الضبابية النووية الإسرائيلية مجدية مع تنازلات مصر وأميركا

مصر تنازلت عن مطلب فرض رقابة على المنشآت النووية الإسرائيلية * إدارة أوباما تنازلت عن مطلب توقيع إسرائيل على الميثاق لمنع انتشار الأسلحة النووية

الضبابية النووية الإسرائيلية مجدية مع تنازلات مصر وأميركا

من مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أيلول 2016 (رويترز)

* إسرائيل لم توقع على الميثاق لمنع انتشار الأسلحة النووية

* مصر تخلت عن مطلب فرض رقابة على المنشآت النووية الإسرائيلية

* أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مواظب على رفض معالجة الوكالة الدولية للبرنامج النووي الإسرائيلي

* إسرائيل تدعم أمين عام الوكالة لولاية ثالثة في منصبه

* الولايات المتحدة تتنازل عن مطلب توقيع إسرائيل على الميثاق لمنع انتشار الأسلحة النووية

* إسرائيل باتت شريكة ومساهمة في أبحاث الوكالة العلمية، بما في ذلك ما يتصل بالبرنامج النووي الإيراني 


للمرة الأولى خلال 60 عاما، هي عمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تفتتح إسرائيل جناحا في المؤتمر السنوي للوكالة والذي يعقد في أيلول/ سبتمبر، حيث اجتمع الثلاثاء الماضي مجموعة من كبار المسؤولين في الوكالة في الجناح الإسرائيلي الذي افتتح في مبنى الوكالة في فيينا، رغم أن إسرائيل لم توقع بعد على الميثاق لمنع انتشار الأسلحة النووية.

وأشار تقرير نشرته صحيفة 'هآرتس' إلى أن الضبابية النووية التي اتبعتها إسرائيل بكل ما يتصل بمفاعلاتها وترسانتها النووية باتت مجدية، وجعلت من إسرائيل مقبولة أكثر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خلافا لمؤسسات دولية أخرى، وفي هذا الإطار سرعان ما تنازلت الإدارة الأميركية عن طلب توقيع إسرائيل على الميثاق لمنع انتشار الأسلحة النووية.

كما أكد التقرير تخلي مصر عن مواصلة تقديم مشاريع قرارات لفرض رقابة على المفاعلات النووية الإسرائيلية، وعزا التقرير ذلك إلى التطور الجدي والملموس في علاقات إسرائيل مع القاهرة، لدرجة جعلت مندوب مصر يتنازل عن طرح الموضوع في المؤتمر الأخير.

كما يتضح أن إسرائيل بين الداعمين لأمين عام الوكالة، يوكيا أمانو، خاصة في ظل إصراره على رفض فرض الرقابة على المنشآت النووية الإسرائيلية.

الجناح الإسرائيلي كان متواضعا مقارنة مع دول أخرى، حيث عرض الروس نموذجا مثيرا للمفاعل النووي الجديد الذي يروجون له، في حين عرض الأميركيون إجراء لقاءات مع ممثلي شركات تروج لتكنولوجيا نووية.

ولفت التقرير إلى أنه كان لإسرائيل ما تعرضه في المؤتمر، خاصة في المجال التجاري من خلال شركة تابعة لـ'الكرياه للأبحاث النووية'. وعرضت تطويرات إسرائيلية، مثل أشعة ملائمة بشكل شخصي لمرضى السرطان، واستخدام الأشعة للقضاء على الآفات الزراعية.

وكان رئيس اللجنة للطاقة الذرية في إسرائيل، زئيف شنير، ومندوبة إسرائيل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ميراف تسفري أوديز، يعرضان على الزوار تمورا ونبيذا وشروحات مختصرة حول التكنولوجيا الإسرائيلية بواسطة 'آيباد'.

وبغض النظر عن المضمون، فإن مجرد إجراء العرض هو الأساس. وبحسب التقرير فإن الأمين العام للوكالة الدولية، يوكيو أمانو، أعجب بالجناح الإسرائيلي رغم أنه لم يشارك في الافتتاح، وحضر بدلا منه نائبا مدير عام إلى جانب مندوبين لدول صديقة لإسرائيل، مثل الدانمارك.

مقرالوكالة الدولية للطاقة الذرية (رويترز)

واعتبر التقرير الذي أعده مراسل الصحيفة، حاييم ليفنسون، في فيينا، أن الأسبوع كان 'ناجحا بالنسبة لإسرائيل. وللمفارقة، وبالرغم من حيازة إسرائيل لقدرات نووية تتناقض مع جدول الأعمال الأساسي للوكالة، إلا أنها تبقى المنظمة الدولية التي تحظى فيها إسرائيل بالكثير من الهيمنة والدعم، خلافا للمجلس لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والجمعية العامة، وذلك لأنه يوجد لإسرائيل غالبية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهناك ميل لقبول مواقف إسرائيل'.

ويشير التقرير إلى أنه بعد 30 عاما، من تاريخ الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 1986، وهو التاريخ الذي كشفت فيه 'ساندي تايمز' البريطانية أسرار إسرائيل النووية بمساعدة مردخاي فعنونو، فقد تم تجاهل المفاعل النووي في ديمونا، وكأنه غير موجود إطلاقا. فالدول الغربية تتعايش مع القدرات النووية لإسرائيل، وبالتالي فإن الضغوط عليها تتراجع. وفي أول سنتين له في الإدارة الأميركية، فإن الرئيس باراك أوباما حاول الضغط على إسرائيل للتوقيع على الميثاق لمنع انتشار الأسلحة النووية، إلا أن الأميركيين لم يتجاهلوا هذا الطلب لاحقا، فحسب، بل وافقت الولايات المتحدة على التعاون للمرة الأولى مع إسرائيل في المجال النووي المدني رغم أن الأخيرة لم توقع على الميثاق.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي قوله إن إسرائيل تعمل بذكاء في المجال النووي. وبحسبه فإن 'الضبابية فكرة لامعة، فإسرائيل تردع دولا معادية لها من جهة، ومن جهة أخرى فهي تلزم نفسها بعدم تهديد أية دولة، حيث لم يحدث أن هددت إسرائيل باستخدام السلاح النووي'، على حد تعبيره.

ولفت التقرير إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقسمة إلى مجموعات إقليمية ليست إسرائيل عضوا في أي منها بسبب معارضة الدول العربية، وبالنتيجة لا يمكن أن تنتخب لتكون واحدة من بين 35 دولة تدير الوكالة، بيد أنه، من وراء الكواليس، لا يوجد لذلك أهمية، فإسرائيل شريكة في كل مجموعات البحث العلمي في فيينا، وكان ممثل من مفاعل 'شورك' ضمن الطاقم المقلص الذي درس كارثة المفاعل في فوكوشيما، وبلور التقرير بهذا الشأن. ولإسرائيل أيضا إسهامات عملية جدية في مختبرات الوكالة في المدينة القريبة من فيينا، حيث تجري هناك تحليلات نووية، بضمنها تلك التي تتيح تحديد مضامين البرنامج النووي الإيراني.

وبحسب التقرير، فإن الهيئة التي يطلق عليها 'CTBTO'، التابعة للوكالة الدولية، والتي تفرض تطبيق الميثاق لمنع إجراء تجارب نووية، لديها في إسرائيل 3 محطات لرصد هذه التجارب في إيلات وشورك وجبل الجرمق (ميرون). كما أن المؤتمر الذي عقد بمناسبة مرور 20 عاما على إقامة هذه الهيئة قد نظم في إسرائيل في حزيران/يونيو الماضي. وفي حينه التقى المدير العام للهيئة، لاسينا زيربو، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

ويتضح أن علاقة إسرائيل مع أمين عام الوكالة، يوكيو أمانو، جيدة أيضا، رغم أنه قوبل بداية بالتشكك، حيث أنه خلال زيارته الوحيدة للبلاد، في العام 2010، فضل نتنياهو أن يواصل عطلته وعدم الاجتماع به. وأعلن أمانو هذا الأسبوع عن ترشيح نفسه لولاية ثالثة في الانتخابات التي ستجري في العام 2017. ورغم أنه لا يوجد لإسرائيل حق التصويت، إلا أنه أنها ستدعم أمانو أسوة بالولايات المتحدة.

كما يتضح من التقرير أن أمانو يعارض بشكل مثابر محاولات الدول العربية جر الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمعالجة النووي الإسرائيلي. وبحسب الصحيفة فإن أمانو يواظب على تجنب الدوس على 'ألغام سياسية'، مدعيا أنه يتوخى الموضوعية، وهو ما دفعه إلى التصريح  بأن 'مهنية الوكالة الدولية هي التي أتاحت لها أن تكون مقبولة على إيران وأيضا على الدول العظمى أثناء المفاوضات النووية'.

مفاعل ديمونا (أ ف ب)

واعتبر ليفنسون أن فعنونو و'ساندي تايمز' زودا الدول العربية بالذخيرة في صراعها مع إسرائيل، فمنذ العام 1986 تقوم إحدى الدول العربية الأعضاء بتقديم مشروع قرار، سنويا، إلى الوكالة بطلب إجراء رقابة على المفاعلات النووية الإسرائيلية لمنع إنتاج أسلحة دمار شامل. وكانت العراق، في عهد صدام حسين، أول دولة، تلاها مصر. وفي كل سنة تتغلب إسرائيل على مشروع القرار، ولكن بجهود دبلوماسية كبيرة، ورغم أن الحديث عن إجراء شكلي، حيث أن إسرائيل لم توقع على ميثاق منع انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي فلا يوجد للوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحية إجراء تفتيش على منشآتها النووية في ديمونا.

وفي المؤتمر العام السنوي الأخير للوكالة، الذي يعتبر الحدث المركزي، تبين أن الدول العربية غيرت سياستها، حيث أن المغرب، المندوبة المناوبة، قدمت طلبا لبحث قدرات إسرائيل النووية بدون إجراء تصويت. كما تم تجاهل الأمر في خطابات المندوبين العرب، حيث أن مصر، التي تتحسن علاقاتها مع إسرائيل (بحسب التقرير) لم تذكر ذلك ابدا، واكتفى ممثلها بالحديث العام عن الحاجة لنزع الأسلحة في الشرق الأوسط. كما أن ممثل إيران، ورئيس اللجنة للطاقة الذرية علي صالحي، تركز في خطابه على العقوبات التي فرضت على بلاده، وفقط في نهاية خطابه أتى على ذكر إسرائيل.

واعتبر معد التقرير أن 'التعامل مع النووي الإسرائيلي هو تأكيد على أن السياسة الحكيمة المدعوة بإعلام فعال تحقق لإسرائيل نتائج دبلوماسية جيدة. فتوجه إسرائيل إلى الوكالة الدولية يختلف عن توجهها المعروف للهيئات الدولية الأخرى. فالهدف هو ليس لفت الأنظار الإعلامي، كما أنه يجب ترك دور الضحية لإيران التي تباكى ممثلوها على نظام العقوبات المتشدد'.

إلى ذلك، أشار ليفنسون إلى أنه لا يزال أمام إسرائيل تحديان مركزيان في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الأول يتصل بمواجهة الثلاثي الذي تشكله النمسا والسويد وإيرلندا، حيث تقود هذه الدول سياسة معارضة لإسرائيل، وتطالب بتوقيعها على الميثاق لمنع انتشار الأسلحة النووية، بيد أنهم يعارضون بحث ذلك في الوكالة الدولية. وردا على ذلك، قلل مسؤول إسرائيلي كبير، في حديثه مع 'هآرتس'، من خطورة ذلك. ونقل عنه قوله إنه 'حتى في دول مثل السويد، التي تعادي حكومتها إسرائيل، يدركون أهمية هذا الموضوع.. أنا لا أعتقد أنهم سيطرحون موضوع الأسلحة النووية الإسرائيلية علانية'.

اقرأ/ي أيضًا | إسرائيل ترفض المصادقة على معاهدة حظر التجارب النووية

أما التحدي الثاني فهو يتصل بمصر. وعن ذلك يقول معد التقرير إنهم في مصر نسوا الشأن الإسرائيلي في هذا العام في ظل تحسن علاقات إسرائيل مع القاهرة، ولكن 'لا يمكن معرفة ماذا سيكون عليه الوضع في المستقبل. ففي السابق فضل المصريون الدفع بتصويت معاد لإسرائيل مع علمهم بخسارة ذلك، ولكن بهدف جني ربح سياسي داخلي. وفي العام 2010 تم التوصل إلى تسوية، بموجبها تعهدت فنلندا بتحمل المسؤولية عن إدارة الاتصالات الإقليمية من أجل نزع الأسلحة النووية من الشرق الأوسط. وعرض المصريون من جهتهم موقفا متصلبا، بيد أن الاتصالات لم تثمر. والآن هناك مخاوف من أن يسعى المصريون إلى العودة إلى مسار المفاوضات، ويوافقوا على كل شروط إسرائيل من أجل حشرها في الزاوية وتحقيق إنجاز دبلوماسي، بيد أن إسرائيل بالتأكيد لن تتوق للمشاركة في هذه اللعبة، بحسب ليفنسون.

التعليقات