عقيدة الاحتلال بالكذب والتضليل: أحداث وحقائق عن محاولات إخفاء الجرائم

ارتكب الجيش الإسرائيلي آلاف الجرائم التي استشهد فيها مدنيون فلسطينيون، وحاول نفي مسؤوليته عنها من خلال استخدام وسائل الإعلام، الإسرائيلية والأجنبية، من أجل تبرير جرائم كهذه ونشر روايات كاذبة لها، لكن الحقائق ساطعة وتدينه

عقيدة الاحتلال بالكذب والتضليل: أحداث وحقائق عن محاولات إخفاء الجرائم

(Getty Images)

يلجأ جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى الكذب والتضليل في كل مرة يرتكب فيها جريمة بحق المدنيين الفلسطينيين. ويستغل جيش الاحتلال وسائل الإعلام، الإسرائيلية والدولية، من أجل تبرير جرائم كهذه ونشر روايات كاذبة لها، ثم يتراجع عنها تدريجيا وجزئيا في أعقاب انتقادات دولية، لكنه يسعى بشكل دائم، في مئات وآلاف الجرائم من هذا القبيل، إلى إخفاء الحقائق.

وبرز أحد الأمثلة على نهج جيش الاحتلال إثر اغتيال مراسلة قناة الجزيرة، الشهيدة شيرين أبو عاقلة، في مخيم جنين، في 11 أيار/مايو الماضي. في البداية، زعم الجيش أنها قُتلت بنيران مسلحين فلسطينيين، وبعد الضجة الدولية ومطالبة الولايات المتحدة بإيضاحات، ادعى الاحتلال أنه لا يستبعد أن رصاصة أطلقها أحد جنوده تسببت باستشهادها.

بعد ذلك، استمر جيش الاحتلال بالترويج لرواية كاذبة ومضللة، قبيل نشر تحقيقه الذي قال إن أبو عاقلة استشهدت على الأرجح برصاصة أطلقها جندي. فقد دعا قائد المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي، يهودا فوكس، مراسلين أجانب إلى محادثة عبر تطبيق "وزم"، من أجل إجراء تغطية إعلامية دولية لنتائج التحقيق. وزعم فوكس أن ثمة احتمالا كبير أن جنديا إسرائيليا أطلق النار على أبو عاقلة، "بعدما رصدها خطأ بأنها مسلح فلسطيني"، وأنه كان هناك إطلاق نار كثيف. لكن مراسل BBC قاطع أقوال فوكس وقال إنها ليست صحيحة وأنه لم يكن هناك إطلاق نار كثيف، وفق ما ذكر تقرير في صحيفة "هآرتس" اليوم، الإثنين.

وكان الناطق باسم جيش الاحتلال، ران كوخاف، قد زعم حول اغتيال أبو عاقلة، خلال مقابلة أجرتها معه الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان"، أنه "اقترحنا على الفلسطينيين إجراء تحقيق مشترك، وإذا كنا نحن الذين قتلناها فسنتحمل المسؤولية. وادعى أيضا أن الفلسطينيين رفضوا هذا الاقتراح، وأنه "لدى الفلسطينيين سبب وجيه لإخفاء الحقيقة".

الشهيد عمر أسعد

إلا أن إسرائيل لم تنقل اقتراحا كهذا إلى السلطة الفلسطينية. كما أن القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل فوجئت من أقوال الناطق العسكري، لأنها لم يكن لديها علم باقتراح كهذا، وفقا للصحيفة، التي أشارت إلى أن جيش الاحتلال استمر في إرسال ضباط في الاحتياط إلى استديوهات القنوات والإذاعات الإسرائيلية من أجل مواصلة الترويج للرواية الكاذبة والادعاء انه ليس مستبعدا أن أبو عاقلة قُتلت بنيران فلسطينية.

وفي أعقاب تحقيق شبكة CNN، الذي أكد أن أبو عاقة استشهدت بإطلاق جندي النار عليها متعمدا، ادعى أفراد وحدة الناطق العسكري الإسرائيلي في مداولات داخلية أن الشبكة الأميركية استبعدتهم عن تحقيقها. لكن تبين أن الشبكة أجرت اتصالا وتحدثت مع ضابط إسرائيلي حول تحقيقها وأن الاحتلال نقل إليها نتائج أولية من تحقيقه. وأفادت الصحيفة بأنه بعد أن تبين للجيش الإسرائيلي حجم إخفاقاته، بدأ ضباط كبار يهاجمون تحقيق CNN.

ومثال آخر على كذب وتضليل جيش الاحتلال، هو ادعاء الناطق العسكري في أعقاب استشهاد المسن الفلسطيني عمر أسعد (80 عاما)، مطلع العام الحالي، بأنه "تم الإفراج عن المعتقل لاحقا في الليل". لكن الحقيقة، التي ظهرت بعدما اضطر الجيش لإجراء تحقيق، هي أن الشهيد أسعد أوقفه جنود من كتيبة "هناحال هحريدي"، في ساعة متأخرة من الليل، ونقله من سيارته إلى بيت مهجور، حيث جرى التنكيل به دون أي سبب، وتكميم فمه وتكبيل يديه، ثم تركه بهذا الشكل وحيدا في البرد القارص، إلى أن عثر عليه فلسطينيون وقد فارق الحياة. واضطر الاحتلال إلى إجراء تحقيق بعد مطالبة الولايات المتحدة بتوضيحات، إذ ان الشهيد كان مواطنا أميركيا أيضا.


زملاء الأطفال يجلسون قرب قبور الشهداء الخمسة قرب جباليا، 11 آب/أغسطس الماضي (Getty Images)

وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2019، أثناء عدوان على غزة، شن الطيران الإسرائيلي غارة في منطقة دير البلح، واستهدف ما وصفها الاحتلال بأنها "منشأة تدريب" تابعة لحركة الجهاد الإسلامي. حينها، سارع الناطق باس الاحتلال باللغة العربية، أفيحاي أدرعي، إلى الادعاء أنه "قُتل رسمي أبو ملحوس، قائد وحدة القذائف الصاروخية بالجهاد الإسلامي في وسط قطاع غزة، سوية مع خمسة من أفراد عائلته".

وكانت هذه رواية كاذبة. فقد اتضح سريعا أن الموقع المستهدف بهذه الغارة هو كوخ من الصفيح تسكنه عائلة السواركة، واستشهد من جرائها ثمانية أشخاص، بينهم خمسة أطفال. وقال ضابط إسرائيلي كبير للصحيفة إنه لا يعرف أحدا باسم أبو ملحوس، وأنه ليس قياديا على الأقل، وأنه ليس معروفا له أن شخصا بهذا الاسم قد قُتل. وبعد ذلك، اعترف الناطق باسم جيش الاحتلال حينها، هيداي زيلبرمان، بأن تصريحات الجيش الأولية كانت خاطئة. كذلك تبين أن الاحتلال قصف خلال هذا العدوان أهدافا بشكل عشوائي، ولم يتحقق من وجود مدنيين فيها.

وفي حالة أخرى، نفى جيش الاحتلال إطلاق جنوده قنابل غاز باتجاه مدرسة ابتدائية أثناء الدوام الدراسي، في نهاية العام 2018. وادعى أن "الرياح على ما يبدو تسببت بوصول دخان القنابل إلى المدرسة". لكن بعد أسبوع، وصل مقطع فيديو إلى منظمة "كسر الصمت" ويوثق إطلاق جندي قنبلة غاز باتجاه المدرسة نفسها. كذلك استعرضت المدرسة صندوقا مليئا بقنابل الغاز التي أطلقها الاحتلال على المدرسة. وبعد ذلك ادعى الجيش أنه سيحقق في الأمر.

وخلال العدوان على غزة في العام الماضي، حاول جيش الاحتلال تنفيذ عملية تضليل مستغلا المراسلين الأجانب في تنفيذها. فقد أبلغ المراسلين أنه بصدد شن اجتياح بري في القطاع. وتبين لاحقا أن الهدف من التضليل هو دفع مقاتلي حماس إلى دخول الأنفاق ومن ثم يقصفها الطيران الإسرائيلي. وأعلن الاحتلال أنه قُتل في هذه العملية عدد كبير من مقاتلي حماس، وأنه لم يتم تنفيذ اجتياح. وتبين لاحقا أن عدد شهداء حماس في هذا القصف كان قليلا. وفي اليوم التالي عبّر المراسلون الأجانب عن غضبهم من استغلال الاحتلال لهم بهذا الشكل.

وخلال العدوان على غزة، في أيار/مايو الماضي، زعم جيش الاحتلال أن إطلاقا فاشلا لقذيفة صاروخية تسبب بسقوطها داخل القطاع وباستشهاد ثمانية مواطنين فلسطينيين بينهم أطفال في مخيم جباليا. وكرر ذلك خلال العدوان على غزة، في آب/أغسطس الماضي، وادعى أن إطلاق فاشل لقذيفة سقط قرب مخيم جباليا وتسبب باستشهاد خمسة أطفال. وتبين في كلتا الحالتين أن جيش الاحتلال هو الذي نفذ القصف، وأن الغارات نُفذت رغم أنه لم يتم إطلاق قذائف صاروخية من تلك المنطقتين.

التعليقات