مجتمع صهيوني وفيه نخبة ترى بنفسها جهة أساسية لقيادة المشروع الصهيوني'، وتعتبر أن إسرائيل هي 'الدولة القومية للشعب اليهودي، المختلف عن باقي الشعوب بسبب هويته، قيمه وغايته المتميزة'. وتدعو الحركة إلى 'تعزيز الهوية اليهودية – القومية' من خلال 'تفنيد أكاذيب الدعاية المعادية لإسرائيل، والتنديد بالمنظمات التي تشوه وجه إسرائيل وتشجع ممارسة ضغوط خارجية على إسرائيل تحت غطاء نشاط اجتماعي' في إشارة إلى المنظمات والحركات اليسارية الإسرائيلية أيضا.

ويرى باحثون في موضوع العلوم السياسية والتاريخ، وبينهم الدكتور عوفر كاسيف من الجامعة العبرية في القدس، إن 'إم تيرتسو' تتطابق بشكل كامل مع حركات نازية ظهرت قبل الحرب العالمية الثانية في ألمانيا.

وشنت 'إم تيرتسو' ومنظمة 'عاد كان' (حتى هنا) اليمينية، قبل أسابيع قليلة، حملة تحريض ضد المنظمات الحقوقية والحركات اليسارية في إسرائيل، بواسطة فيلم قصير بعنوان 'مندسون'، لتقول إن النشطاء الحقوقيين واليساريين هم خائنون.

وتلا هذه الحملة، حملة أخرى ضد أدباء وفنانين مسرحيين، بعنوان 'مندسون في الثقافة'، بسبب علاقاتهم مع المنظمات الحقوقية، من خلال عضويتهم في مجلس إدارة منظمة 'بتسيلم' أو 'ييش دين' أو 'نكسر الصمت'، التي تكشف عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

وتذكر 'إم تيرتسو' في الحملة التحريضية الجديدة الممثلة المسرحية غيلا ألماغور، والمغنيتين رونا كينان وحافا ألبرتشطاين، والأدباء أبراهام يهوشواع وعاموس عوز ودافيد غروسمان ورونيت مطلون، وهم أعضاء في المجلس العام لمنظمة 'بتسيلم' الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، والكاتب المسرحي يهوشواع سوبول، عضو اللجنة العامة لمنظمة 'ييش دين'، والمغني شأنان ستريت، عضو المجلس الدولي ل'صندوق إسرائيل الجديد' وقرأ إفادات حول ممارسات الاحتلال في أمسية نظمتها منظمة 'نكسر الصمت'.

وبرر مدير عام حركة 'إم تيرتسو'، متان بيلغ، الحملة التحريضية ضد المثقفين بأن الأخيرين ينتقدون حكومة نتنياهو 'في كل مرة يحاولون فيها تنفيذ المهمة التي ألقاها الشعب عليهم بأكثر صورة ديمقراطية وشرعية'.

ولاحقت حركة 'عاد كان' الناشط اليساري عيزرا ناوي، من حركة 'تعايش'، بادعاء أنه أبلغ عائلة سمسار أراض فلسطيني بأنه أبرم صفقات مع مستوطنين. وقال رئيس 'عاد كان'، غلعاد آخ، إن حركته دسّت عشرات من نشطائها في منظمات وحركات يسارية بادعاء الكشف عن أنشطتها.

وقال آخ لصحيفة 'ماكور ريشون' إن 'أشخاصا مثل عيزرا ناوي يتلقون أموالا من منظمات أخرى، ترى أهمية بأن تبدو كأنها صهيونية وتستخدمه كمقاول ثانوي لنشاط ضد الجيش الإسرائيلي'.

وبحسب الموقع الالكتروني لهذه الحركة اليمينية، فإن 'جنود الجيش الإسرائيل وضباطه متهمون بارتكاب جرائم حرب، ودولة إسرائيل تفقد حرية العمل في جهودها من أجل الدفاع عن مواطنيها والحفاظ على طابعها، وفي موازاة ذلك الاقتصاد الإسرائيلي مهدد بالمقاطعة من جانب جهات تجارية ودول'.

وتعتبر حركة 'عاد كان' أن 'النضال الإعلامي الإسرائيلي يواجه صعوبة بالتصدي للمنظمات المعادية لإسرائيل الذين يقودون من داخل الدولة أنشطة نزع الشرعية وحركة المقاطعة العالمية، من خلال تلقي تمويل أجنبي واستثمار موارد بشرية وأموال طائلة'.

'مؤشر فاشي'

أثارت حملة 'مندسون في الثقافة' ردود فعل غاضبة وأوسع من تلك التي أثارتها حملة 'مندسون'. وقال عضو الكنيست بيني بيغن، أحد رموز اليمين العقائدي، إن 'البحث ووسم أشخاص وكأنهم خائنون هو مؤشر فاشي قديم وبشع وخطير'.

ولم يرَ رئيس كتلة 'المعسكر الصهيوني' والمعارضة، يتسحاق هرتسوغ حملة 'إم تيرتسو' بالخطورة نفسها التي رآها بيغن. واعتبر أن 'المكارثية تحاول السيطرة على إسرائيل. وفخر إبداع فناني وأدباء إسرائيل سيبقى إلى الأبد. والمكارثية الإسرائيلية والأصفار التي تقودها سيختفون مثلما اختفوا في الولايات المتحدة. والسؤال فقط هو متى وكم سيكلفنا ذلك؟'.

يشار إلى أن الأدباء والمسرحيين والفنانين الذين تشملهم حملة 'مندسون في الثقافة' هم أبرز رموز الثقافة الصهيونية. ولذلك، قال رئيس الشاباك الأسبق وعضو الكنيست عن حزب 'ييش عتيد'، يعقوب بيري، إن 'القول إن عيدنا مازي وعاموس هوز هم مندسون هو مثل وضع رابين في زي أس – أس' في إشارة إلى الجيش النازي.

وانتقد رئيس حزب 'البيت اليهودي' اليميني المتطرف ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، هذه الحملة ضد المثقفين، وكتب في حسابه في 'تويتر' إن 'الحملة ضد الفنانين محرجة ولا داعي لها ومهينة'. ويبدو أن بينيت سمح لنفسه بانتقاد 'إم تيرتسو' لأن هذه الحركة تنشط من أجل ترسيخ حكم حزب الليكود، وخصوصا نتنياهو.

استخدام مصطلحات مثل 'فاشية' في إسرائيل ليس جديدا. فقد استخدم المفكر والفيلسوف الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتش عبارة 'يهودوناتسيم' (أي اليهود النازيون) في إشارة إلى يهود إسرائيليين لديهم 'عقلية نازية'. واستخدم ليبوفيتش هذه العبارة لأول مرة أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982، بعد سماح لجنة إسرائيلية رسمية بممارسة التعذيب ضد أسرى.

وحذر المؤرخ الإسرائيلي شطرنهل، وهو أحد أبرز الباحثين في العالم في موضوع الفاشية، من أن 'الديمقراطية الإسرائيلية تواجه خطر الانهيار'، وأنه 'في الفترة القريبة لن نتمكن من القول لأنفسنا إننا الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. فقسم كبير منا لم يعد يؤمن بذلك منذ الآن. لكن حتى أولئك الذين يؤمنون أو يتصنعون أنهم يؤمنون بهذا الأمر، لن يتمكنوا من قول ذلك لأنفسهم هم أيضا'.

وقال شطرنهل في مقابلة لصحيفة 'هآرتس'، نُشرت في آب/ أغسطس 2014، إن أداء وسائل الإعلام الإسرائيلي يتراجع في موازاة انحسار الديمقراطية. وشدد على أن 'إفلاس وسائل الإعلام الجماهيرية في هذه الحرب مطلق. إذ ليس سهلا أن تقف مقابل قطيع، ويمكن أن تداس بسهولة... وعملية الانزلاق نحو الفاشية وصل ذروة مخيفة في الجُرف الصامد' أي العدوان على غزة في صيف 2014.

وأضاف أنه 'في فترة جيدة، عندما يبدو أن الأمور تسير بشكل جيد، فإننا نبتسم ونقول: ’حسنا، ميري ريغف مبتذلة’. لكن أثناء الأزمة، والآن نحن نواجه أزمة، فإن من يعترض على هذا النظام وينتقده، يخاف من الخروج إلى الشارع'.

وأول من أمس الأربعاء، استقبلت ريغيف، التي تتولى وزارة الثقافة في حكومة نتنياهو الحالية، بغضب قسم كبير من الحضور أثناء دخولها قاعة مسرح 'هبيما' في تل أب. وقالت لدى صعودها إلى المسرح لإلقاء كلمة، إن 'الأجواء عاصفة بين الفنانين ووسائل الإعلام في أعقاب مشروع القانون الذي قدمته إلى المستشار القضائي للحكومة'، في إشارة إلى مشروع 'قانون الولاء في الثقافة' (على وزن 'المندسون في الثقافة')، الذي يمنع تمويل أعمال فنية لا تظهر ولاء لإسرائيل، والمقصود الانسجام مع لسياسة حكومة اليمين المتطرف الحالية.

في كلمتها، اعتبرت ريغف، التي دأبت منذ تعيينها بمنصبها الحالي على تقييد حرية الفنانين ومحاولة سحب تمويل مسارح، أنه 'أؤمن بالتمييز بين حرية التعبير وحرية التمويل. حرية التعبير هي ال’دي.ان.ايه’ لأي مجتمع ديمقراطي. ولا توجد لدي أية نية للانشغال بحرية التعبير، بالرقابة أو بمضمون كهذا أو ذاك. رغم ذلك، لن أوافق على أن تمول الدولة باسم حرية التعبير من يتآمرون على وجوده كدولة يهودية وديمقراطية'.

وينص مشروع القانون الذي قدمته ريغف على أن تسحب الدولة ميزانيات ممن ينتقد علم الدولة أو رموزها أو يحقرها، وضد من يحيي 'يوم استقلال' إسرائيل كيوم حداد، ما يعني أن هذا القانون يستهدف المؤسسات العربية بالأساس.

'اليسار يعاني من مشكلة نفسية جماعية'

تهجمات 'إم تيرتسو' وعاد كان' وقانون ريغف أثارت ردود فعل غاضبة من جانب فنانين وأدباء وصحافيين، خاصة وأن الهجوم جاء ضد رموز الثقافة الإسرائيلية. وقال نتنياهو ببعض التهكم 'إنني أعارض استخدام مصطلح ’خائن’ لوصف أولئك الذين لا يتفقون معي. فنحن نظام ديمقراطي. وفي الوقت نفسه معظم الجمهور الإسرائيلي يعارض ’نكسر الصمت’ بشدة'.

ونشرت حركة 'إم تيرتسو' في صفحتها على موقع 'فيسبوك' تعقيبا، اليوم الجمعة، على حملة 'المندسون في الثقافة'، جاء فيه أن 'طرحنا منشورا خاطئا حول موضوع هام جدا وجوهري ولذلك تحديدا كان علينا أن نكون حريصين أكثر. لم تكون هناك ’حملة’ ولم تكن هناك مقولات عن 'خائنين’. ونحن نتحمل المسؤولية كاملة ونتعهد بمواصلة العمل بإيمان كبير من أجل شعب إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلي'.  

لكن هذه تبقى تعليقات قصيرة ومتهكمة على المحتجين ضد حملات التحريض اليمينية، سواء من الحكومة أو من خارجها. ويبدو أن الأجواء السائدة من حول نتنياهو وطغمته، عبر عنها رئيس تحرير صحيفة 'ماكور ريشون'، حغاي سيغال، الذي أدين في بداية الثمانينيات بالعضوية في التنظيم السري اليهودي الإرهابي.

وكتب سيغال، في مقاله الأسبوعي اليوم، أن 'أنصح إخوتي اليساريين بأن يلتقوا بأقرب وقت ممكن خبراء في الصحة النفسية، اختصاصي نفسي، طبيب نفسي... نتائج الانتخابات الأخيرة أثارت جنون اليسار، ومنذئذ هم يواجهون صعوبة في الشفاء. وهم يثيرون أسبوعيا زوبعة في فنجان. مرة حول كتاب المدنيات الجديد (الذي ادعى أن العرب في إسرائيل ينفذون عمليات الطعن)... ومرة أخرى حول قانون الجمعيات المعادية، ومرة ثالثة حول حفل زفاف يميني (طعن صورة الطفل الشهيد علي الدوابشة)'.

واعتبر سيغال أن 'الإخوة الأعزاء يعانون من هلع وهمي حول نهاية الديمقراطية، ويروون لبعضهم قصصا وهمية حول نفتالي بينيت، ويشنون حربا ضروس ضد طواحين ميري ريغف...إنها مشكلة نفسية جماعية'.

التعليقات