"الفلسطينيون ما زالوا هنا وسينهضون في اليوم التالي"

"الأخبار السيئة هي أن الفلسطينيين ما زالوا هنا، لن يذهبوا إلى أي مكان آخر. سينهضون في صباح اليوم التالي، كما يقول، حتى لو كانوا أكثر يأسا بقليل من اليوم الذي سبقه"..

(أ ب)

مرة أخرى يصطف المجتمع الإسرائيلي على اختلاف تلاوينه السياسية من خلف قناصته البارعين في اصطياد المتظاهرين العزل على حدود قطاع غزة المحاصر، ومن وراء ساسته الأكثر عدوانية في انتهاك القرارات والمواثيق الدولية والإجماع العالمي المتعلق بمدينة القدس.

لا غرابة أن يعلو صوت التصفيق لـ"خطاب النصر" الذي ألقاه نتنياهو، في احتفال نقل السفارة الأميركية إلى القدس على بعض الأصوات الخجولة المتحفظة على تلك الخطوة، وأن يبتلع صوت الرصاص الذي كان يحصد أرواح المتظاهرين، على السياج الحدودي مع غزة الأصوات القليلة الرافضة لقتل المدنيين.

وقد عبرت صورة زعماء حزب "العمل" و"المعسكر الصهيوني"، يتسحاك هرتسوغ وآفي غباي وتسيبي لفني وهم يصفقون لنتنياهو في احتفال نقل السفارة الأميركية إلى القدس، عبرت الإجماع الصهيوني في القضايا الأساسية، وعلى رأسها القدس واللاجئين والدولة ذات السيادة، كما أعادت ترسيخ صورة رابين كقائد أركان حرب الـ 67 التي جرى خلالها احتلال القدس، وليس الحائز على جائزة نوبل لأنه وقع اتفاقية سلام مع الفلسطينيين.

وما كان لزعماء حزب العمل والمعسكر الصهيوني أن يفوتوا لحظات "الانتصار" بنقل سفارة الدولة الأعظم في العالم إلى القدس، وأن ينتشوا أسوة بالآخرين بالإنجازات والنقاط التي تحققها إسرائيل على أعدائها في الذكرى السبعين لقيامها، حتى لو كان ذلك يصب في صندوق نتنياهو الانتخابي.

الإعلام الإسرائيلي تجند هو الآخر، بحيث بات التفتيش عن نقاط الضوء داخل ثنايا وصفحات صحفه ومواقعه الإلكترونية حتى في صحيفة "هآرتس" يحتاج إلى جهد خاص، وبدا مقال الكاتب ب. ميخائيل تحت عنوان "مجزرة ترامب" بمثابة تغريد خارج السرب.

ميخائيل الذي وصف ما يقوم به الجيش الإسرائيلي على حدود غزة بـ"المجزرة" كتب تحت هذا العنوان يقول: "يجب أن يخجل الذين لا يخجلون من إطلاق النار المنفلت على مدنيين غير مسلحين على حدود غزة، يجب أن يخجلوا من غرابة المشهد الشيطاني الفاسد الذي يحتل فيه مئات المحتفلين المتنافخين الفضاء بكلاشيهات مزيفة، في وقت يقتل فيه آلاف المتظاهرين غير المسلحين المحبوسين في غيتو غزة، أو يصابون بالجراح بأيدي قناصين "شجعان" يهتف بعضهم طربا لدى سقوط أي ضحية".

ودعا الكاتب إلى الخجل مما وصفها باللامبالاة المتثائبة والباردة والشريرة التي يستقبل بها مواطنو إسرائيل مجزرة ترامب، ومن الصداقة المشينة، البائسة والساقطة بين نتنياهو وترامب، واصفا إياهما بـ نرجسيين غير منضبطين، الأول زان، عنصري، ديماغوغ، قاسي الطباع وكاذب لا يعرف حدودا؛ والثاني متعصب، متملق، محرض، ديماغوغ وكاذب لايقل قدرة عن نظيره من خلف البحر.

على الجمهور الإسرائيلي أن يخجل من مواصلة ابتلاع الروايات الرسمية، وكأن جياع غزة يشكلون خطرا يذكرعلى إسرائيل، أو على الشعب اليهودي بمجمله، وعلى الجيوش التي تحيط بسجنه وتصطادهم نيران بنادقها مثل اصطياد السمك في حوض ماء.

ميخائيل يدعو إلى الخجل من منظر سلاح الجو وهو يقصف سجنا يضم مليوني شخص، ومن مشهد تحول غيه جدار بائس فجأة إلى طور سيناء المقدس، وأصبح مصير كل من يمسه الموت، أو معبد من أسلاك حديدية يحيطه حزام موت أسوأ من حزام الموت الذي كان يلتف حول جدار برلين، كما يقول.

بالمقابل يرى الصحفي بن كسبيت من "معاريف" الذي لا يجد طريقة أخرى لوقف زحف الفلسطينيين، أنه بالرغم من الإنجازات ومن نجاح الجيش الإسرائيلي بمنع الفلسطينيين من عبور السياج الحدودي مع غزة، فإن الأخبار السيئة هي أن الفلسطينيين ما زالوا هنا، لن يذهبوا إلى أي مكان آخر. سينهضون في صباح اليوم التالي، كما يقول، حتى لو كانوا أكثر يأسا بقليل من اليوم الذي سبقه.

ويخلص بن كسبيت إلى القول إن طنجرة الضغط ما زالت على النار، وهي تتحول إلى مرجل كبير سينفجر في وقت ما، عندها سيكون الوضع في غزة مخيفا ورهيبا، ولكن في إسرائيل سيخرج عدد غير قليل من الجنازات أيضا.

التعليقات