إعدام الشريف بين "طهارة السلاح" و"الأخلاق اليهودية"

اللغة الدينية، التي تميز بين عرق وآخر، ولا ترى القيم الكونية مقدسة، تناسب الإسرائيليين تماما، فهي تحول أفعالا مثل التمييز والنهب والمصادرة وحتى سفك الدماء، من لا أخلاقية إلى جزء من الأخلاق اليهودية البديلة

إعدام الشريف بين "طهارة السلاح" و"الأخلاق اليهودية"

الشهيد الشريف

تثور في إسرائيل حالة شعبية وسياسية متصاعدة دعما للجندي القاتل، الذي أطلق النار على الجريح عبد الفتاح الشريف في الخليل والذي كان عاجزا عن الإتيان بحركة، وإعدامه ميدانيا، وتنضح وسائل الإعلام بالتشكيكات من كافة المستويات في جريمة قتل حصلت في وضح النهار وتم توثيقها، وهي الجريمة التي يفترض أن ينظر عليها في دولة سوية أو مجتمع سوي على أنها جريمة قتل متعمدة تقتضي إيقاع عقوبة القتل العمد بحق القاتل.

ربما كان من السهل، نسبيا، تبرير قتل المئات بل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بشتى الذرائع، بدءا من الخطأ وانتهاء بزعم أن عناصر المقاومة الفلسطينية كانوا يتخذون من المدنيين دروعا بشرية.

ولكن في حالة الشهيد عبد الفتاح الشريف والذي أعدم بدم بارد من قبل جندي، وهو مصاب وممدد على الأرض وغير قادر على الحراك، والتي تم توثيقها في ساحة كان يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي بشكل تام فإن الصورة تقتضي تبريرات وذرائع من نوع آخر، يقف في مركزها أن حق العرب في الدفاع عن ممتلكاتهم وحيواتهم هو حق يحتمل الانتزاع.

لم تجد نفعا مزاعم الجندي القاتل في البداية بأنه كان يخشى أن يكون الشريف يرتدي حزاما ناسفا، حيث أكدت مصادر في الجيش أنه تم استبعاد هذا الاحتمال في أعقاب الفحص، إضافة إلى أن الشهيد كان مصابا.

وبالنتيجة، ترتفع أصوات تتحدث عن 'طهارة السلاح' و'الأخلاق اليهودية' من زاوية أنها بديلة ومختلفة عن الأخلاق التي يعرفها البشر. ولعل ما أشار إليها الكاتب أفيعاد كلاينبيرغ، في صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، اليوم الأربعاء، يفصح عن هذه الذهنية العنصرية.

يقول كلاينبيرغ إن الإسرائيليين يميلون إلى استخدام اللغة الدينية، ليس فقط لأنها تشرعن ملكية للأرض، وإنما بسبب المنظومة الأخلاقية البديلة، بحيث لم يعد هناك حاجة إلى أخلاق كونية، مضيفا 'لقد تخلصنا في النهاية  من تهديد الأغيار، ولدينا أخلاق يهودية تناسبنا أكثر من الأخلاق الكونية بالضبط لكونها تميز بين عرق وآخر'.

وبالعودة إلى تصريحات الراف الرئيسي السفرادي، يتسحاك يوسيف، في سياق ذي صلة، أنه 'لا مكان للأغيار، وأن حقيقة وجودهم على أرض إسرائيل هو تعبير عن ضعفنا، وعندما تصبح يد إسرائيل قادرة سنلقي بهم إلى السعودية، باستثناء أولئك الذين سيبقون لخدمتنا'، فإنه تجدر الإشارة إلى أن هذه التصريحات لم تثر أية ردود شعبية، وهي ما اعتبرها كلاينبرغ على أنها 'تصريحات تبدو شرعية، بل وأخلاقية، فحقوق العرب بدءا من حقهم في الدفاع عن ممتلكاتهم وحتى الدفاع عن حيواتهم، في حالات معينة، هو حق نمنحه لهم'.

كما يشير الكاتب إلى أن الشريعة التوراتية لا تؤمن بالمساواة بين البشر، فهناك يهود وهناك غير اليهود، وهناك قواعد، وبضمنها قواعد أخلاقية، مختلفة لليهود وأخرى للأغيار، بحيث أنه، وبحسب كثيرين، فإن مقولة 'لا تقتل'، على سبيل المثال، تسري على اليهود فقط، ولكن ذلك لا يعني أنه يسمح بقتل الأغيار، وإنما يوجد لذلك أسباب أخرى وقواعد مختلفة عن تلك التي تسري على اليهود.

ويتابع أن هذه اللغة الدينية، التي تميز بين عرق وآخر، ولا ترى القيم الكونية مقدسة، تناسب الإسرائيليين تماما، فهي تحول أفعالا مثل التمييز والنهب والمصادرة وحتى سفك الدماء، من لا أخلاقية إلى جزء من الأخلاق اليهودية البديلة.

وفيما يبدو أنه تأكيد على على مزاعم الجيش في تمسكه بطهارة السلح والقيم الأخلاقية، فقد أرسل رئيس أركان الجيش، غادي آيزنكوت، مذكرة إلى الجنود في الجيش الإسرائيلي يؤكد فيها وقوف الجيش إلى جانب أي جندي يقع في الخطأ أثناء القتال، دون الإشارة إلى حجم الخطأ، الذي يقاس بأعداد الضحايا طبعا، إضافة إلى إنفاذ سلطة القانون ضد من يخرج عن المعايير العملانية والأخلاقية، بيد أنه يبقي بيد الجيش صلاحية تحديد هذه المعايير والبت في مسألة الخروج أو عدم الخروج عنها.

يقول آيزنكوت في المذكرة إن 'الجيش سيواصل تقديم الدعم لكل جندي يخطئ في لهيب المعركة مقابل عدو يعرض حياة المدنيين والجنود للخطر. ومع ذلك فلن نتردد في إنفاد سلطة القانون مع جنود وضباط يخرجون عن المعايير العملانية والاخلاقية التي يعمل بموجبها الجيش'.

ورغم الجرائم التي لا حصر لها والتي ارتكبها الجيش بحق الشعب الفلسطيني بوجه خاص، والعرب عامة، فإنه، أي الجيش، بحسب آيزنكوت قد 'نحت منذ إقامته على علمه قيم الالتصاق بالهدف، والسعي للانتصار، واحترم قيما مهمة، بضمنها كرامة الإنسان وطهارة السلاح'. وادعى أن هذه القيم تستند إلى ميراث يهودي يعود إلى غابر السنين.

وفي حين أكد المدعي العسكري، خلال جلسة للمحكمة العسكرية في 'كستينا'، أن الجندي القاتل أطلق النار بشكل متعمد، دون وجود حاجة عسكرية لذلك، وأنه خرق الأوامر العسكرية للضباط وقواعد الأمان وتعليمات إطلاق النار، فإن القاضي لم يجد غضاضة في القول إن الأدلة المتوفرة حتى الآن ضد الجندي ليست قاطعة.

وقال القاضي إن 'الأدلة المتراكمة تشير إلى اتجاهين بشأن القضايا المركزية المختلف عليها، مع الانتباه بشكل خاص إلى تعقيدات الحادث والظروف التي تكتنفه'.

اقرأ/ي أيضًا| المدعي العسكري: قاتل الشريف أطلق النار متعمدا وبدون مبرر

التعليقات