المحرك الأيديولوجي لجرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين: استشهاد المسن عمر أسعد نموذجا

شكلت جريمة التنكيل بالمسن الفلسطيني، عمر أسعد (80 عاما)، والتي أدت إلى استشهاده في بلدته جِلجْليا شمالي مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، نموذجا عن الجرائم الاحتلال التي ترتكب بدوافع انتقامية عنصرية مصدرها الخلفيات السياسية - الأيديولوجية للجنود.

المحرك الأيديولوجي لجرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين: استشهاد المسن عمر أسعد نموذجا

عائلة أسعد تودع شهيدها قبل تشييعه (أ ب)

شكلت جريمة التنكيل بالمسن الفلسطيني، عمر محمد عبد المجيد أسعد (80 عاما)، والتي أدت إلى استشهاده في بلدته جِلجْليا شمالي مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، نموذجا عن الجرائم المتكررة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، بدوافع انتقامية عنصرية مصدرها الخلفيات السياسية - الأيديولوجية للجنود.

ومن المقرر أن تُعرَض نتائج تحقيق القيادة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، على رئيس أركانه، أفيف كوخافي، يوم غد، الإثنين، فيما تتواصل تحقيقات الشرطة العسكرية في جيش الاحتلال في هذا الشأن، علما بأن وزارة الخارجية الأميركية، كانت قد دعت إسرائيل، إلى إجراء "تحقيق شامل" في استشهاد أسعد، الذي يحمل الجنسية الأميركية.

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "هآرتس" عن قيادات رفيعة المستوى في جيش الاحتلال، مطلعة على تفاصيل التحقيق، "صدمتها" من سلوك الضباط والجنود التابعين لكتيبة "هناحال هحردي" ("نيتساح يهودا") الذين اعتقلوا أسعد، بحسب ما أظهرها التحقيق والشهادات.

الشهيد عمر أسعد

وأضافت المصادر أن "الشبهات التي تحوم حول الضباط والجنود ‘مقلقة للغاية‘"، معتبرة أن الواقعة لا تعبر عن "جريمة قتل، لكنها حدث مروع"، مشددة على أن الضالعين في الجريمة "لم يكونوا جنودا عاديين فقط، إذ كان برفقة القوة قائد فصيل ومن فوقه قائد سرية".

وأفاد المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، الأحد، بإمكانية اتخاذ إجراءات قيادية ضد قادة الكتيبة؛ علما بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعمد إلى التستر على جرائم وانتهاكات عناصره المتكررة تجاه الفلسطينيين، ويستعين بالتحقيقات الداخلية تجنبا لتحقيقات دولية قد تدينهم بارتكاب جرائم حرب.

وفي هذه الأثناء، تتواصل تحقيقات الشرطة العسكرية في هذا الشأن، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت التحقيقات ستنتهي بتوصيات لتقديم لوائح اتهام ضد المتورطين في الجريمة التي أدت إلى استشهاد المسن أسعد، علما بأن تسريبات الشرطة العسكرية من خلال موقع "واينت" الإلكتروني، الأسبوع الماضي، تشير إلى أن الاحتلال لا يعتزم تقديم لائحة اتهام ضد جنوده، كما أنه لم يتم إبعاد الجنود عن وحدتهم.

كُبِّلت يدا الشهيد وكان مُلقى على الأرض

وأشار هرئيل إلى أن القيادات الرفيعة في جيش الاحتلال، امتنعت عن التطرق علنا لاستشهاد أسعد، معتبرا أنه "على الرغم من الشبهات حول الإخفاقات الجسيمة على صعيد القيم من جانب بعض الضباط والجنود، مما أدى إلى وفاة رجل مسن، لم يجد رئيس الأركان ولا ضباطه الكبار أنه من المناسب التطرق إلى هذه المسألة".

استشهاد أسعد؛ تسلسل زمنيّ:

  • 03:00 فجرًا: توقيف المسن الفلسطيني، عمر أسعد، من قبل الجنود إثر نصب حاجز طيار في جِلجْليا، خلال طريقه للعودة إلى منزله بعد زيارة لمنزل أصدقاء في البلدة.
  • 03:05: أسعد يعترض على اعتقاله ويرفض إجراءات الاحتلال.
  • 03:20: اقتياد أسعد إلى ساحة منزل قيد الإنشاء، فيما جرى تكبيله وتكميمه وتغطية عينيه بقطعة قماش.
  • 03:25: اقتياد معتقل آخر إلى مكان توقيف أسعد؛ أحد جنود الاحتلال يرصد الشهيد أسعد ملقى على بطنه دون حراك.
  • 03:45: اقتياد معقتلين إلى مكان توقيف (ساحة المنزل المهجور/ قيد الإنشاء)؛ فيما الشهيد أسعد على حالته الأولى.
  • 04:00: عناصر الاحتلال يطلقون سراح المعتقلين ويفكون القيد من يد أسعد، ويغادرون المكان وهو ملقى على الأرض دون حراك.
  • 04:09: أحد الموقوقين يستدعي طبيبا بعد فشله في التأكد من نبض قلب المسن الفلسطيني.
  • 04:10: وصول طبيب من عيادة قريبة، يجري عمليات إنعاش في محاولة لإنقاذ حياة الشهيد أسعد.
  • 04:20: نقل أسعد إلى عيادة محلية.
  • 04:40: إقرار وفاة أسعد.

وكانت المصادر الفلسطينية قد أكدت أن القوة الإسرائيلية التي اقتحمت القرية، احتجزت المسن عقب الاعتداء عليه بالضرب، وتقييد يديه وتكميم فمه وتغطية عينيه فجرا. وبينما كانت درجة الحرارة تكاد لا تتجاوز الصفر والأجواء شديدة البرودة، انسحبت قوات الاحتلال، وتركت المسن أسعد ملقى على الأرض داخل منزل قيد الإنشاء، حيث فارق الحياة.

كتيبة تتمرس الإجرام... والعنصرية

وأشار هرئيل إلى أن جريمة استشهاد أسعد ليست الأولى من نوعها التي ترتكبها كتيبة "نيتساح يهودا" التابعة لواء المشاة في جيش الاحتلال الإسرائيلي "كفير"؛ مشيرا إلى أن ذلك يعود إلى ارتباط عناصر الكتيبة بالمنظمات الاستيطانية والإرهاب اليهودي وعناصر "شبيبة التلال" الذين ينفذون جرائم بحق الفلسطينيين بدوافع عنصرية.

المكان الذي استشهد فيه أسعد

وقُدمت مرتين، في عامي 2019 و2021، لوائح اتهام ضد جنود وقادة من الكتيبة من قبل النيابة العسكرية للاحتلال، بتهمة التنكيل بمعتقلين فلسطينيين. وفي قضية أخرى، قبل حوالي ثلاث سنوات، حوكم جنود من الكتيبة، إثر اعتدائهم بالضرب على مواطن عربي بدوي في محطة وقود في النقب. هذا بالإضافة إلى تراكم الشكاوى لدى جيش الاحتلال، المقدمة على مر السنين، حول سلوك عناصر الكتيبة تجاه الفلسطينيين أثناء الأنشطة الميدانية لجيش الاحتلال في الضفة الغربية والأغوار.

واعترف ضباط كبار في جيش الاحتلال مطلعون على أنشطة الكتيبة، في محادثات مع "هآرتس"، بأن "الجيش يعاني من مشكلة مستمرة في الحفاظ على النظام والانضباط في الكتيبة، وأن عدد حوادث المعاملة العنيفة والعدائية تجاه الفلسطينيين تفوق نسبة (هذه الجرائم) في سائر الوحدات؛ حتى مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الكتيبة تتمركز معظم العام في الضفة وليس في قطاعات أخرى".

مستوطنون إرهابيون يلقون حجارة على بيوت الفلسطينيين في قرية برقة، قبل أسبوعين (أ.ب.)

وبحسب "هآرتس" فإن هذه المشكلة "مرتبطة جزئيًا أيضًا بطبيعة الجنود الذين يخدمون في الكتيبة وخلفيتهم السياسية - الأيديولوجية". وأوضحت الصحيفة أن "عددا كبيرا من عناصر الكتيبة هم حريديون تركوا المدارس الدينية، وتم تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي وفضلوا أن يلتحقوا بالوحدات القتالية، بالإضافة إلى عدد كبير من الشبان الذين يعيشون في البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. يرتبط البعض منهم بمنظمات ‘شبيبة التلال‘ واليمين المتطرف".

وبعد حوالي أسبوع من استشهاد المسن الفلسطيني، نُشرت مراسلات على موقع "ماكو" بين ضباط من القيادة الوسطى ووحدات أخرى في جيش الاحتلال، عبر مجموعات داخلية على "واتساب". ووصف أحد الضباط في المجموعة مقتل أسعد بأنه "جريمة قتل". ووصف ضابط آخر الكتيبة بأنها "إطار يجمع شبيبة التلال"، واقترح ضابط ثالث إخراج الكتيبة من الخدمة في الضفة الغربية لـ"تقليل عدد الحوادث الاستثنائية". فيما أعرب أحد الضباط، في المراسلات، عن قلقه من أن تؤدي التجاوزات التي تورطت فيها الكتيبة إلى "أعمال انتقامية من جانب الفلسطينيين".

ولفتت "هآرتس" إلى أن الجريمة التي أدت إلى استشهاد المسن الفلسطيني، أسعد، تأتي في ظل اعتداءات المستوطنين وناشطي اليمين المتطرف ومنظمات الإرهاب اليهودي في الضفة المحتلة، والتي تصاعدت في محيط البؤر الاستيطانية في شمال الضفة الغربية.

التعليقات