دراسة: إيران قادرة على تشويش صناعة القرار في إسرائيل

الدراسة الإسرائيلية تناولت جهود السايبر التي تنفذها إيران من أجل التأثير على الوعي في الولايات المتحدة خصوصا، من خلال مواقع إلكترونية وصفحات "فيسبوك" وحسابات "تويتر"، جميعها مزورة، وتغذي خلافات أميركية داخلية

دراسة: إيران قادرة على تشويش صناعة القرار في إسرائيل

توضيحية

تنفذ الولايات المتحدة وإسرائيل أنشطة متنوعة ضد إيران، بينها في مجال السايبر، أو الحرب في المجال الافتراضي في شبكة الإنترنت. وفي هذا المجال بالإمكان القيام بعمليات متنوعة، كما في الحرب الحقيقية. بالإمكان تعطيل أجهزة ومنظومات، ويمكن في حال نجاح هجمات سايبر أن تشكل خطرا حقيقيا، إذا تم اختراق منظومة شركة كهرباء على سبيل المثال وشل الدولة. وترددت تقارير في السنوات الماضية تحدثت عن أن إسرائيل زرعت فيروسات إلكترونية في منظومة البرنامج النووي الإيراني وألحقت أضرارا به. ومن الجهة الأخرى، هناك هجمات سايبر، من خلال مواقع إلكترونية وصفحات "فيسبوك" وحسابات "تويتر" وكلها مزورة، هدفها التأثير على الوعي، أي بمثابة حرب نفسية.

في المقابل، عُرفت إيران في السنوات الماضية كدولة توجد فيها صناعة هايتك متطورة. ووفقا لدراسة نشرها "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، فإن إيران تردّ الآن على هذه الهجمات الأميركية والإسرائيلية. وخلال الأشهر الستة الأخيرة، كشفت شركات حراسة معلومات وشركات تكنولوجية أنشطة للتأثير على الوعي، واسعة النطاق تنفذها إيران في مجال السايبر، جرى توجيهها بالأساس من أجل التأثير على الجمهور الأميركي.

وأشارت الدراسة إلى أن شركة حراسة المعلومات "فايير آي" (Fire-Eye) نشرت تحذيرا حول وجود عدد كبير من المواقع الإخبارية والصفحات المزورة في "فيسبوك" و"تويتر"، وقدّرت أنه جرى تفعيلها لخدمة المجهود الإيراني في التأثير على الوعي. وبحسب الدراسة، فإن شركة "تويتر" أيضا كشفت جهودا إيرانية إيرانية، وقالت إنه جرى مؤخرا نشر مليون تغريدة انطلقت من حسابات مزورة، فيما قالت شركة "فيسبوك" إنها تتعقب عشرات الصفحات المزورة. وأضافت الدراسة إلى ذلك تحذيرات "فايير آي" وشركة حماية السايبر "فورتينت" (Fortinet)، من خلال تقارير تلخيص العام الحالي الصادر الشهر الماضي، كما تضمن تحذيرات كهذه تقريرا جديدا أصدره معهد الأبحاث الأميركي "الصندوق للدفاع عن الديمقراطيات" (FDD). ووصفت هذه التقارير إيران بأنها "لاعب يعمل بصورة عدوانية أكثر من الماضي في مجال السايبر".  

ورجحت الدراسة أن غاية المجهود الإيراني للتأثير على الوعي هو زيادة الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة بين الفئات الاجتماعية المختلفة  - ليبراليين مقابل محافظين؛ سود مقابل بيض؛ مؤيدي ترامب مقابل معارضيه. وتشمل المواقع والصفحات والتغريدات مضامين في مواضيع حساسة ومشحونة في الولايات المتحدة، مثل العنصرية وسياسات مختلف حولها لترامب وعنف الشرطة ضد السود. وبحسب الدراسة، فإن هذه المواضيع تنشر بشكل يدفع إلى التحريض وتطرف المواقف وتغذية خطاب منفلت. وهدف آخر هو تحسين صورة إيران بنظر الأميركيين، بحيث أن المواضيع المتعلقة بالشرق الأوسط شملت انتقادات شديدة ضد سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، مقابل تغطية إيجابية تجاه إيران في سياق الأحداث في اليمن ولبنان وسورية والعراق، اعتمادا على تقارير إعلامية أميركية صوّرت إيران في وسائل الإعلام الأميركية، إبان ولاية باراك أوباما، بأنها شريكة للجهود الأميركية في الشرق الأوسط ضد التنظيمات الإسلامية المتطرفة وخاصة تنظيم "داعش".  

وسعى مقاتلو السايبر الإيرانيون إلى طمس بصماتهم وزيادة انكشاف الأميركيين للمضامين التي ينشرونها، من خلال تطوير شبكة متشعبة ومتزامنة لمواقع إخبارية مزورة وكيانات ميديا اجتماعية مزورة تترك انطباعا موثوقا، وتنتج حولها نقاشا في الشبكة ودفعت مالا مقابل إعلانات.

لكن الدراسة أشارت إلى عيوب في هذا النشاط الإيراني، مثل استخدام تفاصيل اتصال إيرانية، مثل أرقام هواتف وعناوين بريد إلكتروني، ونسخ مضامين وكتابة مشوشة، مكّنت من اكتشاف هذه الأنشطة. وحتى اكتشافها، نجحت إيران في الوصول إلى عدد كبير من الأميركيين، وشاهد ملايين الأميركيين بعض هذه المضامين، بينما شاهد مئات الآلاف مضامين أخرى.

صراع فكري

قالت الدراسة إن أنشطة السايبر الإيرانية للتأثير على الوعي العام تعكس الأهمية الكبيرة التي يوليها النظام الإيراني للصراع الفكري داخل إيران وضد أعدائها وخاصة الولايات المتحدة. وبحسب الدراسة، فإن النظام الإيراني يعتبر أن الولايات المتحدة تخوض صراعا أيديولوجيا، إضافة إلى الصراع السياسي والاقتصادي، ضد قيم الثورة الإسلامية، وجمهور الهدف للحملة الأميركية هو الجمهور الإيراني. ولذلك فإن المجهود الإيراني للتأثير يشكل رد فعل مضاد للخطوات الأميركية، كما أنها تشكل دعامة لتطلعات إيران البعيدة الأمد لإضعاف الولايات المتحدة من خلال محاولة ضرب مناعتها الداخلية.  

وأشارت الدراسة إلى أن إيران، على غرار دول أخرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، أثبتت أنه بمقدورها الوصول إلى جماهير واسعة، والحفاظ على سرية جهودها لفترة طويلة و"تلويث" الخطاب العام بمضامين تحريضية. وحتى قد يتضح لاحقا أن هذه الجهود أسهمت في تراجع ثقة الجمهور الأميركي بوسائل الإعلام، أو أنها دفعت إلى تغيير مواقف سياسية و/أو اجتماعية. وفي هذه الأثناء، يرجح أن إيران تجد فائدة في كشف أنشطتها. لأنه على الرغم من الحرج المقرون بذلك، فإن إيران لم تتضرر من ذلك وربما أنها نجحت في تعزيز صورتها التكنولوجية والاستخبارية. كما أنه قياسا بجهود حملات التأثير الإيرانية التي جرى كشفها في الماضي، فإن النشاط الإيراني الحالي يدل على تطور البنية التحتية التكنولوجية وقدراتها العملانية، المتمثلة بحجم ونوعية البوطات التكنولوجية، وهي برامج إلكترونية تظهر كأنها مستخدم حقيقي.

وأمكن الكشف عن هذا النشاط في أعقاب تعاون متزايد بين شركات تكنولوجية وشركات حراسة المعلومات ووكالات استخبارات غربية. وتوقعت الدراسة أن يتحول هذا التعاون إلى تعاون ضروري في السنوات القريبة.

التأثير على الوعي في إسرائيل

اعتبرت الدراسة أنه بالنسبة لصناع القرار والجمهور في إسرائيل، فإن كشف قدرات السايبر الإيرانية تسمح بالاطلاع "بشكل لك يكن ممكنا حتى الآن، على تفاصيل أداة أخرى في ’صندوق الأدوات’ العملاني الإيراني".   

لكن الدراسة ادعت أن "التهديد الإيراني للتأثير على الوعي في إسرائيل محدود". واقتصرت محاولات كهذه في الماضي على تشويه مواقع إسرائيلية أو زرع مضامين كاذبة في مواقع إخبارية. وبحسب الدراسة، فإن موقع إخباريا إيرانيا، كان موجها للجمهور الإسرائيلي، لم ينجح في التأثير على الخطاب العام في إسرائيل.

وقالت الدراسة إن تدقيقا في جهود إيرانية للتأثير في إسرائيل بواسطة السايبر، مقارنة بجهود إيرانية مشابهة في دول أخرى، "أظهر أن إسرائيل ليست موجودة في مركز هذه الجهود". وعللت الدراسة ذلك بأن "قدرة إيران على تركيز جهود كهذه في جبهات أخرى نابع من أن حزب الله ينفذ جهدا كهذا ضد إسرائيل، إن كان ذلك بواسطة الخطابات التهديدية التي يلقيها أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، أو بواسطة وسائل الإعلام الكثيرة التي تخدم الحزب".  

وأضافت الدراسة أنه "بنظرة إلى الأمام، بالإمكان رسم عدة سيناريوهات أكثر تشددا في استخدام إيران لوسائل التأثير على الوعي ضد إسرائيل في الفضاء الإلكتروني. وبإمكان إيران أن تغرس بنجاح تقارير إخبارية كاذبة حول نوايا هجومية ضد إسرائيل، بشكل يسبب هلعا جماهيريا أو حتى أنها ستشوش مؤقتا عملية صناعة القرار في إسرائيل. كما أن إيران قد تنجح في غرس مضامين تقنع دول عدو أو منظمات إرهابية بأن لدى إسرائيل نية بمهاجمتها، بشكل يقود إلى رد فعل ضد إسرائيل. ويذكر أن الإيرانيين نجحوا، في العام 2016، بالتسبب برد فعل شفهي من باكستان في أعقاب نشر كاذب، وبموجبه هددت إسرائيل باكستان بهجوم نووي في حال أرسلت قوات إلى سورية".

التعليقات