"الاغتيال الموضعي - العمليات الكبرى لـ"الشاباك": بحث جاد أم نشرة دعائية؟

جاء يوم الجمعة المنتظر، وجاءت معه ساعة امتحان العملية كلها. رئيس "الشاباك" كرمي جيلو،ن جلس في مقر قيادة الجيش الإسرائيلي الواقعة على حدود غزة بانتظار لحظة التنفيذ، مرة أخرى تذكر رابين الذي كان يتوق لاغتيال المهندس.

جاء يوم الجمعة المنتظر، وجاءت معه ساعة امتحان العملية كلها. رئيس "الشاباك" كرمي جيلو،ن جلس في مقر قيادة الجيش الإسرائيلي الواقعة على حدود غزة بانتظار لحظة التنفيذ، مرة أخرى تذكر رابين الذي كان يتوق لاغتيال المهندس.

عند الساعة التاسعة اتصل الأب، كما هو متفق، من بيته بالهاتف الأرضي في بيت أسامة وطلب التحدث مع ابنه، الذي رد على المكالمة وطلب من والده الاتصال الى الهاتف الخليوي بعد حصول ضجيج قوي على الخط.

الوالد اتصل وعياش أجاب: أبي؟ أهذا أنت؟ المتنصت تعرف على صوته بشكل مؤكد واعلم قادته، الأمر صدر وأحد ما ضغط على الزر لكن شيئا لم يحدث. الهاتف الخليوي لم ينفجر، وكل ما بني خلال أأشهر انهار بلحظة واحدة بسبب خلل تقني صغير.

في المرة التالية كانت المكالمة قصيرة وقاتلة:

هالو، يحيى؟ سأل الأب ابنه

من الجانب الاخر ساد صمت مختلط بضجيج خلفي

الأب حاول مرة أخرى: يحيى...؟ يحيى...؟

من الجهة الأخرى لا صوت ولا مجيب

عندها سمع طنين طويل وانقطع الخط. كان ذلك يوم الجمعة الخامس من كانون أول 1996 في تمام الساعة التاسعة وخمس دقائق. الأب عبد اللطيف عياش الذي يسكن بيت رافا في شمال الضفة أراد يومها تهنئة ابنه المحبوب بميلاد حفيده الذي ولد قبل أيام.

الأب الفخور الذي لم ير ابنه منذ أن "هرب" إلى غزة قبلها ببضعة أشهر، أصيب بخيبة امل لأن هذه المرة بالذات لم يتمكن من التحدث مع يحيى وتهنئته.

قصة يحيى عياش الملقب بالمهندس الذي درس الهندسة، وهندس كبرى عمليات حماس في تلك الفترة، هي واحدة من عشرات القصص التي وردت في كتاب، "الاغتيال الموضعي – الشاباك - العمليات الكبرى" لمؤلفيه نيسيم مشعال، وميخائيل بار زوهر.

الكتاب الذي يؤرخ لـ"الشاباك" منذ تأسيسه في الخمسينات، يستعرض عمليات الاغتيال الكبرى ، وبالذات عمليات "الاغتيال الموضعي" مثل اغتيال صلاح شحادة وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، وهو استمرار لكتابيهما السابقين، "الموساد - العمليات الكبرى" و"المقاتلون اقتحموا فجرا" الذي يتحدث عن العمليات السرية للجيش الإسرائيلي.

وبغض النظر عن أهميته في توثيق تلك الأحداث، فإن الكتاب تعرض للكثير من النقد من حيث التجديد في المعلومات التي قدمها والمعالجة الغائبة عن صفحاته، كما يقول آدام راز في مقال نشره في "هآرتس"، والذي اعتبره مجرد رزمة أوراق، هي عبارة عن نشرة دعائية لـ "الشاباك" تعتمد على إعادة تكرير سطحي ومبسط لمعلومات معروفة، وبأنه يفتقر إلى كشوفات جديدة من شأنها أن تعري وتهز وتتحدى.

ويضيف راز الذي لم يشأ التعرض لكتابي الكاتبين السابقين، "الموساد - العمليات الكبرى" و"المقاتلون اقتحموا عن الفجر: العمليات الخاصة للجيش الإسرائيلي"كما يقول، واللذان اكتسبا رصيدا في ارجاء العالم، إلا أن الكتاب الحالي (الثالث) لا يمكن اعتباره ثمرة بحث طويل وأساسي، كما يقول الكاتبان، بل شكلا من اشكال القص واللصق، كما يقول راز.

ويشير الكاتب إلى أن الكتاب الذي يضم 31 فصلا، بعضها لا تتعدى أربع صفحات واقل، في حين يمتد بعضها، مثل الفصل الذي يروي قصة أودي ديب في سبع صفحات.

ولكي يؤكد انطباعاته، يعطي الكاتب مثالين بارزين ظهرا على غلاف الكتاب على شكل تساؤلات، الأول، ماذا كان في البقلاوة التي قدمت سرا للقائد من حماس؟ ويقول إنه فكر فعلا بجدية، ماذا يمكن أن يكون بداخلها، واكتشف أنه لم يكن بها أي شيء غير عادي سوى أنها كانت مرتوية بالعسل.

فيما يتبين أن جواب التساؤل الثاني الأكثر إثارة وهو، كيف اكتشف عامل الصيانة جهاز التنصت في مكتب عرفات؟ لا يحتل أكثر من سطر واحد في الكتاب، ويفيد بأنه تم اكتشافه عن طريق الخطأ خلال القيام بعملية صيانة في المكتب. ويستنتج راز من تلك الأمثلة أن هناك عملية خداع من قبل الكاتبين في الحالة الأسوأ أو هي تعبير عن عدم مهنية في الحالة الفضلى.

كما ينتقد الكاتب عدم التعامل بشكل نقدي مع " الشاباك" وعملياته، ورغم انه يستثني عملية باص 300 التي قتل فيها الفدائيين بعد القاء القبض عليهما، التي يعالج أخلاقية مسألة قتلهما إلا أنه يرى أن مستوى هذه المعالجة لا يتجاوز نقاش في مدرسة ابتدائية.

واستمرارا لدعم وجهة نظره، التي لا تعتبر الكتاب أكثر من نشرة دعائية للشاباك تعتمد على معلومات قديمة، يشير الكاتب إلى أنه حتى في مسألة مقتل رابين يقبل الكتاب وجهة نظر "الشاباك" دون أي تحفظ أو انتقاد، ولا يناقش قضية العميل "شمبانيا" وأداء الجهاز في موضوع زرع العملاء. كما يشير الكاتب إلى غياب أي تعرض لعمل "الشاباك" بين العرب في إسرائيل، وشبكة العلاقات المركبة التي سادت علاقاته بالعرب، وهو غياب يدعم أيضا إلى وجهة النظر التي يعتمدها الكتاب في عدم الدخول في مسائل لا تحظى بشعبية لكي لا يغضب القراء تساوقا مع الحالة الإسرائيلية الراهنة، وقال ساخرا إنها وجهة نظر ترى أنه من المفضل أن يعرف الجميع أن "الشاباك" "على كيفك" ومن غير المهم إذا ما أخطأ رجاله بين الحين والخر أو كانت أيديهم رخوة على الزناد.

التعليقات