نقاش إسرائيليّ: إيران "دولة عتبة" نووية أم ما زال يمكن منعها؟

نقاش في إسرائيل، بين باراك ويعالون وأولمرت، حول ما إذا تحولت إيران إلى دولة عتبة نووية أم أنها لم تصل إلى هذا المستوى، وما الذي ينبغي أن تفعله إسرائيل في أي من الحالتين، وهل لديها قدرات عسكرية لمهاجمة البرنامج النووي

نقاش إسرائيليّ: إيران

مفاعل بوشهر الإيراني (أرشيفية - أ.ب.)

يدور في إسرائيل مؤخرا نقاش حول ما إذا وصلت إيران إلى مستوى دولة عتبة نووية، أم أنها لم تصل إلى هذا المستوى، وما الذي ينبغي أن تفعله إسرائيل في أي من الحالتين، وهل لديها قدرات عسكرية لمهاجمة البرنامج النووي الإيراني؟ وكيف تتأثر علاقاتها مع الولايات المتحدة في مواجهة كهذه؟ ويأتي ذلك في الوقت الذي نشرت فيه صحيفة "نيويورك تايمز"، قبل أسبوعين تقدير خبراء في "المعهد العلوم والأمن الدولي" أن إيران قلّصت مدة انطلاقها نحو كمية يورانيوم مخصب كافية لصنع قنبلة نووية، إلى شهر واحد.

ووصل هذا النقاش في إسرائيل ذروته الأسبوع الماضي، من خلال مقالين لوزيرَي الأمن ورئيسي أركان الجيش الإسرائيلي السابقين، إيهود باراك وموشيه يعالون، في صحيفة "يديعوت أحرونوت". وانضم إلى هذا النقاش رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، بمقال نشره في صحيفة "هآرتس"، أمس الأحد. واتّفق الثلاثة على أنه ثبت فشل سياسة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، بالانسحاب من الاتفاق النووي، المبرم عام 2015، وأن ذلك تسبب بتقدُّم إيران في تطوير البرنامج النووي.

وشغل كلّ من باراك ويعالون منصب وزير الأمن في حكومات نتنياهو. كذلك كشفت "يديعوت أحرونوت"، قبل عشر سنوات تقريبا، أن نتنياهو وباراك كادا يوعزان بشنّ هجوم عسكري في إيران، لكن قيادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والإدارة الأميركية عارضت ذلك بشدة.

وشكّك باراك، وهو رئيس حكومة أسبق أيضا، في إمكانية التوصُّل إلى اتفاق نووي جديد، لأن التوصل إلى اتفاق يعني أن تستجيب إيران إلى مطالب دولية بألا تصبح دولة نووية. "لكن بنظرة عن كثب، تتعالى صورة مقلقة أكثر بكثير. وثمة احتمال كبير أن الوقت أصبح متأخرا، وإيران تجاوزت على ما يبدو نقطة اللاعودة باتجاه كونها ’دولة عتبة’ نووية".

وأضاف أن "الحقيقة هي أن تخصيب اليورانيوم بمستويات لا يوجد لها أي استخدام غير عسكريّ، هو تصريح واضح بالنوايا: الغاية هي سلاح نووي". ووفقا لباراك، فإنه لن تكون هناك عقبة أمام إيران بإنتاج المواد الأخرى من أجل صنع سلاح نووي، وخلال فترة قصيرة "وفي موقع يصعب رصده". وأشار إلى أن "هذا ما فعلته كوريا الشمالية بالضبط، وبالرغم من المعارضة الشديدة للولايات المتحدة".

منشأة إيرانية لتخصيب اليورانيوم (أ.ب.)

وتابع باراك أنه "من ناحية القدرة على الوصول إلى سلاح نووي، لا فرق بين ’دولة عتبة’ و’دولة نووية’، فـ’دولة عتبة’ يمكن أن تكون دولة بحوزتها قطع أسلحة نووية، وربما عددها ليس قليلا، لكنها ليست ’موحدة’ وجاهزة لاستخدام فوري، وهكذا فإن تحويلهم إلى ’سلاح’ يتطلّب وقتا، أو عدة أيام، أسابيعَ أو شهورا، بحسب ما ترغب الحكومة".

وبحسبه، فإن "إسرائيل أيضا مصنَّفة أحيانا في الأكاديميا كـ’دولة عتبة’"، لأنها لم تستخدم السلاح النووي الذي بحوزتها. "و’دولة عتبة’ هي مجرد أداة دبلوماسية بأيدي القيادة السياسية للتعتيم على الوضع المعلَن، ومن أجل زيادة الليونة وحرية العمل السياسي". واعتبر أنه من الجائز أن تفضّل إيران التوقف في هذه المرحلة، وألا تجري تجربة نووية أو تعلن رسميا عن انضمامها إلى النادي النووي.

خطط عسكرية

ولفت باراك إلى وجود فجوة كبيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة في النظرة إلى النووي الإيراني. "ورغم أن الولايات المتحدة لا تريد رؤية إيران نووية، لكن هذه ليست مصلحتها الأهم، وقد توافق على إيران كـ’دولة عتبة’. وبالنسبة لنا هذا تحدٍّ قريب وأكثر تهديدا، خاصة في المدى البعيد. وعندما يقول الرئيس بايدن إنه ’إذا لم تنجح الدبلوماسية سنتوجه إلى أساليب أخرى’، فإنه لا يقول: ’سنمارس قوة عسكرية من أجل أن نحبِط لسنوات طويلة، البرنامج النووي الإيراني’".

باراك (أ.ب.)

وأضاف باراك: "أقول بكل مسؤولية: ليس واضحا أنه توجد لدى الولايات المتحدة اليوم خطة عمل عسكرية قادرة على إرجاء نضوج القدرة النووية الإيرانية لسنوات طويلة. وليس واضحا أيضا إذا كان لدى إسرائيل ’خطط دُرْج’ قابلة للتنفيذ، من أجل إرجاء القدرات النووية الإيرانية لسنوات معدودة". ووصف ذلك بأنه "فشل ذريع للثنائي ترامب- نتنياهو، فقد صعدا إلى مسار مواجهة مع خصم محنّك وفيما هما يلهوان بأوهام، (بدلا) من إعداد ’خطة ب’".

وأشار باراك إلى احتمال أن الولايات المتحدة تتخبط اليوم بشأن إشكالية "حيز الحصانة"، أي المرحلة التي فيها أوسع العمليات التي بالإمكان دراستها، لا يمكنها أن تحقّق التأجيل المطلوب. وبحسب باراك، فإنه من الناحية التقنية بإمكان إسرائيل أو الولايات المتحدة مهاجمة إيران، "لكن رد الفعل الإيرانيّ سيكون على ما يبدو بإزالة كافة الحواجز، والجري بكل قوة إلى قدرات نووية. وسيدّعون أن هجوما كهذا يُلزِمهم بحيازة سلاح نووي ’من الردع والدفاع عن النفس’".

وأضاف باراك أنه في حال مهاجمة أهداف إيرانية ليست نووية، "فسنواجه خطرا حقيقيا بتوسيع الصدام مع إيران والتدهور إلى مواجهة مع ’حزب الله’ أيضا. ويوجد لدى إسرائيل أكثر من سبب واحد لتفضيل إرجاء مواجهة كهذه، طالما كان ذلك تحت سيطرتنا".

واعتبر أنه لا ينبغي فقدان الأمل، بادعاء أن "إسرائيل كانت وستبقى في أي مستقبل منظور، القوة الأقوى في قُطْر 1500 كيلومتر حول القدس. وأقوياء أكثر من أي خصم أو تجمُّع دول مجاورة". ورأى أن الحلّ، يكمن في "الحفاظ على العلاقة الخاصة مع الإدارة الأميركية، والحزبين (الديمقراطيّ والجمهوريّ)، ويهود الولايات المتحدة، الذين يمدّون معا شبكة أمان في الأمم المتحدة، ومساعدات مالية لضمان التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، وسندا ثابتا أثناء الأزمات".

عزل، وعقوبات، وخيار عسكري

كتب يعالون أن باراك حلّل وضع البرنامج النووي الإيراني بشكل صحيح، لكنه اعترض على استنتاجاته. وأشار إلى أن "انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وبذلك خرقه، سمح للنظام الإيراني بالتحرر من قيود الاتفاق، وتسريع عملية تخصيب اليورانيوم وتجميع أكثر من 3000 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بمستويات مختلفة، 20% و60%، وبذلك الاقتراب إلى مسافة شهر من تجميع مواد مخصبة تسمح بصنع قنبلة (نووية)".

وأضاف يعالون أن "انسحاب الولايات فكّك مجموعة الدول (القوى الكبرى) الموقِّعة على الاتفاق والتحالف الذي نجحت إدارة أوباما بتشكيله من أجل الوصول إلى الاتفاق".

وعارض يعالون استناج باراك الذي يفيد بأن البرنامج النووي وصل إلى نقطة اللاعودة، "بصورة يُفهم منها أنه لم يعُد هناك ما يمكن فعله وينبغي الاستسلام لوجود إيران نووية". واعتبر أنه "لو تجاهل النظام الإيراني الضغوط التي مورست عليه حتى اليوم، لكان لدى إيران على الأرجح، قدرات نووية عسكرية، لكن هذا لم يحدث".

يعالون (أ.ب.)

وتابع يعالون: "من أجل الوصول إلى قدرة نووية عسكرية، يتعيّن على النظام اتخاذ قرار بصنع قنبلة. وقرر (الزعيم الإيراني الأعلى علي) خامنئي، مرّتين، إيقاف تقدُّم البرنامج: في العام 2003 جمّد البرنامج تحسّبا من أن تكون إيران الغاية الثالثة للهجمات الأميركية في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر؛ وفي العام 2012 واجه خامنئي معضلة ’القنبلة أو بقاء النظام’ نتيجة لضغوط سياسية واقتصادية وتهديد عسكري".

واعتبر أنه "لذلك، في الوضع الراهن ينبغي محاولة وضع نظام خامنئي مرة أخرى أمام معضلة ’القنبلة أو البقاء’". وبحسب يعالون فإن ذلك ممكن من خلال "التنسيق مع النظام الأميركي، مثلما تفعل الحكومة اليوم، وخلافا لحكومة نتنياهو. وينبغي التوقف خلال المحادثات مع الإدارة الأميركية عن التحدّث حول العودة إلى اتفاق قديم، وهذا خطأ، ولا علاقة له بالواقع، ويبدو أن الأميركيين أصبحوا يدركون ذلك".

وأضاف يعالون أنه "ينبغي إقناع الإدارة الأميركية بترميم التحالُف الذي حطّمه ترامب، وتركيزِ جهدٍ على بلورة سياسية تشمل ثلاثة عناصر: 1؛ عزل النظام الإيراني سياسيا؛ 2؛ عقوبات اقتصادية شديدة؛ 3؛ إعداد خيار عسكري موثوق".

وذكر يعالون أن "التداول السطحي بين هجوم عسكري والاستسلام لإيران نووية، خاطئ. ودولة إسرائيل لا يمكنها الموافقة على وجود إيران نووية، وكذلك الشرق الأوسط، وأوروبا وباقي العالم؛ لا يمكنهم الموافقة على ذلك من دون التنازل عن مصالحهم الأساسية. وللأسف إنّ إدارات وحكومات لأربع- خمس سنوات، تميل إلى إرجاء ’القرار’ إلى الإدارة القادمة، بدلا من مواجهة التحدي. وحكومة إسرائيل ملزَمة بإجراء هذا الحوار مع الإدارة الأميركية، وبأسرع وقت".

سياسة التعتيم النووي الإسرائيلية

من جانبه، تطرّق أولمرت في مقاله إلى سياسة التعتيم الإسرائيلية على ترسانتها النووية، طوال الستين سنة الماضية تقريبا، معتبرا أنها "سمحت بإنقاذ إسرائيل من رفضها التوقيع على معاهدة عدم انتشار السلاح النووي، من دون أن تكون في قلب نقاش وإدانة من جانب دول كثيرة في العالم، وليست جميعها عدوة لنا. وتركت علامةُ استفهامٍ، الشكَّ بأن شيئا ما أكثر تعقيدا، خطرا وتهديدا تتعمد إسرائيل طمسه".

وجاء مقال أولمرت ردا على مقال لرئيس تحرير "هآرتس"، ألوف بن، الخميس الماضي، الذي دعا إلى تقليص التعتيم النووي، بعد أن وصلت إيران إلى مكانة "دولة عتبة" نووية. وأشار أولمرت إلى أنه "ينبغي التوقف عن إيهام أنفسنا. فمن وجهة نظر إيران، وليست هي فقط، إسرائيل هي دولة عظمى نووية بحجم فرنسا وبريطانيا، وربما أكبر منهما أيضا. والنفي الإسرائيلي لا يؤثر على ’آيات الله’ في طهران. وهم مقتنعون أنّ بإمكان إسرائيل ممارسة قوة نووية بحجم يزعزع العالم كله، وأكثر بكثير من مناطق الشرق الأوسط".

أولمرت (أ.ب.)

واعتبر أن "أحد الأسباب الذي جعل إيران تمتنع عن الإعلان رسميا حول نيتها إنتاج قدرة نووية، هو حيز التعتيم نفسه، الذي حرصنا جدا على الحفاظ عليه طوال 60 عاما. وفي اليوم الذي تقلِّص فيه إسرائيل حيّز التعتيم، وهي بنفسها تعترف، أو تلمّح، أو تتراجع في هذا الأمر، في اليوم نفسه تماما، ستتمكن إيران، وفقا لوجهة نظرها وأسلوبها، من الإعلان صراحة وبشكل رسمي: إذا كان مسموحا لإسرائيل، فلماذا ممنوع علينا؟".

رغم ذلك، أضاف أولمرت أن "السؤال ليس ما هي قدرات إسرائيل الحقيقية. ولا نقاشا حول قدرات دولة إسرائيل التكنولوجية. ولا يوجد إنسان عاقل، ليس هنا ولا في أي مكان آخر، يدّعي أنه لو أرادت إسرائيل ذلك، فإنه ليس بمقدورها صنع قنبلة نووية. وموضوع النقاش هو إذا كانت إسرائيل قد حققت قدرتها، أو إذا كانت تتمسك بتصريحاتها أنها لن تكون الأولى التي ستقوم بذلك في الشرق الأوسط".

مفاعل ديمونا النووي (أرشيفية - أ.ف.ب.)

وقال أولمرت إنه "لا شكّ في أن مخططات إيران مقلقة جدا. وثمة خطر واقعي أن تتحول بعد وقت قصير إلى دولة عتبة نووية. ولا حاجة إلى إثارة رعب زائد أو هلع مبالغ فيه إزاء هذه الإمكانية، لكنها موجودة، حقيقية واحتمالاتها معقولة".

وأضاف: "ما زال علينا أن نعترف بأن تخصيب يورانيوم متسارع، لا يجعل إيران بالضرورة أن تكون دولة عتبة نووية. والأفضل تقليل مظاهر هلَع زائد. وفي أي وضع، وأي وقت، كانت إيران قادرة خلال أشهر معدودة على إنتاج يورانيوم بكميات تقربها من الكمية التي توصف بعتبة. ولذلك، فإن السؤال ليس ماذا يقرب إيران من العتبة. وكمية اليورانيوم المخصب مهمة عندما تكون هناك شروط أخرى، تنقص إيران اليوم. وستستغرق إيران وقتا ليس قصيرا، حتى تتمكن من تطوير قدرات في مجالات أخرى، وعندها فقط ستتحول إلى دولة ذات عتبة قدرة نووية".

وشدّد أولمرت على أنه يتفق مع باراك على أنه "لا يوجد لدى إسرائيل خيار عسكري تقليدي من أجل القضاء على كافة عناصر التهديد النووي الإيراني. واعتقدت ذلك قبل سنوات أيضا، عندما كان باراك عضوا في حكومة (نتنياهو) صدرت عنها أصوات مختلفة (تحدثت عن مهاجمة إيران). ووجهة نظر باراك هامة، لأنه لا شكّ في أنه يفهم ويعرف أيضا أمرا أو اثنين في هذا الموضوع".

وتساءل أولمرت حول "ما الذي بالإمكان فعله في الحيّز الذي (يقع) بين تصريحات مستفزة، التي لا تختبئ خلفها قدرة عسكرية حقيقية للقضاء على البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل؟ مثلما فعلنا في العراق وسورية، وبين محاولة الاستعداد لمواجهة عسكرية شاملة ليس معروفا كيف ستنتهي، ثمة مكان لمعركة معقدة ومتنوعة من العمليات التي بإمكانها تقويض الاستقرار الاقتصادي، والاجتماعي والسياسي الإيراني. ومعركة كهذه تستوجب تعاونا، وثقة وضبط نفس من جانب إسرائيل، ونمطَ عملٍ تنسيقيّ مع الولايات المتحدة أولا".

التعليقات