إسرائيل "خائبة الأمل" من إعلان الأردن استعادة الباقورة والغمر

مسؤول سابق بالخارجية الإسرائيلية: الإعلان الأردني هو تطور سلبي بالنسبة لمن ينشدون التسويات السياسية بين إسرائيل والدول العربية، والمطلوب تنفيذ كل ما امتنعت حكومات نتنياهو بشكل مثابر عن تنفيذ وترميم الثقة بين إسرائيل والأردن"

إسرائيل

(أرشيفية - مكتب الصحافة الحكومي)

يتصرف اليمين الإسرائيلي كأن على العالم أن يأخذ بالحسبان المصالح الإسرائيلية، وحتى مصالح أفراد إسرائيليين، من دون منح أي مقابل للطرف الآخر. هذا ما هو حاصل حاليا فيما يتعلق بإعلان الأردن عن رغبته باستعادة منطقتي الباقورة والغمر، اللتين استأجرتهما إسرائيل من الأردن في أعقاب توقيع اتفاقية السلام بينهما. ورغم أن ملحق الاتفاقية يؤكد على حق الأردن بالمطالبة بإستعادة هاتين المنطقتين بعد 25 عاما، تنتهي العام المقبل، وأن يبلغ برغبته هذه قبل انقضاء المدة بعام، أي الآن، إلا أن اليمين الحاكم في إسرائيل وإعلامه، يعتبر هذه الخطوة الأردنية "عدوانية".

وسلمت إسرائيل الأراضي الخصبة في الباقورة والغمر إلى مزارعين، زرعوا هذه الأراضي وجنوا أرباحا كبيرة منها. لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية رصدت، اليوم الاثنين، "صرخات" هؤلاء المزارعين، وحديثهم عن أنه ستحل بهم "كارثة" إذا استعاد الأردن أراضيه. ويشار إلى أن الحديث يدور، في منطقة الغمر مثلا، عن 30 مزارعا يزرعون 1400 دونم، بالخضروات والنخيل. ونقل موقع "واللا" الالكتروني عن رئيس المجلس الإقليمي "العراباه الوسطى"، القريب من الغمر، ادعاءه أنه "لن نهدأ حتى نغيّر هذا القرار غير المنطقي. وهذه منطقة هامة جدا من ناحية أمن المنطقة وأمن الدولة وكسب الرزق وقطاع الزراعة في العرباه الوسطى".

مزارعون أجانب (تايلاند) يعملون لدى المستوطنين في الغمر (الموسوعة الحرة)

كذلك نقل "واللا" عن مصادر في وزارة الخارجية الإسرائيلية قولهم إنهم "خائبو الأمل" من الإعلان الأردني، وأنهم يأملون بإمكان "حل الخلاف حتى العام المقبل"، من خلال مفاوضات مع الاردن بهدف تمديد فترة استئجار هذه الأراضي. وقالت المصادر نفسها إن "لا أحد يريد فتح جبهة لا ضرورة لها مع الأردن الآن، وتوجد مصالح إستراتيجية مشتركة، ولهذا فإننا نريد احتواء الحدث وإغلاقه بطريقة هادئة".

وعقب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على الإعلان الأردني بالقول خلال مراسم في ذكرى اغتيال سلفه، يتسحاق رابين، أمس، إن اتفاقية السلام مع الأردن "هي ذخر هام وينضاف إلى السلام مع مصر. وكلا اتفاقيتي السلام هاتين تبرزان كمرساة لاستقرار المنطقة. وتقف إسرائيل معهما كجبهة واحدة ضد التهديد الإيراني والإسلام المتطرف". وأضاف أنه سيجري محادثات مع الأردن حول تمديد فترة استئجار الباقورة والغمر.

"رسالة واضحة للحكومة الإسرائيلية"

رأى النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، عيران عتصيون، الذي أشغل في الماضي أيضا منصب رئيس وحدة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن إعلان الأردن يشكل "رسالة واضحة لحكومة إسرائيل"، معتبرا أن "السياسة الأردنية مقابل إسرائيل كانت دائما نتيجة لمعادلة ضغوط معقدة، تشمل الحلبة الداخلية (الأردنية) التي غالبا ما تكون في حالة غليان تحت سطح الأرض وتتفجر بين حين وآخر؛ العلاقات الشائكة بين العائلة المالكة والفلسطينيين؛ الحلبة العربية، وخاصة مقابل السعودية ودول الخليج المتعلق بها الأردن اقتصاديا؛ التهديد الإيراني المتصاعد من جهة العراق وسورية؛ وطبعا إسرائيل والولايات المتحدة، الوصيتان الفعليتان على النظام الهاشمي منذ عشرات السنين".

ولفت عتصيون إلى أن الممارسات الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، وخاصة في القدس، وبينها قضية البوابات الالكترونية في المسجد الاقصى والسماح للمستوطنين والمتطرفين الإسرائيليين بالاقتحام المتكرر للحرم القدسي، "مسّت بمكانة الملك الأردني المرموقة وبالمكانة الخاصة للأردن في الأماكن المقدسة، التي جرى إرساؤها باتفاقية السلام". كما أن الأردن ينظر إلى "صفقة القرن" التي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، على أنها "خطر عليه"، إضافة إلى الطرح المتكرر لفكرة الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية. كذلك تزايدت وتيرة طرح اليمين الإسرائيلي لمقولة "الأردن هي فلسطين". ووصف عتصيون ذلك بأنه "كابوس" بالنسبة للأردنيين، وشدد على أن لا يمكن للأردنيين تجاهل الدمج بين "الضم الزاحف" في الضفة الغربية وبين "الوطن الفلسطيني البديل" في الأردن.

منظر من أم قيس باتجاه الباقورة ومن خلفها بحيرة طبرية (الموسوعة الحرة)

وتابع عتصيون أن "تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن والضائقة الاقتصادية وتدني مستوى البنى التحتية، نقص المياه والطاقة ومصادر التشغيل، تزيد كثيرا من المخاطر على استقرار المملكة وتضطر الملك إلى اتخاذ خطوات صارمة. يضاف إلى ذلك مواجهة الأردن لتهديدات إيرانية... غيران تمارس ضغوطا خارجية وداخلية على الأردن بالتعاون مع حركة الإحوان المسلمين الأردنية".

رغم كل العقبات التي تضعها إسرائيل والتي تؤثر على الوضع الداخلي في الأردن، إلا أن الأردن ما زال متمسكا باتفاقية السلام، "رغم أن معظم توقعات الأردن لم تطبق. فقد أمل الملك حسين بعهد جديد من التعاون الاقتصادي في مجالات متعددة، وخاب أمله من عدم استعداد إسرائيل باستثمار الموارد المطلوبة. والتعاون الأمني والاستخباري متواصل، وحتى أنه تعمق في فترات معينة، لكن الانتقادات الداخلية لـ’التطبيع’ وغياب تقدم في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية لا يسمح بتطوير علاقات مدنية".

وشدد عتصيون على أن إعلان الأردن عن رغبته باستعادة منطقتي الباقورة والغمر "ليس خرقا لاتفاقية السلام"، لكنه "تطورا سلبيا بالنسبة لمن ينشدون التسويات السياسية الخلاقة بين إسرائيل والدول العربية". وخلص إلى أنه "حسنا ستفعل حكومة إسرائيل إذا خصصت الوقت والجهد لإجراء بحث معمق حول دور إسرائيل في هذه المعادلة. وخلافا للميل المعروف نحو البحث عن مذنبين، وكان بالإمكان ويجب توقع الضائقة الأردنية والسيناريو الذي تحقق بالأمس مسبقا، والاستعداد له وربما منعه. لكن من أجل ذلك، كان المطلوب تنفيذ كل ما امتنعت حكومات نتنياهو عنه بشكل مثابر: دفع صمن لـ’شركاء’ قبل المشكلة. ونأمل رغم ذلك بأنه ليس متأخرا إنقاذ اتفاقيات الاستئجار، والأهم من ذلك ترميم الثقة بين إسرائيل والأردن".

"خطوة تعبر عن ضعف"

اعتبر المستشرق والمحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، بروفيسور أيال زيسر، في مقال نشره في صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية، أن الإعلان الأردني "ليس مفاجأة كبيرة وليس خطوة ذات أهمية إستراتيجية بعيدة المدى"، وأن "المشكلة ليست في الجوهر وإنما بالشكل والتوقيت اللذين اختارهما الأردنيون كي يعلنوا عن تنصلهم من روح اتفاق السلام وإدارة ظهرهم للشراكة التي نسجها يتسحاق رابين والملك حسين بينهما".

وتابع زيسر، الذي منذ وقت طويل عن شخصية الباحث والمحلل العلمي، أنه "لا يمكن الاستغراب من الأردن" متجاهلا جذور الصراع والعدوانية الإسرائيلية المفرطة تجاه الفلسطينيين وتأثير ذلك على الأردن، ليعتبر أن "السكان في الأردن هم الأكثر عدائية تجاه إسرائيل مقارنة بجماهير عربية في دول عربية أخرى". وأضاف أن "النظام الأردني لا يحاول أبدا مواجهة هذه العدائية، وبسبب ضعفه داخليا فإنه يسمح للرأي العام في بلاده ’بالتنفيس’ ضد إسرائيل على أمل أنه بذلك يضعف الانتقادات ضده".

ومضى زيسر أنه "لا توجد دولة عربية متعلقة بهذا الشكل بإسرائيل، مثل الأردن، وبالتأكيد بكل ما يتعلق بمصادر الطاقة والمياه وحتى بمسائل الأمن القومي. بل أنه لا توجد دولة عربية تجري تعاونا إستراتيجيا مع إسرائيل، حتى لو كان خفيا عن العين، مثل الأردن. وتتبارك إسرائيل بهذا التعاون وأهميته بالنسبة لها لا يقاس بالدونمات التي يطالب بها الأردن الآن أو بكميات المياه التي منحها حينذاك رابين بسخاء للأردنيين".

وتابع أن استئجار أراضي الباقورة والغمر هي "صفقة مقعولة بالنسبة لإسرائيل، ولذلك تُبدي تسامحا وصبرا تجاه رياح العداء التي تهب من جهة الأردن". واعتبر زيسر أن "الخطوة الأردنية هي خطوة تعبر عن ضعف، تماما مثلما عبر توقيع الاتفاق بأيدي الملك حسين عن خطوة شجاعة. ولذلك، من الجدير أن يتواصل التعاون الإستراتيجي نفسه مع المملكة الأردنية ولكن بأعين مفتوحة".

 

التعليقات