"سياسة الردع الإسرائيلية ضد حماس استنفدت"

مدير "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب يطرح خيارين بديلين لسياسة إسرائيل مقابل حماس: "اعتراف رسمي بحكم حماس في القطاع وفصل المنطقة عن الضفة الغربية وإسرائيل"، أو "عملية عسكرية لتفكيك الذراع العسكري لحماس وباقي الفصائل"

مسيرة العودة في 30 آذار/مارس العام الماضي (أ.ب.)

لا يزال إطلاق الصاروخين من قطاع غزة باتجاه مدينة تل أبيب، في 14 آذار/مارس الحالي، يثير تساؤلات الإسرائيليين حول إطلاقهما، وكذلك توقيت إطلاقهما. إذ ينسب الإسرائيليون لتوقيت إطلاق الصاروخين أهمية، لأنه حدث أثناء وجود وفد المخابرات المصرية في غزة، في إطار الوساطة المصرية بين إسرائيل وحماس حول تهدئة طويلة الأمد وتسوية تشمل "تخفيف" الحصار وإدخال مواد لتنفيذ مشاريع مدنية في القطاع.

ورغم قبول إسرائيل رسميا، حسب بيان الجيش الإسرائيلي، بتأكيد حركة حماس أن إطلاق الصاروخين تم بالخطأ، إلا أن مدير "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أودي ديكل، اعتبر في مقال نشره أول من أمس، الاثنين، أن "هذا كان إطلاق متعمد. ويصعب التصديق أنه جرى إطلاق قذيفتين صاروخيتين إستراتيجيتين (من طراز فجر ومداه 75 كم) من دون معرفة قيادة الحركة ومبادرتها أو سيطرتها على الأقل". وأضاف أن "حماس تتميز باستخدام النيران كأداة في إدارة المفاوضات مع إسرائيل بوساطة مصر. وقد وقع حادث مشابه في تشرين الأول/أكتوبر 2018، عندما أطلق نشطاء حماس قذيفتين صاروخيتين – واحدة باتجاه بئر السبع والثانية باتجاه وسط إسرائيل، قبيل انتهاء الإنذار الذي وضعه (رئيس حماس في القطاع يحيى) سنوار لرفع الحصار عن قطاع غزة".

من قصف الاحتلال الأخير لغزة المحاصرة (أ ب أ)

ورأى ديكل أن "إطلاق القذيفتين الصاروخيتين ورد الفعل الإسرائيلي عليه هو دليل آخر على أن حماس تواصل سياسة تحدي، فيما تسيطر على التصعيد وتملي قواعد اللعبة مقابل إسرائيل. بناء على ذلك، فإن إستراتيجية الردع الإسرائيلية مقابل حماس والفصائل الأخرى الناشطة في القطاع استنفدت نفسها. والأحداث الأخيرة تؤكد هذا التقدير، لأنه كلما تشعر قيادة الحركة بأنها مهددة وترزح تحت ضغوط، حتى لو كان مصدرها داخلي – شعبي، فإنها ستختار الاستفزاز العنيف ضد إسرائيل انطلاقا من تقديرها أن إسرائيل لا تسعى إلى التسبب بانهيار حكمها وتفكيك الحركة من قدراتها العسكرية. وتوجد للعمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي في القطاع، وهدفها تعزيز الردع، تأثير قصير الأمد، إذا كان لها تأثير أصلا، والمطلوب دراسة معمقة من جانب إسرائيل لأنماط عملياتها، من أجل تغييرها".

وأضاف ديكل أن "السياسة الإسرائيلية الحالية، التي تتطلع إلى الاحتواء والتهدئة بواسطة تسهيلات في الحصار على القطاع وتعزيز الردع مقابل حماس، لا تواجه المشاكل الأساسية للمنطقة. فقطاع غزة يعاني من أزمة إنسانية متواصلة دون إعمار في الظروف الحالية، ويخضع لسيطرة حماس – وهي جهة متطرفة تنشد ممارسة الإرهاب تجاه إسرائيل، واحتمال عودة السلطة الفلسطينية إلى السيطرة في القطاع آخذ بالتراجع. ومن أجل مواجهة هذه المشاكل، ثمة خيارين متطرفين أمام إسرائيل".

(أ ب أ)

الخيار الأول، وفقا لديكل، هو "اعتراف رسمي بحكم حماس في القطاع وفصل المنطقة عن الضفة الغربية وإسرائيل. وسينجم عن ذلك رفع الحصار البحري المفروض على المنطقة وفتحها على العالم الخارجي، ليس عن طريق إسرائيل. والمسار المفضل للدخول إلى القطاع والخروج منه هو عن طريق مصر، ومن أجل تنفيذ ذلك، مطلوب تليين معارضة القاهرة بواسطة مقترح مساعدات دولية اقتصادية والمبادرة إلى مشاريع اقتصادية في شمال شبه جزيرة سيناء، لتخدم مصر وسكان القطاع أيضا. وإذا بقي المسار المصري مسدودا، فإن إسرائيل ستكون مطالبة بالسماح بإقامة ميناء في غزة، تشغله منظومة دولية، إلى جانب عبور بضائع عبر ميناء شحن في قبرص أو العريش، حيث يتم إجراء التفتيش الأمني الأساسي من أجل تقليص مخاطر تهريب أسلحة إلى القطاع".

والخيار الثاني، بحسب ديكل، يقضي بشن إسرائيل "عملية عسكرية من أجل تفكيك الذراع العسكري لحماس وباقي الفصائل الإرهابية في القطاع. ومن أجل تنفيذ ذلك، يتعين على إسرائيل شن عملية عسكرية واسعة النطاق ومستمرة، تشمل اجتياحا بريا إلى عمق القطاع وتوجيه ضربة شديدة للقواعد المقاتلة في المنطقة – مقاتلين، أسلحة، أنفاق، مواقع إنتاج وتخزين، مواقع قيادة وسيطرة. وتوجد ثلاثة أهداف لهذه الحرب: سلب قوة حماس بالابتزاز والضرر، إلى درجة تفكيك حكم الحركة في القطاع؛ تطبيق وترسيخ المطلب الإسرائيلي بنزع المناطق الفلسطينية من قدرات الإرهاب والجيش التي تهدد إسرائيل، التي تسري في هذه المرحلة على مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية فقط؛ إنشاء ظروف لإعادة القطاع إلى سيطرة السلطة الفلسطينية ودفع عملية سياسية، بروح خطة ترامب، التي تشمل تجنيد موارد واسعة لإعادة إعمار القطاع".

وأضاف أنه "إذا كانت السلطة الفلسطينية، في المرحلة الأولى، سترتدع عن تحمل مسؤولية القطاع، فإنه ثمة حاجة إلى تشكيل نظام دولي/عربي، بمثابة انتداب، من أجل تهيئة الظروف لعودة السلطة إلى القطاع أو بناء نظام لإدارة ذاتية للسكان. وستكون العملية العسكرية مقرونة بالضرورة بخسائر بشرية كثيرة في الجانب الفلسطيني وكذلك في الجانب الإسرائيلي، ولذلك فإن تنفيذها يتوجب موافقة شعبية واسعة في إسرائيل. لكن يحظر أن يبقى الجيش الإسرائيلي في القطاع حتى لو لم تكن هناك قوة مسؤولة لتحكم القطاع".

وأوصى ديكل بأن "تتخلى الحكومة الإسرائيلية عن مفهوم الردع ضد حماس، بسبب التآكل الحاصل في صلاحيتها، والسعي إلى تغيير السياسة مقابل القطاع من أجل تغيير الوضع في المنطقة من أساسه. ويتطلب دفع الخيارين استعدادا وجهوزية إسرائيلية من أجل تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قدرات حماس العسكرية وتغيير قواعد اللعبة التي ترسخت في السنوات الأخيرة".  

التعليقات